احتضنت قاعة عبد الواحد خيري بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء صباح الأربعاء 10 ماي 2023، أشغال ندوة علمية حول موضوع "قضايا في التاريخ الدبلوماسي المغربي – الدبلوماسية المغربية زمن الأزمات"، بتنظيم من مختبر البحث "المغرب والعالم الخارجي.. التاريخ والمجتمع والتراث" بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج. وهي الندوة التي شهدت ثلاث جلسات توزعت بين الجلسة الإفتتاحية التي أدارها الأستاذ شعيب حليفي وشارك فيها رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج عبد الله بوصوف، الذي اعتبر في كلمة له أن الدبلوماسية الموازية (وضمنها دور وقوة الجالية المغربية بالخارج المتواجدة في أكثر من 50 دولة عبر العالم) تشكل جبهة متقدمة في علاقات المغرب الدولية لأنها في تماس مباشر ثقافيا، اقتصاديا، اجتماعيا، علميا وسياسيا مع مجتمعات العالم. مع كلمة ترحيبية للأستاذ خالد سرتي باسم مختبر البحث ذكرت بالسياقات المغربية والمغاربية التي جاء فيها تنظيم الندوة.
وقبل انطلاق جلستي الندوة العلمية، نظم حفل تكريم لكل من رئيس مجلس الجالية عبد الله بوصوف وعميد كلية الآداب بنمسيك عبد القادر كنكاي (الغائب في مهمة خارج المغرب) وعميد كلية الآداب بفاس سمير زويتة والباحث الأستاذ خالد سرتي، حيث سلم لكل واحد منهم ذرع تكريمي خاص.
محاور الجلستين العلميتين، التي ترأس أولها الأستاذ إدريس الكريني من كلية الحقوق بمراكش، وترأس ثانيتها عميد كلية الآداب بفاس الأستاذ سمير بزويتة، شهدت مقاربات متقاطعة لسؤال "الدبلوماسية المغربية زمن الأزمات"، توزعت بين محاور عامة وزوايا مدققة، من قبيل دور الدبلوماسية في تجسير العلاقات بين المغرب ومحيطه الخارجي في أبعاده الإفريقية والمتوسطية، العربية والأروبية، الإسلامية والمسيحية. ودور الجهاد البحري والقرصنة ثم دور المغاربة اليهود ضمن الموروث الدبلوماسي للمغرب كتجربة مؤسساتية للمخزن المغربي في ممارسة دور الدولة. وشكلت مثلا مقاربة ما يعرف في الأدبيات التاريخية على العهد الموحدي ب "حادثة المسطح" (التي هي سفينة موحدية تعرضت للقرصنة الإيطالية قبالة تونس من قبل قراصنة بيزا)، نموذجا لشكل التدبير العقلاني الهادئ لمشكلة القرصنة الأروبية للمدن الإيطالية جنوة والبندقية وبيزا، من قبل الدولة الموحدية، بما يمكن وصفه بانتصار الواقعية السياسية للدولة المغربية الذي انتهى إلى استعادة حقوق التجار المغاربة بعد سنتين من المفاوضات سجلت تبادل رسائل (7 رسائل) بين الطرفين (موضوع مداخلة الأستاذ خالد سرتي من كلية الآداب بنمسيك). فيما قدمت الواقعة التاريخية لشكل العلاقات بين المملكة الإسبانية والسلطنة المغربية على عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله والملك الإسباني كارلوس الثالث، نموذجا لدور الدبلوماسية في خدمة الهدنة وتدبير المصالح بين دولتين جارتين ومتنافستين ما بين 1757 و 1790، شكل فيها موضوع حصار مليلية لثلاثة أشهر من قبل السلطان المغربي النموذج للكياسة التي كان رأسا الدولة في البلدين يدبران بها علاقاتهما الدبلوماسية، استنادا على انخراطهما معا كل في بلده في آلية للإصلاح البحري والتجاري بمنطق مصالح الدول (مقاربة مداخلة الأستاذة مليكة الزاهيدي من كلية الآداب بالمحمدية). بينما قدمت تجربة اليهود المغاربة في المجال الدبلوماسي العنوان الكبير لما تشكله الكفاءة من دور حاسم في النجاح في التدبير المؤسساتي للعلاقات الدبلوماسية للمغرب، خاصة على العهد السعدي، وأسباب اختيار اليهود للقيام بتلك الأدوار الذي يجد سنده في أنها لا تشكل خطرا على النظام السياسي القائم كونها بدون عصبية قبلية أو قوة دينية للزوايا، من خلال نماذج عدة لعائلات يهودية مارست بفطنة ومكر أحيانا ذلك الدور الحساس على مستوى الدولة المغربية (مداخلة الأستاذ عمر المغيبشي من كلية الآداب بنمسيك). واستنادا على معطى تاريخي تراكمي يذهب في اتجاه محاولة رسم خرائط لما يمكن وصفه بمدرسة للدبلوماسية المغربية من خلال تواصل تقاليد وأسلوب عمل وتقنيات مخزنية منذ قرون، يطرح سؤالا نقديا يذهب في اتجاه اعتبار نقط ضعف التجربة الدبلوماسية المغربية في غياب مأسسة واضحة للدبلوماسية المغربية قارة ودائمة مثلما هو متحقق عند الدول الأروبية خلال القرن 19 (مداخلة الأستاذ محمد بوعزة من كلية الآداب بفاس).
بينما ذهبت مداخلات الجلسة العلمية الثانية صوب مناقشة وتحليل ومقاربة مواضيع شكل مواجهة مؤسسة المخزن المغربية، ناظمة الفعل السياسي تدبيريا بالمغرب بين الشؤون البرانية والشؤون الداخلية، انطلاقا من تحديات القرن 20 في بداياته بكل ما صاحب ذلك من أزمات على عهد السلطانين مولاي عبد العزيز ومولاي حفيظ الذي شكل نوعا من التوازن بين تحمل ضغوط هذه الدولة أو تلك من الدول الغربية قبل فرض الحماية وكان في القلب منها شكل تدبير القروض المالية وإدارة الجمارك ومواجهة الضغوط العسكرية على الحدود من جهة الجزائر التي تحتلها فرنسا (مداخلة الأستاذ جلال زين العابديم من كلية الآداب بنمسيك). ثم ما شكلته زيارة السلطان محمد بن يوسف (الملك محمد الخامس بعد ذلك) لطنجة يوم 9 أبريل 1947، التي دفعت نحو مقدمة المشهد العمومي في أبعاده السياسية والوطنية والعروبية والتحررية بمسألة الرمزية السياسية للسيادة المغربية بأبعادها الدبلوماسية، حيث قدمت تلك الزيارة نموذجا للدور النضالي الوطني المغربي دولة ومجتمع كآلية دبلوماسية اعتمدت تواصليا لطرح قضية المغرب والمغاربة من أجل الإستقلال والحرية وممارسة السيادة (مداخلة الأستاذ يوسف الزيات كم كلية الآداب بنمسيك). بينما شكلت مرحلة سنوات الإستقلال الأولى المشتل المثالي لدراسة كيفية إعادة بناء الدبلوماسية المغربية بشروط الدولة الحديثة، كما قادها وطني مغربي من قيمة أول وزير خارجية للمغرب الأستاذ أحمد بلافريج، وكيف دبرت الدولة والحركة الوطنية المغربية ذلك التأسيس في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب الحديث والدور الريادي الذي برز من خلاله الملك محمد الخامس كقائد للتحرير وكمؤسس للدولة المغربية المعاصرة، عبر ما هو متراكم من تجربة دبلوماسية للمخزن المغربي (الدولة) وما أصبح متوفرا من شكل علاقات مع العالم بمنطق ما بعد الحرب العالمية الثانية والرصيد الوطني والتاريخي لشخص الجالس على العرش القوي بشرعيته التاريخية والمؤسساتية وأيضا شرعيته النضالية الوطنية (مداخلة الأستاذ محمد حاتمي من كلية الآداب بفاس). وبمقاييس شروط التدافع وتنظيم المصالح بمنطق ميزان القوى، المتأسس على حسن وفطنة توظيف منطق الصدمات كآلية دبلوماسية لتحويلها إلى أداة لتطوير العلاقات الدولية بين المغرب ومحيطه، فإن من مجالات تطوير آلية عمل الدبلوماسية المغربية اليوم اعتمادها منطق المواجهة اعتمادا على ما تمنحه التوازنات الدولية مصالحيا وعلى تنويع الشركاء وتبادل المصالح (نموذج الأزمة مع برلين ومدريد خلال سنوات 2021 و 2022، ثم اليوم مع باريس)، مما عزز من مستوى اعتبار قيمة الآلية الدبلوماسية للمغرب ضمن مهرجان الدول (مداخلة عبد الحميد جماهري مدير نشر يومية الإتحاد الإشتراكي). وشكلت مقاربة حساسة ملف الصحراء المغربية في كافة أبعاده السياسية والقانونية والمؤسساتية والوطنية والجيو ستراتيجية، النموذج الأبرز اليوم لشكل عمل الدبلوماسية المغربية، التي تتأسس على منظومة خطوط حمراء تقدم رزنامة واضحة وقوية البناء مؤطرة لتحرك آلية عمل الدبلوماسية المغربية في علاقتها مع العالم (مقولة العاهل المغربي محمد السادس ن ملف الصحراء هو النظارات التي من خلالها يقيم المغرب شكل علاقاته مع الآخرين تأسيسا على موقفهم من حقوق المغرب العادلة في استكمال وحدته الترابية وصيانتها). وأن الدبلوماسية المغربية أصبحت اليوم هجومية بمنطق مؤسساتي رصين وهادئ يعتمد أدوات إقناع مسنودة بقوة القانون ومنطق العلاقات الدولية لما بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة (المداخلة القيمة والرصينة للأستاذ إدريس الكريني من كلية الحقوق بمراكش).