هي التي أشهرت عشقها، وأعلنت على انتمائها بفخر واعتزاز، بعد أن اختارت علامتها الخاصة والمميزة، الموسومة بـ AITA MON AMOUR ـ " حيث التحقت الفانة المبدعة وِدَادْ مْجَمَّعْ بركب عشاق فن العطية المغربية، ونهلت من ينبوعها بحاضرة المحيط مدينة أسفي. واقتحمت دون تردّد، مجالا فنيا كان في البداية حكرا على فئة معينة من الروّاد والرّائدات من شيخات وشيوخ الموسيقى والغناء التقليدي، الذين تربوا بين أحضان البادية وأنتجوا غناء رعويا من الطّراز الرفيع.
في هذا الحوار مع جريدة "أنفاس بريس" تكشف الفنانة وِدَادْ مْجَمَّعْ عن أصولها ومسارها الفني وآفاقها ومشاريعها الفنية المستقبلية.
نوستالجيا النشأة وبدايات الولع
ازدادت وترعرعت بمدينة الدار البيضاء، في كنف والدها المنحدر من مدينة بوزنيقة، ووالدتها الوافدة من أصول إقليم الخميسات، حيث جمعت وِدَادْ مْجَمَّعْ بين ثقافتين شعبيتين، هما الأمازيغية والبدوية المغربية الأصيلة، كما وصفتها بـ "الْعْرُوبِيَّةْ" القحّة.
تحكي قائلة: "كنت دائما قريبة من منبع الأغاني الشعبية، والموسيقى التقليدية سواء من ناحية انتماء الأم مجاليا، حيث اعتدت على سماع أشرطة وفيديوهات الفنان محمد رويشة، وأشرطة الرائعة الفنانة حدو أعكي والشيخ خويا بناصر، ثم الفنان الشعبي أَحُزَارْ... أو من جهة الأب حيث الإنتشاء بالهيت الغرباوي وعبيدات الرمى، فضلا عن فن العيطة التي كان ومازال كل أفراد عائلتي مغرمين بها وبكل تفاصيل ثقافتنا التراثية الشعبية البدوية".
فسحة السيارة وسهرة الأسبوع بالتلفزة المغربية
وأضافت موضحة "كنت أشعر بأن هناك شيئا ما يستقطبني اتجاه فن العيطة بالفطرة، وأحس بأن سماع غناء العيطة يريحني ويجدبني كثيرا، بل كنت أتوغّل في صورها وأشعارها وكلماتها، خصوصا لما كنت أسافر رفقة أسرتي على متن سيارتنا ويطلق والدي العنان لأشرطته الغنائية المحببة. نعم، كنت حينئذ أفرح وأسعد كثيرا أثناء هذه الفسحة الغنائية".
عن سؤال للجريدة قالت وِدَادْ "في الحقيقة لم تكن تراودني فكرة ممارسة الغناء الشعبي، والدخول في هذه التجربة الفنية، وإنما كنت أعشق سماع العيطة، لأنني كنت أقدر واحترم الشيخات بشكل لا يتصور، على اعتبار أن الشيخة ظلت حاملة لمشعل فن العيطة منذ قرون وقرون، رغم ما تعرضت له من تبخيس ونظرة دونية من المجتمع المغربي".
لقد بدأ ولعها بفن العيطة والشيخات، منذ الطفولة، وتذكر في هذا السياق بأن فرصة بث السهرة الأسبوعية من كل ليلة السبت على شاشة التلفزة المغربية، كانت بالنسبة لها مناسبة جميلة للتملي بطلعة وبهاء، ووقفة الشيخة الطباعة فوق خشبة الغناء، بلباسها وزيها الأنيق والأصيل، وحركاتها المرافقة للأداء، كانت تلك اللحظات ساحرة ومغرية في آن واحد.
من الموسيقى الشبابية إلى الموسيقى التقليدية
عن مسارها الفني أكدت الفنانة وِدَادْ مْجَمَّعْ، أنه "رغم أن فن العيطة كان هاجسها الأول وحاضرة في البال، إلا أن مسارها الفني بدأته بممارسة أنماط شبابية أخرى" مثل موسيقى وأغاني الرَّابْ، فضلا عن عملها مع فرقة موسيقية سابقا، عملت على مزج الشعر الجاهلي/ والمخضرم مع الموسيقى الإليكترونية، وإدخال بعض الآلات الموسيقية العصرية، من أجل إعطاء فرصة للجيل الحالي من الشباب أن يكتشف كيف يمكن أن نرتقي بكل ما هو قديم ونحتفي به بهذه الطريقة لمواكبة العصر الحالي ومتغيراته. ـ حسب قولها ـ
تستطرد الفنانة وداد حديثها قائلة: "قبل جائحة كوفيد كان مشروع الإشتغال على نصوص فن العيطة جاهزا رفقة الموسيقي التونسي خليل هنتاتي المولع بالموسيقى التقليدية التونسية وتراث وطنه، إلا أن "كورونا" حالة دون ذلك". لم تدم إلا فترة وجيزة حتى وجدت وداد نفسها في بلدها المغرب لمباشرة البحث والعمل ولقاء رواد فن العيطة، رفقة زملائها.
باب أنطولوجيا العيطة يؤدي إلى مدخل باب حاضرة المحيط بأسفي
من بين الأعمال التوثيقية بالصورة والصوت التي اطلعت عليها الفنانة وداد، كان عمل "أنطولوجيا فن العيطة"، حيث تعرفت في هذا الصدد، على الشاب عثمان نجم الدين الذي اشتغل بدوره على هذه الأنطولوجيا الفنية، وهو الذي عرفها على الفنان الشيخ لميح رشيد الملقب بـ "عابدين رشيد"، والفنان الشيخ أمين الورديني، والشيخ حسن السرغيني الملقب بـ "مُولْ الْعَوْدْ" وأسماء أخرى أوصاها بضرورة التواصل معها ومجالستها للنهل من ينابيع العيطة الحصباوية بأسفي.
تحكي عن أول لقاء لها مع هؤلاء الشباب من شيوخ مدينة أسفي "بعد أن تقاسمنا الملح والطعام، أحسست أنني أعرفهم مسبقا، وبأنهم قريبين مني ومن زملائي، ويربطني بهم رابط الإنتماء لهذه الأرض الطيبة، حيث توكلنا على الله، ومرّ كل شيء بسلاسة وعشق جنوني، بعد أن قمنا بتسجيل مجموعة من أغاني العيطة الحصباوية بأحد الاستوديوهات، واستمعنا واستمتعنا بأدائهم الجيد والرائع سواء على مستوى العزف أو الإيقاع وكذلك الأصوات".
خلاف بداياتها مع الإستماع للأشرطة والفيديوهات لتطفئ ظمأ تعطشها لفن العطية، كانت هذه هي المرة الأولى التي تجالس فيها مباشرة الفنانة "وِدَادْ مْجَمَّعْ" شيوخ العيطة من شباب أسفي، وتستمع لكلامهم، وتفسيرهم وشرحهم للأغاني ونصوصها الخالدة، وتتابع كيف يُضْبَطُ الإيقاع والعزف والأداء، وتلتقط مفردات خاصة بحقول أنماط فن العيطة، والحكي عن روادها ورائداتها وإبداعاتهم الفنية.
وداد فنانة تمتاز بالحفظ السريع لمتون العطية
وحسب أصدقائها من شيوخ العيطة بأسفي وخصوصا الشيخ رشيد لميح، فإن الفنانة وِدَادْ مْجَمَّعْ تمتاز بالحفظ السريع لنصوص العيطة، وتتمتع بأذن موسيقية باذخة، وخير دليل أنها أدت عطية "الرَّاضُونِي" وعتبة الْحَمْدُوشِي بشكل رائع، رغم أنها أكدت للجريدة بقولها: "بعد حفظي لبعض المقاطع من نصوص العيطة الحصباوية، وجدت صعوبة في تكييف صوتي مع مقامات الغناء، والإنتقالات الصّعبة، ولم يكن صوتي في المستوى المطلوب، لكنني اشتغلت بإصرار على تدليل ذلك فيما بعد، وساعدني صدق عشقي وتقديسي للتراث المغربي وخصوصا على مستوى تقدير واحترام شيخات وشيوخ فن العيطة".
شهادة حق في شباب شيوخ العطية بأسفي
في سياق متصل قدمت الفنانة وِدَادْ مْجَمَّعْ شهادة في حق شيوخ العيطة بأسفي خصوصا في البدايات التي كانت صعبة، حيث تعترف بالقيمة المضافة التي قدمها لها كل من الفنين رشيد عابدين وأمين الورديني وحسن مُولْ الْعَوْدْ في هذا المجال، سواء على مستوى المعلومة الفنية، أو النصوص وكلمات الأغاني، واعتبرت أنه "ليس من السهل أن تجد من يعطيك الوقت الكافي، ويقدم لك المعلومة، ويرافقك في هذا المشوار، دون أن يبخل عنك بما اغترف من معارف موسيقية وفنية".
من جهة أخرى أوضحت ضيفة الجريدة بأنها تعلم جيدا أن "كل من يحاول أن يتعامل مع التراث، تقف أمامه العديد من التحديات والاكراهات الذاتية والموضوعية، على اعتبار أن الأذواق تختلف، والتعاطي مع فن العيطة يجب أن يحترم عدة شروط، خصوصا على مستوى الكلمات، وشخصيا أعتبر العيطة تراثا للمغاربة أجمعين، ولست متطاولة على هذا الفن الرعوي، لأنني أحاول جاهدة أن أحافظ على بنائها وأصولها دون المسّ بعمقها، ولهذا السبب التجأت لأهل الاختصاص بحاضرة المحيط لأتعلم منهم فن العيطة، طبعا هذا مع ضرورة إضافة بعض التجديد على مستوى الآلات الموسيقية التي يعشقها شباب هذا الجيل".
العيطة مفخرة تراثنا المغربي
طريقة الفنانة وِدَادْ مْجَمَّعْ في تقديم غناء فن العيطة خارج الوطن خلال المهرجانات التي تشارك فيها، من حيث توظيف الموسيقى الإلكترونية وآلات موسيقية وإيقاعية أخرى ـ بما فيها آلة لوتار المغربي ـ تروم من خلالها "أن تنبّه الشباب المغربي إلى موروثهم التراثي والغنائي الشعبي الرائع، وتحبّبه للمتلقي، وتساعده على أن يكون سميعا بأذن موسيقية متعودة على التقاط كل ما هو جميل فنيا"، لأن هذا الجيل ـ حسبها ـ لم يألف ويعتاد على سماع فن العيطة بالطريقة التقليدية المعروفة، والمنفذ الوحيد لقلبه، هو هذه الطريقة التي تمزج بين الأصيل/ القديم، والجديد/ العصري".
في حضرة الشيخ جمال الزرهوني
وتتطلع الفنانة وداد، إلى أن تحضر لمهرجان العيطة بأسفي، لتكتشف أسرار فن العيطة بالقرب من رائداتها وروادها، الذين أحبتهم بتقدير واحترام كبيرين، خصوصا وأنها تلقت في الصيف الفارط بشرف عظيم، الدعوة الكريمة من الشيخ جمال الزرهوني وزارته في بيته واطلعت على جزء يسير من أعماله الفنية، رفقة طاقمها الفني والتقني، وأكدت بأنه "لم يبخل علينا بالمعلومات والنصائح، وشاركناه مقطوعات غنائية حيث شعرت شخصيا بالألق وأنا في حضرة شيخ متمكن وفنان كبير".
مشاريع فنية آنية ومستقبلية وأحلام الفنانة وِدَادْ مْجَمَّعْ
ومن بين مشاريعها الاجتماعية والفنية المستقبلية أن تخصص الفنانة وداد، لقاءات خاصة مع الرائدات من شيخات فن العيطة المغربية، لتتعلم منهم أصول أبجديات الغناء، وأن تشاركهم أحاديثهم وأحاسيسهم عن الزمن الجميل.
وفي سياق مشروعها الفني، وعدت الفنانة وداد، الجمهور في المغرب وخارجه بأنها ستظل "وفية لكل من لقنها وعلمها أصول فن العيطة"، وبأنها ستشتغل بـ "عشق على كل توجيهات الشيخات والشيوخ، حتى تتمكن من الصنعة الغنائية لفن العيطة المغربية، ولم لا أن تؤديها بالطريقة التقليدية المعروفة وهذا هو التحدي الذي يراودني".
لقد شاركت الفنانة وِدَادْ مْجَمَّعْ في مهرجانات كبرى مثل مهرجان موسيقى العالم، وأتحفت الجالية المغربية بمقاطعها الغنائية رفقة مجموعتها الفنية، سواء بالديار الفرنسية أو الإسبانية، علاوة على مشاركتها في تونس التي بدأ جمهورها يكتشف معنى فن العيطة المغربية ويتفاعل معها. إلى جانب أنها شاركت مرة وحيدة في مهرجان خاص في المغرب. وأعلنت على أنها تستعد للقيام بجولة أوروبية خلال سنة 2024 بألمانيا وهولندا والنمسا، والبرتغال وإسبانيا وكذلك في المغرب.
عن سؤال للجريدة أوضحت الفنانة وداد بأن حلمها وطموحها كبير جدا على مستوى خلق مزيج بين شيوخ العطية من مدينة أسفي ومجموعتها الفنية بفرنسا، ودمجهم في مجموعة واحدة، لإعطاء لمسة فنية فوق خشبة العرض، تحافظ على طابع الأصالة والتجديد دون المس بالجوهر. وتقول في هذا السياق: "العيطة قادرة على أن تندمج مع أي لون عصري، أو أي رِيتَمْ موسيقي إليكتروني، وقد قمت بهذه التجربة مع شباب العيطة بأسفي بسهولة لأن العطية قادرة على تجديد نفسها بفطاحلتها الموسيقيين والفنين".