تواصل الباحثة نفيسة الذهبي أستاذة التاريخ الحديث، حفرياتها في مجال التأليف والبحث التاريخي، بإصدار جديد بعنوان" الثقافة الصوفية في الذاكرة المغربية.. المشكلات والذهنيات"، يتوج مسارا علميا متميزا، نتيجة تخصصها في هذا الحقل الخصيب من حقول تاريخ المغرب، وثمرة عقود من عكوفها على قراءة المتون والدراسات، وانجازها جملة من التحقيقات والمونوغرافيات، كما جاء في تقديم هذا الكتاب.
التأثير الأفقي للتصوف
وتتوقف الأستاذة الذهبي في كتابها الواقع في ما يناهز 180 صفحة من الحجم المتوسط، عددا من القضايا منها التأثير الأفقي للتصوف بين المغرب والمشرق، والمشيخة الصوفية ومسار التشكلات، بسبر أغوار تكوين الشخصية الصوفية والكرامة باعتبارها نواة الاعتقاد في الولي، مع ضرورة التعاطي الواعي للمشيخة الصوفية مع الطرفيات، من خلال تتبع منعطفات الذاكرة الصوفية.
وإذا كانت الكاتبة، قد خصصت جانبا من مؤلفها للحديث عن متصوفات ومزارات في الذاكرة والوهد في التصوف النسائي، فإنها تتبعت كذلك مسار الذهنيات، والأبعاد وتقاليد الامتداد والذهنية المغربية من خلال كتب المناقب، متوقفة كذلك عند سمات الولاية عند اليهود.
تاريخ التصوف المغربي
هذا الكتاب الذي ينتمى في مادته إلى المنجز الأكاديمي الذي أنتجته مؤلفته، يمكن النظر إليه كمجموع ما تفرق في أعمال الأستاذة الذهبي السابقة، وكتأليف في تاريخ التصوف المغربي، يلم شعت قسط وافر من الأسطوغرافية المتوفرة في موضوعه، ولكنه يمتاز في جميع الأحوال بنظرها الجديد إلى ما كتبته سابقا، وبطموحها إلى تجاوز المعرفة الوصفية الطاغية عليه، وإعادة انتاجه برؤية يغلب فيها التأويل، كما يوضح عبد الله نجمي أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في تقديمه للكتاب الذي كشفت صاحبته على أنه كانت لها عناية خاصة بقراءة هذا التراث ومحاولة استجلاء الصور الكامنة وراء القوة الصوفية والتعريف ببعض التجارب التي أثرت في تاريخ المغاربة وأثرت جانبا فكريا هاما من ثقافتهم .
رؤى متباينة
وعلى ظهر هذا الإصدار، كتبت الأستاذة نفيسة الذهبي، الخبيرة في التصوف، أن القراءات الخاصة تتعدد بتأثير الثقافة الصوفية في ذهنيتنا وهويتنا، كما تتباين الرؤى التاريخية عند استحضار المسار الذي طبعه اندماج رجال الصلاح وأرباب الزوايا في تنوير الفكر وخدمة المجتمع من بين ملامح الاستمداد الثقافي وتميز الشخصية الصوفية للمغاربة ، تتجلى مظاهر رسوخ التقاليد الخاصة بالزيارات وبمظاهر التبرك بالأضرحة والمقامات، وهي وقفات قدمت بعض تجلياتها في إطار تساؤلات تظل مفتوحة على القراءات المختلفة.
للذهبي أستاذة التعليم العالي، الباحثة بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط، عدة مقالات منشورة في مجلات متخصصة، ومؤلفات منها " تجليات في دفاتر التاريخ" و " اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر" و" الإلمام ببعض ما لقيته من علماء الإسلام" و" الزاوية الفاسية" و " أبو محمد صالح الماجري الشيخ والتجربة" و" خواطر من زمن أسفي الجميل".