بْلَادْ الصّْبرْ ..
تْسَارِينَاهَا شْبَرْ بَشْبَرْ ...
عْرَفْنَا فِيهَا دْرُوبْ الرَّحْمَة..
وَزْنَاقِي لَغْدَرْ .
والْبَاقِي لِينَا فِي لُعْمَرْ..
كُونْ بْغَاتْ لِيَامْ تَعْبَرْ ..
تْفَصَّلْ لِينَا حَلْمَة ..
نْعِيشُوهَا وْتَكْبَرْ .
عْلَى قَدّْ عْقَلْ الصّْغُرْ ..
تَجْرِي وَتْقُولْ :
مَا جْرِيتْ عْلَى لُكْبَرْ ..
وْفْي الاَّخَرْ أَشْ تَجْبَرْ ..؟
حَرْفْ نْلَبْسُوهْ
بَالْعَرْفْ وْيَسْتَرْ .. عْرَانَا
قَدَّامْ شْيُوخْ لَكْلَامْ
الشَّارْبِينْ مْدَادْ الْمَعْنَى
مَنْ عَيْنْ السّْطَرْ
للراوي في الأدب العربي عموما وللشاعر الزجلي على وجه الخصوص مكانة متميزة، حيث يتصدر المشهد الشعري في كثير من النصوص الإبداعية كما في المشهد الإلقائي لهذه النصوص.
عزيز بنسعد يحملنا معه في هذه الرحلة الإفتراضية بطلها: الراوي / الشاعر، ومجالها الحلم الشبه المستحيل أو الذي أدارت له الأيام ظهرها ولم تلتفت لتحقيقه :
" كُونْ بْغَاتْ لِيَامْ تَعْبَرْ .. تْفَصَّلْ لِينَا حَلْمَة "
مكان الرحلة: " بْلَادْ الصّْبرْ"
و عليك أيها المتلقي أن تُعيّن هذه البلاد، هي ممتدة في الزمان والمكان، وإن كان الراوي الشاعر يحددها في جيله، وزمنه من خلال الضمير العائد عليه ضمن مجموعة وهو ضمير (نا) الدال على الجماعة. وحتى هذا الجيل تبقى إمكانية إطلاقه على الخاص وعلى المطلق أيضا.
هذه البلاد سمتها الصبر، ترى الصبر على ماذا؟
هل هو صبر على قسوة الطبيعة أم على قسوة الإنسان؟
إن الراوي/الشاعر عنا لا يحكي عن تجربة ذاتية وشخصية، وإنما هي تجربة الجماعة. جماعة معينة تعيش نفس الزمان وتتواجد بنفس المكان.
" بْلَادْ الصّْبرْ ..
تْسَارِينَاهَا شْبَرْ بَشْبَرْ ..
عْرَفْنَا فِيهَا دْرُوبْ الرَّحْمَة ...
وَزْنَاقِي لَغْدَرْ ."
ودائما في إطار الجماعة جالوا هذه الأرض شبرا، شبرا. وخبروها نقطة، نقطة، وهذه الأرض قسمها الراوي / الشاعر إلى منحيين.
المنحى الأول: (دْرُوبْ الرَّحْمَة)، والدرب كما هو متعارف عليه مجموعة سكنية متجانسة. قد تختلف فيها المستويات والمكانة والجاه، لكنها متجانسة ومتلاحمة، وكنّى عليها بـ "الرَّحْمَةْ" إشارة إلى العلائق التي تربط بين مكوناتها. وفي هذه الرحلة عرفت المجموعة المشاركة، دروبا وقد يطلق عليها أيضا (حي/ أحياء) من الحياة المشتركة داخل مجال مكاني معين .القاسم المشترك بينها تلك اللُّحمة والتآزر، والمشاركة الجماعية في كل شيء، إنها " دْرُوبْ الرَّحْمَة ".
المنحى الثاني: (وَزْنَاقِي لَغْدَرْ)، وكما يقول المثل: "الشيطان يكمن في التفاصيل" والتفاصيل هنا هي الأزقة، والزنقة منعرجات، ومداخل، قد تكون منغلقة، وبؤر لكل ما هو سلبي. ومن هذه الأمكنة تأتي الضربة غير المتوقعة، ضربة الغدر ممن يعرفون تفاصيل الأشياء وأسرارها .
ومجموعة الرحلة خبرتهما معا دروب الرحمة وأزقة الغدر.
هذا فيما يخص الماضي من خلال دلالة الفعلين: (تْسَارِينَاهَا/ عْرَفْنَا)، فماذا عن الآتي؟
" والْبَاقِي لِينَا فِي لُعْمَرْ.. "
ما هي معالم هذا الآتي ؟
السمة البارزة هي الخذلان، خذلان الزمن للمجموعة. من خلال التعبير (كُونْ بْغَاتْ لِيَامْ) أي، أن هذه الأيام عاكست رغبة الجماعة، رغم قدرتها على الفعل بمعنى: (لو أرادت)، وهي لم تفعل. فمن هي الأيام؟
هل يقصد بها الزمن؟
هل يقصد بها الذين تحكموا في مسارات الزمن؟
المشتهى لم يتحقق من خلال التعبير السالف.
المشتهى هنا هو حلم. ليس ذاك الحلم الضبابي الذي يتبدد مع اليقظة، لكنه حلم حقيقي مهيأ على مقاس محدد :(تْفَصَّلْ لِينَا حَلْمَة) حلم قابل للتحقق، أو قل هو مشروع قابل للإنجاز على المدى القصير والبعيد.
" نْعِيشُوهَا وْتَكْبَرْ .
عْلَى قَدّْ عْقَلْ الصّْغُرْ "
حلم، مشروع...يكبر مع المجموعة وتكبر معه .
ليأتي قفل الرحلة، عبارة عن تساؤل عن خلاصة التجربة / الرحلة .
" وْفْي الاَّخَرْ أَشْ تَجْبَرْ ..؟ "
الحرف: والحرف مكون للكلمة وللمعنى. الحرف بقدسيته حين يكون على لسان (شْيُوخْ لَكْلَامْ)
والحرف عنا معرفة...علم.... حرب على الجهل والضحالة .وهو وحده بهذه الدلالة قادر على أن يحمينا من فضيحة عُري الفكر المستنير الذي يمثله العلماء (شْيُوخْ لَكْلَامْ) والشيخ هو السيد الألمعي في علمه و طريقته و تفكيره، يقدمه الشاعر عزيز بنسعد بصورة بهية من حيث التركيب والدلالة اللفظية :
"الشَّارْبِينْ مْدَادْ الْمَعْنَى
مَنْ عَيْنْ السّْطَرْ "
صورة إبداعية خلاقة من يحاول تحويلها إلى لوحة تشكيلية، شيخ بعمامته، أو شيوخ وأمامهم حروف تنطلق متفجرة من محبرة المداد لتشكل سطورا من المصابيح المنيرة تبعث بأضوائها على امتداد اللوحة.
هي محاولة لملامسة رحلة الشاعر عزيز بنسعد، قد تصيب و قد تجانب المقصود .