اعتمد المغرب استراتيجية متعددة الأبعاد، خاصة في السنوات الأخيرة، تهدف إلى استرجاع مكانته التاريخية في إفريقيا عموما وفي منطقة غرب إفريقيا والساحل الإفريقي بالخصوص، هذه الإستراتيجية تشمل عدة جوانب، منها المجالات الاقتصادية والتنموية والتعامل مع ظاهرة الهجرة، وبناء الاستقراروالأمن، وتقديم المساعدة للدول من أجل مجابهة الإرهاب، والتكوين في عدة مجالات سواء منها العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وكذا في مجال تكوين الأئمة، وتطوير البنيات التحتية وتعزيز السيادة الغذائية والطاقية والأمن الصحي وتثمين الموارد الداخلية والرفع من مستوى الصناعة.
كما تلعب القوات المسلحة المغربية دورا كبيرا في ترسيخ السلم وبناء الاستقرار، عن طريق المشاركة في قوات حفظ السلام الأممية، حيث أصبح المغرب شريكاً فاعلاً وموثوقاً في عمليات حفظ السلام، عبر مشاركة وحداته بتجريدات مختلفة وبأُطره العسكرية داخل هياكل الهيئات الأممية، وقد تعزز هذا الانخراط باعلان الملك محمد السادس سنة 2022 عن إنشاء مركز مغربي لحفظ السلام متعدد التخصصات، يهدف الى تكوين ودعم الكفاءات الوطنية والأجنبية خاصة في القارة الإفريقية، بشراكة مع الأمم المتحدة وبعض الدول الصديقة، من أجل تعزيز مبادئ الأمن والسلم الدوليين.
ويقوم المغرب كذلك في إطار الإستراتيجية المتعددة الجوانب بتقديم منحا سنوية للطلبة الأفارقة، حيث تخرج من الجامعات والمعاهد المغربية العليا عدد لا يحصى من المسئولين والأطر، الذين أصبحوا يشكلون نخبة أساسية في الإدارة والمؤسسات العمومية في البلدان الإفريقية.
نهج البناء والمصالحة وإعادة الإعمار
باعتبار الحقيقة التي تؤكد ارتباط المجموعات الإرهابية في منطقة أزواد بالحركة الانفصالية في مخيمات تندوف، حيث أن كلاهما ناتج من نفس المصدر الذي تقوم سياسته الخارجية على العداء للمغرب وخلق بيئة غير أمنة في منطقة الساحل الإفريقي، مدت المملكة يد المساعدة لمالي بتقديم تصورها في اللامركزية والجهوية التي تعتبرنقطة مهمة لحل النزاع في شمال مالي، واعتماد هذه التجربة من شأنه تأهيل الأزواديين ودفعهم للتخلي عن فكرة الانفصال، كما أن سياسة الحياد التي أنتهجها المغرب في علاقته مع أطراف النزاع في شمال مالي تعتبر كذلك معطى أساسي في الدفع في حل مشكل شمال مالي.
فقد ألقى الملك محمد السادس بمالي عام 2013 م، خلال حفل تنصيب الرئيس المالي إبراهيم بوباكار كيتا، خطابا حدَد فيه الخطوط العريضة للعلاقة بين مختلف الأطراف، ودعا فيه إلى اعتماد برنامج يقوم على:
أ - مصالحة هادئة بين جميع أبناء مالي، ومنفتحة على كل الحساسيات. ويعد إحداث «وزارة مكلفة بالمصالحة الوطنية وتنمية مناطق الشمال» من بوادر التعبئة في سبيل هذه المصالحة.
ب - إعادة بناء مستديمة، من خلال توطيد المؤسسات السياسية والتمثيلية والأمنية، وتأهيل البنيات التحتية الكفيلة بتحقيق التقدم، وأخيرا إعادة هيكلة الحقل الديني.
وقد ذكر الملك محمد السادس في هذا الخطاب أنه «وأمام كل الرهانات المطروحة، فإن بعض الدول والأطراف، مع كامل الأسف، لا تعمل إلا على الهدم والتخريب، في الوقت الذي تختار فيه دول أخرى نهج البناء وإعادة الإعمار».
وقد كان البعد العسكري حاضرا في أثناء الزيارة الملكية لمالي سنة 2014، حيث تم تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، بنقل التجربة المغربية في محاربة الإرهاب، وفتح المجال أمام الكفاءات من دولة مالي لتواصل تكوينها في الأكاديميات العسكرية، كما تكلف المغرب كذلك بتدريب وتكوين الحرس الرئاسي المالي وكذا الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى القوات الخاصة وتزويدها بوسائل وأسلحة خاصة.
وفي إطار تقريب وجهة نضر مختلف الفرقاء في أزمة مالي، استقبل الملك محمد السادس بتاريخ 31 من شهر يناير 2014م في مدينة مراكش، بلال أغ الشريف الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، الذي كان مرفوقا بالمتحدث باسم الحركة موسى أغ الطاهر، وحثهم على الشروع في المفاوضات، والتوصل إلى إتفاق سلام ينهي الأزمة ويحافظ على وحدة مالي.
وقد تزامنت أيضا زيارة الملك محمد السادس إلى مالي خلال شهر فبراير من سنة 2014 م في مستهل جولة أفريقية قادته إلى غينيا كوناكري وكوت ديفوار والغابون، مع قبول الحركات المسلحة في شمال مالي استئناف الحوار مع الحكومة في باماكو.
أما على المستوى الدولي، فالمغرب الذي كان رئيسا لمجلس الأمن خلال شهر دجنبر من سنة 2012 م، ساهم في إصدار القرار رقم 2085 الذي قضى بنشر القوة العسكرية في مالي، ومساندته مالي على استرجاع سيطرتها على أراضيها، أمام رفض الجزائر لهذا التدخل.
وفي ظل الوضع العام القائم على عدم الاستقرار وبروز تهديدات حقيقية لدول المنطقة، يقوم المغرب بمجهودات دبلوماسية من أجل إقرار السلم والأمن في شمال مالي، بحكم علاقاته التاريخية والروابط الدينية والاجتماعية بقبائل الطوارق والعرب على حد سواء، وكذا مع الإثنيات الأخرى خاصة الفولان، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء في منطقة أزواد.
كما دعم المغرب مبادرة مجموعة دول «الساحل الخمس»، حيث أكد وزير خارجيته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر 2017 م، استعداد بلاده لدعم المجموعة في مجال تدريب القوات وأمن الحدود، فضلا عن الخبرة المغربية في تدريب الأئمة ومكافحة التطرف.
وفي إطار جهود بناء الاستقرار، يتحرك المغرب أيضا وفق إستراتيجية دبلوماسية تقوم على الشراكة،حيث وقع العديد من الاتفاقيات في شتى المجالات الاقتصادية سعيا منه من أجل فتح أوراش تنموية في المنطقة، باعتبار أن الحل العسكري والأمني ليس الطريق الكفيل وحده بحل الأزمة في منطقة الساحل الإفريقي، وقد أصبح المغرب بذلك البوابة الحقيقية والآمنة للاستثمار في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل وغرب ووسط إفريقيا، وقد بدأ يستغل الأسواق الإفريقية بشكل مناسب يحافظ فيه على مصالحه الوطنية والسياسية، وعلى أساس شراكة متينة جعلت منه بوابة إفريقيا الاقتصادية بامتياز.
وطيلة السنوات الماضية، عقد في المغرب عدة ملتقيات دولية وإقليمية متعلقة بأمن الحدود، منها مؤتمر دولي عقد في نوفمبر 2013 م بالرباط، حضره إلى جانب دول أفريقية، ممثلين عن منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية وآسيوية، وقد خرج بتوصيات متعلقة بالأمن في منطقة الساحل الإفريقي من بينها تحديد التحديات الأمنية، وإنشاء مركز إقليمي للمراقبة والتكوين وإعادة النظر في المنظومات الأمنية والجمركية، واختتم المؤتمر أنداك بتوصيات تعطي المغرب دورا مهما لتنفيذها.
كما نظم المغرب العديد من الدورات التكوينية في مجال التعاون الأمني الدولي، من بينها دورات لفائدة ضباط وأعوان الشرطة في كل من تنزانيا والسودان وغامبيا وبوركينافاسو وأفريقيا الوسطى والسنغال ومدغشقر وساحل العاج وغينيا كوناكري.
إضافة إلى ما سبق، ساهم المغرب في العديد من التحقيقات الأمنية إثر العمليات الإرهابية التي استهدفت دول منطقة الساحل الإفريقي ودول جنوب الصحراء بشكل عام، وقدم خبرته في تفكيك الخلايا الإرهابية وفي اعتماد مقاربة استباقية للحد من نشاط العمل الإرهابي والجريمة المنظمة.
الأبعاد التشاركية والمتعددة المستويات للعلاقات المغربية الإفريقية
مكنت زيارات الملك محمد السادس المتعددة للدول الافريقية، من توسيع نشاط الفاعلين المغاربة إلى قطاعات مختلفة وذلك لتلبية حاجيات اقتصادية في طور التحول. كما أعطت الانطلاقة لعدة مشاريع اجتماعية واقتصادية، خصوصا في مجال الصحة، والتعليم، والسكن الاجتماعي، والفلاحة، وتربية الماشية والصيد البحري.
كما شكلت نيجيريا الدولة المحورية في غرب أفريقيا، محطة رئيسية في الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس، حيث أبرم المغرب معها اتفاقيات تعاون من أهمها مشروع أنبوب للغاز الطبيعي، وتعمل الدولتان على إنجاز خط الغاز بين البلدين يمر عبر مجموعة من دول غرب القارة، وهي مبادرة كبيرة ستعيد تشكيل الخريطة الطاقية الإقليمية وتعزيز القدرات التنافسية للغاز الإفريقي والرفع من قيمته داخل السوق الأوروبية.
كما عمل المغرب على تقوية المنظومات المالية والبنكية لعدد مهم من دول القارة، الأمر الذي مكن من رفع القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية الثنائية للمغرب مع الدول الإفريقية بنسبة 9.5 في المئة كمتوسط سنوي، وذلك بالموازاة مع تقوية الاستثمارات المغربية في إفريقيا، مما جعل المغرب أول مستثمر إفريقي بالقارة. وانخرط كذلك بقوة في بناء نموذج افريقي للتنمية وتطوير البنيات التحتية وتعزيز السيادة الغذائية والطاقية والأمن الصحي وتثمين الموارد الداخلية والرفع من مستوى الصناعة.
وينكب عمل المغرب على ورش تنفيذ منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، لخلق الإنتاج وتوفير الفرص وتطوير البنيات التحتية والتكوين الجامعي والمهني وتعزيز السيادة الغذائية والطاقية والأمن الصحي، وذلك بمواكبة مجموعة من الدول الإفريقية في بناء استراتيجيات فلاحية متقدمة لتقوية السيادة الغذائية وولوج أسواق جديدة، كما يعمل من خلال المكتب الشريف للفوسفاط ووفق استراتيجية تروم تطوير سلسلة قيمة قارية، لتتمكن القارة الإفريقية خلال مرحلة محددة من الولوج إلى الكميات العادلة والكافية من الأسمدة.
مما سيعزز من الأمن الغذائي للقارة الافريقية، وفي هذا الاطار يبرز العمل على إنشاء منصة صناعية لإنتاج الأسمدة بإثيوبيا بتكلفة تصل لـ 3.7 مليارات دولار وبطاقة إنتاجية تناهز 2.5 مليون طن سنويا من الأسمدة موجهة للأسواق المحلية وأسواق التصدير، فضلا عن فتح مصنع بغانا مخصصا لصناعة الأسمدة، ومصنع ثان بنيجيريا سيكون مخصصا لصناعة الأمونيا المستعملة في التخصيب الزراعي.
تعزيز التعاون الديني وإحياء الروابط مع الزوايا:
من أجل إرساء النموذج المغربي في التعاطي مع الشأن الديني في المنطقة، استقبل المغرب عدة بعثات من دول غرب إفريقيا غايتها التكوين في المجال الديني، منها حوالي 500 إمام ورجل دين من مالي أمضوا فترة تدريبية تلقوا خلالها تكوينا يستهدف الحفاظ على الأمن الديني.
ولتعزيز دور المغرب في المجال الديني في إفريقيا وتفعيل دوره التاريخي في هذا المجال، تم إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي يترأسها الملك محمد السادس بموجب الظهير الشريف 1.15.75 الصادر في 24 يونيو 2015 م، وبموجب الظهير الشريف 1.16.81 الصادر في 22 يونيو 2016 م تم تحويل مقر المؤسسة إلى مدينة فاس.
وفي إطار إعادة تفعيل دوره الديني القائم على المذهب المالكي في منطقة غرب إفريقيا منذ عدة قرون، والذي لعبت فيه الزوايا والطرق الصوفية دورا أساسيا في بناء قنوات الحوار والتواصل وبناء روابط متينة بين المغرب وغرب إفريقيا خصوصا، حيث تشكلت بذلك طيلة قرون من الزمن أسس أرضية الاستقرار الديني في المنطقة، عمل المغرب في السنوات الأخيرة على إحياء هذه الروابط خاصة مع الطريقة التيجانية، المرتبطة بضريح الوالي «سيدي احمد التيجاني» بفاس، في وقت عملت فيه كذلك الجزائر على محاولة الاعتماد على هذه الطريقة في مزاحمة المغرب في غرب إفريقيا.
لقد امتدت الطرق الصوفية التي نشأت بالمغرب إلى غرب أفريقيا، وساهمت منذ قرون في دعم الروابط الدينية بين الشعب المغربي والشعوب الإفريقية، وتعد الزاوية التيجانية نموذجا متميزا في تمتين أواصر العلاقات الدينية بين المغرب وبعض دول غرب أفريقيا، حيث تستخدم المملكة المغربية تأثيرها الكبير في الطرق الصوفية وبخاصة الطريقة التيجانية والطريقة القادرية، الطريقتان المنتشرتان بشكل كبير في موريتانيا ومالي والسنغال ونيجيريا، فقرابة نصف مسلمي غرب أفريقيا تيجانيون ومنهم حوالي أربعين مليون مسلم في نيجريا يتبع الطريقة التيجانية ويرتبطون بمدينة فاس.
لقد قام المغرب في العقود الأخيرة، بإعادة صياغة علاقته بالتيجانيين الذين ينتشرون في مختلف البلدان الإفريقية على امتداد منطقة الساحل والصحراء، ووجه هذه العلاقة في جعل أتباع هذه الزاوية يقومون بأدوار مهمة في إطار دبلوماسية دينية تساهم في تقوية الروابط بين المغرب وبلدان أفريقية، وقد أدت هذه الطريقة من خلال نفوذها الاجتماعي والسياسي دورا دبلوماسيا حاسما لصالح المغرب في كل دول غرب أفريقيا، حيث أن هذه الدول كانت مواقفها دائما لصالح المغرب.
كما قام المغرب بتشييد العديد من المساجد الكبرى ببعض العواصم الغرب افريقية كنواكشوط، وداكار، وباماكو والتي تلعب دورا أكثر من كونها مساجد، بل دور»سفارات وقنوات دبلوماسية إقليمية».
احتضان الموروث الثقافي وتعزيز دوره في إقرار السلام
لا تقتصر الرؤية الاستراتيجية المغربية التي تستهدف إقرار السلام في منطقة الساحل، فقط على الجوانب الاقتصادية والتنموية أو على التأطير الديني ومحاربة التطرف ونشر قيم الاعتدال والتسامح الديني، أو تقديم المساعدات العسكرية والأمنية، بل تعطي أيضا أهمية كبيرة للبعد الثقافي ودوره في تعزيز السلم والمصالحة، ففي شهر نونبر من كل سنة وطيلة السنوات الماضية، تعرف بلدة محاميد الغزلان أكبر تظاهرة فنية تشهدها المنطقة والمتمثلة في مهرجان «تراكالت»، الذي يستضيف سنويا عددا من الفنانين القادمين من مالي ومن منطقة أزواد خاصة، ومن النيجر وموريتانيا، وعدد من الموسيقيين العالميين المشتغلين على تراث الصحراء، بالإضافة إلى فرق فنية من الجنوب المغربي.
لقد أصبحت بلدة أمحاميد الغزلان، خاصة بعد الأزمة الأمنية في شمال مالي، ملتقى لأشهر الفرق الموسيقية الطوارقية، فمنذ سنة 2012 م لم يعد بإمكان مهرجان الصحراء لتنبكتو العاصمة الثقافية والتراثية لجمهورية مالي، الذي كان يشكل حدثا ثقافيا بارزا في إفريقيا، أن ينعقد بسبب تحريم الموسيقى في أزواد وتخريب معالم هذه المدينة التاريخية، خاصة بعد سيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة على المنطقة، وأصبح مهرجان «تراكالت» التراثي الموسيقي و»المهرجان الدولي للرحل»، الذي ينظم أيضا في بلدة محاميد الغزلان منذ أكثر من ستة عشر سنة، للاحتفاء بثقافة الرحل من جميع أنحاء العالم، يشكلان معا فرصة لفناني أزواد لإسماع صوتهم الذي توارى بسبب انعدام الأمن في منطقتهم.
إضافة إلى ذلك وبمبادرة من المجتمع المدني المغربي، إتفق سنة 2013 م، مسئولي ثلاث مهرجانات «تاراكالت محاميد الغزلان- المغرب» و»سيغو حول النيجر- النيجر»، و»مهرجان الصحراء- تمبكتو- مالي»، على إطلاق مشروع يهدف إلى دعم الحوار والتضامن بين أبناء منطقة الساحل الإفريقي وجعل الثقافة تلعب دورها في إرساء السلم والأمن في منطقة أنهكتها المآسي والنزاعات، حيث تم الإعلان عن «القافلة الثقافية للسلام»،التي تنطلق كل سنة ومنذ 2013 م من بلدة أمحاميد الغزلان في اتجاه مالي والنيجر، من أجل مواكبة مسلسل السلام بمالي عقب اتفاقية السلام الموقعة بين الأطراف المتصارعة، والقيام بحملات تحسيسية وتوعوية واسعة ميدانية لتشجيع وتعزيز المصالحة بين مختلف الأطراف، ودعم الاستقرار انسجاما مع الدور المغربي الساعي إلى غرس قيم التضامن والتعايش في القارة الأفريقي، وتشجيع الحوار والتبادل الثقافي والتحسيس بأهمية إدماج البعد الثقافي والبيئي في مشاريع التنمية في دول الساحل.
استحداث لجان لمتابعة التغيرات المناخية وآثارها
في إطار التخفيف من آثار التغير المناخي والتأقلم مع هذه الظاهرة، احتضنت مدينة مراكش المغربية قمة إفريقية مصغرة، بتاريخ 16/11/2016 م، على هامش مؤتمر الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيرات المناخ «كوب 22»، وتم بمبادرة من المغرب استحداث ثلاث لجان لمتابعة التغيرات المناخية وآثارها على مستوى إفريقيا: أولاها مختصة بمنطقة الساحل برئاسة دولة النيجر، والثانية مختصة بحوض الكونغو وترأسها جمهورية الكونغو، والثالثة لجنة الدول الجزرية بقيادة جمهورية سيشيل.
وقد كان المؤتمر الأول للجنة المناخ لمنطقة الساحل المنعقد خلال شهر فبراير من سنة 2019 م بنيامي، تجسيدا صريحا لمجهودات المغرب من أجل الحد من أثار التغييرات المناخية، فقد نوه رؤساء الدول والحكومات، في البيان الختامي الذي توج أشغال المؤتمر الأول، بـ «الدور الرائد الذي يضطلع به الملك محمد السادس ورؤيته من أجل إفريقيا قوية وفاعلة، وكذا القيادة والاستعداد الذي أبان عنه المغرب، الشريك المؤسس للجان المناخ الثلاث لإفريقيا»وأضاف البيان «أن المغرب عمل دائما من أجل تعاون جنوب - جنوب طموح لضمان تنمية منسجمة ومستدامة لإفريقيا».
وقد أعلن الملك محمد السادس في الخطاب الذي وجهه للمشاركين في أشغال المؤتمر الأول للجنة المناخ لمنطقة الساحل، عن التزام المغرب بالتكفل بدراسات الجدوى اللازمة لاستكمال خطة الاستثمار المناخي لمنطقة الساحل التي اعتمدتها القمة، والتي تبلغ كلفتها 400 مليار دولار أمريكي، وتمتد للفترة 2019 –2030 م.
إحياء«تجمع الساحل والصحراء»
تشكل منطقة الساحل والصحراء مكانة خاصة ضمن أجندة الدبلوماسية المغربية، الهادفة إلى احتواء الأزمات في هذه المنطقة واجتثاث وتجفيف منابع الجماعات الإرهابية ومختلف مكونات الجريمة المنظمة، ومن أجل تحقيق ذلك، قام المغرب بالانخراط في عدة تحالفات دولية وإقليمية، والعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي. وقد جسد خطاب العرش الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لاعتلائه العرش، أهمية الساحل والصحراء والتعاون مع بلدان هذه المنطقة، ومحورية المغرب في مكافحة الإرهاب.
في هذا الاطار قام المغرب بإحياء منظمة «تجمع دول الساحل والصحراء»، التي تأسست في 4 فبراير 1998 بطرابلس ليبيا وتتكون حاليا من 28 دولة، في غياب الجزائر التي رفضت المبادرة المغربية، من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، بعدما عرفته هذه المنظمة من ضعف إثر مقتل مؤسسها معمر القذافي، وقد عمل المغرب الذي يشغل مكانة متميزة في هذه المنظمة على توجيها نحو أدوار أمنية بتعديل ميثاقها، مما جعلها تلعب أدوارا مهمة في إفريقيا، حيث عقدت عدة لقاءات في المغرب وتشاد ومصر وغيرها، وعلى عدة مستويات من أجل تفعيل دورها في مكافحة الإرهاب وتطوير التعاون العسكري بين الدول الأعضاء.
المرصد الإفريقي للهجرة
تم إن إنشاء المرصد الإفريقي للهجرة باقتراح من الملك محمد السادس بصفته رائدا لإفريقيا في موضوع الهجرة في يناير 2018، بمناسبة القمة الثلاثين للاتحاد الإفريقي إيمانا منه بأهمية المهاجرين في بالتنمية والعدالة والنهوض بالشعوب الافريقية، وأهميتهم في كل سياسات الهجرة المسؤولة والهادفة، وانسجاما مع الهدف الـ 23 من ميثاق مراكش المعتمد من طرف مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في مدينة مراكش، في الفترة من 10 إلى 11 دجنبر 2018.
وقد حجز هذا المقترح مكانه بجدارة بين مؤسسات الاتحاد الإفريقي بفضل جهود المغرب، حيث افتتح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مقر المرصد الإفريقي للهجرة في العاصمة الرباط سنة 2020. ويعتبرهذا المرصد بمثابة منصة بحثية لصياغة حوكمة أفضل للهجرة في القارة وتوفير أداة فعالة تسمح بالاستجابة للحاجات الحقيقية من أجل العمل على معالجتها وفهم صحيح لظاهرة الهجرة، وتحليل وتبادل المعلومات بين البلدان الإفريقية لتحسين وضعية المهاجرين، وتعزيزالعلاقة بين الهجرة والتنمية، وكذا التصدي لانتشار الأخبار الكاذبة عن الهجرة في إفريقيا، لتظل واضحة وبليغة وبعيدة عن التهويل.
جعل الفضاء الإفريقي الأطلسي منطقة للسلم والاستقرار
في أفق جعل الفضاء الإفريقي الأطلسي منطقة للسلم والاستقرار والازدهار المشترك عقدت خلال سنة 2022، أشغال الاجتماع الوزاري الأول لدول إفريقيا الأطلسية في الرباط، بحضور 21 بلدا مطلا على الواجهة الأطلسية، وذلك بمبادرة من المملكة المغربية سعيا منها لتحقيق الاستفادة المثلى من القيمة الاستراتيجية للمحيط الأطلسي، ورغبة منها في توحيد جهود مجموع البلدان المحاذية للساحل الأطلسي حول مبادئ مشتركة ومصالح متوافقة.
وشكل الاجتماع الوزاري الأول لدول إفريقيا الأطلسية مناسبة مهمة لبلورة رؤية إفريقية مشتركة الحيوي، للنهوض بهوية أطلسية إفريقية والدفاع عن المصالح الاستراتيجية للقارة، وقد تمحورت أشغال الاجتماع الوزاري حول ثلاثة» مواضيع تتعلق بـ «الحوار السياسي، والأمن، والسلامة» و»البيئة والطاقة» و»الاقتصاد الأزرق والربط». وقد توجت أشغال الاجتماع الوزاري الأول لدول إفريقيا الأطلسية باصدار ”إعلان الرباط” الذي جدد التزام الملك محمد السادس بتفعيل هذا الإطار الجيو-استراتيجي، من أجل التشاور بين البلدان الإفريقية الأطلسية.
العمل على اصلاح هياكل منظمة الاتحاد الإفريقي
انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) في قمة نيروبي عام 1984 م، احتجاجا على إقحام ما يسمى ب «الجمهورية الصحراوية»، ولم يمنع غيابه عن المنظمة الإفريقية، من أن يظل حاضرا داخل إفريقيا من خلال مساهمته في استقرار وأمن عدد من الدول، ومن خلال تقديم المساعدات الإنسانية خلال الأزمات والكوارث الطبيعية والإنسانية، إضافة إلى الاتفاقات التجارية والاستثمارات المتعددة والمتنوعة والتبادل الثقافي والاقتصادي والعمل الدبلوماسي.
غير أن نهج سياسة القطيعة مع بعض البلدان الإفريقية التي اعترفت بجبهة «البوليساريو»، تركت الساحة فارغة أمام الخصوم، للقيام بمزيد من المناوشات والمبادرات العدائية، مما دفع المغرب إلى مراجعة هذه السياسة، وبعد 32 عاماً من الغياب كانت رسالة الملك محمد السادس إلى أعمال القمة الـ 27 للاتحاد الإفريقي بالعاصمة البوروندية كيجالي سنة 2016 م، بداية العودة المغربية رسمياً إلى هذه المنظمة، حيث أكد فيها أن المغرب لا بد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الإفريقي، وقد سبق قرار العودة، جهود كبيرة من الملك محمد السادس تمثلت في مضاعفة زياراته للعديد من دول إفريقيا في أطار التعاون في مجال التنمية الإنسانية.
وقد شهدت أعمال القمة الـ 28 للاتحاد الإفريقي سنة 2017 م، التي انعقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، المصادقة على عودة المغرب للانضمام إلى الإتحاد الإفريقي ليصبح العضو الـ 55 بالمنظمة الإفريقية التي ساهم تاريخياً في تدشينها عام 1961 م في قمة الدارالبيضاء التي أعلنت في ذاك الوقت عن انبثاق إفريقيا متحررة، إذ يعتبر المغرب من بين 30 دولة إفريقية أسست هذا الكيان تحت إسم منظمة الوحدة الإفريقية.
ومنذ استرجاع المغرب لمقعده في الاتحاد الافريقي، انكب على إصلاح هياكل الاتحاد، حيث قدم المغرب رؤيته لإصلاح المنظمة القارية وخاصة مجلس السلم والأمن التابع لها، خلال نقاش وزاري لمجلس السلم والأمن التابع للاتحادالافريقي، نظم في إطار أشغال الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر شتنبر 2018، أين أبرز وزير الخارجية المغربي ناصربوريطة أنه ولتشجيع بروز مجلس قوي وفعال بمقدوره بلورة هندسة تنظيمية تتسم بقدر أكبر من المرونة، وتعزيز حكامة جديدة لقضايا السلام والأمن، لابد من القيام بإصلاح فعال لمجلس السلم والأمن، الهيئة التقريرية والدعامة الرئيسية للهيكل الأفريقي للسلم والأمن .
وقد استطاع المغرب كخطوة أولى في طريق الاصلاح، تخليص هذه الهيئة التقريرية من هيمنة خصوم وحدته الترابية منذ تاريخ تأسيسها، حيث شغل مقعدا في مجلس السلم والأمن، كعضو لولاية من سنتين 2018-2020، وقد ساهم المغرب خلال هذه الولاية الأولى، التي تميزت برئاسته لهذه الهيئة التقريرية في شتنبر 2019، بشكل ملحوظ و بناء على الرقي بأساليب عمل مجلس السلم والأمن وتعزيز الممارسات الشفافة والفضلى في عمل الاتحاد الإفريقي، كما تم انتخاب المملكة المغربية خلال القمة الخامسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي في فبراير 2022 عضوا في مجلس السلم والأمن للفترة .2022-2025
محمد الطيار/ باحث في الدرسات الاستراتيجية والأمنية