الجمعة 20 سبتمبر 2024
سياسة

المدير العام للأمن الوطني يوضح منظوره للأمن والإحساس بانعدام الأمن

المدير العام للأمن الوطني يوضح منظوره للأمن والإحساس بانعدام الأمن

بعد غياب عن الأكشاك دام فترة ملحوظة، عادت للأكشاك مجلة "الأمن الوطني"  في حلة جديدة وأنيقة، مع دمج الطبعتين (العربية والفرنسية) في طبعة واحدة. العدد الأول من المجلة ، الذي نزل للأسواق هذا الشهر، تميز بافتتاحية بوشعيب ارميل، المدير العام للأمن الوطني، الذي كسر الطابو وتواصل مع الرأي العام ليوضح مفهومه لمنسوب الأمن ومنسوب الإحساس بانعدام الأمن. "أنفاس بريس" تعيد أدناه، نشر افتتاحية ارميل لتوسيع دائرة النقاش حول الموضوع.

 

"الإحساس بالخوف أو بانعدام الأمن لاتتحكم فيه دائما اعتبارات عقلانية وموضوعية، فقد يكون مبالغا فيه أو قد يصبح مرضيا، لكن في الوقت الذي يخيم فيه الخوف على الساكنة، فإن واقع الخوف هو الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار أكثر من حقيقة التهديد". (بتصرف عن أمين معلوف).

 

أثارت ظاهرة "التشرميل" التي تم تداولها على نطاق واسع إعلاميا في الآونة الأخيرة، نقاشا عموميا محتدما بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين، وذلك في محاولة لفهم الظاهرة، أسبابها وخلفياتها وتداعياتها، وتحديد مدى ارتباطها بالمظهر العام للجريمة بالمغرب، فضلا عن قياس نسبة تأثيرها على الإحساس العام بالأمن لدى المواطن.

وقد برزت الإرهاصات الأولى للظاهرة مع نشر بعض الشبان لصور فوتوغرافية على حساباتهم الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، يظهرون فيها حاملين لأسلحة بيضاء من مختلف الأحجام، ويعرضون أموالا وممتلكات منقولة على أساس أنها عائدات إجرامية، فضلا عن تذييل تلك الصور بتدوينات تشيد بالسلوك الإجرامي، وتجعل منه مرادفا للرجولة ومعيارا محددا لنيل الإعجاب واستمالة المعجبين.

في البداية، اعتقد الجميع بأن الأمر يتعلق بتحول نوعي في الإجرام بالمغرب، ليس على مستوى الأسلوب الإجرامي المعتمد في ارتكاب الجريمة، وإنما في الملامح التشخيصية المميزة للجناة! كيف ذلك؟ فالثابت في علم الجريمة أن المجرم يجتهد دائما لحجب هويته، ويتفادى باستمرار ترك أشياء تدل عليه بمسرح الجريمة، بيد أن الصور المنشورة على الفايسبوك توحي بخلاف ذلك. فنحن أمام شباب بملامح بارزة، وهويات مكشوفة،و"متحصلات إجرامية". وهو ما فتح المجال أمام قراءات وتأويلات جديدة للسلوك الإجرامي بالمغرب.
من بين القراءات المتعددة لهذه الصور المنشورة على الفايسبوك، هناك من اعتبر أن التباهي بحمل الأسلحة واستعراض المسروقات هو بمثابة تحدي لسلطة القانون، وهناك من رأى في تلك الصور تراجعا في منظومة الضبط والزجر، وهناك اتجاه ثالث ذهب إلى اعتبار تلك الصور ظاهرة مجتمعية تسائل السياسات العمومية المرتبطة بالأمن، والفاعلين المؤسساتيين في الحقل الأمني، من منطلق أن نشر تلك الصور ساهم بشكل كبير في تراجع منسوب الإحساس بالأمن لدى المواطن.

الأبحاث الأمنية المنجزة، مدعومة بالخبرات التقنية المجراة على الصور المنشورة، أوضحت أن الأمر لا يتعلق بظاهرة إجرامية مستجدة، أو بتحول نوعي في "بروفايل" الجناة، أو تطور مفصلي في الأساليب الإجرامية المعتمدة من قبل مرتكبي الجريمة، وإنما يتعلق الأمر في حقيقته بسلوكات منحرفة لمجموعة من الشباب، حاولوا التميز بمظهر معين لاستمالة المعجبين، ووجدوا في صور الجريمة، وحمل الأسلحة البيضاء، وحيازة المخدرات أبلغ وسيلة، في اعتقادهم، للتخاطب عبر صفحات المواقع الاجتماعية. ألم يكشف تحليل المعطيات الشخصية الخاصة بالموقوفين في إطار ما بات يعرف بظاهرة "التشرميل"، والذين ناهز عددهم 120 شخصا على الصعيد الوطني، أن أكثر من 97 بالمائة منهم عديمي السوابق القضائية؟ وأن أكثر من 85 بالمائة لا زالوا يتابعون دراساتهم الإعدادية والثانوية؟ وأن عشر الموقوفين تقريبا لم يبلغوا بعد سن الرشد الجنائي؟

لكن في مقابل ذلك، لا يمكن لأي كان أن يخفي التداعيات السلبية لتلك الصور على الشعور بالأمن، خاصة عندما نشاهد تلميذا يشهر سكينا من الحجم الكبير داخل فصل للدراسة، أو عندما نعاين شريطا يظهر شبانا يلوحون بسكاكين ملطخة بالدماء بالشارع العام، حتى وإن كان هذا المشهد مبتورا من شريط فيديو خاص باحتفالات عيد الأضحى بإحدى مدن المملكة. أكثر من ذلك، فقد ساهمت هذه الصور في تناسل الإشاعات بشأن جرائم وهمية، وكثرت المزاعم بخصوص وقائع إجرامية افتراضية، وهو الأمر الذي زاد من إذكاء الإحساس بانعدام الأمن.

هذا الوضع المتباين بين واقع الجريمة من جهة والإحساس بالأمن من جهة ثانية، ناجم بالأساس عن اختلاف معايير التقييم بين المعطى الأول والثاني، فالجريمة هي واقع مادي ملموس يقاس، حجما وكما، بأرقام ومؤشرات ومعطيات إحصائية، بينما الإحساس بالأمن هو شعور شخصي/ ذاتي لا يخضع للمعايير الموضوعية، وإنما يحتاج إلى مقاربات ومخططات عمل ميدانية لتوطيده وتدعيمه، فضلا عن تعزيز جو الثقة بين جهات إنفاذ القوانين والمواطن المعني بهذا الشعور الذاتي.

وضمن هذا التوجه، وتفعيلا للتعليمات الملكية السامية، قامت المديرية العامة للأمن الوطني بتنسيق مع باقي مصالح وزارة الداخلية، بتكثيف التدخلات الميدانية بالشارع العام للقطع النهائي مع مجموعة من صور الانحراف ومظاهر الجنوح التي تؤثر في الإحساس بالأمن، وذلك من خلال تعزيز حضور الدوريات الراجلة والمحمولة في مختلف المدارات الطرقية والأحياء السكنية وفي محيط المؤسسات التعليمية، كما تم تدعيم المقاربة الزجرية التي استهدفت بدرجة أولى الأشخاص المبحوث عنهم من أجل جنايات وجنح مختلفة بهدف وضع حد نهائي لأنشطتهم الإجرامية، فضلا عن توطيد مقاربة تواصلية عرضانية مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والفاعلين في الحقل التربوي، إعمالا لمفهوم الإنتاج المشترك للأمن، وذلك ترسيخا لثقافة التواصل والانفتاح من جهة، وتأسيسا لفضاء مفعم بالثقة المتبادلة من جهة ثانية، من شأنهما المساهمة في إشاعة الأمن لدى المواطن وتحصينه ضد مختلف السلوكات المفرزة للشعور باللاأمن.

ومن هذا المنظور، ارتأت مجلة الأمن الوطني، في حلتها الجديدة، معالجة موضوع الجريمة بين الواقع الإحصائي والإحساس الذاتي، كما أنها حاولت ضمن هذا العدد تقييم واقع الجريمة على الصعيد الوطني واستعراض التحديات عبر الوطنية لبعض صور الجريمة المنظمة التي تحدق بالمغرب. هي إذن خطوة نحو الأمام في اتجاه تعزيز التواصل الذي تنهجه المديرية العامة للأمن الوطني، ووسيلة كذلك لتدعيم آليات الإعلام الأمني في مجال الوقاية من الجريمة وتوطيد الشعور بالأمن لدى المواطنين.

مع متمنيات المجلة بقراءة ممتعة."