السبت 8 فبراير 2025
مجتمع

الغفران الغائب عن مقبرة الغفران بالدار البيضاء

الغفران الغائب عن مقبرة الغفران بالدار البيضاء الدار البيضاء في حاجة ملحة جدا لمقبرة جديدة، تحترم الشروط الواجبة لحرمة الموت واحترام الموتى وعائلاتهم
زرت قبل يوم عيد الفطر مقبرة الغفران، كما اعتدت كل أسبوعين أو ثلاث، للترحم على قبر والدي رحمه الله، وهالني ما شاهدته من مستوى ما بلغه الإستهتار بحرمة الموت والموتى في ذلك السرير الأبدي للغياب. الإستهتار الذي يجعل الزائر يعتقد نفسه ليس في مدينة إسمها الدار البيضاء، تدعي نخبتها أنها "مدينة سمارت"، بل كما لو أنك في مدينة موقاديشيو بالصومال أو المدينة المنبوذة بالهند، من كثرة الأوساخ والغبار وزحام المتسولين وجرائم استغلال أطفال ورجال ونساء من ذوي العاهات المزمنة، ثم عدم وجود أية ملامح للتنظيم الداخلي للمقبرة التي هي أقرب لسوق قروي من القرن 15.

بل إن من الجرائم التي أصبحت ترتكب هناك منذ شهر، القيام بعمليات دفن للموتى في مزابل بمحيط المقبرة، نعم مزابل وفي فضاءات تقع تحت بنايات عتيقة من السكن العشوائي تقطنها عائلات فقيرة ومعدمة، مما يعتبر تحقيرا لقدسية الموت وامتهانا للموتى وعائلاتهم.

نعم، قد يقول قائل، إن مقبرة الغفران امتلأت نهائيا ولم يعد هناك مجال لدفن موتى المسلمين بها، لكن هل الحل هو رمي موتى شمال وشرق الدار البيضاء في ما يشبه المزابل التي تحتلها القطط والكلاب وعلى قارعة الطريق بدون سور يحمي المقبرة وبدون تنظيم يقدر حرمة الموت. حتى ليكاد المرء أن يصيح عاليا: أيها المغاربة لا تموتوا بالدار البيضاء حتى لا ترمى جتثكم مثلما ترمى الجيف على قارعات الطريق وعلى جنبات الأودية القاحلة في الخلاء.

إن الأمر ليس فيه أدنى مبالغة ويمكن للجنة تقصي مدنية أو رسمية أن تقوم بزيارة لمقبرة الغفران، لتقف عند عناوين الجريمة المرتكبة هناك، التي تستوجب محاسبة مسؤولي المدينة والجهة.

نعم الدار البيضاء في حاجة ملحة جدا لمقبرة جديدة، تحترم الشروط الواجبة لحرمة الموت واحترام الموتى وعائلاتهم. ذلك أن ما يحدث يوميا بمقبرة الغفران ليس سوى مجرد تخلص من الجتث في ما يشبه الرمي في المزابل وهذا عار على المغرب في القرن 21. فكل خطابات العصرنة والتحديث والتقدم والتنمية المستدامة تسقط في حضيض الحضيض أمام شكل التعامل مع الموتى ومع القبور في مقبرة الغفران بالدار البيضاء. فالأمر معيب جدا وفيه احتقار للإنسان حيا وميتا، لأنه حتى حق الزيارة للراحلين من الأهل هناك محفوف بكل أشكال الخطر، لغياب الأمن وغياب النظافة وانتشار بؤر الأوبئة والجرائم البيئية.

بكل الألم، لا يملك الإنسان إلا أن يعترف أمام هول ما يشاهده من واقع مقرف في مقبرة الغفران، ويصيح عاليا: مؤسف أن تكون مغربيا وأن تكون إنسانا في الدار البيضاء حين يصل مستوى التعامل مع الموتى وحرمة الموت هذا الدرك المهين.