الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

ادريس الأندلسي: سعر فائدة أعلى قد يزيد التضخم في بلادنا!

ادريس الأندلسي: سعر فائدة أعلى قد يزيد التضخم في بلادنا! ادريس الأندلسي
المتعارف عليه والمثبت بالقانون أن البنك المركزي في أغلب الدول مستقل. ولقد أقرت بلادنا استقلالية ما أصبح يعرب ببنك المغرب بجميع اللغات منذ سنوات. مهام هذه المؤسسة كثيرة وإستراتيجية ويظل دورها الأول هو مواجهة التضخم عبر التحكم في مستوى سعر الفائدة الأساسي. وهذا السعر يعتبر، نظريا، الوسيلة التي تمكن الأبناك من تمويل احتياجاتها مع  التأثير سلبا أو إيجابا في حجم الطلب على التمويل. ولكن الغالب هو تدخل البنك المركزي في قطاع الآجال قصيرة الأمد. هذا مع العلم أن السياسة النقدية هي من اختصاصات الحكومة كباقي السياسات القطاعية.
المهم هو أن  يتمكن بنك المغرب في التحكم في آليات تمويل الإقتصاد ولكن تجري الرياح  بما  لا تشتهي السفن. كثيرة هي العوامل  الخارجية والداخلية التي تفسر حجم  التضخم وضعف  بنيات النمو  الإقتصادي. إن تباطؤ نمو المعاملات يدفع البنك المركزي  في الأحوال العادية لبعث شيء من النشاط عبر تسهيل القروض للمقاولات وللأشخاص. وقد لاحظنا خلال السنين الأخيرة كيف اقترب سعر الفائدة الأساسي من 1%. ولكن البنوك الخاصة لم تتبع سياسة بنك المغرب و ظلت تطبق نسبة فائدة تجاوزت 6%. سعر الفائدة أساسي في تحريك التعامل في أسواق العقار والسيارات  و الاستهلاك. ولهذا يتم إستعماله كذلك للحد من نسبة التضخم  ولجم حركة الزيادة في الأسعار عبر كبح نسبة الاستهلاك وتخفيض مستوى وإيقاع الطلب على وسائل التمويل. إلا أننا لا نعيش حاليا في مرحلة تتسم بنسبة نمو مرتفعة أوحتى متوسطة بل في شبه ركود. وهذا الوضع هو ارتكزت عليه الحكومة  للتسريع في وضع القانون الإطار للإستثمار  وتسجيل رقم زمني قياسي في إخراج ثلاثة مراسيم تطبيقية تهم بالأساس حجم المنح للمستثمرين. هذا بالإضافة إلى كل البرامج التي تستهدف زيادة التشغيل.  والمعروف بل والبديهي أن زيادة تكلفة التمويل تعتبر من أهم العراقيل التي تواجه المقاولات الحاملة للمشاريع. 
يجتمع مجلس إدارة بنك المغرب كل ثلاثة أشهر لتدارس العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في الإقتصاد الوطني. ويتم إتخاذ قرار في شأن مستوى سعر الفائدة الأساسي الذي يشكل الأرضية التي يرتكز عليها النظام البنكي لإعادة تمويله ولتحديد سعر فائدة مختلف أنواع قروضه لزبناءه. وغالبا ما يصرح والي البنك على ضرورة تقليص هامش ربحية البنوك، لكن هذه الأخيرة تخضع لمنطق آخر.  مجلس إدارة بنك المغرب يضم شخصيات  ذات إلمام بالقضايا المالية  و الإقتصادية وحتى وزير مالية سابق  بالإضافة إلى مديرة إحدى أهم مديريات وزارة الإقتصاد والمالية وهي  مديرية الخزينة والمالية الخارجية.  وتعد هذه المديرية عمليا هي حاملة  رسائل الحكومة لمجلس الإدارةو للوالي.أما قضية الاستقلالية فمن  الصعوبة عزلها عن المحيط السياسي والإقتصادي الذي تمارس في إطاره. هناك خط رفيع جدا يفرق بين استقلالية مايسمى بمؤسسات الحكامة  و ما يدور داخل المجال السياسي وما يدور كذلك داخل المؤسسات المالية والبنكية والتجارية والصناعية و العقارية والطاقية الكبرى بالبلاد.
الوضع الحالي لن يغير فيه سعر الفائدة ميكانيزمات التحكم في بنية الأسعار. السوق الغذائية معقدة البنيات الرسمية والخفية. 
وقد  تضمن بلاغ الحكومة قبل يومين كلاما محيرا بكل المقاييس السياسية.  ناطقها الرسمي عبر عن جهل الحكومة للأسباب الكامنة وراء موجة غلاء الخضر والفواكه. ولم يشر ولو للحظة عن تأخر السلطات العمومية وخصوصا وزارة الداخلية في إصلاح أسواق الجملة وأسواق اللحوم الحمراء وباقي الوزارات التي تشرف على أسواق أخرى. والعارفون بالمعاملات داخل هذا القطاع يعرفون أن أقل من  30% من كميات الخضر و الفواكه هي التي تخضع لمراقبة أسواق الجملة.أما الباقي فهو مرتع للسماسرة ومافيا خلق النذرة  ورفع الأسعار. لأول مرة لاحظت تساوي الأسعار المعلنة داخل الأسواق العصرية الكبرى وتلك التي تسجلها أسواق الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة.أما قطاع الطاقة فلا زال الغموض يلفه رغم كل البيانات والتصريحات غير المقنعة التي قدمتها الحكومة و مجلس المنافسة. هناك بنية تركيبية لسعر الطاقة لا تتيح شفافية مطلقة لمعرفة الهامش الحقيقي للأرباح في هذا المجال. ولنا في أرقام معاملات شركات البترول والغاز الأجنبية العاملة في السوق الوطنية خير مثال على الربح الذي تحققه. 
التضخم يهم بالأساس أسعار الطاقة و الغذاء في ظل أزمة عسكرية وسط أوروبا و تلقي بظلالها على اقتصادنا الوطني.  وككل الأزمات هناك مستفيدون منها ولكن المتضررين هم الأغلبية. أسعار العقار  و التجهيزات المنزلية الالبسة  لم تعرف مستوى تضخم مثير للانتباه. ولكل هذا يمكن القول أن بنك المغرب "المستقل" قد يرفع سعر الفائدة الأساسي مرات  و مرات دون أن يكون لهذا الرفع أثر على مستوى التضخم. و لهذا وجب أن يقوم مجلس إدارة بنك المغرب أن يحضر عملا تقييميا لرفع سعر الفائدة خلال دورتي يونيو وشتنبر 2023.