الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بهجاجي: مغاربة عُزّل وحكام متوحشون

محمد بهجاجي: مغاربة عُزّل وحكام متوحشون محمد بهجاجي
ماذا بوسع المغاربة العمل إزاء حكومة متوحشة تتمادى في افتراسها اليومي؟
كان هذا هو السؤال  الذي طالما طرحتُه، عبر تدوينات سابقة، أرسلتُها قبل أن تستكمل الحكومة الحالية "المائة يوم"، حيث سبق أن كتبت بأن تكوين الحكومة، بشكلها الراهن، لا يمكن أن يرفع المعاناة عن المغاربة لأن "الخمر الجديد لا ينبغي وضعه في جرار قديمة لأن ذلك يفسد الخمر والجرار" كما في إحدى آيات الإنجيل، ولأن لا خير يرجى في حكومة بدأت خطوها الأول منذ المرحلة الرمادية حين لجأت، في فترة التداول حول التشكيل، أي  بين فترة تصريف الأعمال وتنصيب الحكومة الجديدة، في الزيادة في الأسعار. وهو السعير الممتد إلى اليوم متوازيا مع جملة قرارات كان ضمنها رفع الدعم عن المحروقات، و إفساد معنى إصلاح أنظمة التقاعد، وإعدام أمل التوظيف بعد قرار وزير التربية الوطنية (رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي)، الذي حرم مواطنينا دون سن الثلاثين من ولوج مراكز التكوين، والذين كانوا يرفضون أصلا نظام التعاقد، إضافة إلى التناور من أجل سحب مشروع تعديلات القانون الجنائي، وأساسها تجريم الثراء غير المشروع، ووصولا إلى الشبهات التي شابت "امتحانات التأهل لمهنة المحاماة"...
اليوم،  وبعد مرور أكثر من سنة، صار واضحا أن مسلسل التوحش متواصل.
المشكل أن التوحش يتضاعف باستمرار ضعف أداء المعارضة البرلمانية المتدثرة وراء تصريف عمل مكتبي لا يغادر المداد الذي كتبت به تدخلات النواب والمستشارين في الجلسات الشفوية،  أو عبر مناقشتهم لمشاريع القوانين،  أو عبر ما يطرحونه من مقترحات القوانين. وهو المجهود الذي يسقط مفعوله إزاء أغلبية متغولة.
يتضاعف الأمر كذلك بمحدودية أداء المعارضة خارج البرلمان، وبشبه "الاستقالة الجماعية" للمثقفين الذي كانوا "ذات نضال" قوة عملية وفكرية واقتراحية كما كان يحدث باسم نقابة الأساتذة الجامعيين وغيرها من نقابات العمال والمأجورين واتحادات المهندسين والأطباء والكتاب... حتى الفيسبوك، وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، صرنا فيه، غالبا، كائنات استعراضية همنا التعريف بالذات، بل تضخيمها أحيانا تماما كما لو أننا نعيش في المغرب أجمل بلد في العالم.
خارج داخل البلد الافتراضي، يتواصل قمع التعبيرات الاحتجاجية المطالبة بالحق في العيش الكريم. ويتعمق التضييق المنهجي على الصحافة الحرة، ومحاصرة أصوات المثقفين الأحرار...
النتيجة: التراجع في فضاء الحرية بعد الإهدار المتدرج للحق في التظاهر والتعبير والتجمع.
النتيجة كذلك وجود المغربي عاريا بلا سند.
المؤكد أننا الآن، وبعد أن مر علينا، بفشل موثوق، تجريب الوصفات بثمن مكلف. أقصد الرهان السابق على الإسلاميين "المعتدلين"، أو على "السياسيين-التكنوقراط" كما على "السياسيين-التجار"، صار من المؤكد كذلك أن الثقة المبالغ فيها لدى المسؤولين، إزاء ما يجري، لا يمكن أن يكون لها جدوى دائم إذا ما استحضرنا درس التاريخ. 
يبقى لي مع ذلك قسط من التفاؤل لأنني لا أزال أتصور أن للبيت ربا يحميه، وأن من الممكن أن يتم إسناد المغاربة العزل لحمايتهم من شر قرارات "ساكسونيا" كما كتبت في تدوينة سابقة.
على الحكام أن يصطفوا، إذن، إلى جانب المغاربة البسطاء، وأن يمتعونا بهواء جديد عماده أولا إقرار فعلي للعدالة، والشروع الفعلي في معاقبة الفاسدين الحقيقيين، ثم إطلاق سراح معتقلي الرأي...
تلك الخطوة الأولى باتجاه هواء غير فاسد تماما.