لماذا لم ينجح المسؤولون المغاربة في تهيئة شارع جميل مثل شارع مولاي يوسف بالبيضاء خلال 58 سنة؟ لماذا فشل المسؤولون المغاربة في استنساخ جمالية شارع مولاي يوسف وإسقاطها على شارع محمد السادس بالدار البيضاء؟
فالدار البيضاء لما بنيت حرص المارشال ليوطي على ربط مصيرها بشارعين رئيسيين وهما شارع محمد الخامس وشارع مولاي يوسف. الأول يعتبر شارعا متحفا،( boulevard musée) بالنظر إلى روعة وجمال البنايات التي أبدعها المهندسون المعماريون آنذاك بينما شارع مولاي يوسف يعد شارعا حديقة ( boulevard jardin) رسمه المهندس نيكولا فوريستيي ليربط ،ليس بين الأحياء فقط، بل ليكون منتزها كذلك للجوار خاصة وأن هذا الشارع تم رسمه بارتباط وثيق مع حديقة الجامعة العربية (الرئة التي يتوفر عليها وسط المدينة ).
وحينما قتل المسؤولون شارعي محمد الخامس ومولاي يوسف تم التوقيع على شهادة قتل التعمير بالدار البيضاء. فالشارع الأول تحول إلى سوق للفراشة والباعة المتجولين وإلى "بورديل" بالليل منذ أواخر الثمانينات وبداية التسعينات ،وهي سياسة إرادية انتهجتها الدولة آنذاك لتهيئة فرص النجاح لمحيط توين سنتر والشوارع المتفرعة عنه بالنظر إلى بروز فاعل جديد يؤثر في التخطيط الحضري، ألا وهو اللوبي العقاري والمالي.
أما شارع مولاي يوسف فتم اغتيال وظيفته منذ أن شرعت السلطة في تفتيت حديقة الجامعة العربية إلى مقاهي ومطاعم وتحويلها إلى محميات خاصة بالمقربين من السلطة ، لتكتمل "الباهية" مع احتلال الميريكان لأجمل مقطع بشارع مولاي يوسف عبر زرع صناديق حديدية خاصة بالأزبال قبالة القنصلية الأمريكية بشكل شوه المجال. وزاد من تشويهه تلك العسكرة الأمنية التي تمولها الدولة من جيوب المواطنين لحماية بضع موظفين قنصليين أمريكيين، في الوقت الذي كان مطلوبا ترحيل القنصلية الأمريكية إلى ضواحي الدار البيضاء، خاصة وأن المغرب لا يستفيد الشيء الكثير من هذه القنصلية. إذ لا تسلم أمريكا سوى 900 فيزا سنويا للمغاربة مقارنة مع الطاليان أو فرنسا اللتين يسلمان ما يفوق 300 ألف فيزا في السنة للمغاربة.
احتلال الولايات المتحدة الأمريكية لشارع مولاي يوسف أدى إلى تعطيل تهيئة مشروع ضخم ينتظره البيضاويون بفارغ الصبر منذ عام 2006، ألا وهو تهيئة حديقة الجامعة العربية بغلاف يقارب 42 مليار سنتيم. المشروع توقف لوجود عائقيين: عائق عسكري يتمثل في وجود ثكنات داخل حديقة الجامعة العربية، وهذا العائق تم تجاوزه بعد موافقة القائد العام للقوات المسلحة الملكية على هدم كل ثكنة "خرج فيها البلان". فيما العائق الثاني يتجلى في صعوبة إنجاز نفق تحت أرضي لحل أزمة السير والجولان داخل محيط شارعي مولاي يوسف والحسن الثاني ، وهي الصعوبة التي لا يمكن تجاوزها إلا إذا تم حل إشكالية القنصلية الأمريكية التي "استعمرت" شارع مولاي يوسف بالصناديق الحديدية والحواجز العشوائية. أي أن مصلحة قنصل أمريكي وأربعة أو ستة موظفين أهم من مصلحة 4 مليون بيضاوي، وأهم من إنجاز مشروع مهيكل متوقف منذ عام 2006.
الآن وقد تبث أن المسؤولين المغاربة ليسوا من عيار ثقيل لإنجاز شارع جميل مثل مولاي يوسف في محور شارع محمد السادس ،وبعد أن تبث أن "الترامواي" قد دك آخر مسمار في نعش تهيئة محيط شارع محمد الخامس، لم تبق أمامهم من فرصة لإعادة التوهج لوسط الدارالبيضاء سوى بتحرير شارع مولاي يوسف من المحتل الأمريكي.
فلترحل إدارة أوباما إلى خارج الدار البيضاء، والأمل في أن يخجل المسؤولون المغاربة لينجزوا مشروعا مثل شارع مولاي يوسف في كل الأحياء والمدن وإجبار المنعشين على رسمه وغرسه في كل مشروع ينجزونه.