ستة أشهر، هي المهلة التي منحها الملك محمد السادس لحكومة أخنوش، ومن خلالها اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة، من أجل رفع المقترحات بشأن تعديل مدونة الأسرة التي عمرت قرابة العشرين سنة.
وبالموازاة مع بداية ورش إصلاح مدونة الأسرة من خلال وضع خطة عمل من طرف اللجنة التي ستشرف على هذا الإصلاح الذي طالما طالبت به الفعاليات الحقوقية والنسائية وكذا المحاميات والمحامين، يتواصل النقاش العمومي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر حملات تافهة في عمومها، وموجٍهة للرأي العام بعيدا عن روح فكرة الإصلاح.
وفي هذا الصدد، اعتبرت فتيحة شتاتو، المحامية بهيئة الرباط أن النقاشات غير الصحية التي تعرفها مواقع التواصل الاجتماعي في سباق مع ذوي الاختصاص، واللجنة المكلفة بمباشرة هذا الورش، ليست بريئة، بل هي توجيهات «فارغة» للانسياق وراء نقاشات «عقيمة» بعيدة عن العدالة التي نرجوها من هذه الخطوة لصالح الأسرة ككل.
وأفادت المتحدثة ذاتها في تصريح لجريدة «الوطن الآن» أن الممارسة الفعلية لمضامين مدونة الأسرة التي تم اعتبارها سنة 2004 حدثا تاريخيا بارزا، أبانت عن وجود عدد من الثغرات والاختلالات، بل ظهرت أيضا فراغات قانونية. وبالتالي يجب التركيز على تلك النواقص من أجل إصلاحها أو تعديلها أو «مراجعتها»، حسب ما جاء في الرسالة الملكية لصالح الأسرة ككل.
ومن بين الثغرات التي تعتري مدونة الأسرة «تضيف شتاتو»، النيابة القانونية، أو الولاية على الأبناء التي تعتبر من المقتضيات التمييزية بين الزوجين، حيث تحرم منها المرأة رغم مصادقة المغرب على اتفاقية «سيداو»، والبروتوكول الاختياري، وبالرغم من اعتبار المدونة نفسها أن رعاية الأبناء مسؤولية متساوية بين الرجل والمرأة، إلا أن ذلك يتبخر خلال الممارسة على أرض الواقع، ففي حال كانت الأم هي الحاضنة، فأي إجراء إداري هو مرتبط بموافقة الأب.
وطرحت المتحدثة ذاته مشكل "تزويج الطفلات الذي صار ظاهرة، وفي الوقت الذي حددت فيه مدونة الأسرة سن الزواج في سن 18 سنة، منحت للقاضي السلطة التقديرية في القضاء بزواج القاصر، فصار الاستثناء قاعدة، مما يسفر عن آثار وخيمة للقاصرات اللواتي يجدن أنفسهن مطلقات، وأمهات في عمر لازلن يحتجن فيه لرعاية الأم، يحدث هذا في ظل دستور ينص على المصلحة الفضلى للأطفال، وفي ظل مصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الطفل..، مما يستوجب منع اغتصاب الطفولة تحت أي مبرر كان».
الفصل القانوني الخاص بتعدد الزوجات، أيضا يحتاج إلى تعديل جذري بحسب عضو منظمة النساء التجمعيات، على اعتبار أنه انتهاك صريح لحقوق المرأة، والذي صار قاعدة عوض كونه استثناء، بحيث فشلت مسطرة تبوث الزوجية في جمع شتات الأطفال خارج الزواج بسبب التحايل على القانون من أجل تسريع مسطرة التعدد، بالرغم من الآثار النفسية للزوجة، سيما مع سوء تقدير القضاء للفصل الاستثنائي المتعلق بالتعدد.
وفي السياق ذاته، توقفت فتيحة شتاتو عند مسألة ثبوت النسب، ووسائل الإثبات المتمثلة في الخبرة الجينية، «حيث هناك تناقض بين كون حماية الطفولة هي مسؤولية للدولة، إلا أن الخبرات الجينية لا يتم تفعيلها، مما يضيع حقوق هؤلاء الأطفال الذين كانوا نتاجا لعلاقات غير موثقة، أو زواج الفاتحة، حيث تتحمل المرأة كل المسؤولية مما يزيد من نسبة الهشاشة الاجتماعية، فيما يفلت الطرف الثاني "الرجل" من المسؤولية ومن المحاسبة أيضا.
وفي حديثها عن الإشكالات التي تعترض مسطرة معالجة النزاعات الأسرية أمام القضاء، أفادت المحامية شتاتو أن تعدد أنواع الطلاق له نصيب في ارتفاع نسبة الطلاق، ناهيك عن تراجع القيم، والتربية والتعليم..، وأوضحت في هذا الصدد أن الاحتفاظ بنوعين من مساطر الطلاق «الاتفاقي والتطليق للشقاق»، مع جعل مسألة الصلح القضائي مؤسساتية، على اعتبار أن القضاة غير مختصين في تفعيل مسطرة الصلح، ناهيك عن كثرة الملفات التي تأخذ وقتا طويلا للبت فيها.
ومن بين المواضيع التي ترى الفاعلة الحقوقية تعديلها، تقسيم الممتلكات بين الأزواج، مشيرة إلى ضرورة تفعيل مسألة الكد والسعاية، على اعتبار أن عمل الزوجة داخل البيت وتحمل تربية الأبناء العناية بالأسرة كاملة هو عمل في حد ذاته، كما أن عددا من الأسر تعيلها النساء.
وقالت في هذا الصدد: «يجب أن يخرج بيت الزوجية من الموروث، في حال وفاة الزوجة يصير الإرث حقا للأبناء والزوج، وفي حال توفي هذا الأخير يعود للزوجة والأبناء».
وأفادت أن الفصل 400 من مدونة الأسرة يتضمن إشكالا كبيرا، ويتناقض مع الفصل 399، الذي يبيح اللجوء إلى اجتهادات الفقه المالكي، وهنا يختلف الفقهاء، وتصدر بذلك أحكاما متناقضة، وهي المسألة التي يجب أن يوضع لها حد، من خلال وضع نصوص واضحة.
وعن الجدل الذي يحاول البعض إثارته بخصوص المساواة في الإرث، أكدت فتيحة شتاتو على أن هذه النقاشات سابقة لأوانها، حيث المشكل الحقيقي يتعلق بالتعصيب، حين يشارك العم، أو ابن العم..بنات أخيه في الإرث في حالة عدم وجود الولد، وهو ما نعتبره حيفا في حق النساء.
من جانبها، طالبت ليلى أميلي، رئيسة جمعية «أيادي حرة»، بمدونة حقيقية للأسرة، تكون واضحة، بعيدة عن التأويلات، ولصالح جميع أفراد الأسرة، مع الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الفضلى للطفل.
وفي هذا الإطار، شددت ليلة أميلي في تصريح لجريدة «الوطن الآن»، على أن بعض البنود التي تتضمنها مدونة الأسرة تجاوزها الزمن، وبالتالي «نطالب كفعاليات حقوقية بتعديل ومراجعة شاملة للمدونة، بعيدا عن التجزيء، أو الحلول الترقيعية» مشددة على أن الملك محمد السادس كان واضحا في طلب تعديل شامل لمدونة الأسرة، كما أشادت بمضامين الرسالة الملكية.
وأفادت عضو «شبكة ربيع الكرامة» أن ملف تزويج القاصرات، من أهم الملفات التي تحتاج إلى تعديل شامل، لكي لا تبقى الطفلات عرضة للهدر المدرسي، وعرضة للاستغلال المجتمعي، مشددة على ضرورة تحديد سن 18 سنة للزواج، خصوصا وأنه في ظل مدونة الأسرة صار تزويج الطفلات هو القاعدة في الوقت الذي كان استثناء فيما قبل.
وزادت ليلى أميلي قائلة: "مطلبنا الأساسي أيضا أن تكون الحضانة في حالة الطلاق بيد الأم بشكل مطلق، دون تقييد بأخذ الأبناء منها في حالة التفكير في تجديد حياتها الزوجية، في حين يمكن للطليق الاحتفاظ بحضانة الأبناء حتى لو تزوج، فيما لا حق للأم من حرمان طليقها من رؤية أبنائه حسب القانون، والمهم هو المصلحة الفضلى للطفل».
وحسب المتحدثة ذاتها، موضوع الولاية القانونية من المواضيع المؤرقة أيضا، أمهات يجدن صعوبة في تنقيل أبنائهم من مؤسسة تعليمية لأخرى في غياب الأب، وهذا حيف بالنسبة للمرأة.
رئيسة جمعية «أيادي حرة" توقفت أيضا عند ملف اقتسام الممتلكات وتفعيل مبدأ الكد والسعاية بين الزوجية، كقاعدة لكي لا يتم تبخيس المجهودات الكبيرة التي يبذلها الزوجة داخل بيت الزوجية، ومساهمتها الكبيرة في تنمية الأسرة ماديا ومعنويا، مشيرة إلى ضرورة تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه «لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة...غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية بالاتفاق على استثمارها وتوزيعها، ويضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج». وأكدت أن التنصيص بإدراج هذا البند في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، وعدم التنصيص عليه في المدونة، يجعل روح هذا النص بدون قيمة، حيث هناك نساء تساهمن في تنمية جميع أفراد الأسرة بشكل كبير، تربية الأبناء، وتعليمهم، وخدمتهم، لكن يضيع كل هذا التعب، وتحتسب الثروة للزوج فقط، في غياب الأخذ بمبدأ الكد والسعاية الذي من المفترض التنصيص عليه قانونيا.