الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

محمد الطيار: الاستراتيجية المغربية للتنمية وبناء الاستقرار والأمن فـي إفريقيا

محمد الطيار: الاستراتيجية المغربية للتنمية وبناء الاستقرار والأمن  فـي إفريقيا محمد الطيار
اعتمد‭ ‬المغرب‭ ‬استراتيجية‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬استرجاع‭ ‬مكانته‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬عموما‭  ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬بالخصوص،‭ ‬هذه‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬تشمل‭ ‬عدة‭ ‬جوانب،‭ ‬منها‭ ‬المجالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتنموية‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬ظاهرة‭ ‬الهجرة،‭ ‬وبناء‭ ‬الاستقراروالأمن،‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬للدول‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مجابهة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والتكوين‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬سواء‭ ‬منها‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬والأمنية،‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تكوين‭ ‬الأئمة،‭ ‬وتطوير‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬وتعزيز‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية‭ ‬والطاقية‭ ‬والأمن‭ ‬الصحي‭ ‬وتثمين‭ ‬الموارد‭ ‬الداخلية‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الصناعة‭. ‬

كما‭ ‬تلعب‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬المغربية‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬السلم‭ ‬وبناء‭ ‬الاستقرار،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬قوات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬الأممية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬المغرب‭ ‬شريكاً‭ ‬فاعلاً‭ ‬وموثوقاً‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام،‭ ‬عبر‭ ‬مشاركة‭ ‬وحداته‭ ‬بتجريدات‭ ‬مختلفة‭ ‬وبأُطره‭ ‬العسكرية‭ ‬داخل‭ ‬هياكل‭ ‬الهيئات‭ ‬الأممية،‭ ‬وقد‭ ‬تعزز‭ ‬هذا‭ ‬الانخراط‭ ‬باعلان‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬مركز‭ ‬مغربي‭ ‬لحفظ‭ ‬السلام‭ ‬متعدد‭ ‬التخصصات،‭ ‬يهدف‭ ‬الى‭ ‬تكوين‭ ‬ودعم‭ ‬الكفاءات‭ ‬الوطنية‭ ‬والأجنبية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بشراكة‭ ‬مع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬مبادئ‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين‭. ‬

ويقوم‭ ‬المغرب‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬المتعددة‭ ‬الجوانب‭ ‬بتقديم‭ ‬منحا‭ ‬سنوية‭ ‬للطلبة‭ ‬الأفارقة،‭ ‬حيث‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬والمعاهد‭ ‬المغربية‭ ‬العليا‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬المسئولين‭ ‬والأطر،‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬يشكلون‭ ‬نخبة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭. ‬
 
نهج البناء والمصالحة وإعادة الإعمار
باعتبار‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬ارتباط‭ ‬المجموعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أزواد‭ ‬بالحركة‭ ‬الانفصالية‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬كلاهما‭ ‬ناتج‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المصدر‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬سياسته‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬العداء‭ ‬للمغرب‭ ‬وخلق‭ ‬بيئة‭ ‬غير‭ ‬أمنة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي،‭ ‬مدت‭ ‬المملكة‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬لمالي‭ ‬بتقديم‭ ‬تصورها‭ ‬في‭ ‬اللامركزية‭ ‬والجهوية‭ ‬التي‭ ‬تعتبرنقطة‭ ‬مهمة‭ ‬لحل‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي،‭ ‬واعتماد‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تأهيل‭ ‬الأزواديين‭ ‬ودفعهم‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الانفصال،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الحياد‭ ‬التي‭ ‬أنتهجها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭ ‬تعتبر‭ ‬كذلك‭ ‬معطى‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬مشكل‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭.‬

فقد‭ ‬ألقى‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بمالي‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬م،‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬تنصيب‭ ‬الرئيس‭ ‬المالي‭ ‬إبراهيم‭ ‬بوباكار‭ ‬كيتا،‭ ‬خطابا‭ ‬حدَد‭ ‬فيه‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف،‭ ‬ودعا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬برنامج‭ ‬يقوم‭ ‬على:‭ ‬
أ‭ ‬-‭ ‬مصالحة‭ ‬هادئة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أبناء‭ ‬مالي،‭ ‬ومنفتحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الحساسيات‭. ‬ويعد‭ ‬إحداث‭ ‬«وزارة‭ ‬مكلفة‭ ‬بالمصالحة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتنمية‭ ‬مناطق‭ ‬الشمال»‭ ‬من‭ ‬بوادر‭ ‬التعبئة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬هذه‭ ‬المصالحة‭.‬

ب‭ ‬-‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬مستديمة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توطيد‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬والتمثيلية‭ ‬والأمنية،‭ ‬وتأهيل‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتحقيق‭ ‬التقدم،‭ ‬وأخيرا‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭.‬

وقد‭ ‬ذكر‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬أنه‭ ‬«وأمام‭ ‬كل‭ ‬الرهانات‭ ‬المطروحة،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬والأطراف،‭ ‬مع‭ ‬كامل‭ ‬الأسف،‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬الهدم‭ ‬والتخريب،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تختار‭ ‬فيه‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬نهج‭ ‬البناء‭ ‬وإعادة‭ ‬الإعمار»‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬البعد‭ ‬العسكري‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الزيارة‭ ‬الملكية‭ ‬لمالي‭ ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬بنقل‭ ‬التجربة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الكفاءات‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬مالي‭ ‬لتواصل‭ ‬تكوينها‭ ‬في‭ ‬الأكاديميات‭ ‬العسكرية،‭ ‬كما‭ ‬تكلف‭ ‬المغرب‭ ‬كذلك‭ ‬بتدريب‭ ‬وتكوين‭ ‬الحرس‭ ‬الرئاسي‭ ‬المالي‭ ‬وكذا‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬القوات‭ ‬الخاصة‭ ‬وتزويدها‭ ‬بوسائل‭ ‬وأسلحة‭ ‬خاصة‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬تقريب‭ ‬وجهة‭ ‬نضر‭ ‬مختلف‭ ‬الفرقاء‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬مالي،‭ ‬استقبل‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بتاريخ‭ ‬31‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬2014‬م‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مراكش،‭ ‬بلال‭ ‬أغ‭ ‬الشريف‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتحرير‭ ‬أزواد،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مرفوقا‭ ‬بالمتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الحركة‭ ‬موسى‭ ‬أغ‭ ‬الطاهر،‭ ‬وحثهم‭ ‬على‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬المفاوضات،‭ ‬والتوصل‭ ‬إلى‭ ‬إتفاق‭ ‬سلام‭ ‬ينهي‭ ‬الأزمة‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬مالي‭.‬

وقد‭ ‬تزامنت‭ ‬أيضا‭ ‬زيارة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬إلى‭ ‬مالي‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬م‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬جولة‭ ‬أفريقية‭ ‬قادته‭ ‬إلى‭ ‬غينيا‭ ‬كوناكري‭ ‬وكوت‭ ‬ديفوار‭ ‬والغابون،‭ ‬مع‭ ‬قبول‭ ‬الحركات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭ ‬استئناف‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬باماكو‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬فالمغرب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬لمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬دجنبر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2012‭ ‬م،‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬2085‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬بنشر‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬ومساندته‭ ‬مالي‭ ‬على‭ ‬استرجاع‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬أمام‭ ‬رفض‭ ‬الجزائر‭ ‬لهذا‭ ‬التدخل‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬وبروز‭ ‬تهديدات‭ ‬حقيقية‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة،‭ ‬يقوم‭ ‬المغرب‭ ‬بمجهودات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقرار‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي،‭ ‬بحكم‭ ‬علاقاته‭ ‬التاريخية‭ ‬والروابط‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بقبائل‭ ‬الطوارق‭ ‬والعرب‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬وكذا‭ ‬مع‭ ‬الإثنيات‭ ‬الأخرى‭ ‬خاصة‭ ‬الفولان،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أزواد‭. ‬

كما‭ ‬دعم‭ ‬المغرب‭ ‬مبادرة‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬«الساحل‭ ‬الخمس»،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬وزير‭ ‬خارجيته‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬اجتماعات‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬سبتمبر‭ ‬2017‭ ‬م،‭ ‬استعداد‭ ‬بلاده‭ ‬لدعم‭ ‬المجموعة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تدريب‭ ‬القوات‭ ‬وأمن‭ ‬الحدود،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الخبرة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬الأئمة‭ ‬ومكافحة‭ ‬التطرف‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬جهود‭ ‬بناء‭ ‬الاستقرار،‭ ‬يتحرك‭ ‬المغرب‭ ‬أيضا‭ ‬وفق‭ ‬إستراتيجية‭ ‬دبلوماسية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الشراكة،حيث‭ ‬وقع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سعيا‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فتح‭ ‬أوراش‭ ‬تنموية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬العسكري‭ ‬والأمني‭ ‬ليس‭ ‬الطريق‭ ‬الكفيل‭ ‬وحده‭ ‬بحل‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬المغرب‭ ‬بذلك‭ ‬البوابة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والآمنة‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬وغرب‭ ‬ووسط‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬يستغل‭ ‬الأسواق‭ ‬الإفريقية‭ ‬بشكل‭ ‬مناسب‭ ‬يحافظ‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬مصالحه‭ ‬الوطنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬شراكة‭ ‬متينة‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬بوابة‭ ‬إفريقيا‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بامتياز‭.‬

وطيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬عدة‭ ‬ملتقيات‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬متعلقة‭ ‬بأمن‭ ‬الحدود،‭ ‬منها‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2013‭ ‬م‭ ‬بالرباط،‭ ‬حضره‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دول‭ ‬أفريقية،‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬أوربية‭ ‬وآسيوية،‭ ‬وقد‭ ‬خرج‭ ‬بتوصيات‭ ‬متعلقة‭ ‬بالأمن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تحديد‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬مركز‭ ‬إقليمي‭ ‬للمراقبة‭ ‬والتكوين‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬المنظومات‭ ‬الأمنية‭ ‬والجمركية،‭ ‬واختتم‭ ‬المؤتمر‭ ‬أنداك‭ ‬بتوصيات‭ ‬تعطي‭ ‬المغرب‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬لتنفيذها‭.‬

كما‭ ‬نظم‭ ‬المغرب‭ ‬العديد‭ ‬من‭  ‬الدورات‭ ‬التكوينية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬بينها‭  ‬دورات‭ ‬لفائدة‭ ‬ضباط‭ ‬وأعوان‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تنزانيا‭ ‬والسودان‭ ‬وغامبيا‭ ‬وبوركينافاسو‭ ‬وأفريقيا‭ ‬الوسطى‭ ‬والسنغال‭ ‬ومدغشقر‭ ‬وساحل‭ ‬العاج‭ ‬وغينيا‭ ‬كوناكري‭. ‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬ساهم‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحقيقات‭ ‬الأمنية‭ ‬إثر‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬دول‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬ودول‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وقدم‭ ‬خبرته‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية‭ ‬وفي‭ ‬اعتماد‭ ‬مقاربة‭ ‬استباقية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬العمل‭ ‬الإرهابي‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭. ‬
 
الأبعاد التشاركية والمتعددة المستويات للعلاقات المغربية الإفريقية
مكنت‭ ‬زيارات‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬المتعددة‭ ‬للدول‭ ‬الافريقية،‭ ‬من‭ ‬توسيع‭ ‬نشاط‭ ‬الفاعلين‭ ‬المغاربة‭ ‬إلى‭ ‬قطاعات‭ ‬مختلفة‭ ‬وذلك‭ ‬لتلبية‭ ‬حاجيات‭ ‬اقتصادية‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التحول‭. ‬كما‭ ‬أعطت‭ ‬الانطلاقة‭ ‬لعدة‭ ‬مشاريع‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة،‭ ‬والتعليم،‭ ‬والسكن‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والفلاحة،‭ ‬وتربية‭ ‬الماشية‭ ‬والصيد‭ ‬البحري‭. ‬

‭‬كما‭ ‬شكلت‭ ‬نيجيريا‭ ‬الدولة‭ ‬المحورية‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬محطة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬الزيارات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬حيث‭ ‬أبرم‭ ‬المغرب‭ ‬معها‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تعاون‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬مشروع‭ ‬أنبوب‭ ‬للغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وتعمل‭ ‬الدولتان‭ ‬على‭ ‬إنجاز‭ ‬خط‭ ‬الغاز‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬القارة،‭ ‬وهي‭ ‬مبادرة‭ ‬كبيرة‭ ‬ستعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬الخريطة‭ ‬الطاقية‭ ‬الإقليمية‭ ‬وتعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬التنافسية‭ ‬للغاز‭ ‬الإفريقي‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬داخل‭  ‬السوق‭ ‬الأوروبية‭.‬

كما‭ ‬عمل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬المنظومات‭ ‬المالية‭ ‬والبنكية‭ ‬لعدد‭ ‬مهم‭  ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬مكن‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬القيمة‭ ‬الإجمالية‭ ‬للمبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬الثنائية‭ ‬للمغرب‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬بنسبة‭ ‬9.5‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬كمتوسط‭ ‬سنوي،‭ ‬وذلك‭ ‬بالموازاة‭ ‬مع‭ ‬تقوية‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬المغرب‭ ‬أول‭ ‬مستثمر‭ ‬إفريقي‭ ‬بالقارة‭. ‬وانخرط‭ ‬كذلك‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬افريقي‭ ‬للتنمية‭ ‬وتطوير‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬وتعزيز‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية‭ ‬والطاقية‭ ‬والأمن‭ ‬الصحي‭ ‬وتثمين‭ ‬الموارد‭ ‬الداخلية‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الصناعة‭.‬

وينكب‭ ‬عمل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬ورش‭ ‬تنفيذ‭ ‬منطقة‭ ‬التبادل‭ ‬الحر‭ ‬القارية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬لخلق‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتوفير‭ ‬الفرص‭ ‬وتطوير‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬والتكوين‭ ‬الجامعي‭ ‬والمهني‭ ‬وتعزيز‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية‭ ‬والطاقية‭ ‬والأمن‭ ‬الصحي،‭ ‬وذلك‭ ‬بمواكبة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬استراتيجيات‭ ‬فلاحية‭ ‬متقدمة‭ ‬لتقوية‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية‭ ‬وولوج‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة،‭ ‬كما‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المكتب‭ ‬الشريف‭ ‬للفوسفاط‭ ‬ووفق‭ ‬استراتيجية‭ ‬تروم‭ ‬تطوير‭ ‬سلسلة‭ ‬قيمة‭ ‬قارية،‭ ‬لتتمكن‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الكميات‭  ‬العادلة‭ ‬والكافية‭ ‬من‭ ‬الأسمدة‭. ‬

مما‭ ‬سيعزز‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬للقارة‭ ‬الافريقية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الاطار‭ ‬يبرز‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬منصة‭ ‬صناعية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الأسمدة‭ ‬بإثيوبيا‭ ‬بتكلفة‭ ‬تصل‭ ‬لـ‭ ‬3.7‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬وبطاقة‭ ‬إنتاجية‭ ‬تناهز‭ ‬2.5‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬سنويا‭ ‬من‭ ‬الأسمدة‭ ‬موجهة‭ ‬للأسواق‭ ‬المحلية‭ ‬وأسواق‭ ‬التصدير،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬فتح‭ ‬مصنع‭ ‬بغانا‭ ‬مخصصا‭ ‬لصناعة‭ ‬الأسمدة،‭ ‬ومصنع‭ ‬ثان‭ ‬بنيجيريا‭ ‬سيكون‭ ‬مخصصا‭ ‬لصناعة‭ ‬الأمونيا‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬التخصيب‭ ‬الزراعي‭.‬
 
تعزيز التعاون الديني وإحياء الروابط مع الزوايا:
من‭ ‬أجل‭ ‬إرساء‭ ‬النموذج‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬استقبل‭ ‬المغرب‭ ‬عدة‭ ‬بعثات‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬غايتها‭ ‬التكوين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الديني،‭ ‬منها‭ ‬حوالي‭ ‬500‭ ‬إمام‭ ‬ورجل‭ ‬دين‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬أمضوا‭ ‬فترة‭ ‬تدريبية‭ ‬تلقوا‭ ‬خلالها‭ ‬تكوينا‭ ‬يستهدف‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الديني‭.‬

ولتعزيز‭ ‬دور‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وتفعيل‭ ‬دوره‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬تم‭ ‬إحداث‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬التي‭ ‬يترأسها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بموجب‭ ‬الظهير‭ ‬الشريف 1.15.75 الصادر‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يونيو‭ ‬2015‭ ‬م،‭ ‬وبموجب الظهير‭ ‬الشريف 1.16.81 الصادر‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬يونيو‭ ‬2016‭ ‬م‭ ‬تم‭ ‬تحويل‭ ‬مقر‭ ‬المؤسسة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‭. ‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬دوره‭ ‬الديني‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المذهب‭ ‬المالكي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬قرون،‭ ‬والذي‭ ‬لعبت‭ ‬فيه‭ ‬الزوايا‭ ‬والطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬قنوات‭ ‬الحوار‭ ‬والتواصل‭ ‬وبناء‭ ‬روابط‭ ‬متينة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬خصوصا،‭ ‬حيث‭ ‬تشكلت‭ ‬بذلك‭ ‬طيلة‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬أسس‭ ‬أرضية‭ ‬الاستقرار‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬عمل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬الروابط‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية،‭ ‬المرتبطة‭ ‬بضريح‭ ‬الوالي‭ ‬«سيدي‭ ‬احمد‭ ‬التيجاني»‭ ‬بفاس،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬عملت‭ ‬فيه‭ ‬كذلك‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬مزاحمة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭.‬

لقد‭ ‬امتدت‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬بالمغرب‭ ‬إلى‭ ‬غرب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وساهمت‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الروابط‭ ‬الدينية‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬والشعوب‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وتعد‭ ‬الزاوية‭ ‬التيجانية‭ ‬نموذجا‭ ‬متميزا‭ ‬في‭ ‬تمتين‭ ‬أواصر‭ ‬العلاقات‭ ‬الدينية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬تستخدم‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬تأثيرها‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬وبخاصة‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬والطريقة‭ ‬القادرية،‭ ‬الطريقتان‭ ‬المنتشرتان‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭ ‬ومالي‭ ‬والسنغال‭ ‬ونيجيريا،‭ ‬فقرابة‭ ‬نصف‭ ‬مسلمي‭ ‬غرب‭ ‬أفريقيا‭ ‬تيجانيون‭ ‬ومنهم‭ ‬حوالي‭ ‬أربعين‭ ‬مليون‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬نيجريا‭ ‬يتبع‭ ‬الطريقة‭ ‬التيجانية‭ ‬ويرتبطون‭ ‬بمدينة‭ ‬فاس‭.‬

لقد‭ ‬قام‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬علاقته‭ ‬بالتيجانيين‭ ‬الذين‭ ‬ينتشرون‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء،‭ ‬ووجه‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬أتباع‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬يقومون‭ ‬بأدوار‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬دبلوماسية‭ ‬دينية‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وبلدان‭ ‬أفريقية،‭ ‬وقد‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نفوذها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬دورا‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬حاسما‭ ‬لصالح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬كانت‭ ‬مواقفها‭ ‬دائما‭ ‬لصالح‭ ‬المغرب‭. ‬

كما‭ ‬قام‭ ‬المغرب‭ ‬بتشييد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المساجد‭ ‬الكبرى‭ ‬ببعض‭ ‬العواصم‭ ‬الغرب‭ ‬افريقية‭ ‬كنواكشوط،‭ ‬وداكار،‭ ‬وباماكو‭ ‬والتي‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬مساجد،‭ ‬بل‭ ‬دور»سفارات‭ ‬وقنوات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬إقليمية»‭.‬
 
احتضان الموروث الثقافي وتعزيز دوره في إقرار السلام  
لا‭ ‬تقتصر‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬إقرار‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتنموية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬التأطير‭ ‬الديني‭ ‬ومحاربة‭ ‬التطرف‭ ‬ونشر‭ ‬قيم‭ ‬الاعتدال‭ ‬والتسامح‭ ‬الديني،‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية،‭ ‬بل‭ ‬تعطي‭ ‬أيضا‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬للبعد‭ ‬الثقافي‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬السلم‭ ‬والمصالحة،‭ ‬ففي‭ ‬شهر‭ ‬نونبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬وطيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬تعرف‭ ‬بلدة‭  ‬محاميد‭ ‬الغزلان‭ ‬أكبر‭ ‬تظاهرة‭ ‬فنية‭ ‬تشهدها‭ ‬المنطقة‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬«تراكالت»،‭ ‬الذي‭ ‬يستضيف‭ ‬سنويا‭  ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬ومن‭ ‬منطقة‭ ‬أزواد‭ ‬خاصة،‭ ‬ومن‭ ‬النيجر‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الموسيقيين‭ ‬العالميين‭ ‬المشتغلين‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬الصحراء،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬فرق‭ ‬فنية‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬المغربي‭.‬

لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬بلدة‭ ‬أمحاميد‭ ‬الغزلان،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي،‭ ‬ملتقى‭ ‬لأشهر‭ ‬الفرق‭ ‬الموسيقية‭ ‬الطوارقية،‭ ‬فمنذ‭ ‬سنة‭ ‬2012‭ ‬م‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بإمكان‭ ‬مهرجان‭ ‬الصحراء‭ ‬لتنبكتو‭ ‬العاصمة‭ ‬الثقافية‭ ‬والتراثية‭ ‬لجمهورية مالي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشكل‭ ‬حدثا‭ ‬ثقافيا‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬أن‭ ‬ينعقد‭ ‬بسبب‭ ‬تحريم‭ ‬الموسيقى‭ ‬في‭ ‬أزواد‭ ‬وتخريب‭ ‬معالم‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬التاريخية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬سيطرة‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭  ‬المتطرفة‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأصبح‭ ‬مهرجان‭ ‬«تراكالت»‭ ‬التراثي‭ ‬الموسيقي‭ ‬و»المهرجان‭ ‬الدولي‭ ‬للرحل»،‭ ‬الذي‭ ‬ينظم‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬محاميد‭ ‬الغزلان‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬سنة،‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بثقافة‭ ‬الرحل‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬يشكلان‭ ‬معا‭ ‬فرصة‭ ‬لفناني‭ ‬أزواد‭ ‬لإسماع‭ ‬صوتهم‭ ‬الذي‭ ‬توارى‭ ‬بسبب‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬منطقتهم‭. ‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬وبمبادرة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬المغربي،‭ ‬إتفق‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬م،‭ ‬مسئولي‭ ‬ثلاث‭ ‬مهرجانات‭ ‬«تاراكالت‭ ‬محاميد‭ ‬الغزلان-‭ ‬المغرب» و»سيغو‭ ‬حول‭ ‬النيجر-‭ ‬النيجر»،‭ ‬و»مهرجان‭ ‬الصحراء-‭ ‬تمبكتو-‭ ‬مالي»،‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروع‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الحوار‭ ‬والتضامن‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬وجعل‭ ‬الثقافة‭  ‬تلعب‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أنهكتها‭ ‬المآسي‭ ‬والنزاعات،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬«القافلة‭ ‬الثقافية‭ ‬للسلام»،التي‭ ‬تنطلق‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬ومنذ‭ ‬2013‭ ‬م‭ ‬من‭ ‬بلدة‭ ‬أمحاميد‭ ‬الغزلان‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواكبة‭ ‬مسلسل‭ ‬السلام‭ ‬بمالي‭ ‬عقب‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬الموقعة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة،‭ ‬والقيام‭ ‬بحملات‭ ‬تحسيسية‭ ‬وتوعوية‭ ‬واسعة‭ ‬ميدانية‭ ‬لتشجيع‭ ‬وتعزيز‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف،‭ ‬ودعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬انسجاما‭ ‬مع‭ ‬الدور‭ ‬المغربي‭ ‬الساعي‭ ‬إلى‭ ‬غرس‭ ‬قيم‭ ‬التضامن‭ ‬والتعايش‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقي،‭ ‬وتشجيع‭ ‬الحوار‭ ‬والتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والتحسيس‭ ‬بأهمية‭ ‬إدماج‭ ‬البعد‭ ‬الثقافي‭ ‬والبيئي‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭. ‬
 
استحداث لجان لمتابعة التغيرات المناخية وآثارها 
في‭ ‬إطار‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬والتأقلم‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬احتضنت‭ ‬مدينة‭ ‬مراكش‭ ‬المغربية‭ ‬قمة‭ ‬إفريقية مصغرة،‭ ‬بتاريخ‭ ‬16/11/2016‭ ‬م،‮ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬مؤتمر‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء في‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن تغيرات‭ ‬المناخ‭ ‬«كوب‭ ‬22»،‭ ‬وتم‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬استحداث‭ ‬ثلاث‭ ‬لجان‭ ‬لمتابعة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬وآثارها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬إفريقيا:‭ ‬أولاها‭ ‬مختصة‭ ‬بمنطقة‭ ‬الساحل‭ ‬برئاسة‭ ‬دولة‭ ‬النيجر،‮ ‬والثانية‭ ‬مختصة‭ ‬بحوض‭ ‬الكونغو‭ ‬وترأسها‭ ‬جمهورية‭ ‬الكونغو،‮ ‬والثالثة‭ ‬لجنة الدول‭ ‬الجزرية‭ ‬بقيادة‭ ‬جمهورية سيشيل‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬المؤتمر‭ ‬الأول‭ ‬للجنة‭ ‬المناخ‭ ‬لمنطقة‭ ‬الساحل‭ ‬المنعقد‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬سنة‭  ‬2019‭ ‬م‭ ‬بنيامي،‭ ‬تجسيدا‭ ‬صريحا‭ ‬لمجهودات‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬أثار‭ ‬التغييرات‭ ‬المناخية،‭ ‬فقد‭ ‬نوه‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات،‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬الذي‭ ‬توج‭ ‬أشغال‭ ‬المؤتمر‭ ‬الأول،‭  ‬بـ‭ ‬«الدور‭ ‬الرائد‭ ‬الذي‭ ‬يضطلع‭ ‬به‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬ورؤيته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إفريقيا‭ ‬قوية‭ ‬وفاعلة،‭ ‬وكذا‭ ‬القيادة‭ ‬والاستعداد‭ ‬الذي‭ ‬أبان‭ ‬عنه‭ ‬المغرب،‭ ‬الشريك‭ ‬المؤسس‭ ‬للجان‭ ‬المناخ‭ ‬الثلاث‭ ‬لإفريقيا»وأضاف‭ ‬البيان‭ ‬«أن‭ ‬المغرب‭ ‬عمل‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعاون‭ ‬جنوب‭ ‬-‭ ‬جنوب‭ ‬طموح‭ ‬لضمان‭ ‬تنمية‭ ‬منسجمة‭ ‬ومستدامة‭ ‬لإفريقيا»‭. ‬

وقد‭ ‬أعلن‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬وجهه‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬أشغال‭ ‬المؤتمر‭ ‬الأول‭ ‬للجنة‭ ‬المناخ‭ ‬لمنطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬عن‭ ‬التزام‭ ‬المغرب‭ ‬بالتكفل‭ ‬بدراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬اللازمة‭ ‬لاستكمال‭ ‬خطة‭ ‬الاستثمار‭ ‬المناخي‭ ‬لمنطقة‭ ‬الساحل‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬القمة،‭ ‬والتي‭ ‬تبلغ‭ ‬كلفتها‭ ‬400‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬وتمتد‭ ‬للفترة 2019 –2030 م‭.‬
 
إحياء«تجمع الساحل والصحراء»
تشكل‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬ضمن‭ ‬أجندة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية،‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬احتواء‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬واجتثاث‭ ‬وتجفيف‭ ‬منابع‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬ومختلف‭ ‬مكونات‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬قام‭ ‬المغرب‭ ‬بالانخراط‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬تحالفات‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية،‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭. ‬وقد‭ ‬جسد‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بمناسبة‭ ‬الذكرى‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬لاعتلائه‭ ‬العرش،‭ ‬أهمية‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومحورية‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب.

في‭ ‬هذا‭ ‬الاطار‭  ‬قام‭ ‬المغرب‭ ‬بإحياء‭ ‬منظمة‭ ‬«تجمع‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء»،‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬فبراير‭ ‬1998‭ ‬بطرابلس‭ ‬ليبيا‭ ‬وتتكون‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬28‭ ‬دولة،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬المبادرة‭ ‬المغربية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأمنية،‭ ‬بعدما‭ ‬عرفته‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬إثر‭ ‬مقتل‭ ‬مؤسسها‭ ‬معمر‭ ‬القذافي،‭ ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬يشغل‭ ‬مكانة‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬على‭ ‬توجيها‭ ‬نحو‭ ‬أدوار‭ ‬أمنية‭  ‬بتعديل‭ ‬ميثاقها،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تلعب‭ ‬أدوارا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬عقدت‭ ‬عدة‭ ‬لقاءات‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وتشاد‭ ‬ومصر‭ ‬وغيرها،‭ ‬وعلى‭ ‬عدة‭ ‬مستويات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تفعيل‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتطوير‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭.  ‬
 
المرصد الإفريقي للهجرة
تم‭ ‬إن‭ ‬إنشاء‭ ‬المرصد‭ ‬الإفريقي‭ ‬للهجرة‭ ‬باقتراح‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بصفته‭ ‬رائدا‭ ‬لإفريقيا‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2018،‭ ‬بمناسبة‭ ‬القمة‭ ‬الثلاثين‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬إيمانا‭ ‬منه‭ ‬بأهمية‭  ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬بالتنمية‭ ‬والعدالة‭ ‬والنهوض‭ ‬بالشعوب‭ ‬الافريقية،‭ ‬وأهميتهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سياسات‭ ‬الهجرة‭ ‬المسؤولة‭ ‬والهادفة،‭ ‬وانسجاما‭ ‬مع‭ ‬الهدف‭ ‬الـ‭ ‬23‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬مراكش‭ ‬المعتمد‭ ‬من‭ ‬طرف‭  ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬في‭  ‬مدينة مراكش،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬11‮ ‬دجنبر‭ ‬2018.‬‮ ‬‭ ‬

‭‬وقد‭ ‬حجز‭ ‬هذا‭ ‬المقترح‭ ‬مكانه‭ ‬بجدارة‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬بفضل‭ ‬جهود‭ ‬المغرب،‭ ‬حيث‭ ‬افتتح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المغربي‭ ‬ناصر‭ ‬بوريطة‭ ‬مقر‭ ‬المرصد‭ ‬الإفريقي‭ ‬للهجرة في‭ ‬العاصمة‭ ‬الرباط‭ ‬سنة‭ ‬2020‭. ‬ويعتبرهذا‭ ‬المرصد‭ ‬بمثابة‭ ‬منصة‭ ‬بحثية‭ ‬لصياغة‭ ‬حوكمة‭ ‬أفضل‭ ‬للهجرة‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬وتوفير‭ ‬أداة‭ ‬فعالة‭ ‬تسمح‭ ‬بالاستجابة‭ ‬للحاجات‭ ‬الحقيقية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬معالجتها‭ ‬وفهم‭ ‬صحيح‭ ‬لظاهرة‭ ‬الهجرة،‭ ‬وتحليل‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬لتحسين‭ ‬وضعية‭ ‬المهاجرين،‭ ‬وتعزيزالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الهجرة‭ ‬والتنمية،‭ ‬وكذا‭ ‬التصدي‭ ‬لانتشار‭ ‬الأخبار‭ ‬الكاذبة‭ ‬عن‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لتظل‭ ‬واضحة‭ ‬وبليغة‭ ‬وبعيدة‭ ‬عن‭ ‬التهويل‭. ‬
 
جعل الفضاء الإفريقي الأطلسي منطقة للسلم والاستقرار
في‭ ‬أفق‭ ‬جعل‭ ‬الفضاء‭ ‬الإفريقي‭ ‬الأطلسي‭ ‬منطقة‭ ‬للسلم‭ ‬والاستقرار‭ ‬والازدهار‭ ‬المشترك‭ ‬عقدت‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬أشغال‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬الأول‭ ‬لدول‭ ‬إفريقيا‭ ‬الأطلسية‭  ‬في‭ ‬الرباط،‭ ‬بحضور‭ ‬21‭ ‬بلدا‭ ‬مطلا‭ ‬على‭ ‬الواجهة‭ ‬الأطلسية،‭ ‬وذلك‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬سعيا‭ ‬منها‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستفادة‭ ‬المثلى‭ ‬من‭ ‬القيمة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للمحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬ورغبة‭ ‬منها‭  ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬جهود‭ ‬مجموع‭ ‬البلدان‭ ‬المحاذية‭ ‬للساحل‭ ‬الأطلسي‭ ‬حول‭ ‬مبادئ‭ ‬مشتركة‭ ‬ومصالح‭ ‬متوافقة‭.‬

وشكل‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬الأول‭ ‬لدول‭ ‬إفريقيا‭ ‬الأطلسية‭ ‬مناسبة‭ ‬مهمة‭ ‬لبلورة‭ ‬رؤية‭ ‬إفريقية‭ ‬مشتركة‭ ‬الحيوي،‭ ‬للنهوض‭ ‬بهوية‭ ‬أطلسية‭ ‬إفريقية‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للقارة،‭ ‬وقد‭ ‬تمحورت‭ ‬أشغال‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬حول‭ ‬ثلاثة»‭ ‬مواضيع‭ ‬تتعلق‭ ‬بـ‭ ‬«الحوار‭ ‬السياسي،‭ ‬والأمن،‭ ‬والسلامة» و»البيئة والطاقة»‭ ‬و»الاقتصاد‭ ‬الأزرق‭ ‬والربط»‭.  ‬وقد‭ ‬توجت‭ ‬أشغال‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬الأول‭ ‬لدول‭ ‬إفريقيا‭ ‬الأطلسية‭ ‬باصدار‭ ‬”إعلان‭ ‬الرباط”‭  ‬الذي‭ ‬جدد‭ ‬التزام‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بتفعيل‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬الجيو-استراتيجي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التشاور‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأطلسية‭.‬
 
العمل على اصلاح هياكل منظمة الاتحاد الإفريقي
انسحب‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الإفريقية‭ ‬(الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬حاليا)‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬نيروبي‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬م،‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬إقحام‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬ب‭ ‬«الجمهورية‭ ‬الصحراوية»،‭ ‬ولم‭ ‬يمنع‭ ‬غيابه‭ ‬عن‭ ‬المنظمة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬حاضرا‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬وأمن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬خلال‭ ‬الأزمات‭ ‬والكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاقات‭ ‬التجارية‭ ‬والاستثمارات‭ ‬المتعددة‭ ‬والمتنوعة‭ ‬والتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والعمل‭ ‬الدبلوماسي‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬نهج‭ ‬سياسة‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بجبهة‭ ‬«البوليساريو»،‭ ‬تركت‭ ‬الساحة‭ ‬فارغة‭ ‬أمام‭ ‬الخصوم،‭ ‬للقيام‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬المناوشات‭ ‬والمبادرات‭ ‬العدائية،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬وبعد‭ ‬32‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الغياب‭ ‬كانت‭ ‬رسالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬القمة‭ ‬الـ‭ ‬27‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬بالعاصمة‭ ‬البوروندية‭  ‬كيجالي‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬م،‭ ‬بداية‭ ‬العودة‭ ‬المغربية‭ ‬رسمياً‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬مكانه‭ ‬الطبيعي‭ ‬والشرعي‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬قرار‭ ‬العودة،‭ ‬جهود‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬مضاعفة‭ ‬زياراته‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬أطار‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬الإنسانية‭. ‬

وقد‭ ‬شهدت‭ ‬أعمال‭ ‬القمة‭ ‬الـ‭ ‬28‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬سنة‭ ‬2017‭ ‬م،‭ ‬التي‭ ‬انعقدت‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الإثيوبية‭ ‬أديس‭ ‬أبابا،‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬المغرب‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الإتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬ليصبح‭ ‬العضو‭ ‬الـ‭ ‬55‭ ‬بالمنظمة‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬ساهم‭ ‬تاريخياً‭ ‬في‭ ‬تدشينها‭ ‬عام‭ ‬1961‭ ‬م‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الدارالبيضاء‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬انبثاق‭ ‬إفريقيا‭ ‬متحررة،‭ ‬إذ‭ ‬يعتبر‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭ ‬أسست‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬تحت‭ ‬إسم‭ ‬منظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الإفريقية‭.‬

‭ ‬ومنذ‭ ‬استرجاع‭ ‬المغرب‭ ‬لمقعده‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الافريقي،‭ ‬انكب‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬هياكل‭ ‬الاتحاد،‭ ‬حيث‭ ‬قدم‭ ‬المغرب‭ ‬رؤيته‭ ‬لإصلاح‭ ‬المنظمة‭ ‬القارية‭ ‬وخاصة‭ ‬مجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬التابع‭ ‬لها،‭ ‬خلال‭ ‬نقاش‭ ‬وزاري‭ ‬لمجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬التابع‭ ‬للاتحادالافريقي،‭ ‬نظم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أشغال‭ ‬الدورة‭ ‬73‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬شتنبر‭ ‬2018،‭ ‬أين‭ ‬أبرز‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المغربي‭ ‬ناصربوريطة‭ ‬أنه‭ ‬ولتشجيع‭ ‬بروز‭ ‬مجلس‭ ‬قوي‭ ‬وفعال‭ ‬بمقدوره‭ ‬بلورة‭ ‬هندسة‭ ‬تنظيمية‭ ‬تتسم‭ ‬بقدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المرونة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬حكامة‭ ‬جديدة‭ ‬لقضايا‭ ‬السلام‭ ‬والأمن،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بإصلاح‭ ‬فعال‭ ‬لمجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن،‭ ‬الهيئة‭ ‬التقريرية‭ ‬والدعامة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للهيكل‭ ‬الأفريقي‭ ‬للسلم‭ ‬والأمن‭ .‬

وقد‭ ‬استطاع‭ ‬المغرب‭ ‬كخطوة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الاصلاح،‭ ‬تخليص‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة‭ ‬التقريرية‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬خصوم‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭ ‬منذ‭ ‬تاريخ‭ ‬تأسيسها،‭ ‬حيث‭ ‬شغل‭ ‬مقعدا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن،‭ ‬كعضو‭ ‬لولاية‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬2018-2020،‭ ‬وقد‭ ‬ساهم‭ ‬المغرب‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الولاية‭ ‬الأولى،‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬برئاسته‭ ‬لهذه‭ ‬الهيئة‭ ‬التقريرية‭ ‬في‭ ‬شتنبر‭ ‬2019،‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬و‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الرقي‭ ‬بأساليب‭ ‬عمل‭ ‬مجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬وتعزيز‭ ‬الممارسات‭ ‬الشفافة‭ ‬والفضلى‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬انتخاب‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬خلال‭ ‬القمة‭ ‬الخامسة‭ ‬والثلاثين‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬للفترة‭ .‬2022-2025‭  ‬
 
محمد الطيار/ باحث في الدرسات الاستراتيجية والأمنية