ينطبع حدث احتفال المغاربة بذكرى المسيرة الخضراء كل سنة بعدد من الدلالات والأبعاد. منها مثلا اعتبار الحدث فصلا من فصول حروب السلم التي تمكن فيها المغرب من استعادة جزء من ترابه بدون أن تراق قطرة واحدة من دم أبنائه. ومنها ثانيا التأشير على الصيغة النوعية التي تدير بها الأمة المغربية رهانات تحرير ترابها، والكيفية التي تدير بها الصراع مع الخصوم والأعداد.
ومنها كذلك الدرس الذي يقترحه المغرب بخصوص مشاريع النماء والتعمير التي أرساها في مناطقه المسترجعة. وهذا الدرس هو الذي يتمحور حوله ملف هذا العدد انطلاقا من شهادات المهتمين بهذا الموضوع، واعتمادا على ما نعتبره إنجاز ضخما في تاريخ تعمير وتأهيل المناطق المحررة، وذلك للاعتبارات التالية:
الاعتبار الأول: أننا حين استعدنا صحراءنا لم ندخل في مرحلة عطلة أو استراحة. بل شاءت مشيئة أعداء وحدتنا الترابية أن يأووا كيانا وهميا فوق أرض الجزائر وعلى حدود بلادنا، وأن يسلحوه ويمولوه... ومن ثم فرضت علينا الحرب فخضناها بما تقتضيه الأمور، وأعددنا لها ونعد لها دائما ما استطعنا من قوة دون أن يمنعنا ذلك من أن نخوض في الوقت ذاته الحرب من أجل إعمار الصحراء لننتقل من وضع الخراب إلى أن تصبح فردوسا. وهذا وضع استثنائي لم تشهده اية منطقة في المعمور. ذلك أن كل البلدان، سواء تلك التي حررت ترابها الوطني من الاحتلال، أو تلك التي اجتازت مرحلة الحروب المدمرة دخلت مشروع التعمير وهي مرتاحة البال لأنها صارت في زمن السلم. إننا نستحضر هنا نماذج ما جرى في الفيتنام والصين وألمانيا وشبه جزيرة القزم وغيرها من الأماكن التي استرجعت فيها هذه الدول ترابها ووحدت أوطانها...
المغرب فقط كتب عليه أن يعيش الاستثناء ليواجهه بـ "العتلة" في يد و"الكلاطة" في يد أخرى.
المغرب فقط كتب عليه أن يعيش الاستثناء ليواجهه بـ "العتلة" في يد و"الكلاطة" في يد أخرى.
الاعتبار الثاني: يهم التأكيد على أن قيمة الدرس الذي يقدمه المغرب بهذا الخصوص، وأهمية دلالات احتفالنا بالصحراء المسترجعة، تتاتيان من قدرة المغرب على النجاح وعلى رفع تحدياته بحيث تمكن من النهوض بصحرائه بدون أن تكون هذه الصحراء أرض بترول أو غاز. ذلك أننا حين نجول بأعيننا وعقولنا عبر خريطة الصحاري الشاسعة الممتدة عبر بلادنا العربية بدءا من صحراء شبه الجزيرة العربية ومصر ثم ليبيا والجزائر سنجد أن تلك الفضاءات خزان للخيرات الطبيعية وللثروات المعدنية بخلاف صحرائنا القاحلة سوى من عراقة تاريخها الحضاري والثقافي، وكرم أبنائها الأوفياء. ومع ذلك نجح المغرب لأن خزانه هو إرادة أبنائه، والتفافهم حول المؤسسة الملكية وإيمانهم بطاقاتهم الذاتية، وقدرتهم على أن يجعلوا وحدتهم الوطنية صمام أمان ضد الأعداء .
الاعتبار الثالث: فيفيد أن المغرب الذي واجه حرب النماء والتعمير في الصحراء نجح في الرهان متحديا خبث ومؤامرات الأعداء واستراتيجيتهم المدمرة علما بأنه لا يزال بلدا ناميا. أي أنه ومنذ 47 سنة، المساحة الزمنية التي تفصلنا عن حدث المسيرة الخضراء، والمغرب يخوض الحربين، ومعهما يخوض التحدي الصعب ممثلا في إدارة مشاريع التنمية في كل جهات المغرب، وفي مواجهة التحديات في قطاعات الصحة والشغل والتعليم والاستثمار... كما يخوض في نفس الوقت رهانات إرساء قواعد الديمقراطية، وترسيخ دور المؤسسات وتطويرها، وتعزيز عمل المجتمع المدني وبنييات الوساطة، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية. ومعناه أن ما قمنا به ونقوم به في صحرائنا المسترجعة ليست خطة "مرحلية" فقط، أو نهجا محدود الصلاحية. ولكنه تعبير عن قناعة تفيد تصميم المغرب بكل مؤسساته على أن ينهض المغرب بالصحراء، وبكل جهاته.
ذلك التصميم هو المعدن الرفيع والجوهر النادر الذي يختزنه المغرب.
ذلك التصميم هو المعدن الرفيع والجوهر النادر الذي يختزنه المغرب.
تفاصيل أوفى في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"