لا تزال منطقة شمال أفريقيا تعيش على وقع صراع القوى الكبرى الذي لم ينته بسقوط حائط برلين. فقد خلق صراع المعسكرين الشرقي والغربي تقلبات سياسية في جميع مناطق ما يسمى جيوسياسيا بـ "الجنوب الكبير"، حيث ما زال منسوب الصراع والعنف ثابتا في مجموعة من مناطق القارة الأفريقية، وأمريكا اللاتينية والوسطى وحتى آسيا. مناسبة هذا الكلام هو طرح سؤال مشروع: لماذا الأمم المتحدة ومجلس الأمن المخول لهما إيجاد حلول سياسية عاجز عن اتخاذ مواقف سياسية تنفيذية تبعد شبح الصراع والحروب في هذه المناطق التي تعاني من ويلات التصدعات الجيوسياسية؟ هل هناك مسار استراتيجي مرسوم في الزمان والمكان لهذه المؤسسات الدولية من أجل اتخاذ مواقف حاسمة إزاء هذه المشاكل، أم أن الأمر يتعلق بلعبة شطرنج يحكمها خمسة لاعبين، لكل منهما أجندته الدولية التي تحركها مصالح استراتيجية والبقية فقط بيادق تتحرك حسب رغبة اللاعب ومصالحه؟
إن التحولات التي تعرفها المنظومة الدولية والصراعات التي يعيشها العالم أظهرت أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كمؤسستين دوليتين ضامنتين للأمن والاستقرار العالمين، أصبحا يتحركان على هوامش المصالح للاعبين الدوليين الكبار. فالحرب الروسية-الاوكرانية، أزمة كوسوفو، الحركات الانفصالية في القارة الأفريقية وما تعيشه منطقة الشرق الأوسط، كلها أحداث أظهرت أن هامش الوصول إلى الحلول مرتبط مباشرة بمصالح استراتيجية معينة. ومن ثم كانت هناك دائماً تكتيكات لإعاقة أي تحرك يصبو الوصول الى حل سياسي متوافق عليه.
في هذا الصدد إذن، يعتبر ملف الصحراء المغربية من الملفات العالقة التي تتقاذفها مصالح الدول الكبرى، ضمن لعبة شطرنج تتنافس فيها الدول الخمس. فالمغرب لم يتوان في إطار حسن النية والانخراط في التسويات السياسية المتوافق عليها دولياً أن يكون مبادراً في وضع مجموعة من المقترحات السياسية التي من شأنها تحقيق الاستقرار والتوازن الجيوسياسي، وذلك من خلال الحوار المسؤول مع دولة الجزائر.
لقد دخلت الجزائر في مخطط نسف أي اتفاق لا يخدم مصالحها الاستراتيجية؛ والمتمثلة، على وجه الخصوص، في البحث عن منفذ بحري نحو الأطلسي، وقد اتضح ذلك من خلال رفضها للقرار مجلس الأمن 1309 الذي تضمن المبادرة الفرنسية- الأمريكية للسنة 2000، والتي اقترحت حلاً سياسياً، إذ دعا آنذاك ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بنزاع الصحراء، جيمس بيكر، إلى حل تفاوضي مستبعداً خطة الاستفتاء. وًقد تمت الإشارة إليه من لدن الأمم المتحدة بالحل الثالث الذي يمنح الاقاليم الجنوبية استقلالية ذاتية موسعة. واقترح المشروع أن تكون الجزائر وموريتانيا بمثابة شاهدتين عليه وفرنسا والولايات المتحدة بمثابة ضامنتين لتعزيز التسوية وتنفيذ الاتفاق. وفي هذا الصدد، قبل المغرب هذا الحل الثالث ورفضته البوليساريو والجزائر. علماً أن تقرير المصير الذي تنادي به الجزائر هو رواية مستمدة من القانون الدولي العرفي. فإذا كان المغرب هو من طرح على إسبانيا مبدأ تقرير المصير كأساس لحل النزاع معها سلمياً دون الدخول في الحرب سنة 1966، ولم تبد إسبانياً، آنذاك، أي حماس للتفاوض بشأن مستقبل الأقاليم الجنوبية المغربية. إذ رفضت مدريد المقترح المغربي (الاستفتاء) الذي كان مقررا أن يتم اجراؤه سنة 1967. فإذا كان المغرب صاحب الأرض يطالب دولة استعمارية بالاستفتاء، فلأنه كان حريصا على التفاوض وفق مبدأ حسن الجوار مع إسبانيا. ومن تم، وحسب اتساق الممارسة في القانون الدولي العرفي، استغلت الجزائر هذا الموقف المغربي لتجعل "تقرير المصير" هو أساس الحل.
وأمام انسداد الأفق السياسي مع الجزائر، اقترح المغرب مقترح الحكم الذاتي سنة 2007، وهو المقترح الذي لقي ترحاب دول عديدة، وكانت قرارت مجلس الأمن الدولي تشيد بالمبادرة المغربية، وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس يؤكد في تعقيبه على القرار رقم 2440 للسنة 2018 والقرارات السابقة 1754، 1783، مروراً بالقرارات الأخرى 2044، 2152… وصولاً إلى قرار 2654، والقرار الأخير 2703، على أهمية مقترح الحكم الذاتي.
في نفس السياق، أتت الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، فضلا عن فتح مجموعة منّ القنصليات العامة للدول في الأقاليم الجنوبية المغربية، تعبيرا صريحا وواضحا من المنتظم الدولي حول مغربية الصحراء.
وإذا أخدنا كذلك مسألة تقرير المصير، الذي أصبح متجاوزا كمفهوم وممارسة، فان الانتخابات الجماعية، البرلمانية والجهوية التي تنظم في الأقاليم الجنوبية كل خمس سنوات، والتي تعتبر نسبة المشاركة فيها هي الأقوى على مستوى جميع جهات المملكة، هي في حد ذاتها استفتاء شعبي للساكنة على مغربية الصحراء.
كل هذه العوامل تطرح عدة أسئلة حول أسباب تردد القوى الغربية، خاصة دول الشمال الكبير، في اتخاذ موقف مماثل للموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة، والذي اعترفت بموجبه بمغربية الصحراء. فواشنطن أدركت ما وصل اليه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بيتر فان ولسوم الذي أكد أن رؤية الجزائر غير قابلة للتحقيق وغير عملية ولا منصفة. فالجزائر تريد خلق دويلة تابعة لها من أجل اجندة توصلها إلى المحيط الأطلسي، وهذا الأمر عبر عنه قادة جزائريون غير ما مرة، عبر مقترحات تم رفضها من طرف المملكة المغربية.
لقد أصبح لزاما على الدول الغربية أن تتحمل مسؤولياتها أمام التحولات التي تعرفها منطقة الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء من تنامي التهديد الإرهابي والتقارير الاستخباراتية التي تؤكد وجود علاقات وطيدة بين الحركات الانفصالية والارهاب داخل القارة الأفريقية (تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى وتنظيم البوليساريو).
فإذا كان المغرب، ومنه خلال جلالة الملك محمد السادس، لا يتوانى في وضع تصورات استراتيجية مشتركة مع دول إفريقيا من أجل تنمية مستدامة، فقد افتضح في المقابل أمر الجزائر، حين كشفت دولة مالي ما يقوم به الجزائريون في شمال مالي، الأمر الذي أدى إلى إنهاء ما يسمى باتفاق الجزائر للسنةً 2015.
فهل لم يستطع مجلس الأمن الدولي قراءة مسارين مختلفين لصراع هو في الأساس جيوسياسي. فالمسار الأول الذي تقترحه الرباط وتتبناه هو عدم المساس بسيادة الدول، ولهذا لم تتواني في خلق شراكات جديدة واعدة تلعب فيها الأقاليم الجنوبية دوراً بارزاً في التنمية داخل دول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء ودول غرب أفريقيا، مقابل مسار آخر تطرحه الجزائر، ويدعم خلق بنية فوضوية ستدخل المنطقة في براثن الصراعات و الحسابات التي لن تنتهي إلا بسقوط دول في إفريقيا.
فهل من سامع للأجراس التي تُقرع؟
إن التحولات التي تعرفها المنظومة الدولية والصراعات التي يعيشها العالم أظهرت أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كمؤسستين دوليتين ضامنتين للأمن والاستقرار العالمين، أصبحا يتحركان على هوامش المصالح للاعبين الدوليين الكبار. فالحرب الروسية-الاوكرانية، أزمة كوسوفو، الحركات الانفصالية في القارة الأفريقية وما تعيشه منطقة الشرق الأوسط، كلها أحداث أظهرت أن هامش الوصول إلى الحلول مرتبط مباشرة بمصالح استراتيجية معينة. ومن ثم كانت هناك دائماً تكتيكات لإعاقة أي تحرك يصبو الوصول الى حل سياسي متوافق عليه.
في هذا الصدد إذن، يعتبر ملف الصحراء المغربية من الملفات العالقة التي تتقاذفها مصالح الدول الكبرى، ضمن لعبة شطرنج تتنافس فيها الدول الخمس. فالمغرب لم يتوان في إطار حسن النية والانخراط في التسويات السياسية المتوافق عليها دولياً أن يكون مبادراً في وضع مجموعة من المقترحات السياسية التي من شأنها تحقيق الاستقرار والتوازن الجيوسياسي، وذلك من خلال الحوار المسؤول مع دولة الجزائر.
لقد دخلت الجزائر في مخطط نسف أي اتفاق لا يخدم مصالحها الاستراتيجية؛ والمتمثلة، على وجه الخصوص، في البحث عن منفذ بحري نحو الأطلسي، وقد اتضح ذلك من خلال رفضها للقرار مجلس الأمن 1309 الذي تضمن المبادرة الفرنسية- الأمريكية للسنة 2000، والتي اقترحت حلاً سياسياً، إذ دعا آنذاك ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بنزاع الصحراء، جيمس بيكر، إلى حل تفاوضي مستبعداً خطة الاستفتاء. وًقد تمت الإشارة إليه من لدن الأمم المتحدة بالحل الثالث الذي يمنح الاقاليم الجنوبية استقلالية ذاتية موسعة. واقترح المشروع أن تكون الجزائر وموريتانيا بمثابة شاهدتين عليه وفرنسا والولايات المتحدة بمثابة ضامنتين لتعزيز التسوية وتنفيذ الاتفاق. وفي هذا الصدد، قبل المغرب هذا الحل الثالث ورفضته البوليساريو والجزائر. علماً أن تقرير المصير الذي تنادي به الجزائر هو رواية مستمدة من القانون الدولي العرفي. فإذا كان المغرب هو من طرح على إسبانيا مبدأ تقرير المصير كأساس لحل النزاع معها سلمياً دون الدخول في الحرب سنة 1966، ولم تبد إسبانياً، آنذاك، أي حماس للتفاوض بشأن مستقبل الأقاليم الجنوبية المغربية. إذ رفضت مدريد المقترح المغربي (الاستفتاء) الذي كان مقررا أن يتم اجراؤه سنة 1967. فإذا كان المغرب صاحب الأرض يطالب دولة استعمارية بالاستفتاء، فلأنه كان حريصا على التفاوض وفق مبدأ حسن الجوار مع إسبانيا. ومن تم، وحسب اتساق الممارسة في القانون الدولي العرفي، استغلت الجزائر هذا الموقف المغربي لتجعل "تقرير المصير" هو أساس الحل.
وأمام انسداد الأفق السياسي مع الجزائر، اقترح المغرب مقترح الحكم الذاتي سنة 2007، وهو المقترح الذي لقي ترحاب دول عديدة، وكانت قرارت مجلس الأمن الدولي تشيد بالمبادرة المغربية، وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس يؤكد في تعقيبه على القرار رقم 2440 للسنة 2018 والقرارات السابقة 1754، 1783، مروراً بالقرارات الأخرى 2044، 2152… وصولاً إلى قرار 2654، والقرار الأخير 2703، على أهمية مقترح الحكم الذاتي.
في نفس السياق، أتت الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، فضلا عن فتح مجموعة منّ القنصليات العامة للدول في الأقاليم الجنوبية المغربية، تعبيرا صريحا وواضحا من المنتظم الدولي حول مغربية الصحراء.
وإذا أخدنا كذلك مسألة تقرير المصير، الذي أصبح متجاوزا كمفهوم وممارسة، فان الانتخابات الجماعية، البرلمانية والجهوية التي تنظم في الأقاليم الجنوبية كل خمس سنوات، والتي تعتبر نسبة المشاركة فيها هي الأقوى على مستوى جميع جهات المملكة، هي في حد ذاتها استفتاء شعبي للساكنة على مغربية الصحراء.
كل هذه العوامل تطرح عدة أسئلة حول أسباب تردد القوى الغربية، خاصة دول الشمال الكبير، في اتخاذ موقف مماثل للموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة، والذي اعترفت بموجبه بمغربية الصحراء. فواشنطن أدركت ما وصل اليه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بيتر فان ولسوم الذي أكد أن رؤية الجزائر غير قابلة للتحقيق وغير عملية ولا منصفة. فالجزائر تريد خلق دويلة تابعة لها من أجل اجندة توصلها إلى المحيط الأطلسي، وهذا الأمر عبر عنه قادة جزائريون غير ما مرة، عبر مقترحات تم رفضها من طرف المملكة المغربية.
لقد أصبح لزاما على الدول الغربية أن تتحمل مسؤولياتها أمام التحولات التي تعرفها منطقة الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء من تنامي التهديد الإرهابي والتقارير الاستخباراتية التي تؤكد وجود علاقات وطيدة بين الحركات الانفصالية والارهاب داخل القارة الأفريقية (تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى وتنظيم البوليساريو).
فإذا كان المغرب، ومنه خلال جلالة الملك محمد السادس، لا يتوانى في وضع تصورات استراتيجية مشتركة مع دول إفريقيا من أجل تنمية مستدامة، فقد افتضح في المقابل أمر الجزائر، حين كشفت دولة مالي ما يقوم به الجزائريون في شمال مالي، الأمر الذي أدى إلى إنهاء ما يسمى باتفاق الجزائر للسنةً 2015.
فهل لم يستطع مجلس الأمن الدولي قراءة مسارين مختلفين لصراع هو في الأساس جيوسياسي. فالمسار الأول الذي تقترحه الرباط وتتبناه هو عدم المساس بسيادة الدول، ولهذا لم تتواني في خلق شراكات جديدة واعدة تلعب فيها الأقاليم الجنوبية دوراً بارزاً في التنمية داخل دول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء ودول غرب أفريقيا، مقابل مسار آخر تطرحه الجزائر، ويدعم خلق بنية فوضوية ستدخل المنطقة في براثن الصراعات و الحسابات التي لن تنتهي إلا بسقوط دول في إفريقيا.
فهل من سامع للأجراس التي تُقرع؟
الشرقاوي الروداني/ خبير في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية