
لم تفقد الأجهزة الأمنية المغربية هيبتها في الشارع، كما راهن على ذلك المتشككون حين اختلط الحق بالاستثناء في لحظة حصار حقوقي عاشها "الشرطي" و"المواطن" على حد سواء. لم يكن هذا الأمر فقط وليد "الشرط التاريخي" الذي ساق السلطة بشكل طبيعي إلى الدخول في "الانتقال الديمقراطي"، بل وليد إرادة سياسية لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، خاصة مع تعدد الجبهات التي تقتضي يقظة أمنية مؤسسية لها ضوابطها المهنية ومعاييرها القانونية.
فقد مرت حتى الآن سبع سنوات على تولي عبد اللطيف الحموشي إدارة الأمن الوطني (وجمع بينها وبين إدارة مراقبة التراب الوطني لخلق قطب أمني)، وهي المدة الذي رأينا فيها كيف اشتغل الرجل على إعادة هيكلة الجهازين (الأمن الوطني والديستي) بالشّكل الذي يوحي بإعادة بنائهما من جديد وفق عقيدة أمنية جديدة، ومنهج مغاير يتأسس على عقلية مغايرة في الاشتغال (سيادة القانون والحكامة الجيدة)، الأمر الذي جعل المغرب في مصاف الكبار على المستوى الأمني والاستخباراتي.
صحيح أن المؤسسة الأمنية حرصت منذ عام 2000 على "المرحلة الانتقالية" مواكبة مختلف التحديات الأمنية من خلال العمل الاستباقي لمحاربة الجريمة، والحضور الميداني الفعال ورفع درجات اليقظة، غير أن نقطة الانطلاق الفعلية بدأت مع كفاءة مغربية ذاع صيتها واستحقت تكريما دوليا، لأنها نجحت في ترتيب الأوضاع ووقف الانفلات ليس على مستوى مكافحة الجريمة، بل على مستوى إدارة الجهاز الأمني، حيث عمل الحموشي، منذ توليه مسؤولية الإدارة العامة للأمن الوطني (ماي 2015)، على تطوير وتحديث بنيات الشرطة وعصرنة طرق عملها، والرفع من جاهزيتها وتوفير الدعم التقني واللوجيستكي للوحدات الميدانية للشرطة والاستثمار الأمثل في العنصر البشري، وتخليق السلوك والتكوين والتحفيز، وأيضا المحاسبة والعقاب. ذلك أن الأمن لم يعد سلطة تقع على هامش القانون.
لقد انخرط الجهاز الأمني، مع الحموشي، في استراتيجية وطنية لفتح الأبواب، وتطبيع علاقة المواطنين مع المؤسسة الأمنية، وذلك عبر مجموعة من الخطوات:
أولا: سياسة تواصلية كآلية أساسية لإرساء الحكامة الأمنية الجيدة. حيث أطلقت مديرية الأمن، في هذا الإطار، إضافة إلى البلاغات المنتظمة حول التدخلات الأمنية الميدانية، بوابة إلكترونية جديدة، متاحة للعموم، موجهة للتواصل بين المواطنين ومصالح الأمن الوطني، فضلا عن إشراك مستعملي وسائط التواصل الحديثة في الجهد الأمني العمومي. بل دعمت، تعزيزا لهذا المنحى، الخلية المركزية للتواصل بإحداث خلايا ولائية وجهوية وإقليمية تابعة لها على المستوى اللاممركز، من أجل تيسير التنسيق والتواصل مع الصحافة والمواقع المحلية والاستجابة لطلباتها المرتبطة بالإعلام الأمني. كما حرصت على ضمان حضورها في منصات التواصل الاجتماعي، إذ تم إطلاق حسابات رسمية للأمن الوطني على مواقع "تويتر" و"فايسبوك" و"انستغرام".
وبالرجوع إلى حصيلة العمل السنوية للمديرية، فإنها قامت، منذ 2016، بما مجموعه 21.940 نشاطا تواصليا، تنوعت بين البلاغات الصحفية والتغطيات وبيانات الحقيقة والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، أنستغرام).
وبالرجوع إلى حصيلة العمل السنوية للمديرية، فإنها قامت، منذ 2016، بما مجموعه 21.940 نشاطا تواصليا، تنوعت بين البلاغات الصحفية والتغطيات وبيانات الحقيقة والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، أنستغرام).
ثانيا: تأهيل رجال الأمن، حيث تم إقرار نظام جديد للامتحانات الوظيفية على أساس الاستحقاق وتكافؤ الفرص، تسبقه إعلانات تلفزية وإعلامية للتعريف بموعد إجراء الامتحانات وإعداد دليل مرجعي للمهام والكفاءات لتأهيل الموظفين مركزيا وعلى الصعيد اللاممركز، وكذا اعتماد مساطر جديدة للتعيين في مناصب المسؤولية على أساس الترشيح والاختبار والكفاءة، مع إحداث اللجنة المركزية للتظلمات، كآلية جديدة للنظر في الطلبات والشكايات والتظلمات الداخلية لموظفي الأمن. كما تم تعزيز مصالح الشرطة المركزية بأطباء مختصين في الطب الشرعي، وأطباء بيطريين وكفاءات من أطر علمية متخصصة ذات تكوين عالي، من مهندسي الدولة والدكاترة، إلى جانب متخصصين في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وعلم البصمات الجينية الذين تم إلحاقهم بالشرطة العلمية والتقنية. إضافة إلى كل ذلك، تم إجراء مراجعة شاملة لهيكلة المعهد الملكي للشرطة بمدينة القنيطرة، من خلال إدخال تغييرات جوهرية على بنيات التنظيمية المكلفة بالتكوين الشرطي، والمزاوجة بين التكوين النظري والتدريب الميداني، ناهيك عن رفع عدد ساعات التكوين في مختلف التخصصات العلمية والتقنية، وتنظيم ندوات تدريبية بمشاركة خبراء دوليين في مجال محاربة الجريمة المنظمة.
ثالثا: تطوير البنيات التحتية، وذلك عبر إطلاق العديد من المشاريع الأمنية المهيكلة، همت افتتاح المقرات الجديدة للمختبر الوطني للشرطة العلمية والتقنية، ومقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كما تم افتتاح نادي الفروسية للأمن الوطني بمدينة القنيطرة.
فبخصوص المقر الجديد للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، فقد تم تصميمه وتجهيزه ليحتضن المكاتب المتخصصة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية سواء في مجال مكافحة الجريمة الإرهابية والتطرف العنيف، وصور الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية خصوصا المخدرات والمؤثرات العقلية، والهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر، والجريمة الاقتصادية والمالية وغسل الأموال، والجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة.
أما المقر الجديد للمختبر الوطني للشرطة العلمية والتقنية فقد تم تشييده، على مساحة إجمالية قدرها 8600 متر مربع، مكونة من ستة طوابق علوية وطابق تحت أرضي، وخمس منصات تقنية، تم تجهيزها لتحتضن مصلحة البيولوجيا الشرعية، ومصلحة الكيمياء، ومصلحة المخدرات والسموم الشرعية، ومصلحة الأدلة الجنائية، ومصلحة التشخيص بالبصمات الوراثية، والمصلحة الإدارية وتدبير شؤون الموظفين وشعب اللوجستيك، وحفظ المحجوزات والأدلة، وقياس الجودة والأمن، وأمن نظم المعلوميات.
إلى ذلك، تم تجهيز المصلحة المكلفة بالحمض النووي أو البصمة الوراثية بآليات جد متقدمة ودقيقة، تعد هي الأولى من نوعها على صعيد القارة الافريقية في مجال عمليات استخلاص الحمض النووي، وهي الآليات التي ستتيح الرفع من المردودية وتدعيم الجودة عبر المعالجة الدقيقة في ظرف وجيز لأكبر عدد ممكن من العينات المخبرية المستقاة من مسارح الجرائم، وذلك بمعدل 300 عينة في وقت لا يتعدى ثلاث ساعات.
وتصديا لمختلف الجرائم المستجدة، تم تجهيز المختبر بآليات تقنية جديدة لتحديد طبيعة الحبر المستعمل في الوثائق المزورة، وأخرى للعمل على تضخيم حجم المواد الخاضعة للمعالجة إلى ما يزيد عن 300 ألف مرة عن حجمها الحقيقي.
وفيما يتعلق بنادي الفروسية، فقد تم تدشينه بمحاذاة غابة المعمورة بالقرب من المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، على مساحة شاملة تقدر بعشرة هكتارات تقريبا، تغطيها مجموعة من المرافق المندمجة، وعلى رأسها "وحدة للتكوين" التي تقدم خدمات التكوين التخصصي والمستمر لفائدة موظفي الشرطة العاملين بفرق الخيالة بمختلف تخصصاتها. كما تضم مجموعة من التجهيزات والمرافق المصممة وفق أحدث البرامج والتقنيات المعتمدة في التكوين النظري والتطبيقي لفائدة فرسان الأمن الوطني، خصوصا في ما يتعلق بتربية الخيول وترويضها.
رابعا: دعم البنية المعلوماتية، وذلك عبر استكمال تعميم النظام المعلوماتي لتدبير دوائر الشرطة على المستوى الوطني، فضلا عن إطلاق ورش الاندماج بين قواعد المعطيات التابعة للأمن الوطني، إلى جانب تعميم التطبيقات المعلوماتية الخاصة بالتدبير الرقمي لإدارة وتخزين وثائق المراقبة الطرقية. هذا دون أن ننسى أن مديرية الأمن أطلقت على مستوى واسع "الجيل الجديد من البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية" في نسختها المؤمنة والخدماتية، حيث أشرفت الفرق الهندسية والتقنية التابعة للمديرية العامة على تطوير عدة تطبيقات وحلول معلوماتية لتمكين موظفي الشرطة من النهوض الأمثل بمهامهم خلال مراقبة التنقلات الاسثتنائية يتم تحميلها على الهواتف النقالة، وكذا تعزيز الحضور الميداني بالشارع العام من أجل تغطية أمنية شاملة عبر نشر الفرق المتنقلة بواسطة الدراجات والسيارات الخفيفة من الحجم الكبير، وفرق الخيالة مع الدوريات المشتركة للهيئة الحضرية والاستعانة بتقنيات المراقبة الحديثة.
خامسا: تخليق إدارة الأمن، وذلك عبر تنشيط عمل "المفتشية العامة للأمن" التي يهدف عملها إلى محاربة الرشوة بين صفوف الأمن. حيث ترتكز عملياتها على إجراء مراقبة سرية لرجال الأمن بالشارع العام، أو داخل المكاتب الإدارية، ومقرات الديمومة ليلا، وخلال أيام العطل. كما تم وضع مدونة أخلاقيات المهنة ونشر مضامينها وسط العاملين بالأمن الوطني، فضلا عن التوعية والتحسيس والتكوين في القانون المنظم لأخلاقيات الشرطة، إلى جانب استفادتهم من دروس تكوينية في مجال "التدخل الأمني وحقوق الإنسان".