بتاريخ 26 دجنبر 2023 أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالجديدة، حكمها في قضية الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها مجموعة من الأطفال من طرف رئيس جمعية رياضية. وقضت المحكمة وبعد محاكمة استغرقت أربعة أشهر بالسجن النافذ لمدة 20 سنة في حق”بيدوفيل الجديدة”، بعدما تحول ملفّه إلى قضية للرأي العام خلال صيف 2023.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 4 غشت 2023، حينما لفت انتباه إحدى النساء المصطافات شخص يعمل على تقبيل طفل بشكل مريب حينما كانا مستلقيين على رمال الشاطئ بعد خروجهما من البحر، فعملت المرأة على التقاط فيديو للواقعة، واتّصلت بالشرطة، التي حضرت إلى عين المكان، وأوقفت المعني بالأمر.
عند الاستماع إلى المشتكية أفادت بأنها عاينت المتهم بعد خروجه من البحر برفقة طفل حيث تمدد على فوطة، وشرع في جرّ الطفل إليه وتقبيله ومعانقته بقوة، قبل أن يقوم بإخفاء رأسيهما بواسطة فوطة، وأضافت أن سلوك المعني بالأمر المثير جعلها تلتقط فيديو بهذه الوقائع باستعمال هاتفها قصد تقديمه لفائدة البحث.
وعند الاستماع إلى الطفل، صرح بأن المتهم اعتاد على تقبيله في مناسبات عديدة، وأنه يعمل على إزالة سرواله. كما أضاف بأنه اعتاد على مرافقته لكونه رئيس جمعية رياضية لكرة القدم للفئات الصغرى، وقد نظم مؤخرا رحلة إلى مدينة الجديدة وتكفل باستئجار شقّة لإيواء المستفيدين من الجمعية من الأطفال، وبأنه في كل ليلة يعمد إلى تقبيله من شفتيه ويطلب منه مداعبته، وذلك تحت التهديد.
وعند الاستماع إلى المتهم، صرح بأنه رئيس جمعية رياضية، وأن الطفل رافقه لحضور بعض أنشطة الجمعية، وأنه يقوم بتقبيله بعدما تولّدت لديه رغبة جامحة في ذلك، كما أنه قام بمعانقته بعد خروجه من البحر وتقبيله كما عمد إلى تغطية رأسيهما باستعمال قميص رياضي، قبل أن يتفاجأ بتواجد الشرطة التي عملت على إيقافه.
قررت النيابة العامة إحالة القضية على قاضي التحقيق، الذي استمع من جديد للطفل الذي أدلى بوقائع جديدة حيث أفاد أن المتهم يقوم بممارسة نفس الأفعال مع عدد من الأطفال المستفيدين من الجمعية وأنه في إحدى المرات رفض صديقه الاستجابة لطلباته فقام بضربه، علاوة على أنه يهدد بقية الأطفال بواسطة حبل كهربائي.
عند مثول المتهم أمام قاضي التحقيق، أنكر المنسوب اليه، مؤكدا أن تقبيله للأطفال كان بدافع أبوي ولكونه ينجذب إليهم، وبأنه لم يسبق أن تحرش بهم أو اعتدى عليهم جنسيا أو عرضهم لأي تهديد.
واستمع قاضي التحقيق لشهادات مجموعة من الأطفال الذين أكدوا نفس الوقائع، فقرّر متابعة المتهم من أجل جناية الاتجار بالبشر وهتك عرض قاصرين بالعنف طبقا للفصول 485 و 487-2 و487 و1-448 الفقرة الرابعة، وإحالته على غرفة الجنايات للمحاكمة.
إجراءات المحاكمة
أثناء المحاكمة استمعت المحكمة لشهادة الطفل من جديد حيث أعاد سرد وقائع التحرش التي تعرض لها هو وعدد من الأطفال من لدن المتهم، وتمت مواجهة هذا الأخير بتصريحات الضحية، فقرر التزام الصمت.
وأعطيت الكلمة لدفاع جمعية ماتقيسش ولدي، وهي جمعية تعنى بالأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية- حيث أكد أن القضية تتعلق بإحدى جرائم البيدوفيليا التي يتعرض لها الأطفال داخل بعض النوادي الرياضية، وبأنها فرصة من أجل كسر التابوهات ورفض التطبيع مع هذه الجريمة التي تنتهك حقوق الطفولة.
والتمس دفاع الضحية رد الاعتبار للطفل وإدانة المتهم بما يحقق العدالة والانتصاف، واعتبرت النيابة العامة أن أركان جناية الاتجار بالبشر متوفرة، من استدراج لضحايا في وضعية هشاشة، من خلال التدليس، والإكراه ، واستغلالهم جنسيا، وسلب إرادتهم، فالمتهم استغل هشاشة أولياء الأمور، وقام بهتك عرض أطفالهم.
في المقابل، أكد دفاع المتهم أن “وسيلة الاثبات الوحيدة الموجودة في الملف هي شريط الفيديو، الذي لا يظهر أيّ شيء ولا يمكن أن تعلم المحكمة ما يوجد تحت الغطاء”، و”أن الشك ينبغي أن يفسر لصالح المتهم، خاصة وأن الخبرة الطبية جاءت سلبية ولا تفيد تعرض الطفل لأي خدوش في مناطقه الحساسة”، ملتمسا البراءة أساسا، واحتياطيا تمتيع المتهم بأقصى ظروف التخفيف، مراعاة لظروفه الاجتماعية المزرية، ولكونه متزوجا وأبا لأربعة أطفال، أحدهم في وضعية إعاقة.
موقف المحكمة وحيثيات الحكم
قضت غرفة الجنايات الابتدائية بإدانة المتهم من أجل المنسوب اليه، ومعاقبته بالسجن النافذ لمدة 20 سنة، وبأدائه تعويضا مدنيا للضحية قدره 50 ألف درهم، وقد اعتمدت على العلل التالية:
- أن كل الضحايا في القضية قاصرون يقل سنهم عن 18 سنة؛
- ثبت للمحكمة تورّط المتهم في الاعتداء الجنسي على الأطفال، وهم تحت كفالته كمدرب ومؤطر رياضي، وهو ما يشكل عنصر الاستغلال؛
- إذا كان عنصر الاستغلال لا يتحقق إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حريته وإهدار كرامته الإنسانية بأي وسيلة، فإن الاستغلال الممارس ضد الأطفال رافقته ممارسات عنيفة عن طريق التهديد بالضرب، أو الضرب، في حالة رفض مبادلة الفعل الجنسي وهو ما يعدّ سلبا لإرادتهم عن طريق فرض المتهم إرادته عليهم؛
- الفعل الذي ارتكبه المتهم المتمثل في تعريض الضحية للفعل الجنسي ألحق ضررا به، مباشرا بدنيا ومعنويا، مما يجعله مستحقا لتعويض تحدده المحكمة في إطار سلطتها التقديرية في مبلغ 50 ألف درهم.
تعليق على القرار
يطرح هذا الحكم الذي تنشره "المفكرة القانونية: في إحدى أشهر قضايا البيدوفيليا التي تفجّرت بالمغرب خلال صيف 2023، ملاحظات عدة أبرزها الآتية:
- من جهة أولى، يلاحظ أن القضية تتعلق باعتداء واحد من الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها عدد من الأطفال، ويفهم من تصريحات الضحية وجود ضحايا آخرين، استمع لبعضهم قاضي التحقيق، لكن أولياء أمورهم لم ينتصبوا كمطالبين بالحق المدني، ربما خوفا من الوصم الاجتماعي، طالما أنّ جرائم البيدوفيليا ما تزال تدخل ضمن الطابوهات؛
- من جهة ثانية، يلاحظ أن الطفل الضحية تمّ الاستماع اليه، أكثر من مرة، ابتداء من البحت التمهيدي الذي تنجزه الشرطة، مرورا بمرحلة التحقيق الإعدادي، انتهاء بمرحلة المحاكمة، حيث تمّت المواجهة بين الطفل وبين المتّهم، وهو ما يشكل إرهاقا نفسيا للطفل وعبئا إضافيا عليه، علما بأن المبادئ الاسترشادية الدولية توصي بتجنب تكرار الاستماع إلى ضحية الاعتداء الجنسي، وتجنب إجراء المواجهة بينه وبين المتهم وذلك في إطار تخفيف أعباء المحاكمة عليه.
- من جهة ثالثة، وانطلاقا من وثائق القضية وتصريحات الأطراف وبالرغم من الاعتداء الذي تعرّض له الطفل، إلا أن المحكمة اكتفت في حكمها بالعقوبة الزجرية والتعويض المدني، دون أن يمتد نطاق الحكم ليشمل المواكبة النفسية وإعادة التأهيل للطفل ضحية الاعتداء الجنسي وذلك لغياب إطار قانوني ينظم ذلك؛
- من جهة رابعة، توسّعت المحكمة في تفسير جرم الإتجار بالبشر رغبة منها بإنزال عقوبة مشددة جدا بحق المتهم رافضة تمتيعه بظروف التخفيف، والملاحظ أنه وبالرغم من تناقض أقوال المتهم خلال مراحل القضية بادعائه تارة أن ما قام به “كان تحت وطأة رغبة جامحة تولدت لديه”، وإثارته تارة أخرى لميوله الجنسية وانجذابه تجاه الأطفال، إلا أنّ المحكمة لم تأمر بتطبيق أي تدبير من تدابير الحماية المقررة قانونا في مواجهته، مثل الإيداع في مؤسسة للعلاج النفسي. ويطرح لجوء المحكمة إلى الملاحقة على أساس قانون مكافحة الإتجار بالبشر (وهو جرم يخضع لدينامية مختلفة عن جرائم البيدوفيليا) بالواقع أكثر من سؤال حول ما إذا كانت المنظومة القانونية المتعلقة بحماية الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية بالمغرب كافية لضمان الوقاية والحماية والزجر والتكفّل وجبر الضرر من دون حاجة لإعمال هذا القانون.
وكان المجلس الوطني لحقوق الانسان قد توقف في تقريره حول التبليغ عن العنف عند إشكالية تكييف أفعال الاعتداءات الجنسية عموما، والاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، حيث يميز القانون الجنائي بين أفعال هتك عرض القاصرين من دون استعمال العنف، ويعتبرها جنحة، وأفعال هتك العرض مع استعمال العنف ويعتبرها جناية، دون أن يعرف مفهوم هتك العرض وحدود التمييز بينه وبين أفعال التحرش أو الإيذاء. وهو ما يؤدي إلى تفاوت المحاكم في إعمال هذه النصوص. كما قدّمت فرق المعارضة داخل البرلمان مقترح قانون لحماية الأطفال من جرائم الاعتداءات الجنسية، وذلك تزامنا مع فتح ورش مراجعة القانون الجنائي بالمغرب.