الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الوادي: الحلم المغربي

محمد الوادي: الحلم المغربي محمد الوادي
لسنين ونحن نعيش الخيبة تلو الأخرى على جميع الأصعدة (في السياسة والثقافة والتعليم والصحة... وأيضاً في الرياضة) حتى كدنا أن نسلم بالأمر الواقع ونؤمن أن جواد التفاهة والتافهين وأعداء النجاح والتميز والتفرد، والنصابين واللصوص وتجار السياسة والذين... هو الجواد الرابح، وبالتالي لا أمل في ثورة ثقافية وتعليمية وأن الصحة في بلدنا ستظل مريضة، وأن الشاطر هو الذي يعرف من أين تُأكل الكتف.. وأن المناصب العليا هي قفط للذين فُصِّلَت على مقاسهم، وأن المال الحرام والنفود الحزبي والسياسي والمحسوبية والإخوانية والرشوة... لها الكلمة الأولى والأخيرة.

كدنا أن نفقد البوصلة ونتيه بعيداً عن أهدافنا وأحسسا باليأس وبأنين الوطن وألمه وبإهانة المواطن المغلوب على أمره وقلة حيلته. ولعبت بعض المنابر الإعلامية  الحرة والرسمية، على حد سواء، دور التضبيع باختيار نماذج الفشل والتفاهة وتصديرها كنماذج  ناجحة، وتبعاً لذلك تبوأ مقاعد الصدارة الأغبياء من ذوي العاهات النفسية والفكرية وعاد إلى الخلف العلماء والمفكرون والأدباء والفنانون الحقيقيون والفلاسفة في إقصاء تام ومنع واضح وممنهج. وعشنا سنوات من الإحباط حتى حسبناها ستظل خالدة مخلدة، وأن الحلم والأمل والفرح أصبح بعيد المنال وضرباً من الخيال، أو مجرد هلوسات جنونية.

كدنا أن نصدق أنه لا أمل في التغيير، وفي الإصلاح، وفي العدالة والعدالة الاجتماعية، وفي الرقي، وأن النخب لم يعد لها دور ولا تأثير في عالم لا يؤمن بالنخب وبالكفاءات الوطنية، وأن النجاح الوحيد المسموح به هو نجاح الأشكال المشوهة والمعطوبة والبئيسة والرديئة، وبات الروتيني اليومي وسهرات الميوعة والكلام الساقط والمهرجانات المنحطة المشبوهة... هي العلامة على النجاح، وهي التي تحظى بالدعم وتتصدر العناوين البارزة في الإعلام والصحافة، وهي التي يحتفى بها وتكرم، وتخصص لها المقاعد الأمامية في المنتديات والمحافل. إنها النماذج التي أرادوها قدوة لوطن زاخل بالمواهب والكفاءات والخبراء.

وجاءت كرة صغيرة في محفل عالمي لتقول كلمتها وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء وكأن لسان حالها يقول كل مظاهر التفاهة لا بد وأن تزول وتنتهي، وأن النجاح الحقيقي هو نجاح النماذج الحقيقية.. وأن الزائف يبقى زائفاً مهما كان برّاقاً، وليس كل ما يلمع ذهباً. وفي لحظة فارقة.. لحظة حلم كاسح وفرح جارف انقلب كل شيء.

كرة صغيرة صنعت الفرح الكبير وأعادت الثقة في النفس وللفاعلين الحقيقيين المخلصين المحبين للأمة المغربية.. لهذا الوطن الجميل الذي يستحق أهله كل التقدير. 

لم تكن التفاهة والميوعة والفساد سلوكاً من سلوكات مجتمع مغربي حكيم يجر وراءة قروناً من التميز والأصالة.. كنا الأصل والباقي مجرد تقليد.. كنا الأرقام الصعبة في المعادلات الصعبة.

نتمنى أن تكون هناك كرات أخرى:
كرة الثقافة الوازنة، وكرة العلم والمعرفة، وكرة التنمية الحقيقية، وكرة التعليم العمومي المجاني، وكرة حب الوطن بالعمل وليس بالشعارات الشكلية.

الآن، والآن فقط يمكن إعادة طرح الأسئلة الصعبة الغائبة والغيبة.. الأسئلة- الفعل كما كتبتُ يوماً في مقاربة الاحتفالية الجديدة: 

- هل أصبح حلم الفوز بكأس العالم حقّاً مشروعاً؟.
- هل أصبح من حقنا، كشعب وأمة وأفراد ونخب، أن نحلم بالفوز على التفاهة والندالة والخنوع والفشل والتبعية العمياء والفساد بكل أشكاله وأنواعه...؟؟؟؟.
- هل بات من حقنا أن نحلم  بعيش كريم، وصحة جيدة، وتعليم عمومي ناجح، وتنمية مستدامة، وسياسة بعيدة عن المنفعة الشخصية،...؟؟؟؟.
- هل أصبح بالإمكان تجاوز كل عقد النقص والدونية أمام الغرب وبات الإيمان بالذات وبالتاريخ وبالتفرد والكفاءة حقيقة؟؟؟؟.

أسئلة كثيرة لا تحتاج إلى أجوبة، بل إلى عزيمة وثقة وعمل متواصل ونية صادقة. 

أعترف أنني طول حياتي وأنا لا أهتم بكرة القدم، وفي سنوات الدراسات الثانوية والجامعية كان من بين زملائي لاعبين دوليين ومع ذلك بقيت خارج الاهتمام بالشأن الكروي، وكان هاجسي ولا يزال هو الثقافة والفن والفكر إلى أن جاء كأس العالم قطر 2022 وبدأ المنتخب المغربي يتألق. وبدأت الأفراح تتوالى بتوالي الإنجازات المُنتَزَعة انتزاعاً ساعتها أدركت وأدرك الجميع أن كل شيء ممكن التحقق، وأن الطاقة الكامنة في الذوات لا حدود لها، وأن لغات الإحباط ممكن تجاوزها بالعمل والعزيمة والثقة، وأن كرة القدم قد حققت الوحدة العربية في أقل من شهر ما لم تحققه الجامعة العربية في سنين طويلة.