دار الضمانة المدينة العريقة كما يشهد بذلك موروثها المادي واللامادي مرشحة اليوم دخول قاعة الانعاش ...والأسباب، لن نجد لها من توصيف أقوى من المقولة الشعبية " فين ما اضربتي القراع يسيل دمو" ...حتى مشتل بناء مستقبل وزان وقع تسميده عمدا بمادة منتهية الصلاحية، فكان أن نتج عن ذلك تيه أطفال المدينة وشبابها بين ثنايا الألم ودهاليز وأنفاق مظلمة بلا فجوة ضوء مهما ضاق حجمها يمكن أن تساعدهم على معانقة الأمل...
ولأن الواقع الاجتماعي آسن بإجماع أهل وزان ... فإن فخاخ شبكة تجار المآسي الاجتماعية جاهزة لاصطياد الضحايا .... ومن هم غير الأبرياء الذين سيتلقفهم الشارع الذي تحول إلى منبت لكل الأمراض الاجتماعية، غير الأطفال والشباب ذكورا وإناثا ....
يوم الجمعة 17 نونبر 2023، وأنا أمام المدخل الرئيسي للإقامة، حيث أقيم، وبعد عودتي من مهمة انسانية انجزتها بمعية رئيسة جمعية أحضان لحماية الأطفال في وضعية صعبة، صدمني مشهد تلميذين لا يتجاوز عمر كل واحد منهما 13 سنة على الأكثر! يفترشان محفظتيهما، ويتوسدان درج العمارة ... لم يكن درسهما غير التمرن بعيدا عن الأنظار على طريقة صناعة " الجوان " واستهلاكه! أو إن كانا مدمنان وهذا هو المرجح، غير السفر إلى العالم الآخر حتى..!
هذا المشهد، وبشهادة أكثر من مصدر وفاعل، يتكرر يوميا من طرف العشرات من المراهقات والمراهقين بمحيط المؤسسات التعليمية، إن بالمدينة أو بمختلف الجماعات الترابية .... لكن المثير في واقعة اليوم، هو تزامنها مع العودة من جديد للشغيلة التعليمية للمؤسسات التعليمية بعد سلسلة من الاضرابات التي تم خوضها بغاية تحقيق ما جاء من مطالب مشروعة مسطرة بدفترهم المطلبي .... عودة كان يجب أن تكون محفزا لجميع التلميذات والتلاميذ من أجل الالتحاق بفصولهم بدل أن يكره بعضهم/ن العودة .... نستنتج من خلال الحالة التي بين أيدينا، التي لا يجب استصغارها والتعامل معها باعتبارها حالة يتيمة ومعزولة، بأن منسوب تعاطي المتعلمات والمتعلمين لكل أنواع المخدرات، لا محالة يرتفع في فترات تيههم بين سراديب محيط المؤسسات التعليمية في فترات الاحتقان، لأن الأسر يصعب عليها التأكد من التحاق أبنائها من عدمه بالفصول الدراسية!
من باب الظلم تحميل مسؤولية تأمين محيط المؤسسات التعليمية بوزان لنساء ورجال المنطقة الاقليمية للأمن الوطني ... المدينة تناسلت مشاكلها الاجتماعية وتعقدت، والموارد البشرية بقطاع الأمن محدود عددها، والمقاربة الأمنية لوحدها ما ثبت يوما بأنها نجحت في معالجة نتائج المعضلات الاجتماعية ...
وما العمل ومحيط المؤسسات التعليمية تحول إلى مرتع للترويج لكل أنواع المخدرات؟ وإلى متى سيظل التعامل مع تعاطي الأطفال والشباب للمخدرات بتنزيل مبادرات ادارية فارغة الروح، لأن توجيهات وتعليمات هذا القطاع الحكومي أو ذاك تأمر بذلك؟ وفي انتظار وضع حد النزيف من جدوره الذي يستهلك أبنائنا، ويلقي بهم لقمة صائغة يفترسها تجار المآسي الاجتماعية، فما هي الآليات التي يجب وضعها لمحاصرة الظاهرة الثقيلة كلفة علاجها؟
في اعتقادي إن أول خطوة لانقاد مراهقات ومراهقي دار الضمانة من السقوط في شبكة تجار المآسي الاجتماعية، هو اقرار كل المتدخلين بأن تعاطي الأطفال والشباب بوزان للمخدرات بما فيها الصلبة واقع يعلو ولا يعلا عليها. ثاني خطوة في حزمة المبادرات التي يجب اطلاقها ليس غير وعي الجميع بأن تغول الظاهرة لا يمكن الوقوف سدا منيعا في وجهه من دون اعتبار الآفة شأنا مجتمعيا، وأن التصدي لها لتحجيمها يمر عبر معبر تملك ثقافة المواطنة.
وفي هذا الإطار وجب تذكير من يهمهم الأمر بأن هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع لجماعة وزان في نسختها الأصلية خلال الولاية الانتخابية السابقة، كانت قد تقدمت بمقترح أحالته على مجلس جماعة وزان من أجل تنظيم يوم دراسي تنصب أشغاله على مناقشة موضوع " الأمن المجتمعي " الذي تشكل ظاهرة تعاطي المراهقات والمراهقين وجها من وجوهه. الاقتراح يشدد أكثر من مصدر وضعه الرئيس السابق فوق مكتب الكاتب العامل السابق لعمالة وزان، إلا أن هذا الأخير اختار اقباره لأسباب لا تفسير لها! فهل يمكن احياء المقترح اليوم من طرف مجلس وزان والمجلس الإقليمي، مع تعبيدهما الطريق أمام مختلف المتدخلين المؤسساتيين والمدنيين، وضمان انخراطهم الواعي، مع الالتزام بتفعيل رزنامة مخرجات وتوصيات اليوم الدراسي.
وفي انتظار تنظيم هذا اليوم، ولأن الظاهرة تتوسع مساحتها، ويرتفع ضحاياها أطفالا وشبابا من الجنسين، فإن تعبئة مجتمعية تفرض نفسها. على شرطة الأمن المدرسي أن تكثف من حضورها بمحيط المؤسسات التعليمية، وببعض الفضاءات العمومية التي تحولت إلى أسواق للترويج والاستهلاك. كما على جمعيات أمهات وآباء التلاميذ القطع مع سلبيتها في التعامل مع الظاهرة. أما المديرية الاقليمية للتربية الوطنية فإنها مطالبة بتفعيل آلية المرصد الإقليمي للعنف في الوسط التلاميذي، وفي هذا الإطار يمكن تنظيم لقاءات هادفة ومسؤولة تحتضنها الأحواض المدرسية. ونرى كذلك بأن المنظمات الشبابية الحزبية، وجمعيات المجتمع المدني التي تعنى بالطفولة، والمديرية الإقليمية للشباب مطالبين بتنزيل برنامج واقعي يلاحق الظاهرة في كل أسبابها، وتجلياتها. ولا يمكن ونحن نستحضر كل هؤلاء المتدخلين من دون ابراز دور المجلس العلمي في حماية أبناء إقليم وزان من هذا الوباء الفتاك.
اللهم إنني قد بلغت في زمن لا يرحم !