منذ تأسيس جماعة العدل والإحسان، منتصف سبعينيات القرن العشرين، وهي تتربص بالنظام الملكي والدولة المغربية بغاية الانقلاب عليهما وإقامة ما تسميه "دولة القرآن" على أنقاض "دولة السلطان". وقد وضع مرشدها الشيخ ياسين إستراتيجية متعددة المستويات لهذا الغرض:
1 ـ المستوى التربوي: بحيث تعمل الجماعة على نشر أيديولوجيتها وسط المواطنين عموما، والشباب منهم على وجه الخصوص، بهدف إعدادهم فكريا وعقديا لاعتناق أفكارها والانخراط في مشروعها السياسي والاجتماعي. ويقتضي هذا المستوى تحريض الأعضاء والأتباع على النظام لخلق شريحة اجتماعية مناهضة للملكية، سواء بإسقاط الفتاوى الفقهية الشاذة على نظام الحكم لتُظْهره لأتباعها أنه "مُلْك عضوض" يسري عليه الحديث المزعوم المنسوب إلى الرسول (ص)، والذي ينبئ بعودة نظام الخلافة على منهاج النبوة. لهذا تجعل الجماعة مناهضة النظام الملكي أمرا عقديا قبل أن يكون سياسيا.
2 ـ المستوى التنظيمي: عبر تركيز الجماعة على بناء تنظيم مهيكل خاضع لقيادة مركزية يدين لها الأعضاء بالولاء التام والطاعة المطلقة. وتحرص الجماعة على الإعداد البدني شبه العسكري لأعضائها، خاصة الشباب منهم، إذ تجعل منهم "جناحها العسكري" على شاكلة تنظيمات الإسلامي السياسي، لكن بدون التدريب على استعمال السلاح الذي، لحسن الحظ، يجرّم القانون المغربي حمله أو امتلاكه بدون ترخيص. وتركز الجماعة على فتح قاعات مختصة في فنون القتال لفائدة أعضائها حتى يتم إعدادهم بدنيا لمواجهة الخصوص. وقد جندت الجماعة هذا "الجناح العسكري" المدجج بالسلاسل والسواطير والسكاكين والهراوات لشن هجماته على الطلبة بهدف السيطرة على الجامعات المغربية والسطو على المنظمة الطلابية العتيدة "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب". فلا تختلف الجماعة عن تنظيم جماعة الإخوان في مصر أو حركة حماس أو حزب الله في امتلاك "الجناح العسكري" لتنفيذ المشروع.
3 ـ المستوى التعبوي "ليوم الزحف": أي إعداد القوة وتجييش الأتباع وفئات الشعب للثورة ضد النظام والزحف على السلطة والسيطرة على الدولة. فالجماعة تسير على خطى ثورة الخميني الذي اتخذه الشيخ ياسين نموذجا له في الإعداد والتعبئة والتجييش والركوب على الاحتجاجات الاجتماعية ثم تحويلها إلى ثورة. وهذا ما فعلته جماعة العدل والإحسان مع حركة 20 فبراير التي تفطنت لأهداف الجماعة فرفضت الانصياع لتوجيهاتها ورفع شعار "إسقاط النظام"، أو ما تفعله الآن مع المظاهرات المطالبة بوقف الحرب على غزة. وكما استغل الخميني حزب "تودة" ويساريي إيران في تأجيج الثورة، تستغل جماعة العدل والإحسان حزب "النهج" وشريحة من اليساريين لتمويه الرأي العام الوطني حتى لا يتفطن لأهداف الجماعة فيفسد عليها خططها كما فعلت حركة 20 فبراير.
4 ـ المستوى الجمعوي: بحيث تعمل الجماعة على اختراق المجتمع المدني بالانخراط في الجمعيات الثقافية والرياضية والبيئية ثم الانقضاض عليها وتحويلها إلى أذرع تخدم أهداف الجماعة بالترويج لأيديولوجيتها واستقطاب الأتباع وتعبئتهم لتشكيل مجتمع موازي، من خصوصياته: التنكر لكل ما هو وطني، الخروج عن الإجماع الوطني، رفض الانخراط في مؤسسات الدولة والعمل من داخلها (الأحزاب، المجالس الترابية، البرلمان). وقد أثبتت الأحداث كيف تجاهلت الجماعة إغلاق معبر الكركرات من طرف عصابات البوليساريو، أو نجاح الجيش الملكي في تطهير المعبر وضمان حرية عبور الأشخاص والسلع، أو الهجوم الإرهابي على السمارة من طرف البوليساريو؛ إذ لم يصدر عنها أي بيان إدانة للهجوم الذي استهدف المدنيين وأسفر عن مقتل مواطن. ولا يمكن للجماعة أن تخرج بموقف من هذه الأحداث لأنها لا تخدم مشروعها السياسي ولا تمكّنها من مهاجمة النظام والتحريض ضده. بل، في نظرها، أي موقف منها سيخدم النظام ويقوي مؤسساته؛ بينما الجماعة تستعجل إضعافه وعزله عن الشعب.
تقاطع أهداف الجماعة مع أهداف أعداء الوطن.
شكلت الحرب على غزة فرصة للمغاربة ليكتشفوا الأهداف الحقيقية التي جعلت جماعة العدل والإحسان تتفرغ للدعوة إلى المظاهرات المنددة بالعدوان على الفلسطينيين وتتزعم المسيرات المطالبة بوقف العدوان. ذلك أن الجماعة، وهي تدعو إلى المظاهرات يوميا في المدن المغربية، وتحرض على استغلال صلاة الجمعة للتعبئة من أجل حشد أكبر عدد من المواطنين فيما تسميه بـ"جمعة الغضب"، لا تستحضر مصالح المواطنين التي تتعطل بسبب المظاهرات، خصوصا في الشوارع التي يمر منها المتظاهرون، ولا المصالح العليا للوطن وهي تقرن بين وقف العدوان وبين إسقاط التطبيع وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. ولعل المتتبع لخريطة المظاهرات وشعاراتها التي تتولى الجماعة وحلفاؤها من اليساريين صياغتها، سيدرك أن الهدف ليس وقف العدوان، ولكن التحريض على النظام والسعي لتجريده من كل عناصر القوة العسكرية التي أفشلت مخططات أعداء الوحدة الترابية ومموليهم وداعميهم بالمال والسلاح والتداريب. من هنا يكون الهدف من رفع شعار إسقاط التطبيع والدعوة إلى التظاهر رغم توقف الحرب على غزة، هو ممارسة مزيد من الضغط على النظام حتى يقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؛ الأمر الذي سيترتب عنه وقف التعاون العسكري مع إسرائيل وأمريكا معا وحرمان الجيش المغربي من أحدث المعدات والتقنيات العسكرية المتطورة التي كانت وستكون الرادع القوي لعصابات البوليساريو وداعميهم. فالجماعة، بمواقفها المعادية للمصالح العليا للوطن، تخدم أهداف إيران التي تستغل تنظيمات الإسلامي السياسي لزعزعة استقرار الدول العربية، ومن ثم، جر الخراب والدمار والفتن إليها على النحو الذي انتهت إليه الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن والعراق. ولا يخفى على المهتم بشؤون الجماعة أنها ترفض العمل من داخل مؤسسات الدولة الذي تعتبره "مصالحة" مع النظام و"تمديدا" في أجله و"ترميما لصدعه"؛ فهي تستعجل سقوطه. لهذا تعدّ العدّة وتقوّي "التنظيم" وتحشد "للقومة" و"للزحف" على الدولة. كما كشفت الحرب على غزة عن العلاقة القوية القائمة بين جماعة العدل والإحسان وأعداء الوحدة الترابية للمغرب، خاصة إيران والجزائر اللتان تقوّى تحالفهما بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والتوقيع على اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؛ وهي الاتفاقية التي جعلت المغرب ينهي عهد الابتزاز الذي ظل يتعرض له من طرف الدول الأوربية على الخصوص.
أيا كان موقف المغرب الداعم للقضية الفلسطينية والمندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، فإن الجماعة وحلفاءها من اليساريين، يتخذون من القضية الفلسطينية مطية لمهاجمة النظام. فقبل التوقيع على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ظلت الجماعة وحلفاؤها يستهدفون النظام ويدعون إلى المظاهرات و"جمعات الغضب" كما لو أن المغرب قوة عظمى تتحكم في القرار الأممي. تكفي المغرب مشاكله والحرب المفروضة عليه منذ نصف قرن. ورغم ذلك، يتحمل تمويل صندوق بين القدس بنسبة 80 بالمائة، فضلا عن باقي أشكال الدعم التي يمنحها للفلسطينيين. أما الشعارات التي ترفعها الجماعة وحلفاؤها فلا تسمن الفلسطينيين من جوع ولا تؤمنهم من خوف. وكان على الجماعة أن ترصد جزءا من أموالها التي تحصّلها من الدعم الخارجي، بطرق غير شرعية، لفائدة الفلسطينيين الذين هم بحاجة إلى الدواء والغذاء وليس الشعارات.