الأحد 24 نوفمبر 2024
جالية

أريري: في حضرة ملك الماندينغا العظيم بدكار !

أريري: في حضرة ملك الماندينغا العظيم بدكار ! الزميل عبد الرحيم أريري بمحل بيع التسجيلات الموسيقية الإفريقية بمحيط مركز sandaga بالعاصمة دكار
رغم أنه محل عشوائي ورغم أن مساحته لا تتعدى مساحة طابلة صغيرة قطرها 70 سنتيمترا، فإن هذا "المحل العشوائي" بقلب العاصمة السينغالية دكار، هو أحد مداخل الإمساك بثقافة 9 دول مجتمعة.
 
المحل العشوائي الموجود بوسط دكار بجوار المركز التجاري sandaga، يعد من أشهر المحلات المتخصصة في بيع الألوان الموسيقية التقليدية لشعوب غرب إفريقيا مجتمعة. إذ بدل أن يضيع المرء وقته "مسمرا" أمام حاسوبه أو هاتفه لتحميل وترتيب الأغاني الإفريقية التقليدية الأصيلة والجميلة، يكفي أن يذهب عند صاحب "المحل"، ليجد ليس فقط الأغاني مجمعة ومصنفة حسب الأنواع الفنية وحسب الفرق الغنائية، بل وسيجد مقطوعات رائعة وخالدة غير مدرجة في اليوتوب أو سبوتيفاي.
 
فشعوب السينغال ومالي وغامبيا وساحل العاج وبوركينافاسو والنيجر وغينيا بيساو وغينيا كوناكري وسيراليون، لاتعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار، بالنظر إلى أن هذه الدول كانت عبارة عن وحدة مجالية واحدة، تقطن معظم أراضيها مجموعة إثنية اسمها: "الماندينغ" mandingue، وهي المجموعة الإثنية التي تفتخر بأمجاد ملحمة سوندياتا كايتا soundiata keita، "ملك الماندينغا العظيم"، الذي أسس مملكة مالي في النصف الأول من القرن الثالث عشر.
 
سوندياتا كايتا.."الملك العظيم"، يرجع له الفضل في كون حقبته، هي الحقبة التي عرفت ازدهار الحكواتيين الذين كانوا يمجدون فتوحاته وانتصاراته على الممالك والقبائل الأخرى، لدرجة أن هؤلاء الحكواتيين les griots، أضحوا فيما بعد، طبقة اجتماعية secte يرافق أعضاؤها السلاطين والأمراء والنبلاء للتغني بأمجاد وخصال وأخلاق أمرائهم ونبلائهم في الحفلات والأعراس. فتطور الإلقاء والإنشاد إلى غناء مصحوب بآلات وترية وإيقاعية تقليدية من قبيل: Blafon, Kora, le n'goni, le djembé.... لدرجة أن هؤلاء الحكواتيين les griots أصبحوا حماة للتقاليد الموسيقية التي توارثثها الأجيال عبر مئات السنين، إلى أن جاء فيروس الاستعمار ونسف النسيج القبلي والإثني والمجتمعي بدول القارة الإفريقية. لكن رغم وحشية وفظاعة المستعمر الفرنسي، لم يتمكن هذا المستعمر من نسف تعلق شعوب دول غرب إفريقيا بتراثها وبموروثها الفني والغنائي الثري والمتنوع.
 
الدليل أن محيط المركز التجاري sandaga بمدينة دكار (وهي منطقة تسمى "بيروت الثانية" بحكم سيطرة التجار اللبنانيين على مفاصل الاقتصاد الحضري، قبل أن يتم إسقاطهم من عرش الاقتصاد على يد أعيان الطائفة الموريدية القوية بالسينغال)، يتميز بدينامية رهيبة تتمحور معظم تجارتها حول ما يرمز للإثنيات المحلية التي لا يعلو عليها سوى روح "ملك الماندينغا العظيم" !