نظمت مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء محاضرة حول "دور المجتمع المدني في تنزيل النموذج التنموي الجديد" و التي ألقاها الدكتور حسن عبيابة يوم السبت 29 أبريل 2023. محاضرة جمعت ما بين حديها كل من مفهومي المجتمع المدني والنموذج التنموي الجديد. فقد حاول المحاضر فيها طرح شروط إمكانيات اجتراح بدائل ممكنة وسريعة لتنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد من خلال مقاربة تشاركية، يكون فيها المجتمع المدني قطب الرحى. ومنبها في الان إلى مشروعية التفعيل من خلال ضمانة الأساس الدستوري والتشريع القانوني للعلاقة الناظمة ما بين المجتمع المدني وتنزيل مقتضيات المشروع التنموي الجديد.
هكذا يمكن اعتبار المحاضرة استجابة حيوية لمشكلات التنمية التي تقض مضجع مستقبل المغرب، سيما ما بات يلمسه المغاربة في العالم القروي و الحضري من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، والذي تواكبه في الان نفسه ارتفاع منسوب درجات حدة الاحتجاجات. من جهة لا يمكن التنكر للعلاقة الجدلية ما بين الشأن المحلي والسياق الدولي المرتبك والعنيف، والذي تؤثته " الحرب الأوكرانية الروسية" المتصلة بصراع القوى الكبرى المحموم والمرعب في أفق بناء خرائط وأقطاب دولية جديدة " الصين أنموذجا".
و في هذا السياق العام يمكن مقاربة المحاضرة باعتبارها ورقة عمل واعدة لطرح ومناقشة خارطة طريق التحرر الوطني الثقافي، اللغوي والاستقلال الاقتصادي، في أفق تصليب أسس بناء الدولة المغربية، الوطنية الديمقراطية الحديثة.
كما يمكن اعتبار الدخول مع المحاضرة المشار إليها في حوار ومناقشة فرصة وجيهة لفتح أوراش التعاطي العلمي والأكاديمي مع الإكراهات السوسيو اقتصادية و التحديات الخارجية المرتبطة بسياسات "عملاء" خرائط الاستعمار الجديد؛ التي يواجهها المغرب، بعد "ثورات عربية رقمية". وقد حولت كثيرا من دول الوطن العربي إلى مجرد كيانات سياسية متقاتلة؛ بحكم تخصيب مفاعلات مراكز تفكير نظام الأنظمة للمكونات الأنثربولوجية أكانت عرقية، طائفية، مذهبية أو قبلية إلى سياسات أو مداخل لإقبار كل إمكانيات النهوض الوطني او الانبعاث الحضاري، مع الإصرار الدائم على تكريس كل أنواع الهشاشة و القابلية للتبعية المستدامة.
تتأطر هذه الورقة المتواضعة ضمن محاولة إمكانية قراءة تفاعلية مع المحاضرة المشار إليها في العنوان، لسببين وجيهين:
السبب الأول:
- التوجس من هيمنة الخطاب الشفوي الشعبوي المسطح للوعي الجماعي، خطاب وقد أرخى بغموضه و فوضويته على مساحات كبيرة من فضائنا العمومي. خطاب شفوي تضليلي في عمومه؛ و قد انتشر كالنار في الهشيم نتيجة عولمة هاجمة؛ أدت بسرعة البرق إلى الانتشار المهول للتقنيات الرقمية و التسويق لبضائع مواقع التواصل الاجتماعي المادية و الرمزية. بحيث يصعب قياس حجم تأثير استغلالها من طرف "المؤثرين الجدد" في اتجاه نشر الفوضى، لاسيما وأن الدراسات و الأبحاث في العالم الثالث قد تبثت على أن الأمية الرقمية أخطر بكثير من الأمية الحرفية، بحيث نلاحظ أنه لحد الان لم يتم الحسم بشكل نهائي في بعض القضايا الخلافية:( اللغوية، الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية و الدينية)، ولم يحصل بشأنها أي اجماع تام. إنها قضايا و مشكلات يمكن أن تطفو على السطح بشكل واضح في إصلاح كل من التعليم، المجتمع و الدولة. وبالتالي يصعب التنبؤ سوسيولوجيا بردود الأفعال في ظل ديكتاتورية الشاشات في تهييج "الجماهير والحشود".
وعليه لا بد من الجنوح إلى الثقافة الرصينة في أشكال تبادل و مناقشة مواد و مضامين الخطاب الثقافي و السياسي العامين، بناء على أرضية أسس منهجية المعرفيات المعاصرة ( العلوم الإنسانية من فلسفة، سوسيولوجيا، علم النفس، القانون الحديث، اللسانيات، التاريخ و الإقتصاد كمداخل رئيسة في تحديث الجامعات الوطنية و مراكز الدراسات والأبحات ووضع مخططات بناء النخب الشابة في التعاطي مع مستقبل سياسي ديمقراطي واعد، إذا ما توفرت الإرادة العامة في النهضة الوطنية المنتظرة. و الذي لا يمكن بأي حال تصور نجاحه إلا بتحكيم الرفع من المستوى المعرفي العام للمجتمع المغربي؛ بالجنوح التلقائي للتقاليد الأكاديمية و العلمية، من خلال مراكز بحثية تابعة للجامعات، و ما يمكن القيام به من ندوات، أبحاث، دراسات، أعمال جماعية محصنة في مقاربة قضايا التنمية والتحولات الإجتماعية و السياسية، مع إيلاء الاهتمام الكبير "للمجتمع المدني" من حيث التأهيل و التكوين خوفا من ردود أفعال ضعف الثقافة العامة و إمكانيات الإلتفاف عليها من طرف تيارات أو كاريزمات شعبوية تقود المجتمع إلى مطبات برامج التعصب و التطرف..
وعليه لابد من ذهنية مواكبة لتحديات العصر وطرق تواصل جديدة في مقاربة أو مناقشة المشكلات الإجتماعية أو التدافع السياسي. مع العمل على تأهيل سايكلوجية المجتمع المدني للإنخراط السلس في التنمية الوطنية في لحظة تاريخية جد حساسة بالنسبة للمغرب، و التي يمكن تلخيصها في احتدام الضغط الأوربي من خلال أذرعه الإقليمية على تطلعات المغرب في استكمال وحدته الترابية و ترسيم حدوده البحرية، في أفق استرجاع الصحراء الشرقية و المدينتين السليبتين.
السبب الثاني:
تستمد "المحاضرة" أهميتها التربوية من دينامية التحولات الجيواسترتيجية التي توجه الخرائط الدولية الجديدة ( لمابعد الربيع العربي، داعش و جائحة كرونا) أو ما يسميه المحاضر في أحد مقالاته "تدبير اقتصاد الأزمات"، كموضوعة عولمية فرضت نفسها بقوة منذ خمس سنوات نتيجة التحولات الجيوإقتصادية الدولية التي غيرت أهمية مصادر الثروة الإقتصادية جغرافيا من دول إلى أخرى، بسبب سيطرة اقتصاد الطاقة واقتصاد الغذاء عالميا على كل الأنشطة الإقتصادية في الحياة العامة، مما جعل الحياة السياسية والاجتماعية للعديد من الدول؛ التي دخلت في ترقب المجهول الغير محدد زمنيا).
أما راهنية المحاضرة سياسيا تكمن في التعاطي معها كاستجابة لتحريك سواكن الاحتباس السياسي و الاحتقان الإجتماعي المتمثل في تعثر الحكومة السياسية المغربية المنتخبة ديمقراطيا في الوفاء بعهودها ووعودها الإنتخابية، مع ملاحظة تتجلى في غياب تام لروح الاستباقية في احتواء الرأي العام الوطني في ظروف دقيقة جدا "طرح المغرب لمشروع الحكم الذاتي ". وما يقتضيه الوضع العام من حيطة وحذر في التفاعل مع مطالب الفئات الهشة. و عليه يمكن اعتبار الدخول في حوار أو نقاش مع محاضرة الدكتور حسن عبيابة حول : "دور المجتمع المدني في تنزيل النموذج التنموي الجديد" نوعا من الإستجابة التاريخية السياسية لتدارس ومناقشة خريطة شروط إمكان تطوير الفعالية المجتمعية المتصلة بتأهيل الموارد البشرية المغربية في أفق تنزيل المجتمع المدني المغربي لمقتضيات " النموذج التنموي الجديد " .
ماذا يفيد المجتمع المدني في الدلالة النظرية و العملية؟ و ما طبيعة علاقته الجدلية بالدولة و السلطة و التنمية و التربية؟
تقتضي الأعراف المرعية أن تناول أي موضوع أو مفهوم لابد من تقديم تعاريف أو تحديدات لما نريد الخوض فيه من تحليل و نقاش بشكل عام ومقتضب.
إن الحديث عن المجتمع المدني يحيل إلى الكثير من الصعوبات والإشكاليات النظرية والعلمية، وأولى صعوبات تحديده كمفهوم تكمن في تداوله المكثف في الفضاء العمومي، لدرجة أنه أصبح المقولة المركزية التي تؤثث المجال الإجتماعي والسياسي والثقافي، مما يجعل مهمة التحديد الموضوعي في غاية التعقيد، أما الصعوبة الثانية فتكمن في المفارقات التي ينتجها توظيفه في مجتمعنا في اللحظة الراهنة.
يمكن تعريف المجتمع المدني على أنه تلك المساحة التي تدور فيها التفاعلات الإجتماعية العامة، التي لا تتعلق بالربح أو بالصراع حول السلطة السياسية أو السيطرة على السلطة التنفيذية. ويعتبر المجتمع المدني شريكا مع الدولة لمساعدتها وتكملة مجهوداتها دون الوصول إلى حد السعي لتقويضها أو انتزاع السلطة منها. وباعتباره الإطار الذي ينظم العلاقات بين الدولة والمواطنين، فإن صورة المجتمع المدني تنعكس على الحياة المجتمعية وتساهم في تطور المجتمع، وذلك من خلال مجموعة من المؤسسات والتنظيمات التي يسهر عليها أفراد مثل جمعيات، خيريات، أخويات، وداديات، منظمات غير حكومية إلخ. لقد اعتبر توماس هوبز أن المجتمع المدني حالة سياسية واجتماعية مصطنعة، ولا تقوم له قائمة من دون سلطة الدولة. في حين أن جون لوك عرف المجتمع المدني على أنه مجتمع القانون الضامن للحريات ومصدر الشرعية للسلطة الحاكمة. كما أن جون جاك روسو اعتبر ان المجتمع المدني هو رابطة أخلاقية تجمع الأفراد الذين يشاركون على نحو كامل في الحياة السياسية. أما في التجربة الفلسفية الألمانية فقد برهن هيجل على أن المجتمع المدني مجال للمبادرة الخاصة، وتشكل الدولة في هذا الصدد المجسد للمصلحة العامة.
ماذا يعني النموذج التنموي الجديد بالمغرب؟
كما جرت العادة في تاريخ المملكة العريق والمتواصل، لتجديد الميثاق الوطني، ميثاق يضمن في نفس الان الإنصاف والحرية، الحماية والتمكين، الابتكار والتجذر، التعددية و الوحدة،. هذا الميثاق، الذي يشكل التزاما معنويا وسياسيا ورمزيا قويا أمام جلالة الملك وأمام الأمة برمتها، بإمكانه أن يشكل محطة تاريخية جديدة لبلادنا. وفي هذا السياق الوطني جاء في الخطاب الملكي للذكرى 16 لعيد العرش جاء تكملة لباقي الخطابات الملكية ذات الصبغة والحمولة الحقيقية والمباشرة والصريحة مع الشعب المغربي، حيث تميز عن الخطابات الأخرى بعملية نقده للعديد من المجالات، ووقف بشكل موضوعي وجريء على مجموعة من الأوضاع التي تعيشها العديد من القطاعات من بينها التعليم والتكوين المهني والشؤون الخارجية وأوضاع مغاربة الخارج، ووضعه للصورة الحقيقية للمغرب. فخطاب عيد العرش تميز بلغة جديدة (الوضوح، الموضوعية، الجرأة والقراءة النقدية) كما قال الباحث "يونس مليح". إلا أهم ما جاء في الخطاب الملكي فيما يهم استعجالية ضرورة تنزيل نموذج تنموي هو قول جلالته: (أصبح اليوم النموذج الحالي للتنمية، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية). كما سيؤكد جلالته في الرسالة الموجهة للملتقى البرلماني الثالث، حول “رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجـديد”، يومي 19 و20 فبراير 2018، على : ( أن إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي هي قضية تهم كل المغاربة، وكافة القوى الحية للأمة، أفرادا ومؤسسات، أحزابا ونقابات، ومجتمعا مدنيا، وهيئات مهنية ) .
هكذا يمكن اعتبار المحاضرة استجابة حيوية لمشكلات التنمية التي تقض مضجع مستقبل المغرب، سيما ما بات يلمسه المغاربة في العالم القروي و الحضري من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، والذي تواكبه في الان نفسه ارتفاع منسوب درجات حدة الاحتجاجات. من جهة لا يمكن التنكر للعلاقة الجدلية ما بين الشأن المحلي والسياق الدولي المرتبك والعنيف، والذي تؤثته " الحرب الأوكرانية الروسية" المتصلة بصراع القوى الكبرى المحموم والمرعب في أفق بناء خرائط وأقطاب دولية جديدة " الصين أنموذجا".
و في هذا السياق العام يمكن مقاربة المحاضرة باعتبارها ورقة عمل واعدة لطرح ومناقشة خارطة طريق التحرر الوطني الثقافي، اللغوي والاستقلال الاقتصادي، في أفق تصليب أسس بناء الدولة المغربية، الوطنية الديمقراطية الحديثة.
كما يمكن اعتبار الدخول مع المحاضرة المشار إليها في حوار ومناقشة فرصة وجيهة لفتح أوراش التعاطي العلمي والأكاديمي مع الإكراهات السوسيو اقتصادية و التحديات الخارجية المرتبطة بسياسات "عملاء" خرائط الاستعمار الجديد؛ التي يواجهها المغرب، بعد "ثورات عربية رقمية". وقد حولت كثيرا من دول الوطن العربي إلى مجرد كيانات سياسية متقاتلة؛ بحكم تخصيب مفاعلات مراكز تفكير نظام الأنظمة للمكونات الأنثربولوجية أكانت عرقية، طائفية، مذهبية أو قبلية إلى سياسات أو مداخل لإقبار كل إمكانيات النهوض الوطني او الانبعاث الحضاري، مع الإصرار الدائم على تكريس كل أنواع الهشاشة و القابلية للتبعية المستدامة.
تتأطر هذه الورقة المتواضعة ضمن محاولة إمكانية قراءة تفاعلية مع المحاضرة المشار إليها في العنوان، لسببين وجيهين:
السبب الأول:
- التوجس من هيمنة الخطاب الشفوي الشعبوي المسطح للوعي الجماعي، خطاب وقد أرخى بغموضه و فوضويته على مساحات كبيرة من فضائنا العمومي. خطاب شفوي تضليلي في عمومه؛ و قد انتشر كالنار في الهشيم نتيجة عولمة هاجمة؛ أدت بسرعة البرق إلى الانتشار المهول للتقنيات الرقمية و التسويق لبضائع مواقع التواصل الاجتماعي المادية و الرمزية. بحيث يصعب قياس حجم تأثير استغلالها من طرف "المؤثرين الجدد" في اتجاه نشر الفوضى، لاسيما وأن الدراسات و الأبحاث في العالم الثالث قد تبثت على أن الأمية الرقمية أخطر بكثير من الأمية الحرفية، بحيث نلاحظ أنه لحد الان لم يتم الحسم بشكل نهائي في بعض القضايا الخلافية:( اللغوية، الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية و الدينية)، ولم يحصل بشأنها أي اجماع تام. إنها قضايا و مشكلات يمكن أن تطفو على السطح بشكل واضح في إصلاح كل من التعليم، المجتمع و الدولة. وبالتالي يصعب التنبؤ سوسيولوجيا بردود الأفعال في ظل ديكتاتورية الشاشات في تهييج "الجماهير والحشود".
وعليه لا بد من الجنوح إلى الثقافة الرصينة في أشكال تبادل و مناقشة مواد و مضامين الخطاب الثقافي و السياسي العامين، بناء على أرضية أسس منهجية المعرفيات المعاصرة ( العلوم الإنسانية من فلسفة، سوسيولوجيا، علم النفس، القانون الحديث، اللسانيات، التاريخ و الإقتصاد كمداخل رئيسة في تحديث الجامعات الوطنية و مراكز الدراسات والأبحات ووضع مخططات بناء النخب الشابة في التعاطي مع مستقبل سياسي ديمقراطي واعد، إذا ما توفرت الإرادة العامة في النهضة الوطنية المنتظرة. و الذي لا يمكن بأي حال تصور نجاحه إلا بتحكيم الرفع من المستوى المعرفي العام للمجتمع المغربي؛ بالجنوح التلقائي للتقاليد الأكاديمية و العلمية، من خلال مراكز بحثية تابعة للجامعات، و ما يمكن القيام به من ندوات، أبحاث، دراسات، أعمال جماعية محصنة في مقاربة قضايا التنمية والتحولات الإجتماعية و السياسية، مع إيلاء الاهتمام الكبير "للمجتمع المدني" من حيث التأهيل و التكوين خوفا من ردود أفعال ضعف الثقافة العامة و إمكانيات الإلتفاف عليها من طرف تيارات أو كاريزمات شعبوية تقود المجتمع إلى مطبات برامج التعصب و التطرف..
وعليه لابد من ذهنية مواكبة لتحديات العصر وطرق تواصل جديدة في مقاربة أو مناقشة المشكلات الإجتماعية أو التدافع السياسي. مع العمل على تأهيل سايكلوجية المجتمع المدني للإنخراط السلس في التنمية الوطنية في لحظة تاريخية جد حساسة بالنسبة للمغرب، و التي يمكن تلخيصها في احتدام الضغط الأوربي من خلال أذرعه الإقليمية على تطلعات المغرب في استكمال وحدته الترابية و ترسيم حدوده البحرية، في أفق استرجاع الصحراء الشرقية و المدينتين السليبتين.
السبب الثاني:
تستمد "المحاضرة" أهميتها التربوية من دينامية التحولات الجيواسترتيجية التي توجه الخرائط الدولية الجديدة ( لمابعد الربيع العربي، داعش و جائحة كرونا) أو ما يسميه المحاضر في أحد مقالاته "تدبير اقتصاد الأزمات"، كموضوعة عولمية فرضت نفسها بقوة منذ خمس سنوات نتيجة التحولات الجيوإقتصادية الدولية التي غيرت أهمية مصادر الثروة الإقتصادية جغرافيا من دول إلى أخرى، بسبب سيطرة اقتصاد الطاقة واقتصاد الغذاء عالميا على كل الأنشطة الإقتصادية في الحياة العامة، مما جعل الحياة السياسية والاجتماعية للعديد من الدول؛ التي دخلت في ترقب المجهول الغير محدد زمنيا).
أما راهنية المحاضرة سياسيا تكمن في التعاطي معها كاستجابة لتحريك سواكن الاحتباس السياسي و الاحتقان الإجتماعي المتمثل في تعثر الحكومة السياسية المغربية المنتخبة ديمقراطيا في الوفاء بعهودها ووعودها الإنتخابية، مع ملاحظة تتجلى في غياب تام لروح الاستباقية في احتواء الرأي العام الوطني في ظروف دقيقة جدا "طرح المغرب لمشروع الحكم الذاتي ". وما يقتضيه الوضع العام من حيطة وحذر في التفاعل مع مطالب الفئات الهشة. و عليه يمكن اعتبار الدخول في حوار أو نقاش مع محاضرة الدكتور حسن عبيابة حول : "دور المجتمع المدني في تنزيل النموذج التنموي الجديد" نوعا من الإستجابة التاريخية السياسية لتدارس ومناقشة خريطة شروط إمكان تطوير الفعالية المجتمعية المتصلة بتأهيل الموارد البشرية المغربية في أفق تنزيل المجتمع المدني المغربي لمقتضيات " النموذج التنموي الجديد " .
ماذا يفيد المجتمع المدني في الدلالة النظرية و العملية؟ و ما طبيعة علاقته الجدلية بالدولة و السلطة و التنمية و التربية؟
تقتضي الأعراف المرعية أن تناول أي موضوع أو مفهوم لابد من تقديم تعاريف أو تحديدات لما نريد الخوض فيه من تحليل و نقاش بشكل عام ومقتضب.
إن الحديث عن المجتمع المدني يحيل إلى الكثير من الصعوبات والإشكاليات النظرية والعلمية، وأولى صعوبات تحديده كمفهوم تكمن في تداوله المكثف في الفضاء العمومي، لدرجة أنه أصبح المقولة المركزية التي تؤثث المجال الإجتماعي والسياسي والثقافي، مما يجعل مهمة التحديد الموضوعي في غاية التعقيد، أما الصعوبة الثانية فتكمن في المفارقات التي ينتجها توظيفه في مجتمعنا في اللحظة الراهنة.
يمكن تعريف المجتمع المدني على أنه تلك المساحة التي تدور فيها التفاعلات الإجتماعية العامة، التي لا تتعلق بالربح أو بالصراع حول السلطة السياسية أو السيطرة على السلطة التنفيذية. ويعتبر المجتمع المدني شريكا مع الدولة لمساعدتها وتكملة مجهوداتها دون الوصول إلى حد السعي لتقويضها أو انتزاع السلطة منها. وباعتباره الإطار الذي ينظم العلاقات بين الدولة والمواطنين، فإن صورة المجتمع المدني تنعكس على الحياة المجتمعية وتساهم في تطور المجتمع، وذلك من خلال مجموعة من المؤسسات والتنظيمات التي يسهر عليها أفراد مثل جمعيات، خيريات، أخويات، وداديات، منظمات غير حكومية إلخ. لقد اعتبر توماس هوبز أن المجتمع المدني حالة سياسية واجتماعية مصطنعة، ولا تقوم له قائمة من دون سلطة الدولة. في حين أن جون لوك عرف المجتمع المدني على أنه مجتمع القانون الضامن للحريات ومصدر الشرعية للسلطة الحاكمة. كما أن جون جاك روسو اعتبر ان المجتمع المدني هو رابطة أخلاقية تجمع الأفراد الذين يشاركون على نحو كامل في الحياة السياسية. أما في التجربة الفلسفية الألمانية فقد برهن هيجل على أن المجتمع المدني مجال للمبادرة الخاصة، وتشكل الدولة في هذا الصدد المجسد للمصلحة العامة.
ماذا يعني النموذج التنموي الجديد بالمغرب؟
كما جرت العادة في تاريخ المملكة العريق والمتواصل، لتجديد الميثاق الوطني، ميثاق يضمن في نفس الان الإنصاف والحرية، الحماية والتمكين، الابتكار والتجذر، التعددية و الوحدة،. هذا الميثاق، الذي يشكل التزاما معنويا وسياسيا ورمزيا قويا أمام جلالة الملك وأمام الأمة برمتها، بإمكانه أن يشكل محطة تاريخية جديدة لبلادنا. وفي هذا السياق الوطني جاء في الخطاب الملكي للذكرى 16 لعيد العرش جاء تكملة لباقي الخطابات الملكية ذات الصبغة والحمولة الحقيقية والمباشرة والصريحة مع الشعب المغربي، حيث تميز عن الخطابات الأخرى بعملية نقده للعديد من المجالات، ووقف بشكل موضوعي وجريء على مجموعة من الأوضاع التي تعيشها العديد من القطاعات من بينها التعليم والتكوين المهني والشؤون الخارجية وأوضاع مغاربة الخارج، ووضعه للصورة الحقيقية للمغرب. فخطاب عيد العرش تميز بلغة جديدة (الوضوح، الموضوعية، الجرأة والقراءة النقدية) كما قال الباحث "يونس مليح". إلا أهم ما جاء في الخطاب الملكي فيما يهم استعجالية ضرورة تنزيل نموذج تنموي هو قول جلالته: (أصبح اليوم النموذج الحالي للتنمية، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية). كما سيؤكد جلالته في الرسالة الموجهة للملتقى البرلماني الثالث، حول “رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجـديد”، يومي 19 و20 فبراير 2018، على : ( أن إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي هي قضية تهم كل المغاربة، وكافة القوى الحية للأمة، أفرادا ومؤسسات، أحزابا ونقابات، ومجتمعا مدنيا، وهيئات مهنية ) .
دور المجتمع المدني في تنزيل " النموذج التنموي الجديد " .
وبالعودة إلى محاضرة الدكتور حسن عبيابة يمكن التركيز على بعض أطاريحه من خلال أفكارها في النقط التالية:
ملاءمة القوانين التشريعية و غياب الفاعلية.
لقد أكد المحاضر في هذه النقطة على أن المغرب يتوفر في تجربته الديمقراطية المتطورة على الأساس التشريعي المنزل في الدستور المغربي لتفعيل العلاقة الدينامية ما بين دور المجتمع المدني و تنزيل مقتضيات النموذج التنوي الجديد، موضحا على أن الدستور المغربي أعطى الحق للجمعيات المدنية للمساهمة في اقتراح المشاريع و القوانين على السواء، وذلك في إطار التدبير المحلي للقضايا و المشكلات المطروحة. لكن المفارقة التي رصدها تدعو إلى ضرورة العودة للنظر في بنية المجتمع المدني ـ حيث كشف على أن المغرب يتوفر على ما يقرب من 200.000 جمعية على مجموع التراب الوطني، و المفترض فيها أن تؤطر أكثر من 6 ملايين مواطن، و الحال هو أن الجمعيات المؤهلة لكي تقوم بأدوار المجتمع المدني قليلة جدا؛ أي أن المجتمع المدني يعاني من أزمة بنيوية تكمن في غياب تصور عام من حيث التأهيل و التكوين، ناهيك عن غياب الديمقراطية الداخلية و ارتهانه للحسابات الإنتخابوية الموسمية للأحزاب السياسية. المثير للتوجس على مستقبل الأمة المغربية هو أن مؤشِّرات التربية و التأهيل تبقى متدنيَّة جدا، ويفيد بعضها أن عددا كبيرا من الشباب يتواجد في الفضاء العمومي من دون تأهيل أوعمل وتكوين. إنها معطيات تضاعف المسؤوليَّة على المجتمع والدولة في توفير بيئة راعية لهذا الزخم الهائل المتزايد من الفتية والفتيات. وعليه نتساءل بكل مسؤولية تاريخية : ألا يمكن لواقع الاستقرار السياسي و إمكانيات الموقع الاستراتيجي اقتصاديا أن يفعل التفكير بجدية في تنزيل أو أجرأة مخططات سريعة لتأهيل الشباب، الذي يمكننا على الأقل من تفادي تحول هذه الطاقات الى الوقود الخام الجاهز للانفجار عنفاً ومخدّرات وتطرّفاً وجريمة.
رهانات المقاربة التشاركية في جعل المجتمع المدني عضوا فاعلا في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد.
أكد المحاضر على أهمية دعوة تقرير النموذج التنموي الجديد إلى ضرورة تكريس الديموقراطية التشاركية، أي جعل المجتمع المدني شريكا في صلب التنمية المحلية المستدامة بالجماعات الترابية والجهات المحلية بمشاركة المجتمع المدني. لكن الرسالة التي حاول المحاضر توجيهها إلى مدبري الشأن السياسي هو ضرورة استدماج الديمقراطية التشاركية في السلوك المدني في تنزيل أي تنمية ممكنة. بحيث أصبحت هذه المنهجية السياسية في تذبير الشأن العام ميكانيزما فاعلا و فعالا في المجتمعات المتقدمة.
الواقع إذن هو أن تنزيل النموذج التنموي الجديد بالمغرب لايستقيم إلا بالديمقراطية التشاركية بدل التمثيلية أو الحسابية العددية، التي تراجعت بشكل كبير في الديمقراطيات الحديثة. ولذلك يقول المحاضر:( السياق محليا وعالميا يتيح للمجتمع المدني بأن يساهم في بلورة العديد من القضايا المطروحة على المجتمعات، وقد أثبت بعض الدراسات أن الديموقراطية التشاركية تتوسع أكثر على حساب الديموقراطية التمثيلية التي تتآكل يوما بعد يوم، ولهذا نلاحظ أن الإقبال على المشاركة الإنتخابية تراجع في العديد من الدول الديموقراطية، بل أن المؤسسات التي تنتج عن العملية الإنتخابية أصبحت تواجه من طرف المجتمع المدني)، مقدما نموذج ( ما يقع في فرنسا، بخصوص أصحاب السترة الصفراء الذين رفضوا سياسية الحكومة الفرنسية المنتخبة، وكذلك رفض النقابات الفرنسية مشروع الزيادة في سن التقاعد، وكذلك إضراب قطاع الصحة في بريطانيا ضد الحكومة البريطانية، وكذلك ما يقع في تونس حاليا ).
البدائل الممكنة لتفعيل دور المجتمع المدني في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد.
أكد المحاضر على ضرورة تفعيل "مجلس الشباب" والعمل الجمعوي، ليقدم تصورا مناسبا وعمليا لمفهوم الديموقراطية التشاركية، ويصبح قوة إقتراحية موازية. والحال هو أنه لا يمكن تصور نجاح هذا الورش الذي يستثمر في مستقبل الأجيال القادمة دون التفكير في العودة إلى الحاجة القصوى إلى ضرورة تجديد المدرسة كمشتل للتكوين والتأهيل. وكذلك العمل على تصالح المواطن المغربي مع نفسه، تصالح المجتمع المغربي مع المدرسة و إعادة النظر في قيم الإنضباط، التعليم، التربية و التثقيف. سيما لأن ثمَّة حقيقة فاقعة لا تخفى، لا بد من اعتمادها مدخلا أول لحديثنا عن البدائل الممكنة نجد أن أولى الأولويات هو ضرورة تأهيل الأجيال المقبلة: وهي أنَّ المغرب بلد صغير السن بامتياز، حيث أكدت تقديرات الهيكل العمري في 2019 أن المجتمع السكاني المغربي يصنف بصغير السن، حيث أن 26.3% من السكان لم يتجاوزوا سن الرابعة عشر من العمر، 43.1% دون سن 25 عامًا، فيما نسبة 46.32% من السكان تقع في الفئة العمرية (25-59) عامًا، وفقاً للمؤشرات الاجتماعية الرسمية.
في نفس سياق البدائل الممكنة لضخ دماء جديدة في تنشيط المجتمع المدني يدعو المحاضر إلى أهمية إنشاء فيدراليات جهوية للعمل الجمعوي للمشاركة في التنمية المحلية، حتى يمكن أن تساهم في تنزيل النموذج التنموي الجديد عن طريق بلورة المشاريع الجمعوية بتنسيق مع الأجهزة الحكومية. مؤكدا على أن المغرب محتاج إلى مجتمع مدني قوي يساهم في التنمية المحلية عبر برامج ومشاريع اقتصادية واجتماعية وثقافية. كما نبه إلى مسألة مهمة جدا تفيد على أن المجتمع المدني في الدول المتقدمة يوفر التمويل الذاتي لتحريره من التبعية العمياء للأحزاب السياسية والسلبية المقيتة في أخذ المبادرة و البحث عن شراكات بحثا عن تمويل ذاتي يحرضها على أخذ الأمور بالجدية الكافية والشافية.
ما يمكن استخلاصه إذن من خلال ما سبق أن السياق العام المتسم بأزمات جديدة في الأمن الطاقي والغذائي يستوجب تعاط منهجي جديد مع التفاوتات المجالية و الجغرافية، الهشاشة الاجتماعية و الاقتصادية في أفق تنزيل الحكومة المنتخبة لمقتضيات النموذج التنموي من خلال ملاءمة برنامج عملها مع توجهاته ومرجعيات تفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية. من جهة أخرى يجمع المهتمون على أن النموذج التنموي يجب تطويره لخلق الثروة والمزيد من فرص الشغل من أجل الإجابة عن احتياجات المواطنين، وخاصة الشباب الذين يعانون من البطالة، بالإضافة إلى مجموعة من المشاكل الأخرى التي تمس قدرتهم الشرائية .
في نهاية التحليل و المناقشة لا يمكن إلا الرهان على تفعيل أدوار المجتمع المدني، الذي أصبح من أولى الأولويات باعتباره القاطرة الممكنة للسير قدما نحو بناء الدولة الحديثة بمؤسسات مجتمعية فاعلة، بمختلف ألوانها وأطيافها، اجتماعية كانت أو تنموية أو ثقافية إلخ... في أفق أجل النهوض بالمكون البشري باعتباره ركيزة أساسية في عملية التنمية، بما تلعبه هذه المؤسسات من أدوار طلائعية في رفع الوعي الاجتماعي والسياسي للمواطنين، وتعبئة أوسع الجماهير الشعبية للانخراط في هذا الورش الذي اعتبره محمد الخامس بمثابة الجهاد الأكبر. ويجد هذا الطموح الوطني تبريره في موقف الدكتور حسن عبيابة الذي يقول :(يجب علينا جميعا، كمواطنين وكمؤسسات وكجهات وكجماعات وكمجتمع مدني، أن نكون قادرين على حل أي مشكل في بلدنا مهما كان حجمه؛ لأن المغاربة، بتاريخهم وثقافتهم وحرصهم الدائم على ثوابت الأمة الراسخة، قادرون على إيجاد الحلول المناسبة في أي زمان وفي أي مكان). إنه موقف يعكس ثقته في أن يبقى المغرب بلد الأمن والاستقرار والأمل، وأنه على الجميع المشاركة في الأوراش المفتوحة، وانه استطاع أن يدبر جائحة كورونا بنوع من الاعتماد على الذات في مواجهتها على جميع الصعد. ولدينا نحن المغاربة في ذاكرتنا الجماعية نموذج بناء "طريق الوحدة" و "المسيرة الخضراء" كأوراش بما تحمله في طياتها من رسائل التضامن والتآزر بين أفراد الشعب تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
وبالعودة إلى محاضرة الدكتور حسن عبيابة يمكن التركيز على بعض أطاريحه من خلال أفكارها في النقط التالية:
ملاءمة القوانين التشريعية و غياب الفاعلية.
لقد أكد المحاضر في هذه النقطة على أن المغرب يتوفر في تجربته الديمقراطية المتطورة على الأساس التشريعي المنزل في الدستور المغربي لتفعيل العلاقة الدينامية ما بين دور المجتمع المدني و تنزيل مقتضيات النموذج التنوي الجديد، موضحا على أن الدستور المغربي أعطى الحق للجمعيات المدنية للمساهمة في اقتراح المشاريع و القوانين على السواء، وذلك في إطار التدبير المحلي للقضايا و المشكلات المطروحة. لكن المفارقة التي رصدها تدعو إلى ضرورة العودة للنظر في بنية المجتمع المدني ـ حيث كشف على أن المغرب يتوفر على ما يقرب من 200.000 جمعية على مجموع التراب الوطني، و المفترض فيها أن تؤطر أكثر من 6 ملايين مواطن، و الحال هو أن الجمعيات المؤهلة لكي تقوم بأدوار المجتمع المدني قليلة جدا؛ أي أن المجتمع المدني يعاني من أزمة بنيوية تكمن في غياب تصور عام من حيث التأهيل و التكوين، ناهيك عن غياب الديمقراطية الداخلية و ارتهانه للحسابات الإنتخابوية الموسمية للأحزاب السياسية. المثير للتوجس على مستقبل الأمة المغربية هو أن مؤشِّرات التربية و التأهيل تبقى متدنيَّة جدا، ويفيد بعضها أن عددا كبيرا من الشباب يتواجد في الفضاء العمومي من دون تأهيل أوعمل وتكوين. إنها معطيات تضاعف المسؤوليَّة على المجتمع والدولة في توفير بيئة راعية لهذا الزخم الهائل المتزايد من الفتية والفتيات. وعليه نتساءل بكل مسؤولية تاريخية : ألا يمكن لواقع الاستقرار السياسي و إمكانيات الموقع الاستراتيجي اقتصاديا أن يفعل التفكير بجدية في تنزيل أو أجرأة مخططات سريعة لتأهيل الشباب، الذي يمكننا على الأقل من تفادي تحول هذه الطاقات الى الوقود الخام الجاهز للانفجار عنفاً ومخدّرات وتطرّفاً وجريمة.
رهانات المقاربة التشاركية في جعل المجتمع المدني عضوا فاعلا في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد.
أكد المحاضر على أهمية دعوة تقرير النموذج التنموي الجديد إلى ضرورة تكريس الديموقراطية التشاركية، أي جعل المجتمع المدني شريكا في صلب التنمية المحلية المستدامة بالجماعات الترابية والجهات المحلية بمشاركة المجتمع المدني. لكن الرسالة التي حاول المحاضر توجيهها إلى مدبري الشأن السياسي هو ضرورة استدماج الديمقراطية التشاركية في السلوك المدني في تنزيل أي تنمية ممكنة. بحيث أصبحت هذه المنهجية السياسية في تذبير الشأن العام ميكانيزما فاعلا و فعالا في المجتمعات المتقدمة.
الواقع إذن هو أن تنزيل النموذج التنموي الجديد بالمغرب لايستقيم إلا بالديمقراطية التشاركية بدل التمثيلية أو الحسابية العددية، التي تراجعت بشكل كبير في الديمقراطيات الحديثة. ولذلك يقول المحاضر:( السياق محليا وعالميا يتيح للمجتمع المدني بأن يساهم في بلورة العديد من القضايا المطروحة على المجتمعات، وقد أثبت بعض الدراسات أن الديموقراطية التشاركية تتوسع أكثر على حساب الديموقراطية التمثيلية التي تتآكل يوما بعد يوم، ولهذا نلاحظ أن الإقبال على المشاركة الإنتخابية تراجع في العديد من الدول الديموقراطية، بل أن المؤسسات التي تنتج عن العملية الإنتخابية أصبحت تواجه من طرف المجتمع المدني)، مقدما نموذج ( ما يقع في فرنسا، بخصوص أصحاب السترة الصفراء الذين رفضوا سياسية الحكومة الفرنسية المنتخبة، وكذلك رفض النقابات الفرنسية مشروع الزيادة في سن التقاعد، وكذلك إضراب قطاع الصحة في بريطانيا ضد الحكومة البريطانية، وكذلك ما يقع في تونس حاليا ).
البدائل الممكنة لتفعيل دور المجتمع المدني في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد.
أكد المحاضر على ضرورة تفعيل "مجلس الشباب" والعمل الجمعوي، ليقدم تصورا مناسبا وعمليا لمفهوم الديموقراطية التشاركية، ويصبح قوة إقتراحية موازية. والحال هو أنه لا يمكن تصور نجاح هذا الورش الذي يستثمر في مستقبل الأجيال القادمة دون التفكير في العودة إلى الحاجة القصوى إلى ضرورة تجديد المدرسة كمشتل للتكوين والتأهيل. وكذلك العمل على تصالح المواطن المغربي مع نفسه، تصالح المجتمع المغربي مع المدرسة و إعادة النظر في قيم الإنضباط، التعليم، التربية و التثقيف. سيما لأن ثمَّة حقيقة فاقعة لا تخفى، لا بد من اعتمادها مدخلا أول لحديثنا عن البدائل الممكنة نجد أن أولى الأولويات هو ضرورة تأهيل الأجيال المقبلة: وهي أنَّ المغرب بلد صغير السن بامتياز، حيث أكدت تقديرات الهيكل العمري في 2019 أن المجتمع السكاني المغربي يصنف بصغير السن، حيث أن 26.3% من السكان لم يتجاوزوا سن الرابعة عشر من العمر، 43.1% دون سن 25 عامًا، فيما نسبة 46.32% من السكان تقع في الفئة العمرية (25-59) عامًا، وفقاً للمؤشرات الاجتماعية الرسمية.
في نفس سياق البدائل الممكنة لضخ دماء جديدة في تنشيط المجتمع المدني يدعو المحاضر إلى أهمية إنشاء فيدراليات جهوية للعمل الجمعوي للمشاركة في التنمية المحلية، حتى يمكن أن تساهم في تنزيل النموذج التنموي الجديد عن طريق بلورة المشاريع الجمعوية بتنسيق مع الأجهزة الحكومية. مؤكدا على أن المغرب محتاج إلى مجتمع مدني قوي يساهم في التنمية المحلية عبر برامج ومشاريع اقتصادية واجتماعية وثقافية. كما نبه إلى مسألة مهمة جدا تفيد على أن المجتمع المدني في الدول المتقدمة يوفر التمويل الذاتي لتحريره من التبعية العمياء للأحزاب السياسية والسلبية المقيتة في أخذ المبادرة و البحث عن شراكات بحثا عن تمويل ذاتي يحرضها على أخذ الأمور بالجدية الكافية والشافية.
ما يمكن استخلاصه إذن من خلال ما سبق أن السياق العام المتسم بأزمات جديدة في الأمن الطاقي والغذائي يستوجب تعاط منهجي جديد مع التفاوتات المجالية و الجغرافية، الهشاشة الاجتماعية و الاقتصادية في أفق تنزيل الحكومة المنتخبة لمقتضيات النموذج التنموي من خلال ملاءمة برنامج عملها مع توجهاته ومرجعيات تفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية. من جهة أخرى يجمع المهتمون على أن النموذج التنموي يجب تطويره لخلق الثروة والمزيد من فرص الشغل من أجل الإجابة عن احتياجات المواطنين، وخاصة الشباب الذين يعانون من البطالة، بالإضافة إلى مجموعة من المشاكل الأخرى التي تمس قدرتهم الشرائية .
في نهاية التحليل و المناقشة لا يمكن إلا الرهان على تفعيل أدوار المجتمع المدني، الذي أصبح من أولى الأولويات باعتباره القاطرة الممكنة للسير قدما نحو بناء الدولة الحديثة بمؤسسات مجتمعية فاعلة، بمختلف ألوانها وأطيافها، اجتماعية كانت أو تنموية أو ثقافية إلخ... في أفق أجل النهوض بالمكون البشري باعتباره ركيزة أساسية في عملية التنمية، بما تلعبه هذه المؤسسات من أدوار طلائعية في رفع الوعي الاجتماعي والسياسي للمواطنين، وتعبئة أوسع الجماهير الشعبية للانخراط في هذا الورش الذي اعتبره محمد الخامس بمثابة الجهاد الأكبر. ويجد هذا الطموح الوطني تبريره في موقف الدكتور حسن عبيابة الذي يقول :(يجب علينا جميعا، كمواطنين وكمؤسسات وكجهات وكجماعات وكمجتمع مدني، أن نكون قادرين على حل أي مشكل في بلدنا مهما كان حجمه؛ لأن المغاربة، بتاريخهم وثقافتهم وحرصهم الدائم على ثوابت الأمة الراسخة، قادرون على إيجاد الحلول المناسبة في أي زمان وفي أي مكان). إنه موقف يعكس ثقته في أن يبقى المغرب بلد الأمن والاستقرار والأمل، وأنه على الجميع المشاركة في الأوراش المفتوحة، وانه استطاع أن يدبر جائحة كورونا بنوع من الاعتماد على الذات في مواجهتها على جميع الصعد. ولدينا نحن المغاربة في ذاكرتنا الجماعية نموذج بناء "طريق الوحدة" و "المسيرة الخضراء" كأوراش بما تحمله في طياتها من رسائل التضامن والتآزر بين أفراد الشعب تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.