الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل "لا تكيل فرنسا بمكيالين" في القضية الفلسطينية؟

يوسف لهلالي: هل "لا تكيل فرنسا بمكيالين" في القضية الفلسطينية؟ يوسف لهلالي
هل "لا تكيل فرنسا بمكيالين" في القضية الفلسطينية؟ هذا السؤال أجاب عنه الرئيس الفرنسي في زيارته لسويسرا الأسبوع الماضي خلال لقاء مع الصحافة، وأكد فيه "ان فرنسا لا تكيل بمكيالين وان وضع المدنيين الفلسطينيين يعنيها، وان الطفل الفلسطيني هو مثل أي طفل يستحق نفس المعاملة". وقال أيضا أنه "لا يوجد أي مبرر ولا أية شرعية" لقصف الأطفال والنساء وكبار السن في قطاع غزة"، طبعا هذا تطور إيجابي في الموقف الفرنسي في تعامله مع القضية الفلسطينية مند بداية حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في 7 من أكتوبر الماضي والتي خلفت حتى الان 13 ألف قتيل من بينهم أكثر من 4000 طفل. والعالم يناقش مع إسرائيل عن الوقت الذي ستكف فيه عن هذه الإبادة الجماعية في قطاع غزة ووقف إطلاق النار.
في هذه الظروف تغير الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية ليصبح متوازنا ولو على مستوى الخطاب، حيث نجحت تل ابيب في استعمال فرنسا واعلامها وسياسييها من اجل الدعم المطلق للموقف الرسمي لإسرائيل ولم يقبل منها غير ذلك.
على كل حال إسرائيل وممثليها في فرنسا، كان اول من رد بقوة على تطور الموقف الفرنسي، وطلبت حكومة الاحتلال «توضيحات " من الرئيس الفرنسي، هل تخلى عن موقفه دون باقي البلدان الغربية، وهو إعطاء الحق لإسرائيل بإبادة المدنيين وقتل الأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس باسم "الحق في الانتقام" وما يسمى في اللغة الدبلوماسية الغربية واعلامها " حق الرد" او "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وهي الجملة التي على الدول الصديقة لإسرائيل ترديديها كلما طلب منهم إدانة سياسة الإبادة الجماعية والجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين التي تقوم بها يوميا.
إسرائيل تقول انها تريد توضيحا حول تحول الموقف الفرنسي وكيف تريد فرنسا وقف دعمها "لسياسة الانتقام" اليومي ضد المدنيين بغزة عبر قصفهم وتجويعهم وقطع كل المؤن عليهم. وتطالب بمزيد من الوقت للقتل والانتقام.
طبعا فرنسا اخذت عدة أسابيع ليستفيق ضميرها ولترى ان الألاف من الأطفال الأبرياء يقتلون يوميا بالطائرات الغربية. وإسرائيل تطالب بالمزيد ودون أي اعتبار لطلبات وقف إطلاق النار.
الرئيس الفرنسي عندما قال ان باريس" لا تكيل بمكيالين" في تعاملها مع القضية الفلسطينية كان يتوجه لباقي العالم، الذي تتبع هذه السياسة وان الدعم الذي تلقاه ضحايا الحرب بأوكرانيا والقرارات الدولية ضد روسيا رغم انها قوة عظمى، لكن باقي العالم راى ان نفس السلوك لم يحدث تجاه الاحتلال الإسرائيلي رغم ان وحشيته أعنف عشرات المرات من موسكو من خلال استفادته من قوة وبطش التكنولوجية الغربية.
فرنسا في البداية منعت التظاهرات المؤيدة لوقف إطلاق النار وإدانة إسرائيل، ونظم سياسيوها تظاهرة لدعم إسرائيل اجتمع فيها اليمين المتطرف مع اليمين ومع الحزب الحاكم بفرنسا وأحزاب المعارضة اليسارية الا حزب فرنسا الابية الذي قاطع هذه التظاهرة المؤيدة للقتل والاحتلال باسم الدفاع عن اليهود. في حين ان "هذه المسلوكات الداعمة لحق القتل والاحتلال للفلسطينيين تضع كل اليهود في خطر" كما يقول روني برومان الرئيس السابق لأطباء بلا حدود.
ما كان لافتا في هذه التظاهرة التي شهدتها باريس والتي سميت بتظاهرة "ضد معادات السامية"، لكن شاركت فيها أحزاب معروفة تاريخيا بفرنسا وأروبا بمسؤوليتها عن ماسات يهود فرنسا وأروبا وبعدائها التاريخي لليهود وايديولوجيتها الفاشية والذي عوضته اليوم بالعداء للمسلمين.
من المؤكد ان ارتفاع عدد الضحايا بغزة وكثافة الدمار الذي أصاب القطاع لم يعد مقبولا لدى الإنسانية ولذي الرأي العام الغربي والعالمي الذي بدأت تصله اخبار المذابح للأطفال والنساء التي تستر عليها جزء كبير من الاعلام الغربي. واكتشف الجميع ان إسرائيل لا تحترم قواعد الحرب.
وما قاله الرئيس الفرنسي وكرره حول ضرورة احترام قواعد الحرب وعدم إبادة المدنيين وقصف البنيات المدنية وهو نفس الامر الذي يفكر فيه باقي قادة بعض البلدان الغربية الذين أصبحوا تحت الضغط في الأسابيع الأخيرة امام هول المذابح وامام انهيار قيم الغرب الذي لم يعد يعتبره ويثق فيه باقي العالم.
هذا دون الحديث عن زيادة احتجاجات الديبلوماسيين والمسؤولين السياسيين سواء في فرنسا او الولايات المتحدة الأميركية حول دعم بلادهم المطلق لسياسة الإبادة وجرام الحرب بغزة وهي سلوكات لا يقبل بها مواطنون لهم حد أدني من الإنسانية.
هذا ما يفسر موقف الرئيس الفرنسي وحديثة عن سياسة الكيل بمكيالين، لكن هل بمقدوره الذهاب بعيدا في موقفه، وإدانة سلوك الاحتلال الإسرائيلي تجاه المدنيين في غزة، وهو الامر الذي ستكشف عنه الأيام المقبلة.
بوادر الإخفاق في الإدارة الأميركية والدعاية الإسرائيلية تتراجع امام رفض الراي العام الغربي لهمجية وبربرية القصف الإسرائيلي على غزة بدعم مادي وعسكري من بعض البلدان الغربية. وتزايدت المظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأميركية نفسها وفي مختلف الولايات وحتى في البلدان الغربية التي كانت تدعم الاحتلال رغم التهديد وتسخير القوانين لحماية سياسة الاحتلال الإسرائيلية وحماية الرواية الدعائية والكاذبة حول هذه الحرب خاصة بفرنسا وألمانيا.
واغلب التظاهرات التي شهدتها عواصم الغرب سواء بنيويورك او باريس اوز لندن فيينا او كو بنهاكن، برلين ومدريد اغلبيها مؤيد للفلسطينيين بنسبة 90 في المائة تقريبا ولم نر تظاهرات كثيرة لمؤيدي الاحتلال.
هذا التحول في الرأي العام الغربي من خلال التظاهرات ومن خلال نقل هذه الماسات عبر وسائل التواصل الاجتماعي دفع الدوائر الرسمية والاعلام الرسمي سواء العام او الخاص الى التحول نحو الابتعاد ولو ظاهريا عن دعم موقف اسرائيل والابتعاد عن رواية الاحتلال حول فلسطين وذلك تحت ضغط الراي العام بهذه البلدان.
اليوم باقي العالم ينظر الى الدعم الأمريكي والغربي اللامشروط لإسرائيل في سياسة الإبادة العسكرية للفلسطينيين وهو ما يجعل باقي العالم يبتعد عن الغرب ويتابع نفاقه عند حديثه عن احترامه للحربات الفردية وحقوق الانسان وفي نفس الوقت يقوم قادته بدعم الابادة الجماعية للفلسطينيين من خلال إطلاق العنان للكيان الإسرائيلي وحمايته سياسيا وعسكريا بالإضافة الى دعمه المادي. وهو الامر الذي يجعل الغرب عاريا امام باقي العالم في سياسة الكيل بمكيالين.