لرصد تفاعل المثقف المغربي مع ما يقع في غزة من دمار واعتداء على الحق في الحياة الذي يروح ضحيته الصغار قبل الكبار، اتصلت "أنفاس بريس" بمثقفين وشعراء مغاربة وطرحت عليهم 3 أسئلة تروم إلى تقريب القارئ من تفاعلهم مع تفاصيل العدوان الهمجي على غزة، وانعكاس ذلك على إبداعاتهم الأدبية والشعرية وتفسيرهم لصمت المثقف المغربي إزاء ما يجري. في هذا الحوار الكلمة للشاعر والناقد عبد اللطيف الوراري.
كيف تتفاعل مع تفاصيل العدوان الهمجي الذي تشنه إسرائيل على غزة؟
في أيّامٍ عصيبة، تأتينا من غزّة مشاهد الحرب الهمجيّة عليها. لا تحصد الحرب، التي أفزعت النّاس وذكّرتْهم بقذارة الحربين الكبريين، إلّا أرواح الأبرياء العُزّل ممّن وجدوا أنفسهم مُلْقى بهم في أتون الحرب تعبث بأحلامهم وآمالهم للغد آلتها القذرة، بلا رحمة. تحوّلت الحرب، غير المرغوب فيها أصلاً، من لعبةٍ تُفيد معنى الحيلة والخداع واحتساب التوقّعات بين ندّيْن، إلى لعبٍ إفتراضيّ مُهوّى داخل غرفة العمليّات الطائرة، يقتنص من هم في عمر الزهور وأرذله من الرضّع والأطفال والنساء والمسنّين، ويلهث وراء الأرقام بدم بارد، كأنّنا بجيش الكيان الصهيوني يتخيّل نفسه أمام جهاز بلاي ستيشن. جاز لهم أن يفعلوا ما شاؤوا في عصرهم البربري.
هل تتوقع أن تتمثل إبداعاتك القادمة جزءا من هذا العدوان؟
يكفينا نحن (من نحن؟) أن نتلقّف صور الحرب ومشاهدها الّتي تؤذينا، وأن نقرأ شريط الإعلان الصغير، المتحرّك، الذي تبثُّه محطات التلفزيون، لندرك كم هي حربٌ بربريّة بالفعل. أمام ذلك كلّه، نلجأ في أغلب الأحيان إلى الكلمات رغم هشاشتها الظاهرة، لكنّها تشير وتفضح وتتّهم بمجازها الصّارخ. لذلك كانت حاجتنا إلى كتّاب وشعراء بوصفهم مثقّفين يحرصون على قول الحقيقة، لأن يعبرّوا عن بعض مشاعرهم إزاء ما شاهدوه من هول المأساة التي آذت الجميع، خارج الكلمات الّتي لم نسمعها في مظاهرات التعاطف الحاشدة الّتي أدّت حقّاً واجباً، ولا الّتي تنعي الواجب على الأفواه المتخشّبة. وقد استعادت الكلمات في هذه المعمعة المظلمة محمود درويش الذي لم ييأس من أمل الكلمات مهما احلولكت الظّلمة، بقدر ما أوحت بنبوءته الّتي انتهت إلى حقيقة أنّ الفلسطينيّين هم وحدهم في المعركة.
كيف تفسر صمت المثقف المغربي إزاء ما يجري؟
في ظلّ خزي النظام العربي وتردّيه السياسي والأخلاقي، وتواطئ المجتمع الدولي، وصمت المثقّفين واستخذائهم. لقد حلّ بيننا البرابرة مدجّجين بالنار والحديد والدّجل والأساطير، وسط التشريعات والرُّتب والألقاب والثياب الجديدة، ولا حلّ يرفّ له جفْنٌ للحياة، ولا أبهرته دعة الأشياء. بهذا المعنى، ليست الحرب على غزّة فحسب، إنّها أيضاً حرباً بلا هوادة على الأخلاق والحقّ والضمير الإنساني. لقد وقفنا مشدوهين أمام هذه الإنسانية التي تُهدر في كلّ لحظة أمام آلة الحرب البربريّة التي لم تدع الأخضر ولا اليابس إلا دمّرته وأزهقت أرواح من فيه، غير عابئة بكلّ الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.