أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مؤخرا، قرارا قضى بإدانة مغتصب فتاة، ومعاقبته بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات، وتكمن أهمية هذا الحكم الذي تنشره "المفكرة القانونية" في أنه يعيد الى الواجهة إشكالية محاولة تزويج المغتصبات بالمغتصبين، تحت مبرر الحفاظ على شرف الأسرة، وهو غالبا ما يؤدّي إلى الإفلات من العقاب.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى شكاية تقدّمت بها أمّ إلى النيابة العامة في الدار البيضاء، تعرض فيها بأنّ المشتكى به تعرّف على ابنتها القاصر مند مدّة حيث أصبح يقوم باستدراجها للخروج معه من دون علم أسرتها. كما أنه غرر بها، واعتدى عليها جنسيا مما أسفر عن افتضاض بكارتها، حسب الشهادة الطبية المرفقة بالشكاية.
عند فتح بحث في وقائع القضية، تمّ استقبال الطفلة في خلية العنف والاستماع إليها في محضر قانوني، وأفادت بأنها تعرّفت على المشتكى به، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت تتواصل معه، بشكل يومي، قبل أن تتوطد العلاقة بينهما. وفي إحدى المرّات، استغلّ المتّهم فرصة تواجدها في مدينة الجديدة لزيارة أقاربها، والتقى بها، حيث عرض عليها مرافقته لمنزل الأسرة، للقاء والدته.
وبعد الإلحاح عليها، استجابت إلى طلبه، حيث دخلت معه المنزل، وأغلق عليها الباب، ومارس عليها الجنس بقوة، وافتضّ بكارتها من دون أن يلتفت إلى توسلاتها إليه بأن يتركها بكرا.
بعد التوصل الى هوية المتهم وتوقيفه، تمّ الاستماع إليه في محضر قانوني، وأفاد بأنه تعرّف على المشتكية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يكن يعلم بأنها قاصر، وأصبح يتواصل معها بين الفينة والأخرى، قبل أن يعلم منها أنها تتواجد في المدينة التي يقيم بها، في زيارة خاطفة لأقاربها، وأضاف أن المشتكية التقته بمدينة الجديدة، ووافقت على زيارته الى منزل العائلة، حيث تبادل معها القبل، قبل أن يمارس معها الجنس بشكل سطحي، وتكررت الزيارات المتبادلة بينهما، والتي كانا يمارسان الجنس فيها بشكل سطحي قبل أن تتحول الممارسة إلى شكل كامل بعدما أخبرها بأنه وقع في غرامها وينوي الزواج منها، لتصبح شريكة حياته في المستقبل.
إجراءات التحقيق والمحاكمة
قررت النيابة العامة إحالة المتهم على قاضي التحقيق، حيث تمّ استنطاقه ابتدائيا وتفصيليا، وأبدى رغبته في الزواج من الضحية، لكونه عازما على تأسيس أسرة معها، فقرر قاضي التحقيق إحالته على غرفة الجنايات للمحاكمة في حالة اعتقال من أجل جناية هتك عرض قاصر مع استعمال العنف الناتج عنه افتضاض، والتغرير بقاصر طبقا للفصول 471 و485/2 و 488 من القانون الجنائي.
أثناء المحاكمة، مثل المتهم أمام غرفة الجنايات عن بعد، وبعد إبدائه تنازله عن المحاكمة الحضورية، وأفاد أثناء استجوابه أن المشتكية خطيبته، وأن العلاقة الجنسية التي تمت بينهما، تمت خلال فترة الخطوبة، وأنهما مارسا الجنس معا دون أي إكراه، لكونهما خطيبين، كما نفى افتضاض بكارتها، مجدّدا رغبته في الزواج من المشتكية.
فقررت المحكمة اعتبار القضية جاهزة، وقضت بإدانة المتهم من أجل المنسوب اليه، ومعاقبته بالسجن النافذ لمدة 5 سنوات، مع تحميله الصائر، معتمدة على العلل التالية:
• تصريحات الضحية خلال البحث التمهيدي وخلال مرحلة التحقيق جاءت منسجمة مع وقائع الملف؛
• تراجع المتهم عن تصريحاته وتناقض هذه التصريحات بين المرحلة التمهيدية ومرحلة التحقيق، وكذا خلال إجراءات المحاكمة، يؤكد أن الهدف منها هو التملص من المسؤولية الجنائية؛
• زواج الضحية بالمتهم لا يمكن أن يبرّر الاعتداء الجنسي الذي تعرّضت له، أو أن يصبح وسيلة لاستفادته من العذر المخفف من العقاب، لأن الهدف من ذلك هو الإفلات من العقاب.
تعليق على قرار غرفة الجنايات
يعيد قرار غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء إلى الواجهة من جديد إشكالية زواج المغتصب بالضحية، والذي يؤدّي في عدد من بلدان المنطقة إلى إفلاته من العقاب.
فرغم أن المشرع المغربي سبق وأن عدل مقتضيات القانون الجنائي بحذف الفقرة الثانية من الفصل 475 والتي كانت تنص على استفادة الشخص الذي يغرر بفتاة قاصر أو يختطفها من العذر المخفف من العقاب في حالة زواجه بالضحية، إلا أن الواقع العملي يكشف عن استمرار بعض المحاكم المغربية في تمتيع المغتصب بظروف التخفيف في حالة الزواج، وذلك في إطار القواعد العامة التي تسمح للمحكمة بتمتيع أي متهم بظروف التخفيف.
كان لافتا في إجراءات المحاكمة، أن المحكمة اعتمدت على تصريحات الضحية، خلال مرحلة البحث والتحقيق الإعدادي، كما أنها لم تقم بإجراء مواجهة بينها وبين المتهم، وذلك في إطار تخفيف أعباء المحاكمة عليها، ولتجنّب تعريضها لأضرار هذه المواجهة..
يلاحظ أن قاضي التحقيق لم يلتفت لما صرح به المتهم من عزم على الزواج بالضحية، واحتفظ بنفس الأفعال موضوع طلب اجراء تحقيق من دون أن يلجأ إلى إعادة تكييفها من هتك عرض قاصر مع استعمال عنف، إلى هتك عرض من دون استعمال العنف، وهو نفس الموقف الذي تبنته المحكمة.
يلاحظ أن المحكمة لم تعمد إلى تطبيق أي تدبير من تدابير الحماية المنصوص عليها في قانون محاربة العنف ضد النساء لفائدة الطفلة، كالمنع من الاقتراب أو المنع من الاتصال، وهو ما قد يعرضها لإغراءات أو حتى تهديدات للتراجع عن تصريحاتها.
وتجدر الإشارة الى أن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب سبق أن أشار إلى استمرار بعض المحاكم المغربية في تمتيع المتهمين في قضايا الاعتداءات الجنسية على الطفلات من عذر مخفف من العقاب في حالة زواجهم بالضحية، بل وعلى تسهيل بعض المحاكم لإجراءات حصول المعتقلين في هذه القضايا على إذن قضائي بزواج قاصر، وذلك لاعتبارات اجتماعية.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى شكاية تقدّمت بها أمّ إلى النيابة العامة في الدار البيضاء، تعرض فيها بأنّ المشتكى به تعرّف على ابنتها القاصر مند مدّة حيث أصبح يقوم باستدراجها للخروج معه من دون علم أسرتها. كما أنه غرر بها، واعتدى عليها جنسيا مما أسفر عن افتضاض بكارتها، حسب الشهادة الطبية المرفقة بالشكاية.
عند فتح بحث في وقائع القضية، تمّ استقبال الطفلة في خلية العنف والاستماع إليها في محضر قانوني، وأفادت بأنها تعرّفت على المشتكى به، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت تتواصل معه، بشكل يومي، قبل أن تتوطد العلاقة بينهما. وفي إحدى المرّات، استغلّ المتّهم فرصة تواجدها في مدينة الجديدة لزيارة أقاربها، والتقى بها، حيث عرض عليها مرافقته لمنزل الأسرة، للقاء والدته.
وبعد الإلحاح عليها، استجابت إلى طلبه، حيث دخلت معه المنزل، وأغلق عليها الباب، ومارس عليها الجنس بقوة، وافتضّ بكارتها من دون أن يلتفت إلى توسلاتها إليه بأن يتركها بكرا.
بعد التوصل الى هوية المتهم وتوقيفه، تمّ الاستماع إليه في محضر قانوني، وأفاد بأنه تعرّف على المشتكية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يكن يعلم بأنها قاصر، وأصبح يتواصل معها بين الفينة والأخرى، قبل أن يعلم منها أنها تتواجد في المدينة التي يقيم بها، في زيارة خاطفة لأقاربها، وأضاف أن المشتكية التقته بمدينة الجديدة، ووافقت على زيارته الى منزل العائلة، حيث تبادل معها القبل، قبل أن يمارس معها الجنس بشكل سطحي، وتكررت الزيارات المتبادلة بينهما، والتي كانا يمارسان الجنس فيها بشكل سطحي قبل أن تتحول الممارسة إلى شكل كامل بعدما أخبرها بأنه وقع في غرامها وينوي الزواج منها، لتصبح شريكة حياته في المستقبل.
إجراءات التحقيق والمحاكمة
قررت النيابة العامة إحالة المتهم على قاضي التحقيق، حيث تمّ استنطاقه ابتدائيا وتفصيليا، وأبدى رغبته في الزواج من الضحية، لكونه عازما على تأسيس أسرة معها، فقرر قاضي التحقيق إحالته على غرفة الجنايات للمحاكمة في حالة اعتقال من أجل جناية هتك عرض قاصر مع استعمال العنف الناتج عنه افتضاض، والتغرير بقاصر طبقا للفصول 471 و485/2 و 488 من القانون الجنائي.
أثناء المحاكمة، مثل المتهم أمام غرفة الجنايات عن بعد، وبعد إبدائه تنازله عن المحاكمة الحضورية، وأفاد أثناء استجوابه أن المشتكية خطيبته، وأن العلاقة الجنسية التي تمت بينهما، تمت خلال فترة الخطوبة، وأنهما مارسا الجنس معا دون أي إكراه، لكونهما خطيبين، كما نفى افتضاض بكارتها، مجدّدا رغبته في الزواج من المشتكية.
فقررت المحكمة اعتبار القضية جاهزة، وقضت بإدانة المتهم من أجل المنسوب اليه، ومعاقبته بالسجن النافذ لمدة 5 سنوات، مع تحميله الصائر، معتمدة على العلل التالية:
• تصريحات الضحية خلال البحث التمهيدي وخلال مرحلة التحقيق جاءت منسجمة مع وقائع الملف؛
• تراجع المتهم عن تصريحاته وتناقض هذه التصريحات بين المرحلة التمهيدية ومرحلة التحقيق، وكذا خلال إجراءات المحاكمة، يؤكد أن الهدف منها هو التملص من المسؤولية الجنائية؛
• زواج الضحية بالمتهم لا يمكن أن يبرّر الاعتداء الجنسي الذي تعرّضت له، أو أن يصبح وسيلة لاستفادته من العذر المخفف من العقاب، لأن الهدف من ذلك هو الإفلات من العقاب.
تعليق على قرار غرفة الجنايات
يعيد قرار غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء إلى الواجهة من جديد إشكالية زواج المغتصب بالضحية، والذي يؤدّي في عدد من بلدان المنطقة إلى إفلاته من العقاب.
فرغم أن المشرع المغربي سبق وأن عدل مقتضيات القانون الجنائي بحذف الفقرة الثانية من الفصل 475 والتي كانت تنص على استفادة الشخص الذي يغرر بفتاة قاصر أو يختطفها من العذر المخفف من العقاب في حالة زواجه بالضحية، إلا أن الواقع العملي يكشف عن استمرار بعض المحاكم المغربية في تمتيع المغتصب بظروف التخفيف في حالة الزواج، وذلك في إطار القواعد العامة التي تسمح للمحكمة بتمتيع أي متهم بظروف التخفيف.
كان لافتا في إجراءات المحاكمة، أن المحكمة اعتمدت على تصريحات الضحية، خلال مرحلة البحث والتحقيق الإعدادي، كما أنها لم تقم بإجراء مواجهة بينها وبين المتهم، وذلك في إطار تخفيف أعباء المحاكمة عليها، ولتجنّب تعريضها لأضرار هذه المواجهة..
يلاحظ أن قاضي التحقيق لم يلتفت لما صرح به المتهم من عزم على الزواج بالضحية، واحتفظ بنفس الأفعال موضوع طلب اجراء تحقيق من دون أن يلجأ إلى إعادة تكييفها من هتك عرض قاصر مع استعمال عنف، إلى هتك عرض من دون استعمال العنف، وهو نفس الموقف الذي تبنته المحكمة.
يلاحظ أن المحكمة لم تعمد إلى تطبيق أي تدبير من تدابير الحماية المنصوص عليها في قانون محاربة العنف ضد النساء لفائدة الطفلة، كالمنع من الاقتراب أو المنع من الاتصال، وهو ما قد يعرضها لإغراءات أو حتى تهديدات للتراجع عن تصريحاتها.
وتجدر الإشارة الى أن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب سبق أن أشار إلى استمرار بعض المحاكم المغربية في تمتيع المتهمين في قضايا الاعتداءات الجنسية على الطفلات من عذر مخفف من العقاب في حالة زواجهم بالضحية، بل وعلى تسهيل بعض المحاكم لإجراءات حصول المعتقلين في هذه القضايا على إذن قضائي بزواج قاصر، وذلك لاعتبارات اجتماعية.