من له المصلحة في إفشال كل المبادرات الجادة والهادفة من أجل ترميم قصبة الوليدية التي يعتبرها المراقبون ورشا ومشروعا ملكيا؟ ولماذا لم تجد كل مساعي الترافع التي قامت بها عدة أطراف دولية، ووطنية، وجهوية، ومحلية، الآذان الصاغية لترجمة عصارة توصيات واقتراحات فعاليات المجتمع المدني؟ وهل من مبادرة جديدة تحسم في ملف الترميم، الذي طال واستطال، وتعيد الروح الحضارية والتاريخية والثقافية لمعلمة القصبة التي تتآكل يوما بعد يوم أمام أنظار من يهمهم الأمر في زمن التغني بكنوز التراث المادي واللامادي؟
أسئلة تجيب عليها حلقات من سلسلة مقالات تنشرها جريدة "أنفاس بريس" استخلصناها من أوراق بحثية في الموضوع بقلم المتخصص في التاريخ الأستاذ مصطفى وفقي.
مفتاح من مفاتيح أبواب تاريخ قصبة الوليدية:
من الأسماء التي خلدتها ذاكرة قصبة الوليدية يذكر المؤرخون والباحثون إسم "مُرَادْ رَّايْسْ" وهو الإسم الأصلي للقرصان الهولندي "JAN HANSZOON VAN HAARLEM"، ـ جان جانزون فان هارلم ـ الذي توصف أعماله من طرف الغربيين بالقرصنة. وحسب ما أورد الباحث مصطفى بوصوف في إحدى مقالاته، فإن "مُرَادْ رَّايْسْ" كان مجاهدا في الجيش العثماني بعد إعلان إسلامه بالجزائر، ومن ثمة انتقل إلى المغرب بسلا.
وهو في عقده السابع سيعود "مُرَادْ رَّايْسْ" إلى المغرب وتحديدا سنة 1640، "مثقلا بتجارب سنوات عديدة، حيث سيقوم السلطان المغربي بتعيينه حاكما لمنطقة الوليدية ويسكن قلعتها". وفي أكتوبر من العام نفسه، سيحل قنصل هولندا الجديد على جمهورية بورقراق سائلا عن "مُرَادْ رَّايْسْ"، حاملا معه ضيفا عزيزا على ـ جان جانزون فان هارلم ـ أي "مُرَادْ رَّايْسْ" ولم يكن الضيف إلا ابنته ليزبيث المزدادة عام 1596، من زوجته الهولندية الأولى.
عندما دخلت ليزبيث على أبيها "مُرَادْ رَّايْسْ" بمقر إقامته بقصبة الوليدية وجدته "جالسا على أرائك ووسائد من حرير، ومحاطا بالخدم وكل مظاهر الغنى...لكن ابنته ليزبيث ستغادر القلعة في غشت من سنة 1641، بعدما اختار والدها البقاء في مغرب احتضنه ورفعه إلى أعلى مراتب الدولة واحترامه في مشيبه، وخصه بكل مظاهر الاحترام والوفاء".
ومن المعلوم أن الهولنديين ما زالوا يحتفظون ويفتخرون بكون "مُرَادْ رَّايْسْ" (جان جوهانسون) وليد مدينة "هارليم HARLEEM " والذي نشر الرعب في بحر الأبيض المتوسط بسبب عمليات القرصنة، حيث قضى سبع سنوات أميرال البحر على مدينة سلا، وانتهت مسيرته بحكمه لقصبة الوليدية طيلة سنتي 1640 و 1641.
السؤال المحير هو، إذا كان الراجح أن أميرال البحر ـ جان جانزون فان هارلم ـ أي "مُرَادْ رَّايْسْ" قد توفي بقصبة الوليدية فأين يوجد قبره؟
تعرف على المراحل التاريخية لقصبة الوليدية:
في قراءته المتأنية للمعالم المادية "الأثرية" لقصبة الوليدية، وافتحاصه ودراسته لمجموعة من النصوص التاريخية التي تناولت تاريخ قصبة الوليدية استخلص المتخصص في التاريخ الأستاذ مصطفى وفقي المراحل التاريخية التي مرت منها ذات القصبة، وهي كالتالي:
ـ المرحلة القديمة من تاريخ قصبة الوليدية:
في وصفه لقصبة الوليدية تاريخيا يقول الأستاذ مصطفى وفقي: "كانت القصبة تمثل حاضرة لمنطقة عرفت استقرارا لسكانها، حيث كانت تتعاطى عدة أنشطة اقتصادية، منها ما هو زراعي، خاصة غرس الحدائق والبساتين بالفواكه والخضر، إلى جانب أنشطة طبخ بلح البحر، ثم أنشطة التجارة عبر مرسى الغيط. وكانت هذه الحاضرة يحيط بها سور مبني بـ "التَّابْيَةْ" الصّلبة، حيث ما تزال بقايا من هذه الأسوار قائمة إلى اليوم وشاهدة على العصر".
ـ مرحلة تجديد البناء: وهي مرحلة محاولة تجديد بناءها من طرف زيدان بن المنصور، وقد عرفت بدورها المراحل التالية:
أ ـ مرحلة إعادة تجديد بناء قصبة الوليدية في عهد الوليد بن زيدان السعدي. وقد ذهب "هنري ديك استري" إلى أن الوليد هو الذي جدد بناءها سنة 1634م. حيث تم تجديد بناءها بالحجارة المشذبة والمهذبة بواسطة يد عاملة استعملت "الشّاقُورْ"، حيث بنى بها عدة أبراج ( 4 أبراج) وتم تجهيزها بعدة قطع من المدفعية الحربية.
ب ـ مرحلة حكمها من طرف "يان يوهانسون" أي "مُرَادْ رَّايْسْ" سنتي 1640و 1641م. وبها انتهت حياته.
ت ـ مرحلة السيطرة عليها من طرف محمد الحاج كروم الذي اغتصب عرش السعديين بمراكش إلى أن تمكن مولاي رشيد من إعادة توحيد المغرب تحت سلطة مركزية واحدة عاصمتها فاس.
ج ـ وفي عهد المولى الحسن الأول، تم وضع شؤون ـ الوليدية ـ ، القصبة ونواحيها تحت التسيير المباشر من طرفه، وبنى بها "قشلة" تقيم بها حامية عسكرية سلطانية أسندت إليها مهام حراسة البحر من الإنزال الأجنبي.
ح ـ وفي عهد الملك محمد الخامس تم تشييد مسجد القصبة وصومعته ملحقين بالقصر الملكي لإقامة الصلاة.
لماذا باءت كل محاولات ترميم قصبة الوليدية بالفشل؟
أمام ما آلت إليه مختلف معالم قصبة الوليدية التاريخية من تردي وتدهور وتداع للإنهيار بسبب الإهمال الشديد، وعدم اهتمام المسؤولين بحمايتها وصيانتها والحفاظ عليها، بل وإلحاق الإهانة بتاريخها بعد تحويلها إلى محجز للسيارات والحيوانات ومستودع لمواد البناء العشوائي من طرف من يدبر الشأن المحلي. أمام هذا التردي والتدهور، سيتم تقديم عدة محاولات للترميم، إلا أن كل المبادرات باءت بالفشل. فما هي هذه المبادرات ومن تقدم بها؟
المبادرات الفاشلة أو كم من حاجة قضيناها بتركها:
المبادرة المحلية الأولى: في هذا السياق يكشف الباحث مصطفى وفقي المتخصص في التاريخ، على أن المطالبة بترميم قصبة الوليدية والإعتناء بها عرفت محاولتين فاشلتين، المحاولة الأولى كانت قد بادرت بها "جمعية المصطافين" للوليدية سنة 1996، حيث كان مصيرها الفشل.
المبادرة الثانية بين المغرب وهولندا: أما المحاولة الثانية، فقد كانت بمناسبة احتفال دولتي المغرب وهولندا بمرور 400 سنة من العلاقات المغربية الهولندية (1607 ـ 2007) وكان ممن مثل دولة هولندا "هيرمان أوبداين" أستاذ مادة التاريخ بجامعة "ليدن" وهو بالمناسبة كان عضوا بجمعية "ويند فلاك Wind Flag " التي تبنت مبادرة الإحتفال. ومثَّل الطرف المغربي آنذاك الأستاذ الجامعي عبد المجيد قدوري عميد جامعة المحمدية للعلوم الإنسانية آنذاك.
كان من بين أنشطة الاحتفال بهذه المناسبة الدولية الإعتناء بالمركب الأثري للوليدية، وذلك بترميمه وصيانته صيانة تجعل منها قصبة تسترجع قيمتها التاريخية والثقافية، وتساهم بموقعها في جمالية المنطقة، خصوصا أن الهولنديين ما زالوا يحتفظون ويفتخرون بكون "مُرَادْ رَّايْسْ" (جان جوهانسون) وليد مدينة "هارليم HARLEEM " والذي نشر الرعب في بحر الأبيض المتوسط بسبب عمليات القرصنة، حيث قضى سبع سنوات أميرال البحر على مدينة سلا، وانتهت مسيرته بحكمه لقصبة الوليدية طيلة سنتي 1640 و 1641.
ويذكر الأستاذ مصطفى وفقي بحسرة أن مهمة ترميم قصبة الوليدية أسندت حينئذ للمهندسة المعمارية الهولندية "Sylvie Dy Rocher" بعد الحصول على موافقة وزير الثقافة آنذاك محمد الأشعري في حكومة التناوب برآسة الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي على عملية الترميم مستأنسة ببطاقة واصفة للمعالم التاريخية طبقا لتصميمها التاريخي. لكن للأسف الشديد باءت هذه المحاولة أيضا بالفشل بسبب عدم اهتمام المسؤولين المحليين بهذه المبادرة وبالرصيد الثقافي المحلي بصفة عامة.
المبادرة الجهوية الثالثة: أما المحاولة الراهنة والتي انطلقت بوادرها مع الحفلين الصيفيين اللذين نظما تحت إشراف الجماعة الترابية للوليدية بالمركب الأثري بمدينة الوليدية سنتي 2017 و2018، والتي قدم من خلالها أيضا الأستاذ رضوان خديد المختص في مادة الانثروبولوجيا مداخلته الفكرية، حيث أجمع كل المتدخلين على أهمية وضرورة رد الإعتبار لقصبة الوليدية من خلال ترميمها وبعث روحها الحضارية والثقافية، وأهميتها التاريخية مع تجدد نفس الإهتمام بقصبة الوليدية في النسخة الثانية من الإحتفال المذكور في صيف 2018.
في هذا السياق يؤكد الأستاذ مصطفى وفقي أن المحافظ الجهوي على الآثار قطع على نفسه، وعدا قطعيا بأهمية ترميم القصبة، واستصلاح مرافقها، وشدد على أهمية وضع خريطة أثرية تاريخية محلية أو جهوية للعديد من المواقع الأركيولوجية، وأكد على أهمية حماية المدافع الأثرية وضرورة استعادتها وتجميعها وموضعتها في مواقعها بالمركب الأثري.
يتبع