Monday 5 May 2025
سياسة

ماذا يريد إدريس لشكر ونبيل بنعبد الله من اليسار !؟

ماذا يريد إدريس لشكر ونبيل بنعبد الله من اليسار !؟ نبيل بنعبد الله وإدريس لشكر
اجتمع المكتبان السياسيان لحزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، يوم الجمعة 15 دجنبر 2023، وأصدرا تصريحا سياسيا مشتركا لمواجهة "التغول الثلاثي"، صانع "الركود السياسي" الذي تعيشه البلاد، والمتسبب في احتباس النقاش العمومي حول "القضايا المجتمعية الأساسية".
يمكن، أولا، قراءة هذا التصريح على أنه تطلع إلى وحدة اليسار مادام التصريح ينص على أن "المبادرة مفتوحةً في وجه كافة الفعاليات الوطنية الديموقراطية"، خاصة أن من عوامل "التغول" الذي اصطبغ به الحقل السياسي المغربي، على المستوى الحكومي، وأيضا على مستوى التدبير الجماعي المحلي والإقليمي والجهوي، تراجع اليسار كقوة فكرية وأخلاقية مؤثرة في الوعي الجماعي، وفاعلة في الحقل السياسي الوطني والدولي. وهو ما يفرض المواجهة مع "التغول" بالتكتل.
ثانيا، إن اللحظة السياسية تفرض على هذا اليسار، وخاصة على قطبيه الأساسيين، الخروج من حالة "تحمل الضربات"التي تستهدف وجوده إلى مواجهة "الاحتكار الحكومي" لجميع المبادرات "الاجتماعية" وتصاعد الفساد وتربص الأصولية، أي العودة إلى المجتمع واسترداد الثقة في "الضغط الشعبي" كوسيلة لحصر ضرر التغول وتطوير قيم العدل والمساواة، وأيضا لزعزعة التحالف الموضوعي الفادح بين السياسة ورأس المال. 
غير أن السؤال الذي يُطرح دائما هو: هل تم إنضاج الفكرة الوحدوية بين الحزبين على نار هادئة، أم أملاها واقع الحال الذي حول هذين التنظيمين التاريخيين إلى لاعبين يمارسان السياسة على هامش القرار، خاصة أن الحزبين قضيا سنوات عديدة في تسيير الشأن العام؟
صحيح أن أحزاب اليسار تواجه راهنا تحديات كبيرة بعد أن وقع السطو على خيارها الاجتماعي، وبعد تبني "النبيوليبرالية المتوحشة" للطريق  الثالث الذي يراهن على رأس المال قدر رهانه على الشغل كآليتين جدليتين للإنتاج. وهو ما يملي عليها مراجعات تاكتيكية لتحقيق الفارق، والخروج من  النكسة التي استدرج إليها بعد خوضه للتجربة الحكومية التي لم تكن ناجحة تماما. بيد أن تحقيق الفارق لا يعني فقط رد الاعتبار لأهدافه التاريخية، بل يعني أولا وأساسا التخلي عن حتمية الاختيار الانتخابي، وبعيدا عن الصراعات السياسية المصطنعة التي حولته إلى شتات غير قادر على مواجهة التحالف الرأسمالي-التجاري. وهذا يدفعنا إلى طرح سؤال آخر: هل اجتمع الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية لمواجهة التغول، أم هي حركة استباقية استعدادا للانتخابات المقبلة؟ هل يتوفر الحزبان على قناعة تكتفي بذاتها لتجميع اليسار لإبطال التغول، أم أن الدافع هو الدخول في مواجهة مفتوحة مع أقطاب التغول لتأكيد الوجود بعد اليأس من كل احتمال للالتحاق بالحكومة؟
لقد رأينا كيف كان الحزبان يعملان باحتشام ودون شراسة في المعارضة، وكيف أبقيا على شعرة معاوية تجنبا لأي مساس فرصة للالتحاق بالحكومة، وكيف كانا يتغزلان، من موقع تكامل المعارضة مع الحكومة، في "الحكومة الاجتماعية" و"النموذج التنموي الجديد"، وكيف كانا يرسلان الرسائل المشفرة وغير المشفرة  إلى رئيس الحكومة ليعمل على ضمهما. ولذلك فكل حديث اليوم عن التكتل لا بد أن يستحضر أنه ردة فعل على الاحتكار أو الإقصاء.
يقترح الحزبان في تصريحهما المشترك إدماج القوى الوطنية الاشتراكية التقدمية في المبادرة كفضاء للانتماء والهوية، وذلك في مواجهة الأساليب الانتخابوية لما درجنا على تسميته أحزاب الإدارة، وأيضا في مواجهة  القدرة التنظيمية للحركات الإسلامية. غير أن توحيد اليسار  يخفي، في العمق، نوايا وحشية في أكل الأحزاب اليسارية الصغرى من طرف أحزاب اليسار الأول، مما يفرض ابتكار لحظة تأسيسية مندمجة تبتعد عن كل طموح للتغول عبر الإدماج الكلي والابتلاع النهائي، وهذا ما تتخوف منه أحزاب اليسار الأخرى، بصرف النظر عن تباين وجهات النظر وتعدد الرؤى وقراءة الواقع السياسي لكل حزب على حدة.