Sunday 18 May 2025
سياسة

المغرب بالمرصاد للاستعمار الفرنسي الجديد لإفريقيا

المغرب بالمرصاد للاستعمار الفرنسي الجديد لإفريقيا الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي ماكرون
حين‭ ‬أنزلت‭ ‬الراية‭ ‬الفرنسية‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬19‭ ‬فبراير‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬ببوركينافاصو،‭ ‬أدركت‭ ‬باريس‭ ‬أن‭ ‬إنهاء‭ ‬الاتفاق‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬واغادوغو،‭ ‬وقبله‭ ‬مع‭ ‬باماكو‭ ‬(مالي)،‭ ‬رسالة‭ ‬قوية‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬عقلها‭ ‬السياسي‭ ‬المتغطرس؛‭ ‬وهي‭ ‬الغطرسة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬الرئيس‭ ‬إمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬أن‭ ‬يفرضها‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬"بند‭ ‬الوضوح‭ ‬السياسي"‭ ‬و"الخروج‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية"‭ ‬و"التخلي‭ ‬عن‭ ‬الالتباس‭ ‬في‭ ‬المواقف"‭ ‬كأساس‭ ‬لعقد‭ ‬شراكاته‭ ‬وتجديدها‭ ‬وتطويرها‭.‬
 
لقد‭ ‬أدركت‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬تصدع‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬مستعمراتها‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬معه‭ ‬ليس‭ ‬بمنطق‭ ‬الاستقواء‭ ‬العسكري،‭ ‬لأنها‭ ‬خسرت‭ ‬بالفعل‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الأفريقي،‭ ‬وليس‭ ‬بمنطق‭ ‬"الزيارات‭ ‬الرئاسية"‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬إفريقية‭ ‬صغيرة‭ ‬وفقيرة‭ ‬لإظهار‭ ‬نفوذ‭ ‬يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬أنه‭ ‬يتقلص‭ ‬باستمرار‭. ‬بل‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬"الوعي‭ ‬الجديد"‭ ‬باحترام،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سعيها‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬
 
هذا‭ ‬الإدراك‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬مضمر‭  ‬"الإستراتيجية‭ ‬الجديدة‭  ‬بشأن‭ ‬إفريقيا"‭ ‬التي‭ ‬عرضها‭ ‬ماكرون‭ ‬يوم‭ ‬الاثنين‭ ‬27‭ ‬فبراير ‬2023،‭ ‬والتي‭ ‬قال‭ ‬إنها‭ ‬استراتيجية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬"تعميق‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬وأوروبا‭ ‬والقارة‭ ‬الأفريقية"‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬"فرنسا‭ ‬الماكرونية"‭ ‬تعيش‭ ‬أسوأ‭ ‬مرحلة‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بمستعمراتها‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬القارّة‭ ‬السمراء،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬طرد‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬مالي،‭ ‬وخروج‭ ‬متظاهرين‭ ‬في‭ ‬بوركينافاصو‭ ‬يرفعون‭ ‬شعاراتٍ‭ ‬تتهم‭ ‬فرنسا‭ ‬برعاية‭ ‬الإرهاب‭ ‬وقيادة‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬شن‭ ‬المعارضة‭ ‬الغابونية‭ ‬حملة‭ ‬إعلامية‭ ‬وتواصلية‭ ‬قوية‭ ‬ضد‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬ليبرفيل‭. ‬وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬التخبط‭ ‬الفرنسي‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬ومغامرة‭ ‬إبطال‭ ‬التوازن‭ ‬الإقليمي‭ ‬عبر‭ ‬بناء‭ ‬محاور‭ ‬ملغومة،‭ ‬وخاصة‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬تعاون‭ ‬جنوب-جنوب،‭ ‬وتنويع‭ ‬الشراكات،‭ ‬والتوجه‭ ‬الاستثماري‭ ‬نحو‭ ‬إفريقيا‭. ‬

إن‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬هلعا‭ ‬حقيقيا‭ ‬جراء‭ ‬فقدان‭ ‬باريس‭ ‬لنفوذها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬لأي‭ ‬فاعل‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬محلها،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الفاعل‭ ‬هو‭ ‬حليفها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬التقليدي‭ ‬(المغرب)،‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬ينبني‭ ‬على‭ ‬التقيد‭ ‬بـ‭ ‬"احترام‭ ‬المجال‭ ‬المحفوظ"‭. ‬فرنسا‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أي‭ ‬فاعل‭ ‬جديد‭ ‬يرفع‭ ‬شعار‭ ‬"استقلالية‭ ‬القرار‭ ‬السياسي"‭ ‬أو‭ ‬"الموقف‭ ‬السيادي"‭ ‬أو‭ ‬"الندية‭ ‬الاقتصادية"‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أي‭ ‬فاعل‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬أو‭ ‬إزاحته‭ ‬من‭ ‬السلطة‭. ‬بل‭ ‬تريد‭ ‬فاعلين‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬مصالحها‭ ‬يمثلون‭ ‬الاستجابة‭ ‬الفعلية‭ ‬والمادية‭ ‬لعقلها‭ ‬السياسي؛‭ ‬وهي‭ ‬تعول‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفاعلين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬المدّ‭ ‬المتنامي‭ ‬للوجود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الصيني‭ ‬والياباني‭ ‬والأمريكي‭ ‬والتركي‭ ‬والروسي؛‭ ‬وأيضا‭ ‬البرازيلي‭ ‬والبريطاني،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬الغابون‭ ‬وتوغو،‭ ‬وهما‭ ‬عضوان‭ ‬ضمن‭ ‬الدول‭ ‬الفرنكفونية،‭ ‬إلى‭ ‬تجمّع‭ ‬الكومنولث‭ ‬لتلتحقا‭ ‬برواندا‭ ‬وموزمبيق‭ ‬اللتين‭ ‬سبقتهما‭ ‬إلى‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التكتل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأنغلوساكسوني‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬المستعمرات‭ ‬البريطانية‭ ‬السابقة،‭ ‬ويفرض‭ ‬على‭ ‬أعضائه‭ ‬التزامها‭ ‬الواضح‭ ‬بقيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحكم‭ ‬الرشيد‭. ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬هو‭ ‬سعي‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الفرنك‭ ‬الأفريقي‭ ‬المرتبط‭ ‬بالفرنك‭ ‬الفرنسي‭. ‬وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬راكمتها‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬رواندا،‭ ‬واعتمادها‭ ‬على‭ ‬"سياسة‭ ‬التفوق‭ ‬الأوروبي"،‭ ‬وعلى‭ ‬إرشاء‭ ‬النخب،‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬السياسيين‭ ‬الأفارقة‭ ‬من‭ ‬مناهضي‭ ‬الاستعمار‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المتشبعين‭ ‬بالحس‭ ‬الوطني،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬تفوق‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬فقدان‭ ‬المساحات،‭ ‬وفي‭ ‬انحسار‭ ‬الهيمنة‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬بالحديد‭ ‬والنار‭. ‬كما‭ ‬يعني‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬صاعدة،‭ ‬ومنها‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬بادر،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬إلى‭ ‬إقرار‭ ‬نموذج‭ ‬لشراكة‭ ‬تكاملية‭ ‬ومندمجة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬المادي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وتقدم‭ ‬بدائل‭ ‬استراتيجية‭ ‬ناجحة‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬معادلة‭ ‬"رابح-رابح"،‭ ‬والتعويل‭ ‬على‭ ‬المدخل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كمقاربة‭ ‬واقعية‭ ‬تمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لتفاهمات‭ ‬وتوافقات‭ ‬أخرى‭ ‬تخدم‭ ‬أهداف‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭.‬

فمنذ‭ ‬سنة‭ ‬2000‭ ‬انتقل‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬"الشراكة‭ ‬السياسية" (الغامضة‭ ‬وغير‭ ‬المستقرة)‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تنهجها‭ ‬فرنسا‭ ‬للإمساك‭ ‬بالتوازن‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وخاصة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬تراهن،‭ ‬أولا،‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬إعفاء‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬الفقيرة‭ ‬من‭ ‬الديون،‭ ‬مما‭ ‬أهله‭ ‬للرجوع‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الإفريقي‭ ‬واحتلال‭ ‬مكانة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متميزة‭ ‬أثارت‭ ‬غضب‭ ‬فرنسا،‭ ‬وأججت‭ ‬أحقاد‭ ‬كراغلة‭ ‬الجزائر،‭ ‬وضاعفت‭ ‬من‭ ‬حنق‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬تؤسس‭ ‬"الوجود‭ ‬الفاسد"‭ ‬لزعمائها‭ ‬على‭ ‬أسطوانة‭ ‬"التحرر‭ ‬الوطني"‭.‬

لقد‭ ‬راهن‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬منذ‭ ‬23‭ ‬سنة،‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬ظروف‭ ‬جديدة‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬وضعيتها‭ ‬الحالية‭ ‬بدءا‭ ‬بإعلان‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭ ‬ونهائية‭ ‬ضد‭ ‬الفقر‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬كانت‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المخاوف‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وعلى‭ ‬تغذية‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬عبر‭ ‬تحويل‭ ‬القارة‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬مفتوحة‭ ‬للسلاح،‭ ‬وإلى‭ ‬محضنة‭ ‬واسعة‭ ‬لجماعات‭ ‬إرهابية‭ ‬أكدت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬أنها‭ ‬تتلقى‭ ‬دعما‭ ‬لوجيستكيا‭ ‬وماليا‭ ‬(من‭ ‬طرف‭ ‬حكومات‭ ‬بعض‭ ‬الدول)‭ ‬للاستمرار‭ ‬في‭ ‬مهامها‭. ‬وها‭ ‬هي‭ ‬الآن‭ ‬تجني‭ ‬ثمار‭ ‬سياساتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جيل‭  ‬إفريقي‭ ‬جديد‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬دراية‭ ‬بالوضع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬لبلدانه،‭ ‬ويستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬جيدا‭ ‬"التغيير‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬برمجيات‭ ‬القارة"‭ ‬بسبب‭ ‬التنافس‭  ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والبشرية‭.‬
ولأن‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬أقدام‭ ‬فرنسا‭ ‬مليئة‭ ‬بالوحل‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فقد‭ ‬استبق‭ ‬جولته‭ ‬المرتقبة‭ ‬إلى‭ ‬الغابون‭ ‬وأنغولا‭ ‬والكونغو‭ ‬وجمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بالإعلان،‭ ‬يوم‭ ‬الاثنين‭ ‬27‭ ‬فبراير‭ ‬2023،‭ ‬عن‭ ‬إطلاق‭ ‬"استراتيجية‭ ‬فرنسا‭ ‬الإفريقية‭ ‬الجديدة"،‭ ‬داعيا‭ ‬إلى‭ ‬"التواضع"‭ ‬ورفض‭ ‬"المنافسة‭ ‬الاستراتيجية"‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬حسب‭ ‬قوله‭ ‬"أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يستقرون‭ ‬هناك‭ ‬مع‭ ‬"جيوشهم‭ ‬ومرتزقتهم"،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬وجماعة‭ ‬فاغنر‭ ‬المقربة‭ ‬من‭ ‬الكرملين،‭ ‬والتي‭ ‬انتشرت‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى‭ ‬ومالي،‭ ‬ويجري‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬انتشارها‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بوركينافاصو،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الرئاسي‭.‬

فهل‭ ‬نصدق‭ ‬الرئيس‭ ‬ماكرون؟‭ ‬هل‭ ‬نأخذ‭ ‬استراتيجيته‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد؟‭ ‬على‭ ‬نصدق‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬اختارت‭ ‬طواعية‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬داخل‭ ‬القارة؟‭ ‬هل‭ ‬كفَّت‭ ‬فرنسا‭ ‬حقا‭ ‬عن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬الإفريقية‭ ‬كملكية‭ ‬خاصة؟‭ ‬هل‭ ‬اكتسبت‭ ‬فرنسا‭ ‬وعيا‭ ‬جديدا‭ ‬بإفريقيا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬علاقة‭ ‬جديدة‭ ‬متوازنة‭ ‬ومسؤولة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬جادة‭ ‬في‭ ‬إبطال‭ ‬"شعور‭ ‬العداء"‭ ‬حيالها؟
 
لقد‭ ‬قال‭ ‬ماكرون‭ ‬إن‭ ‬إفريقيا‭ ‬ليست‭ ‬"ساحة‭ ‬خلفية‭ ‬لفرنسا"،‭ ‬وأضاف: "يجب‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬"منطق"‭ ‬المساعدة‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬الاستثمار"‭. ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المنطق‭ ‬الذي‭ ‬ستتعامل‭ ‬به‭ ‬فرنسا‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬منطق‭ ‬الجزرة‭ ‬لاصطياد‭ ‬الأرنب؟
فإذا‭ ‬كانت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬ومنها‭ ‬إسبانيا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالمغرب‭ ‬كبوابة‭ ‬رئيسية‭ ‬نحو‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأوروبا،‭ ‬وأن‭ ‬إشراكه‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬المنطقة‭ ‬ضروري‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬تحالفات‭ ‬صلبة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬حضوره‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وثقله‭ ‬الديني،‭ ‬فهل‭ ‬ستتوقف‭ ‬فرنسا‭ ‬عن‭ ‬إعادة‭ ‬تأسيس‭ ‬وجودها‭ ‬الإفريقي‭ ‬بمناوشة‭ ‬المغرب‭ ‬سياسيا‭ ‬ووضع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الألغام‭ ‬"الحقوقية"‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مؤسسات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬تسوية‭ ‬نزاع‭ ‬الصحراء،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬تنويع‭ ‬شراكاته‭ ‬الدولية‭ ‬والإقلمية؟‭ ‬هل‭ ‬ستتخلى‭ ‬عن‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬كـ‭ ‬"تابع‭ ‬تقليدي"‭ ‬أو‭ ‬"كزنجي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬ساحتها‭ ‬الخلفية"،‭ ‬لتعامله‭ ‬كشريك‭ ‬له‭ ‬مؤسساته‭ ‬السيادية‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬قضاياه‭ ‬المصيرية؟‭ ‬هل‭ ‬ستتوقف‭ ‬فرنسا‭ ‬عن‭ ‬إذكاء‭ ‬الصراعات‭ ‬وإشعال‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬إفريقيا؟‭ ‬

 
لقد‭ ‬أثبت‭ ‬المغرب‭ ‬أنه‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التأييد‭ ‬الإفريقي‭ ‬لقضية‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية،‭ ‬كما‭ ‬أثبت‭ ‬أنه‭ ‬متفوق‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تشعلها‭ ‬باريس‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬سقفه‭. ‬فهل‭  ‬ستثبت‭ ‬فرنسا‭ ‬أنها‭ ‬بلغت‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا؟‭ ‬وهل‭ ‬يستطيع‭ ‬ماكرون‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬الاعتذار‭ ‬لإفريقيا،‭ ‬كخطوة‭ ‬أولى‭ ‬لتمكينه‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬استعادة‭ ‬موقعه‭ ‬داخل‭ ‬القارة؟
 
تفاصيل أوفى في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"