السبت 23 نوفمبر 2024
مجتمع

أصوات تطالب بترحيل الثكنات العسكرية من مكناس

أصوات تطالب بترحيل الثكنات العسكرية من مكناس

على هامش انعقاد اجتماع اللجنة الإقليمية لمواكبة الإعداد لوضع التصميم المديريللتهيئة والتعميرلمكناس تحت رئاسة الوالي أحمد الموساوي الأسبوع الماضي، طالب فاعلون ومهتمون بالشأن الحضري بمدينة مكناس بضرورة ترحيل الثكنات العسكرية بمدينة مكناس.وحسب المصادر، فإن مشكل العقار العسكري الذي يستحوذ على مساحة 1450 هكتار(تعتبر مكناس هي الثانية بعد الدار البيضاء التي تضم 1650 هكتار من العقار العسكري) مطروح للنقاش بشدة، خاصة أن المدينة مقبلة على تحيين مخططها المديري للتهيئة والتعمير، وبالتالي فإن من شأن أي تلكؤ لوكالة التجهيزات والمساكن العسكرية في الاستجابة لتوصيات ومقترحات مكتب الدراسات "دراسات" الذي يشرف على وضع المخطط المديري، أن يبقي عاصمة المولى إسماعيل رهينة للأعطاب والتشوهات العمرانية (منشآت عسكرية قديمة ومتآكلة وسط المدينة، بنايات سكنية عشوائية تشوه جمالية المدينة، سكك حديدية مهملة تقطع أطراف المدينة..) وحالة الاختناق الحضري لما يناهز ربع قرن إضافي، وبالتالي إقبار أي فرص حقيقية لجلب الاستثمارات وتنمية المدينة، كما أن عدم الاستجابة لتوصيات مكتب الدراسات من طرف السلطات العسكرية بمدينة مكناس سيفرض على القائمين على تدبير الشأن المحلي اكتساح أجود الأراضي الفلاحية لمنطقة سايس بكل من جماعة أيت ولان وجزء كبير من جماعة مجاط وسيدي سليمان مول الكيفان من أجل فك الطوق المضروب على المدار الحضري. إذ أن الخيار الأنسب يبقى، حسب المهتمين بالشأن المحلي، هو ترحيل ثكنات العسكر خارج مكناس، والذي من شأنه أن يحقق المنفعة للطرفين: للمدينة أولا وللجهاز العسكري ثانيا (موارد مهمة لتمويل وإعادة بناء ثكنات عسكرية عصرية وحديثة). والملفت للانتباه، حسب المراقبين، فإن مكناس لا تعاني العطب بسبب العقار العسكري وحده، بل أيضا عقار الأوقاف الذي لا يستثمر لما فيه منفعة مدينة مكناس وباقي التراب الوطني.

تحرير العقار العسكري يتطلب تدخلا على أعلى مستوى مركز القرار من أجل وضع استراتيجية واضحة المعالم لتحرير العقار العسكري بمدينة مكناس التي تضم عددا هائل من المساكن العسكرية، كما يتطلب تهيئة المساحات الكافية الكفيلة باحتضان المنشآت العسكرية التي ستخضع للترحيل ليس على مستوى مكناس التي استنفذت وعائها العقاري، بل على المستوى الجهوي، وهو قرار لوجيستيكي من العيار الثقيل يصعب تدبيره على المستوى المحلي.

تحرك الفعاليات المحلية للمطالبة بتحرير العقار العسكري الجاثم وسط العاصمة الإسماعلية يجد تبريراته أيضا بما أقدم عليه أحمد طاهور المدير العام لوكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، حيث تمكن من إطلاق مجموعة من برامج ترحيل ثكنات عسكرية موجودة بعدة مدن مثل الرباط، والدار البيضاء، ومراكش، وفاس، ووجدة، والناضور. لذا فالسؤال الذي يطرحونه بإلحاح هو لماذا لم يتم إدراج مكناس ضمن قائمة المدن المستفيدة من ترحيل الثكنات العسكرية من قلب وسطها الحضري؟ ألا تستحق هي الأخرى الاستفادة من توفير وعاء عقاري سيساهم في تخليصها من حالة الاختناق الذي أضحت تعانيه؟ علما بأن ممثل وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية بمكناس سبق له أن طرح خلال النقاشات التي صاحبت إعداد تصميم التهيئة السابق تحويل الحامية العسكرية بـ "بلاص دارم"  إلى عمارات سكنية، فتم إدراج الاقتراح ضمن تصميم التهيئة الذي انتهت صلاحيته. وهو المعطى الذي يزكي تخوفات البعض من تحويل الأراضي العسكرية إلى مجال للمضاربات العقارية، بدل أن تساهم في خلق فرص جديدة للتنمية الحضرية.

ومعلوم أن التشخيص الذي قام به مكتب الدراسات "دراسات"، بطلب من الوكالة الحضرية بمكناس، كان قد خلص إلى ضرورة تحرير الأراضي العسكرية بمدينة مكناس لمواجهة حالة الاختناق العمراني الذي أضحت تعانيه مع الانفجار الديمغرافي الذي طرح بقوة في السنوات الأخيرة بسبب عامل الهجرة القروية. إذ طرح مكتب "دراسات" اقتراحات مهمة تتماشى مع الرؤية الداعية إلى عقلنة المجال الحضري للمدينة وحل مشاكل النمو الديمغرافي في إطار التصميم التوجيهي لمكناس الكبرى، والذي يرسم المعالم الكبرى للتوجه العمراني للمدينة في أفق إعداد تصميم التهيئة. وتتضمن الدراسة إحداث محطة للقطار في مكان القاعدة الجوية. وهو المقترح الذي لايعتبر غاية في حد ذاته، لأن مكناس تتوفر على محطتين للقطار، بل لأن المهندسين توصلوا إلى أنه بالإمكان تقليص المسافة الفاصلة بين مكناس والرباط إلى مدة زمنية لا تتعدى ساعة واحدة بدل ساعتين من خلال إقامة خط سككي للقطار السريع على امتداد الطريق السيار الرابط بين مكناس والرباط، وهو مشروع إن تحقق سيساهم بشكل كبير في تحقيق الرواج التجاري والسياحي وتدفق الاستثمارات، ليس بمكناس فحسب، بل أيضا بجهة مكناس- تافيلالت بأكملها.

أما الاقترح الثاني لمكتب "دراسات" فيتضمن إقامة مركز للخدمات quartier d'affaires وجامعة تقنية وحي للأعمال، وهو ما يعني -إن تحقق- أن القائمين على الشأن العمراني قد انتبهوا مؤخرا إلى ضرورة تصحيح الأعطاب العمرانية التي رافقت التخطيط الحضري في الفترة السابقة.. مثلا كان يقوم في عهد الجنيرال بويميرو الذي حدد معالم المدينة على تمطيط المدينة الجديدة من خلال خلق أحياء شعبية لاستقبالعمال الحي الصناعي (الممتد من "بلاص دارم" إلى عين السلوكي) بحي برج مولاي عمر، وهي الرؤية التي استمرت بعد الاستقلال من خلال إحداث مشاريع سكنية كبرى بحي المنصور ومرجان دون توفير المرافق الضرورية، وتغليب منطق التوسع العمودي من خلال منح رخص الاستثناء لبناء عمارات من 6 أو 7 طوابق بدلا عن الفيلات التي تعود إلى فترة الاستعمار، عوض التفكير في ترحيل الثكنات العسكرية المتآكلة من قلب المدينة إلى خارجها وتوظيف العقار العسكري المحرر لإنجاز المجمعات السكنية والمرافق العمومية الضرورية وهو ما سيساهم في التخفيف من حالة الاختناق الذي تعانيه المدينة ويطوق صعوبات السير والجولان، خصوصا بوسط المدينة التي تفتقد -ويا للحسرة- لموقف للسيارات مع أن نسبة زوار المدينة الجديدة جد مرتفع (الشركات، الإدارات العمومية، الأبناك المواطنين..) مما أضحى يطرح مشكل الولوج الى المدينة الجديدة علما أن هناك إمكانيات واعدة لتنمية وسط المدينة من خلال الوعاء العقاري العسكري وأيضا من خلال الوعاء العقاري الذي تستحوذ عليه مؤسسات البعثة الفرنسية والعقار الذي يضم الملعب الشرفي الذي لم يعد من المجدي الإبقاء عليه في نفس المكان.

ودون ذلك فمكناس ستظل رهينة لإرث الاستعمار الذي حول مكناس آنذاك، إلى مدينة عسكرية لحماية خطوط الإمداد ومحاصرة قبائل الأطلس المتوسطـ، علما أن الأجيال السابقة استطاعت إظهار حقب حكم المرابطين والموحدين والعلويين من خلال تطوير مجالها العمراني.