في مجموعتها القصصية "عدت من أجل أزهاري" الصادرة عن "لوتس للنشر والتوزيع "الطبعة الأولى 2023، المحتوية على 18قصة في 110 صفحة تظهر الكاتبة أمينة شرادي هوسها بقضية المرأة وما تتعرض له من اضطهاد ذكوري، وقضايا الفقر والإقصاء الاجتماعي والثقافي. وخصصت الكاتبة سبع قصص (اختفاء زهرة-خديجة-السيد المحترم-البحث عن بداية أخرى-ليس دائما-أهديته وردا فأهداني شوكا-عدت من أجل أزهاري) للاضطهاد الذكوري الممارس على المرأة، ففي "اختفاء زهرة" تتمحور القصة حول تمرد زهرة على شيخ القرية والتقاليد السائدة المكرسة للحرمان من التعليم، وهو ماتمردت عنه زهرة بإصرار تربط فيه الكاتبة علاقة التعليم بالحرية.
ورغم اختفاء زهرة في إيحاء باختطافها، إلا أن عودتها واختفاء الشيخ له دلالة الأمل في الإنتصار. أما قصة "خديجة" فتيمتها تدور حول قهر الرجل للمرأة وتعنيفها ،وهي العاجزة عن المواجهة والتحرر من سلطته إلى حد العجز عن طلب الطلاق، ما ينهي القصة نهاية مأساوية المتمثلة في وفاة خديجة. بخصوص قصة "السيد المحترم" القاهر ل"جميلة" التي عشقته وارتبطت به ،وسرعان ما اكتشفت أنها حالمة وضحية الخداع. وهي في أحضان الشرطة، على إثر خروج تائه في الشوارع ،بعد أن هيئت كل الشروط لتكون في أحضان زوجها.ستكتشف"جميلة" الحالمة أن زوجها صاحب النفوذ عاشق لامرأة أخرى، ومصر على تعذيبها وإدخالها السجن" إنه زوجي ياسيدتي المحترمة.يبدو أنه يهوى إدخال النساء إلى السجن (ص 23).في قصة "البحث عن بداية أخرى"، وعبر حوار ليلى وسعاد التي عاشت تجربة قاسية مع زوجها، بعد اكتشافها أنه يعيش حياة أخرى، في إشارة المفارقة بين الخطاب والممارسة،فهو لايتردد في الحديث عن الحب والمبادئ والمساواة والحقوق. كادت سعاد أن تنهار من شدة الصدمة، إلا أنها تمكنت بإرادتها القوية من تخطي الأزمة، والعودة إلى ذاتها لتتصالح معها، وتستعيد ميراث أيامها الجامعية.
استعادت الإنتصار لمبادئ الثورة الفكرية التي تشبعت بها، محطمة ثقافة المحرم والممنوع المؤطرة بالعرف والتقاليد، "ليس دائما" قصة تتضمن حوارا بين رجل وامرأة التي بادرت إلى إعادة طرح سؤال: هل مازال الحب كما كان؟حوار يكشف ازدواجية الأحاسيس ،وازدواجية الذات الغارقة في الحيرة والتيه وتسلل الملل والرتابة إلى الحياة. أما قصة "أهديته وردا فأهداني شوكا"، فموضوعها يتعلق بالبحث المتواصل عن العشق الهارب لاستعادة الزمن الجميل.مشت في كل الدروب بحثا عن هدية لصناعة الفرح، واستعادة الماضي،فلقيت التجاهل واللامبالاة، خيبة تتلقاها من الرجل."عدت من أجل أزهاري" قصة تحكي عن تعرض ليلى لكل أشكال التعنيف والتجريح من طرف عمر الذي يصوره النص كمتوحش يتلذذ بتعذيبها، ليظل ملاذها الوحيد حب أزهارها، بعد أن فشلت صديقتها "نضال" وللإسم دلالته، في إقناعها باللجوء إلى القانون.
أما باقي القصص فهي تتمحور حول قضايا مجتمعية اجتماعية واقتصادية وثقافية. ففي قصة "فيلا البالونات"، يكشف النص عالم الأثرياء داخل فضاء الفيلا ،في إحدى المناسبات حيث النقاشات سجينة المظاهر ومواقف السخرية من الطبقة المتوسطة والطبقات الشعبية.تستحضر الشخصية الرئيسية في النص عالم الفقر والحرمان .يظل عالم الأثرياء في نظر هذه الشخصية عبارة عن"رؤوس بالونات منتفخة و فارغة".
أما قصة "انتظار" فالمدينة تشكو من غياب السلام والأمان، إذ باتت تعيش على الإنذارات بعد حظر التجول؛ مدينة ضاع ماضيها ضاعت حضارة بوأت المرأة مكانة اعتبارية، أتاحت لها فرصة أن تكون شاعرة وعالمة... مدينة تفشى فيها فيروس التوحش الرافض للإختلاف إنها المنظومة الظلامية المناهضة لكل نور مضيء وقصة "زينة" يدورها موضوعها حول الحرب والإنفجارات وتداعيات ذلك على اغتصاب الطفولة وحرمانها من اللعب كحاجة طفولية طبيعية. أما قصة "القرية" فتتمحور حول تيمة الإنتخابات والوعود الكاذبة المتكررة في كل المحطات، واستغلال المرشح لفقر وأمية الساكنة، والإنحطاط الذي يطبع معركة المنافسة،التي تصل إلى حد استعمال أسلوب "العصابات البلطجية" للتخلص من المنافس.
إنها صورة عن الإنتخابات التي تفتقر إلى الحد الأدنى لثقافة التباري السياسي. "المدرس"قصة تدور حول مهنة التدريس بين النبل كقاطرة نحو التقدم ،عبر ترسيخ المعرفة في صفوف الأجيال، وإكراهات الواقع المطبوع بالتهميش والظروف القاسية، وهي الإكراهات التي تحول الحلم والطموح إلى اليأس.
أما قصة "رحيل أحمد" فهي كشف عن واقع الفقر في القرية والبحث عن تحسين الظروف عبر الرحيل إلى المدينة.
كحل وحيد في اعتقاد "أحمد" الذي حرم من التعليم لأسباب اقتصادية واجتماعية أجبرته على مساعدة والده. واقع الإستغلال البشع من طرف المشغل موجود هنا وهناك،هي صدمة أحمد.
قصة"سي الطيب" فضح للتظاهر بالطيبوبة والإحترام والوقار؛واستغلال فقر فاطمة خصوصا بعد موت زوجها الذي ترك لها أطفالا صغارا. واقع استغله "سي الطيب"ولجوئه إلى تخدير "فاطمة" بهدف اغتصابها. أما "الباخرة " فهي قصة تظهر حلما طفوليا يتطلع إلى مجيء الباخرة وركابها، إنه حلم وتطلع يبرز عبر حوار الطفل محمد مع جده حول الباخرة والبحر، حيث يستعيد الجد ماضيه، إنه استعادة الزمن. أما قصة "عربة النعناع" فهي إبراز لمعاناة "ب ابراهيم" مع الحياة اليومية، ومع عسف السلطة، فرغم سنه مازال يجر عربته لبيع النعناع، فهي مصدر رزقه، تعرض "ب ابراهيم "لعسف السلطات في حملة انتزعت منه العربة وتم تكسيرها. "زمن الكمامة"نص قصصي يتناول بالنقد زمن الجائحة وتباعد المسافات، فالطفل الذي يعاني من عذاب محفظته الثقيلة، كشف بتلقائية طفولية تناوب أفراد الأسرة على الكمامة، ما عرض الخطاب الإعلامي بخصوص توفير الكمامات لكل أفراد الأسرة لسخرية الكاتبة.
القصة الوحيدة الخالية من الصراع والتوتر هي المعنونة ب"لحظة حب"، وهي أقصر نص متكون من صفحتين، فهي سطور مليئة بإشارات الحب والقبل ورقي السلوك، ورمزية الهديةكأفق للإستمرار.
من خلال هذه المجموعة القصصية يتبين أن الكاتبة أمينة شرادي منشغلة بقضايا المجتمع من قبيل الفقر والحرمان وأزمة التعليم، والأمية والجائحة، والسلطة الذكورية القاهرة للنساء، وإن كان هذا الأمر بدت فيه النصوص القصصية السبع قاسية تجاه الرجل ،حتى وإن هذا جزءا من الواقع،إلا أن الغائب هو ربط هذا الإضطهاد -كإعادة الإنتاج- بالإضطهاد السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي الممارس على الرجل والمرأة.
وتبقى المجموعة القصصية "عدت من أجل أزهاري"متنوعة في عوالمها وبسيطة في لغتها وأنيقة بشاعريتها.