الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: شعب توحّده المَلَكية وتبهِجه الانتصارات الكروية

سعيد الكحل: شعب توحّده المَلَكية وتبهِجه الانتصارات الكروية سعيد الكحل

إن الاستقبال الأسطوري الذي استقبل به جلالة الملك والشعب المغربي أعضاء المنتخب الوطني انبهر به العالم كله واشادت به الصحافة الدولية من حيث كونه استقبالا يعكس عراقة الدولة المغربية بتقاليدها المترسخة في بنياتها الإدارية وأجهزتها الأمنية التي درجت على تنظيم التظاهرات الدولية والوطنية بكل كفاءة. فالاستقبال الذي خصه جلالته والشعب المغربي للاعبين وأمهاتهم غني بالدلالات الحضارية والثقافية والمؤسساتية التي تميز الدول العريقة.

1ـ الدلالة الحضارية: 

إن عراقة شعب ما تتجسد في تقاليده الاحتفالية ومراسيم استقباله للضيوف. فقد عبر الشعب المغربي عن رقيه الحضاري والأخلاقي في محافظته على النظام باحترام إرشادات القوات الأمنية والعمومية في تناغم تام، فضلا عن الانضباط واحترام الممتلكات العامة والخاصة. إذ لم يعرقل موكب الفريق الوطني ولا اضطره إلى تغيير مساره وبرنامجه كما وقع في الأرجنتين. ولعل اللحظة الأكثر تعبيرا عن الحضارة والهوية المغربيتين، والتي لها وقع كبير، سواء في نفوس المغاربة داخل الوطن أو في المهجر، هي لحظة استقبال جلالة الملك لأمهات اللاعبين بكل عفوية شعرن خلالها أنهن في أحضان كبير العائلة، بحيث عانقنه كما تعانق الأمهات أعز أفراد أسرهن.

عناق الأمهات للملك وحديثهن العفوي معه، بل وضعُ جلالته يده على كتف إحداهن رفعَ كل تكليف عنهن يقتضيه البروتوكول، كلها تعبير صادق عن تجذر الملكية في نفوس المغاربة وتشبثهم بها. وقد تضاعف هذا الحب والتشبث مع اعتلاء الملك محمد السادس للعرش لمبادراته الإنسانية والسياسية والاقتصادية والتنموية والحقوقية. والأمر لا يتعلق فقط بالمغاربة داخل الوطن، بل يشمل كذلك مغاربة العالم، وفق ما كشف عنه السيد فؤاد ابن الصديق، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي خلال ندوة تقديم مخرجات رأي حول "تمتين الرابط الجيلي مع مغاربة العالم: الفرص والتحديات"، بأن المتفاعلين مع الاستشارة التي أطلقها المجلس عبر منصة "أشارك" والبالغ عددهم 91 ألف و520 شخصا، عبروا عن اعتزازهم بالمؤسسة الملكية، وشخص الملك محمد السادس، والهوية الوطنية الغنية والمتنوعة.

2 ـ الدلالة الثقافية:

في الثقافة المغربية الأصيلة تقدير للأبطال ولكل من يخدم الأمة بصدق وتفان. فالعرفان جزء أساسي في الثقافة المغربية. في هذا الإطار سارع المغاربة إلى الخروج بكثافة، على امتداد المسافة التي قطعها الموكب من المطار إلى القصر الملكي، للتعبير عن شكرهم وتقديرهم لإنجازات اللاعبين. كما تتميز الثقافة المغربية بالتقدير العظيم للأمهات؛ وقد عزز الدين الإسلامي هذا التعظيم بأن جعل الجنة تحت أقدامهن. وجاءت الالتفاتة الملكية باستقبال اللاعبين مرفوقين بأمهاتهم، لإتمام الاحتفاء الذي بدأه اللاعبون بأمهاتهم، في قطر، عقب انتهاء كل مباراة، اعترافا بتضحياتهن من أجلهم. إن تكريم أمهات اللاعبين هو تكريم لنساء المغرب ورسالة إلى الحكومة والبرلمانيين والأحزاب والفقهاء، خصوصا بعد الدعوة الملكية إلى مراجعة مدونة الأسرة وجعل بنودها منسجمة مع فصول الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

إن ثقافة المجتمع المغربي وأعرافه الاجتماعية تجعل الأم/المرأة محور الأسرة، لهذا لم يحدث أن عارض المجتمع تولي النساء لكل الوظائف بما فيها القضاء، أو المناصب السياسية والإدارية. فحتى حين عارض الإسلاميون مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، فقد عارضوها بدوافع إيديولوجية وبخلفية سياسوية لا علاقة لها بثقافة المغاربة وأعرافهم الاجتماعية. وخير دليل على هذا، أن نساء الإسلاميين كن الأوليات اللائي لجأن إلى مدونة الأسرة التي ناهضن مشروعها في البداية.

3 ـ الدلالة السياسية:

إن التكريم الذي خص به جلالته والشعب المغربي أعضاء المنتخب الوطني والعفوية التي سادت الحديث بين ملك البلاد وأمهات اللاعبين يعكسان قوة الترابط بين الملك والشعب. ومن مظاهر هذا الترابط والتلاحم مشاطرة جلالته فرحة الشعب بفوز المنتخب على منافسيه، التكريم الذي يليق بالفريق الوطني ومنجزاته. كل هذه الأجواء هي بمثابة رسائل واضحة وصريحة إلى كل الغربان الناعقة ودعاة الكراهية والحقد والتيئيس، بأن الالتحام بين القصر والشعب لن ينال منه نعيق الغربان مهما افتروا من أكاذيب وزعموا من أباطيل. نفس الرسائل موجهة إلى المتآمرين على الوطن الذين ارتموا في أحضان أعداء وحدته الترابية، فقبلوا على أنفسهم أن يتحولوا إلى معاول هدم وخناجر غدر. ومهما فعلوا، فإن الترابط القوي بين الملك والشعب سيتصدى لكل المناورات العدائية والمشاريع التخريبية والمخططات الانقلابية.

لا شك أن خروج المغاربة، في كل المدن والقرى، وفي المهجر، احتفاء بانتصار الفريق الوطني عقب كل مباراة في قطر، وكذا الاستقبال الأسطوري الذي حظي به المنتخب، يعبر عن الروح الوطنية العالية التي تفجّر منسوبها في نفوس كل فئات الشعب المغربي على اختلاف الأعمار. هذه الروح الوطنية الصادقة والقوية هي، من جهة، سر متانة اللحمة بين الملك والشعب، ومن أخرى قوة وفعالية مؤسسات الدولة، خاصة تلك التي يستهدفها المتآمرون والناعقون، والتي تحافظ على أمن الوطن واستقراره.

إن من يتتبع منشورات الغربان الناعقة سيدرك أهدفاها الخسيسة الرامية إلى استهداف المؤسسة الأمنية والتشكيك في مصداقيتها. ذلك أن هذه المؤسسة الوطنية هي التي تصدت لمخططات المتآمرين على الوطن وكذا المشاريع الإرهابية للمتطرفين. وتكفي هنا الإشارة إلى تجاوز عدد الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها 210 خلية، بالإضافة إلى إحباط 500 مشروع تخريبي منذ 2002. فإلى هذه المؤسسة الأمنية يعود شرف التنويه العالمي بحسن تنظيم قطر لأكبر تظاهرة رياضية عالمية. 

هذا هو المغرب بحضارته وثقافته ونظامه وشعبه ومؤسساته يعطي الدروس في الأخلاق النبيلة وفي العرفان والتكريم، وفي حسن التنظيم ورقي الاستقبال.