من مكر اللغة العربية أنها جعلت كلمة وزير مشتقة من وِزْر، بمعنى "الحمل الثقيل والشاق"، حسب أبي الحسن المارودي في كتابه "الأحكام السلطانية". أما في موسوعة"نهاية الارَب في فنون الادب " لأبي شهاب النويري، فهي مشتقة من كلمة الوَزَر، وتقصد الملجأ le refuge. وهكذا فكل وزير سيجد نفسه إما مع هذا المعنى أو ذاك القصد.
أما كلمة ministre فإن أصلها اللاتيني هو minus، أي "خادم"serviteur .
فهل صدق اللغويون عندما أكدوا، أن الكلمة ليست مجرد حروف متشابكة وإنما حمولة ودلالة ونسق وسياق؟
إن الوزير كمنصب لم يأخد شكله المعاصر، كعضو بالحكومة إلا مع ظهور مفهوم الدولة، وازدادت مهمة الوزير وضوحا في كتاب "روح القوانين "لصاحبه Montesquieu ونظرية فصل السلط كشرط مبدئي للتدبير الديمقرطي للحياة العامة،في أواخر القرن 17 وبداية القرن 18، حيث كان الوزراء في الدولة السيادية État régalien يقومون بثلاث مهام أساسية: "الامن والعدل"، إضافة الى العملة Finances والعلاقات الخارجية أو الديبلوماسية، قبل أن تتوسع هذه المهام في دولة الرفاهية État providence لتشمل ما تبقى من قطاعات اجتماعية وصحية وتعليمية.
الحكومات في كل الأنظمة هي مؤسسات سياسية أولا وأخيرا. ويزداد عمقها السياسي في الأنظمة الديمقراطية بالذات. وبالتالي فالوزراء هم رجال ونساء سياسة. يستمدون مشروعيتهم ومبرر مناصبهم، من المواطنين الناخبين الذين تفاعلوا إيجابا مع برنامج أحزابهم السياسية في فترة الانتخابات. وبذلك يكون الأصل في اختيار الوزراء هو قناعتهم السياسية، ببرامج إطاراتهم السياسية،والتزامهم بتنفيذه في ولاية سياسية، وبتضامن مع زملاء سياسيين داخل مؤسسة سياسية تسمى الحكومة.
ولهذا ففي العالم أجمع يكون اختيار الوزير مُؤسس على مؤهلاته القيادية وعلى قدرته على استيعاب البرنامج الحكومي المتوافق عليه، والتزامه بتحويله إلى توجيهات قطاعية ستسمح للادارة الموجودة تحت إمرة الوزير إلى تنزيله كاستراتيجيات ومخططات عمل اعتمادا على الخبرة التقنية والمهنية لمسؤوليها وأطرها الادارية.في حين يبقى الوزير،طبعا هو الكائن السياسي الذي يدافع ويتفاعل سياسيا مع البرلمانيين بالمؤسسة التشريعية ومع الرأي العام مباشرة وبشكل مستمر وتلك وظيفته ومبرر وجوده.
اما الخبرة التقنية للوزير في القطاع فليست شرط وجود لاستوزاره، لكنها تبقى مستحبة إذا ما اجتمعت مع المؤهلات المذكورة سابقا في الوزير الذي وُضِعت كل الادارة،وبقوة القانون، تحت إمرته ومسؤوليته.
فله تعود سلطة التعيين والتوظيف واختيار المسؤولين الخبراء في مجالهم لمساعدته على تنزيل توجيهاته التي يستمدها من برنامجه السياسي .
في هذا السياق دعوني أحكي لكم أنه قادتني ظروف مهنية إلى زيارة مدينة برشلونة سنة 2004 عندما كان الزعيم الاشتراكي Pasqual Maragall رئيسا للحكومة الكتالونية، وشاءت الظروف أن ادأحضر لقاءا مع هذا الرئيس الوزير ذو الشخصية القوية والذي كان عمدة لبرشلونة لفترة طويلة.فلا زال عالقا بذهني جزء من كلمته حيث قال،انه عند تعيينه من طرف البرلمان الكاتالوني رئيسا للحكومة واجتماعه بوزراء حكومته، عمل على إحداث حركية بالادارة الكاتلونية ،شملت 1200 مسؤول حتى أصبح الجهاز الاداري قادرا على تحويل توجهات حكومته الى برامج تنفيذية، وليتفرغ هو ووزراءه لمهامهم السياسية، وليكونوا على استعداد لتقديم الحساب أمام ناخبيهم.
أما هنا فيكفي الإشارة الى الفصل الفصـل93 من الدستور الذي يشير الى أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي ،يقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة.
وكذلك للفصل 47 الذي يقول: "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها."
وبقدر ما يصر الدستور وبوضوح على الطبيعة السياسية جينيا للوزراء يسجل - وليس الان فقط - جموح وتقزز ونفور بعض الوزراء من السياسة علنا، رغم أنها هي القنطرة التي حملتهم الى هذه المناصب -ولعل لذلك تفسير طبعا - وبالتالي يؤثر ذالك على التدافع السياسي بالبرلمان الذي يبقى محدودا ، والمعروف في كل البلدان الديمقراطية ان السلطة التنفيدية هي المنشطة للحياة السياسية بالبرلمان وخارجه .كما ان غياب الفاعل الحكومي ترك الفضاء العمومي لكائنات اخرى تتشط كثيرا بالسراديب وقليلا في العلن ، مادام أن الثابت علميا أن الطبيعة تكره الفراغ.في حين تجد أن عددا من الوزراء هنا وهناك منشغلون بالتوقيع على الطلبيات bons de commande وتدبير مرائب السيارات Parcs Auto ومراقبة حضور وغياب الموظفين،وفي أحسن الأحوال الانخراط التفصيلي مع اخر حلقة في الهرم الاداري لتنفيد البرامج بعد تهميش المدراء ورؤساء الأقسام ورؤساء المصالح أو التنافس معهم. وهاجس الوزراء في ذلك كله ، الاثبات للاخرين قبل انفسهم ادأنهم ليسوا سياسيين حيث يبدو أنها صفة لا تشرفهم، وانما هم خبراء تقنيون أكفاء. متناسين أن عشقهم كوزراء لوظيفة المدير ورئيس القسم وما دونه، تجعلهم مجرد موظفين سامبن عوض وزراء أصحاب رؤية ومهمة vision et mission .
والتاريخ يشهد أن الوزراء الذين نجحوا لم يكونوا بالضرورة تقنيون في قطاعاتهم. كما أن الذين تعتروا ليس لكونهم غير خبراء في القطاع. فهل نسرد الاسماء من اليمين واليسار والحكومة الملتحية؟
إن قيام الوزراء بمهامهم السياسية هو مساهمة في نضج التجربة الديمقراطية ونقلها الى نبل السياسة كفعل مدني هو كذلك إنجاز هام لاستمرار وديمومة الاستقرار بالتمرس على تدبير الاختلاف والصراع السياسي سلميا وأيضا تعميق مشاركة المواطنين ونخبهم ومثليهم في الحياة العامة واكراهاتها. وبذلك فهو لا يقل أهمية على بناء مستوصف أو تعبيد طريق قروية أو حتى إنجاز الطريق السيار.
في الأخير أُنبِه القارء الكريم لهذه السطور وإِنْ كان النبيه لا يُنَبَه، بان كل ماود لا علاقة له بوطن المرابطين. وإن كل تشابه في الأسماء ادأو الأمكنة هو مجرد صدفة أو للضرورة الفنية.
أما كلمة ministre فإن أصلها اللاتيني هو minus، أي "خادم"serviteur .
فهل صدق اللغويون عندما أكدوا، أن الكلمة ليست مجرد حروف متشابكة وإنما حمولة ودلالة ونسق وسياق؟
إن الوزير كمنصب لم يأخد شكله المعاصر، كعضو بالحكومة إلا مع ظهور مفهوم الدولة، وازدادت مهمة الوزير وضوحا في كتاب "روح القوانين "لصاحبه Montesquieu ونظرية فصل السلط كشرط مبدئي للتدبير الديمقرطي للحياة العامة،في أواخر القرن 17 وبداية القرن 18، حيث كان الوزراء في الدولة السيادية État régalien يقومون بثلاث مهام أساسية: "الامن والعدل"، إضافة الى العملة Finances والعلاقات الخارجية أو الديبلوماسية، قبل أن تتوسع هذه المهام في دولة الرفاهية État providence لتشمل ما تبقى من قطاعات اجتماعية وصحية وتعليمية.
الحكومات في كل الأنظمة هي مؤسسات سياسية أولا وأخيرا. ويزداد عمقها السياسي في الأنظمة الديمقراطية بالذات. وبالتالي فالوزراء هم رجال ونساء سياسة. يستمدون مشروعيتهم ومبرر مناصبهم، من المواطنين الناخبين الذين تفاعلوا إيجابا مع برنامج أحزابهم السياسية في فترة الانتخابات. وبذلك يكون الأصل في اختيار الوزراء هو قناعتهم السياسية، ببرامج إطاراتهم السياسية،والتزامهم بتنفيذه في ولاية سياسية، وبتضامن مع زملاء سياسيين داخل مؤسسة سياسية تسمى الحكومة.
ولهذا ففي العالم أجمع يكون اختيار الوزير مُؤسس على مؤهلاته القيادية وعلى قدرته على استيعاب البرنامج الحكومي المتوافق عليه، والتزامه بتحويله إلى توجيهات قطاعية ستسمح للادارة الموجودة تحت إمرة الوزير إلى تنزيله كاستراتيجيات ومخططات عمل اعتمادا على الخبرة التقنية والمهنية لمسؤوليها وأطرها الادارية.في حين يبقى الوزير،طبعا هو الكائن السياسي الذي يدافع ويتفاعل سياسيا مع البرلمانيين بالمؤسسة التشريعية ومع الرأي العام مباشرة وبشكل مستمر وتلك وظيفته ومبرر وجوده.
اما الخبرة التقنية للوزير في القطاع فليست شرط وجود لاستوزاره، لكنها تبقى مستحبة إذا ما اجتمعت مع المؤهلات المذكورة سابقا في الوزير الذي وُضِعت كل الادارة،وبقوة القانون، تحت إمرته ومسؤوليته.
فله تعود سلطة التعيين والتوظيف واختيار المسؤولين الخبراء في مجالهم لمساعدته على تنزيل توجيهاته التي يستمدها من برنامجه السياسي .
في هذا السياق دعوني أحكي لكم أنه قادتني ظروف مهنية إلى زيارة مدينة برشلونة سنة 2004 عندما كان الزعيم الاشتراكي Pasqual Maragall رئيسا للحكومة الكتالونية، وشاءت الظروف أن ادأحضر لقاءا مع هذا الرئيس الوزير ذو الشخصية القوية والذي كان عمدة لبرشلونة لفترة طويلة.فلا زال عالقا بذهني جزء من كلمته حيث قال،انه عند تعيينه من طرف البرلمان الكاتالوني رئيسا للحكومة واجتماعه بوزراء حكومته، عمل على إحداث حركية بالادارة الكاتلونية ،شملت 1200 مسؤول حتى أصبح الجهاز الاداري قادرا على تحويل توجهات حكومته الى برامج تنفيذية، وليتفرغ هو ووزراءه لمهامهم السياسية، وليكونوا على استعداد لتقديم الحساب أمام ناخبيهم.
أما هنا فيكفي الإشارة الى الفصل الفصـل93 من الدستور الذي يشير الى أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي ،يقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة.
وكذلك للفصل 47 الذي يقول: "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها."
وبقدر ما يصر الدستور وبوضوح على الطبيعة السياسية جينيا للوزراء يسجل - وليس الان فقط - جموح وتقزز ونفور بعض الوزراء من السياسة علنا، رغم أنها هي القنطرة التي حملتهم الى هذه المناصب -ولعل لذلك تفسير طبعا - وبالتالي يؤثر ذالك على التدافع السياسي بالبرلمان الذي يبقى محدودا ، والمعروف في كل البلدان الديمقراطية ان السلطة التنفيدية هي المنشطة للحياة السياسية بالبرلمان وخارجه .كما ان غياب الفاعل الحكومي ترك الفضاء العمومي لكائنات اخرى تتشط كثيرا بالسراديب وقليلا في العلن ، مادام أن الثابت علميا أن الطبيعة تكره الفراغ.في حين تجد أن عددا من الوزراء هنا وهناك منشغلون بالتوقيع على الطلبيات bons de commande وتدبير مرائب السيارات Parcs Auto ومراقبة حضور وغياب الموظفين،وفي أحسن الأحوال الانخراط التفصيلي مع اخر حلقة في الهرم الاداري لتنفيد البرامج بعد تهميش المدراء ورؤساء الأقسام ورؤساء المصالح أو التنافس معهم. وهاجس الوزراء في ذلك كله ، الاثبات للاخرين قبل انفسهم ادأنهم ليسوا سياسيين حيث يبدو أنها صفة لا تشرفهم، وانما هم خبراء تقنيون أكفاء. متناسين أن عشقهم كوزراء لوظيفة المدير ورئيس القسم وما دونه، تجعلهم مجرد موظفين سامبن عوض وزراء أصحاب رؤية ومهمة vision et mission .
والتاريخ يشهد أن الوزراء الذين نجحوا لم يكونوا بالضرورة تقنيون في قطاعاتهم. كما أن الذين تعتروا ليس لكونهم غير خبراء في القطاع. فهل نسرد الاسماء من اليمين واليسار والحكومة الملتحية؟
إن قيام الوزراء بمهامهم السياسية هو مساهمة في نضج التجربة الديمقراطية ونقلها الى نبل السياسة كفعل مدني هو كذلك إنجاز هام لاستمرار وديمومة الاستقرار بالتمرس على تدبير الاختلاف والصراع السياسي سلميا وأيضا تعميق مشاركة المواطنين ونخبهم ومثليهم في الحياة العامة واكراهاتها. وبذلك فهو لا يقل أهمية على بناء مستوصف أو تعبيد طريق قروية أو حتى إنجاز الطريق السيار.
في الأخير أُنبِه القارء الكريم لهذه السطور وإِنْ كان النبيه لا يُنَبَه، بان كل ماود لا علاقة له بوطن المرابطين. وإن كل تشابه في الأسماء ادأو الأمكنة هو مجرد صدفة أو للضرورة الفنية.