الثلاثاء 16 إبريل 2024
سياسة

أمال بنبراهيم: تعدّد العلاقات الروسية الإفريقية وموقع المغرب من زيارة لافروف

أمال بنبراهيم: تعدّد العلاقات الروسية الإفريقية وموقع المغرب من زيارة لافروف الدكتورة أمال بنبراهيم، باحثة في العلاقات الدّولية والدّبلوماسية
تقدم‭ ‬أمال‭ ‬بنبراهيم،‭ ‬باحثة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدّولية‭ ‬والدّبلوماسية،‭ ‬مقاربتها‭ ‬المتعدّدة‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬تناظرية‭ ‬حول‭ ‬العلاقات‭ ‬الرّوسية‭ ‬الإفريقية‭ ‬وموقع‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬زيارة‭ ‬لافروف‭.‬
‭ ‬وبرأي‭ ‬الباحثة‭ ‬بنبراهيم،‭ ‬فإن‭ ‬هاته‭ ‬المقاربة‭ ‬المتعدّدة‭ ‬ينبغي‭ ‬قراءتها‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬ثلاث،‭ ‬أولها‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وثانيها «ما‭ ‬المنتظر‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬زيارة‭ ‬لافروف؟‮»‬،‭ ‬وثالثها‭ ‬«‬روسيا‭ ‬والمغرب‭...‬ مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬شريك‭ ‬أوروبي‭ ‬استراتيجي‮»‬. ‭ ‬
وفي‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬المقال‭ ‬التّحليلي‭ ‬للباحثة‭ ‬المغربية‭ ‬أمال‭ ‬بنبراهيم
 
‬في‭ ‬خضم‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬قد‭ ‬يلفت‭ ‬انتباه‭ ‬المتتبع‭ ‬للشأن‭ ‬الروسي‭ ‬اهتمام‭ ‬موسكو‭ ‬المتزايد‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإيجاد‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬بالقارة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الترويج‭ ‬لنفسها‭ ‬كوسيط‭ ‬أمني‭ ‬لمواجهة‭ ‬"الإجماع‭ ‬الغربي"‭ ‬والتسويق‭ ‬لصورة‭ ‬"المدافع‭ ‬عن‭ ‬إفريقيا"،‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬الترويج‭ ‬لنفسها‭ ‬كشريك‭ ‬موثوق،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬بديل‭ ‬للهيمنة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬شراكات‭ ‬رابح-‭ ‬رابح،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬كون‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬تمثل‭ ‬سوقا‭ ‬مهمة‭ ‬وواعدة‭ ‬للأسلحة‭ ‬وعقود‭ ‬التدريب‭ ‬والتطوير‭ ‬العسكري‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬أمام‭ ‬موسكو‭ ‬مجال‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وفرصة‭ ‬لتعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭. ‬
 
العلاقات الروسية الإفريقية بين الأمس واليوم
 
الواقع‭ ‬أن‭ ‬الاهتمام‭ ‬الروسي‭ ‬بإفريقيا‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كرسته‭ ‬حاجة‭ ‬موسكو‭ ‬لحشد‭ ‬دعم‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬للتمكن‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬العزلة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تعيشها‭ ‬عقب‭ ‬غزوها‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬هذه‭ ‬الظرفية‭ ‬الاستثنائية‭. ‬فاهتمام‭ ‬روسيا‭ ‬بالقارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬الستينات‭ ‬والسبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬السوفيتية‭ ‬تدعم‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي،‭ ‬إلا‭ ‬إن‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬فرض‭ ‬عليها‭ ‬الانكفاء‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬البناء‭ ‬الداخلي‭ ‬والانعزال‭ ‬عن‭ ‬الخارج‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬وتراجع‭ ‬معه‭ ‬دعمها‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬وإلغاء‭ ‬المساعدات‭ ‬والمنح‭ ‬والمشاريع‭ ‬نظرا‭ ‬للتداعيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭. ‬
هذا‭ ‬التراجع‭ ‬لم‭ ‬يلغ‭ ‬فكرة‭ ‬اختراق‭ ‬القارة،‭ ‬حيث‭ ‬تعود‭ ‬إليها‭ ‬اليوم‭ ‬بدافع‭ ‬براغماتي‭ ‬تغذيه‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تموقعها،‭ ‬وتعزيز‭ ‬شراكاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الثنائية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬ملموسا‭ ‬بتغير‭ ‬منحى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسية‭ ‬بإفريقيا‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2000،‭ ‬إذ‭ ‬بدأت‭ ‬التفاعلات‭ ‬مع‭ ‬القادة‭ ‬الأفارقة،‭ ‬وشرعت‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬دبلوماسيتها‭ ‬الجديدة‭ ‬"المتعددة‭ ‬الأقطاب"،‭ ‬والتي‭ ‬بصمتها‭ ‬الزيارات‭ ‬التاريخية‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والمغرب‭ ‬سنة‭ ‬2006،‭ ‬وتقوت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الموالية‭ ‬باكتساب‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬دينامية‭ ‬أكبر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزيارات‭ ‬الرسمية‭ ‬المتبادلة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬كالجزائر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬والغابون‭ ‬وغينيا‭ ‬ومصر‭ ‬ونيجيريا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مشاركة‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬الإنمائية‭ ‬بالقارة،‭ ‬ونشرها‭ ‬لترسانة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسية‭ ‬بها‭ ‬كمجموعة‭ ‬رينوفا‭ ‬ومجموعة‭ ‬ميشيل‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬الشريك‭ ‬التجاري‭ ‬الأكبر‭ ‬لروسيا‭ ‬بالقارة،‭ ‬وروسال‭ ‬وسيفرستال‭ ‬بغينيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إرساء‭ ‬مشاريع‭ ‬استثمارية‭ ‬هامة‭ ‬بزمبابوي‭ ‬وأنغولا‭ ‬وزامبيا‭ ‬والموزمبيق‭ ‬وغينيا‭ ‬والغابون‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬النفط‭ ‬والمحطات‭ ‬النووية‭ ‬وإنتاج‭ ‬الماس‭...‬
هذا‭ ‬التواجد‭ ‬تعزز‭ ‬عسكريا‭ ‬بإبرام‭ ‬اتفاقيات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬وتصدير‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وتنامي‭ ‬الدور‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬المستعمرات‭ ‬الفرنسية‭ ‬السابقة‭ ‬كمالي‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬برمجة‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬بحرية‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وجنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أثار‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬حفيظة‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬النفوذ‭ ‬الروسي‭ ‬بإفريقيا‭ ‬محاولة‭ ‬للتضييق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذها،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬سعي‭ ‬روسيا‭ ‬الحثيث‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬السياسية‭ ‬والتجارية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والإنسانية‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬توتر‭ ‬العلاقات‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬واشنطن‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ويهدد‭ ‬بأن‭ ‬تصبح‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬مسرحا‭ ‬لحرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬وساحة‭ ‬للصراع‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وروسيا‭ ‬وحليفها‭ ‬الصيني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬اشتداد‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬ورغبة‭ ‬الكرملين‭ ‬في‭ ‬حشد‭ ‬دعم‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬للاصطفاف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬موسكو‭ ‬وسط‭ ‬إدانة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬عليها‭.‬
 
جولات لافروف ....ما المنتظر من قادة القارة الإفريقية؟
 
في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬تعبئة‭ ‬الدعم‭ ‬الإفريقي‭ ‬لـ‭ ‬"خطة‭ ‬السلام"‭ ‬التي‭ ‬اقترحها‭ ‬الرئيس‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬على‭ ‬زعماء‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬نونبر‭ ‬الماضي،‭ ‬انطلق‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬سيرجي‭ ‬لافروف‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بغية‭ ‬حشد‭ ‬الدعم‭ ‬لموسكو‭.‬
الزيارة‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأنغولا‭ ‬وإريتريا‭ ‬ومملكة‭ ‬إسواتيني‭ ‬وبوتسوانا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أولى،‭ ‬تليها‭ ‬زيارة‭ ‬مرتقبة‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬المقبل‭ ‬لدول‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬(المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬وتونس‭ ‬وموريتانيا)،‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬جيوسياسي‭ ‬حرج‭ ‬لموسكو،‭ ‬لكنها‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تتمتع‭ ‬فيه‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬أهمها‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬بالقارة‭ ‬(33%‭ ‬من‭ ‬واردات‭ ‬إفريقيا)،‭ ‬وحضورها‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬وغير‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬مزودا‭ ‬رئيسيا‭ ‬للسلاح‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬فوفقاً‭ ‬لوكالة‭ ‬تصدير‭ ‬السلاح‭ ‬الروسية‭ ‬الرسمية‭ ‬تستورد‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬نصف‭ ‬الأسلحة‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬ومصر‭ ‬ونيجيريا‭ ‬وتنزانيا‭ ‬والكاميرون‭.‬
ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬تسعى‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬إلى‭ ‬استغلال‭ ‬نقاط‭ ‬قوتها‭ ‬الآنفة‭ ‬الذكر‭ ‬لكسر‭ ‬الحصار‭ ‬الأوروبي‭ ‬المفروض‭ ‬عليها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬فضلت‭ ‬عدم‭ ‬مساندة‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها‭ ‬والتزام‭ ‬الحياد،‭ ‬كما‭ ‬تحاول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجولة‭ ‬تقديم‭ ‬رؤيتها‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد،‭ ‬وتحصين‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬قبل‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬أمريكي‭ ‬يفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬لافروف‭ ‬لجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬تتسم‭ ‬بطابع‭ ‬خاص‭ ‬حيث‭ ‬تسلمت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬رئاسة‭ ‬البريكس‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬ومن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬المجموعة‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬عملية‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬آليات‭ ‬جديدة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬أكثر‭ ‬شمولا‭ ‬وعدلا‭ ‬واستدامة‭.‬
 
روسيا والمغرب... مستقبل العلاقات مع شريك أوروبي استراتيجي
 
قد‭ ‬يتساءل‭ ‬الكثيرون‭ ‬عن‭ ‬المغزى‭ ‬من‭ ‬إدراج‭ ‬المغرب‭ ‬كمحطة‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬جولة‭ ‬لافروف‭ ‬المرتقبة‭ ‬في‭ ‬فبراير،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬المغرب‭ ‬يعتبر‭ ‬شريكا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تهيمن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬
من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬واعية‭ ‬بالدور‭ ‬المركزي‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬المغرب‭ ‬بالمنطقة‭ ‬وتأثيره‭ ‬المتزايد‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬لاسيما‭ ‬بغرب‭ ‬القارة‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأمني‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬موقعه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬كبوابة‭ ‬للقارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬والبحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وكمنصة‭ ‬حيوية‭ ‬للتنمية،‭ ‬وكمدافع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬القارة‭ ‬واستقرارها،‭ ‬دون‭ ‬إغفال‭ ‬مكانته‭ ‬كشريك‭ ‬استراتيجي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭  ‬واستقراره‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني،‭ ‬وتبنيه‭ ‬لسياسة‭ ‬تنويع‭ ‬الشركاء‭ ‬ضمن‭ ‬مقاربة‭ ‬براغماتية‭ ‬واقعية،‭   ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬بموسكو‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬مع‭ ‬المملكة،‭ ‬نظرا‭ ‬للدور‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضطلع‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬إنجاح‭ ‬التواجد‭ ‬الروسي‭ ‬بالقارة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬أبانت‭ ‬عن‭ ‬حكمة‭ ‬واحترام‭ ‬لشركائها‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الملفات‭ ‬الحساسة،‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬متوازنة‭ ‬مع‭ ‬الأقطاب‭ ‬الاستراتيجيين،‭ ‬وتبني‭ ‬الحياد‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬الشائكة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭.‬
من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬روسيا‭ ‬باعتبارها‭ ‬شريكا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬للجزائر‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬توريد‭ ‬الأسلحة،‭ ‬تدرك‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬حسم‭ ‬خياراته‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وربطها‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬منظار‭ ‬المملكة‭ ‬الذي‭ ‬تنظر‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شراكة‭ ‬مستقبلية،‭ ‬وهي‭ ‬بحاجة‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬المغربي‭ ‬خاصة‭ ‬لتصريف‭ ‬فائض‭ ‬الغاز‭ ‬ومصادر‭ ‬الطاقة،‭ ‬وإلى‭ ‬تطوير‭ ‬تعاونها‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنزيل‭ ‬خارطة‭ ‬طريقها‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬وتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬استثماراتها‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متعددة‭. ‬لذا،‭ ‬فموقفها‭ ‬من‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬المغربية‭ ‬يشكل‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تطور‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأنها‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنظور،‭ ‬فإن‭ ‬زيارة‭ ‬لافروف‭ ‬للمملكة‭ ‬ستشكل‭ ‬مناسبة‭ ‬لتحديد‭ ‬الإطار‭ ‬الجديد‭ ‬للعلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تذبذب‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬وتقاطع‭ ‬مواقفهما‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬والقضايا‭. ‬