الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

حمداني: البرلمان المغربي وستراسبورغ.. ماذا يعني إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوربي وإخضاعها لتقييم شامل؟

حمداني: البرلمان المغربي وستراسبورغ.. ماذا يعني إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوربي وإخضاعها لتقييم شامل؟ الدكتور مولاي بوبكر حمداني
حمل تصويتُ البرلمان الأوروبي على توصية بتاريخ 19 يناير 2023، تضمنت قضايا تهم سير العدالة وأوضاع الصحافة بالمغرب، وادعاءات بمحاولة التأثير غير المشروع على أعضاء البرلمان الأوروبي، تغييرا جذريا في مواقف احدى المؤسسات الأوروبية الاساسية نحو المملكة المغربية، والتي لطالما تعاملت بما تقتضيه المسؤولية والمكانة الاعتبارية لبلد يعتبر من أهم شركاء الاتحاد الأوروبي في افريقيا، فعلى مدار العشرين سنة الماضية، نادرًا ما صوت البرلمان الأوروبي على توصيات تهم المغرب، حيث انه طيلة هذه الفترة الزمنية التي ليست بالقصيرة لم يرد ذكره الا في ستة نصوص فقط بما فيها مسألتي الاتفاق الزراعي والصيد البحري بين الطرفين، ولم تتم الإشارة في أي من هذه النصوص إلى قضايا حقوق الإنسان.
 
وامام هذه الخطوة غير المسبوقة عقد البرلمان المغربي بمجلسيه يوم 23 يناير 2023 جلسةً مشتركة، قرر بموجبها "إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوربي واخضاعها لتقييم شامل لاتخاذ القرارات المناسبة والحازمة"؛ مما يطرح السؤال عن دوافع ودلالاتٍ توصية البرلمان الأوروبي، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما تداعياتها على العلاقات المغربية الاوربية؛ وسوف لن اخوض في مضمون التوصية الذي يتطلب الوقوف والاجابة على كل نقطة فيه من جانب المختصين في المجال القضائي والحقوقي كل من موقعه واختصاصه، ولكن سأتناول التوصية انطلاقا من مبادئ العلاقات الدولية التي تخضع اما لمبدأ التعاون أو مبدأ الصراع، كما تطرح مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما يمكن هذه الدول من حقها في الدفاع عن نفسها بالطرق المشروعة، واعتمادها مبدأ المعاملة بالمثل متى أتيح لها ذلك.
 
وبناء على ذلك فلا شك أن التوصية 2023/2506(RSP) التي اتخذها البرلمان الأوروبي بما يناهز 356 صوتا من أصل 705 كعدد اجمالي لكل اعضائه ومقابل رفض 32 صوتا وامتناع 42 عن التصويت وغياب 275 عضوا، هي بقدر ما لا تدخل في القرارات الملزمة للهيئات الاوربية، الا ان صدورها في حد ذاته عن سلطة تتولى التشريع جنباً إلى جنب مع مجلس الاتحاد الأوروبي والذي يتم في العادة بناءً على اقتراح من المفوضية الأوروبية، يوضح فرضية سوء النية في التعامل بين الدول والمنظمات عند اتخاذ هذه التوصية، لان مبدأ الشراكة النموذجية الأورو-مغربية يقتضي بشكل مسبق طرح مختلف الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك قضايا حقوق الانسان، والقضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب، والهجرة والتنمية البشرية والمستدامة، والتعاون الاقتصادي والتجاري والبيئي للنقاش والتداول فيها والتأكد من كل الوقائع قبل المرور الى اتخاذ توصية بحوالي 500 كلمة مجتزأة من سياقها ومتسرعة في أصدرها.
 
ينضاف الى ما سلف فيما يعزز فرضية سوء النية لدى الطرف الأوربي هو تأكيد صحيفة لوموند الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 21 يناير الجاري حصولها على نسخة من البريد الإلكتروني الذي دعت فيه اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي في شخص رئيسها المستشار البرلماني لحسن حداد، مختلف المجموعات السياسية الأعضاء بالبرلمان الأوروبي لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك وأوضاع حقوق الإنسان. وبالتالي توكد تنكر البرلمان الأوربي لمختلف الآليات المؤسساتية للحوار والتنسيق، التي أُنْشِئَتْ بشكل خاص لتكونَ فضاءً للحوار والنقاش الشامل والصريح ومن بينها اللجنة البرلمانية المشتركة. كما توضح بجلاء النية المبيتة لإدانة المغرب وليس للإصلاح أوضاع الصحفيين وحماية حرية التعبير حسب منطوق التوصية.
 
ومن الجدير بالملاحظة أن هذه التوصية تأتي في توقيت له دلالاته حيث تواجه منظومة الطاقة في أوروبا أزمة غير مسبوقة، بعدما توقف عنها ما يزيد على 80% من إمدادات الغاز الروسي اللازم لأغراض التدفئة والعمليات الصناعية وتوليد الكهرباء، وارتفاع أسعار الجملة للكهرباء والغاز بنحو 15 ضعفًا مند بدأ الحرب الروسية الاكرانية، من هنا قد يكون للمستفيدين من هذه الوضعية وحاجة اروبا الماسة للغاز، يد في هذا التحرك الشاذ عن الأعراف التي أرستها سنوات طويلة من الشراكة المتميزة بين الاتحاد الأوربي والمغرب.
 
كما يجب الأخذ في الحسبان أن هذه الأطراف التي ترغب بالمس بالمصالح المغربية قد تكون لعبت على ورقة ثانية الى جانب ورقة الغاز، تقديم كل التنازلات للقوى الاستعمارية السابقة خاصة أمام تآكل وتدني صورة أوروبا خاصة في افريقيا، بسبب سياسة الكيل بمكيالين التي تنهجها في القارة السمراء، ومواقفها المتذبذبة مما يجري فيها من أزمات وفي مقدمتها ما يجري في ليبيا وتونس والجزائر، ناهيك عن تدخلاتها الفاشلة في الغرب الافريقي، وبعض العقليات الاستعمارية المهيمنة عليها وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لمستعمراتها السابقة، مما جعلها في حالة من النكوص والتراجع الدور الأوربي ، لا سيما بعد أن هيمن منطق المصلحة الضيقة لبلدانها غداة جائحة كورونا التي اتخذت قرارات إغلاق الحدود البينية لتشكّل نقطة أخرى في الانغلاق على الذات الاوربية، بشعار "نحن أولاً" والتي أظهرت واقع الاتحاد الأوروبي الفعلي المشتت في ظل غياب أمثلة تظهر التضامن البيني بين أعضائه.
 
وعلى ضوء هده المعطيات فان توصية البرلمان الاوربي بشأن مطالبة المغرب باحترام حرية التعبير، وتقييد وصوله إلى ممثلي المؤسسات الأوروبية أثناء استمرار التحقيق في ادعاءات الفساد، كانت مبررا وجيها للبرلمان المغربي بشأن قراره مراجعة العلاقات مع البرلمان الاوربي، الا أن هذا لا يعني حدوث تحول في العلاقات بين الطرفين، رغم أن هناك أصوات مرتفعة في البرلمان المغربي تطالب بإجراءات مشددة مثل العمل على تنويع علاقات المغرب الاقتصادية والسياسية وتطوير شراكاتها مع كل البلدان التي تتقاسم معها نفس المبادئ والرؤى في إطار علاقة رابح-رابح. على سبيل المثال لكن الأمر ما يزال مبكرا في هذه اللحظة، لأن المغرب يبقى الشريك الاستراتيجي الأبرز للاتحاد الاوربي في افريقيا رغم الحضور الأمريكي الإسرائيلي القادم بوتيرة هادئة ومتواترة، وبالتالي الموضوع ليس محسوما حتى الآن، خاصة اذا ما تواصلت هذه المواقف أو تم اعتمادها من الهيئات التقريرية كمجلس الاتحاد الأوربي أو المفوضية الاوربية وان كان هذا السيناريو مستبعدا في الوقت الراهن ولكن يقتضي هذا الامر النظر في الخيارات الممكنة وفق السيناريوهات المحتملة، خاصة اذا ظهرت في الأفق بوادر توتر في علاقات الشريكين التقليدين الممتدة لعدة عقود، ويبقى من اكثر الأوراق المتاحة حاليا هو تفعيل ورقة تنويع الشركاء خاصة مع الولايات المتحدة وتعميق التقارب القائم معها وتسريع وتيرته في ظل مواقفها البناة والثابتة من قضايا المغرب المصيرية والتي لم تتغير بتغير الإدارات كما لم تتأثر باختلاف الظرفيات، والفاعل الثاني الذي لا يقل أهمية والقادم بقوة في الساحة الدولية وهو الصين والتي لاشك انها تبحث لها عن موقع قدم بالشمال الافريقي لعدة اعتبارات جيواستراتيجية، والشريك الثالث يبقى من داخل أوربا نفسها مع كل من اسبانيا وألمانيا باعتبارهما اكثر موثوقية من الشريك التقليدي فرنسا التي لا تزال تراوح مواقفها الضبابية المتجاوزة.
 
ولعله من المفيد أن نؤكد أن موقف الدبلوماسية الرسمية في عدم اصدار أي موقف لحد الان، يبقى سليما مادامت التوصية لم تصدر عن السلطة التنفيذية ولا الحكومات الاوربية، وبالتالي كانت خطوة الرد على البرلمان الأوربي عبر هيئة تشريعية مماثلة وهي البرلمان المغربي وجيهة من خلال نصها على قرار إعادة النظر في علاقات الطرفين واخضاعها لإعادة التقييم كإجراء مشروع.
 
ومن الجدير بالذكر أنه على المستوى الإجرائي فان هذه الخطوة المغربية قد تتخذ لاحقا عدة أشكال تتراوح ما بين دراسة الخيارات المتوفرة إلى إجراءات أخرى قد لا تصل بالضرورة الى القطيعة مع الاتحاد الاوربي، ولكن قد تخضع بالضرورة للمراجعة لمعرفة ما إذا كانت هذه العلاقات هي المكان الذي يجب أن تكون فيه، وأنها تخدم مصالح العليا للمغرب أو لا، على أنه قد تكون هناك أفضلية واضحة للمملكة المغربية في هذه المرحلة فرضتها الأوضاع الدولية الراهنة في الظروف الحرجة التي تمر بها أوربا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
 
 
الدكتور مولاي بوبكر حمداني/  رئيس مركز التفكير الإستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، متخصص في العلاقات الدولية