الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: رهان الجزائر الخاسر على مناهضي مغربية الصحراء

سعيد الكحل: رهان الجزائر الخاسر على مناهضي مغربية الصحراء سعيد الكحل

 لم تستفد الجزائر بعدُ، من الخيبات التي منيت بها مخططاتها العدائية للمغرب على مدى خمسة عقود متتالية. فكلما اقترب شهر أكتوبر من كل سنة إلا وسخّرت الجزائر كل إمكاناتها المالية وجيشت عملاءها عبر العالم وفي الهيئات السياسية أو الدبلوماسية أو الأممية، في محاولات يائسة للتأثير على أعضاء مجلس الأمن قصد اتخاذ قرارات تنص على توسيع صلاحية بعثة المينورسو لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء المغربية المسترجعة، وترفض، في الآن نفسه، التمديد لمهام البعثة. في كل عام كانت تتحرك دبلوماسية الغاز الجزائرية للضغط على الدول الأوربية التي كانت تجدها مناسبة مربحة لابتزاز الطرفين معا: الجزائر حتى تزودها بالنفط والغاز بأسعار منخفضة، والمغرب حتى تنهب ثرواته البحرية ويظل حديقتها الخلفية. لهذا أدمنت أوربا على توظيف قضائها في الابتزاز عبر إصدار الأحكام بإلغاء اتفاقيتي الصيد البحري والزراعة بين الاتحاد الأوربي والمغرب، لتصحح الوضع في مرحلة الاستئناف بعد تحقيق مآربها. لكن بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، لم يعد المغرب يكترث لمحكمة العدل الأوربية أو يخضع من جديد للابتزاز، ولا صار بحاجة إلى استئناف الحكم. بل إن المغرب اتخذ قرارات حاسمة: أولاها تطهير معبر الـﯕرﯕرات من عصابات البوليساريو وتحريره أمام حركة الأشخاص والبضائع من وإلى الدول الإفريقية جنوب الصحراء؛ ثانيها وضعه شرط الوحدة الترابية للمغرب أساس كل شراكة تجارية تربطه بالدول الأوربية على وجه الخصوص، مما قطع دابر الابتزاز. وكان جلالة الملك واضحا وحاسما في مناسبتين رئيسيتين: خطاب ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2021 الذي ردّ فيه على حكم محكمة العدل الأوربية في شتنبر 2021، إذا قال جلالته (نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية)؛ ثم خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لعام 2022 الذي شدد على جعل (ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات). قرارات المغرب الصارمة في إعادة بناء علاقاته التجارية وشراكاته الاقتصادية مع الدول على أساس الندية لم تزد حكام الجزائر إلا حقدا وعداء للمصالح العليا للمغرب. فبعد أن أغلق الجيش المغربي كل المنافذ إلى معبر الـﯕرﯕرات أمام فلول البوليساريو التي كانت تستغلهم الجزائر لاستفزاز المغرب كلما اقترب الموعد السنوي لجلسات مجلس الأمن حول التمديد لبعثة المينورسو، مراهنة على توسيع صلاحياتها، لجأت، كعادتها إلى تحريك عملائها عبر إرشائهم متوهمة قدرتهم على التأثير في قرارات الدول التي ينتمون إليها. ومن هؤلاء الذين ناصبوا العداء للمغرب وسخّروا مواقعهم الدبلوماسية لخدمة الأجندة الجزائرية نجد كريستوفر روس الذي تم تعيينه مبعوثا للأمين العام للأمم المتحدة ، بان كي مون، سنة 2009 ليستقيل منها سنة 2017، أي قبل سنة من نهاية ولايته. ولم تخطئ الحكومة المغربية حين اتهمته بالتحيز للجزائر وصنيعتها البوليساريو، منبهة إلى "مفارقات في تصرفاته، تراجع فيها عن المحددات التفاوضية التي سطرتها قرارات مجلس الأمن وسلوكه لأسلوب غير متوازن ومنحاز في حالات عديدة". كريستوفر هذا ظل خدوما لحكام الجزائر منذ كان سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر. ورغم إبعاده عن ملف الصحراء المغربية وفشله في تسويق أطروحته المعادية للمغرب، ظل يتحين الفرص ليلوّك ذات العبارات التي شطبها مجلس الأمن من قاموسه الذي بات يستعمله، منذ 2007، في تحرير القرارات المتعلقة بالصحراء المغربية. أي ظل يطالب بتوسيع مهمة المينورسو وإجراء الاستفتاء. ولم يستسغ كريستوفر، في تغريدة له على "تويتر" ما ورد في مقال لوولفغانغ فايسبرود ويبر، الممثل الخاص السابق للأمين العام في الصحراء، على موقع PassBlue، تطرق فيه، إلى وضع افتراضي أضاف فيه مجلس الأمن حقوق الإنسان إلى مهام المينورسو. ليعرب عن أسفه من القرار الافتراضي لأنه سيضيف عنصرا آخر غير قابل للتنفيذ لعمل البعثة. الأمر الذي لم يستسغه كريستوفر روس، فعلق عليه كالتالي: "فلماذا تكون إضافة حقوق الإنسان غير قابلة للتنفيذ؟ لأن المغرب سيجد طريقة لعرقلة ذلك على الأرض، تماما كما فعل في عام 2000 أمام تحضيرات بعثة الأمم المتحدة من أجل تنظيم الاستفتاء. ولماذا يرفض المغرب إجراء استفتاء؟ لأنه يخشى أن تكون النتيجة لصالح الاستقلال". لقد تجاهل كريستوفر روس ،عن قصد، توطين الجزائر لعشرات الآلاف من رحل الطوارق ومن المرتزقة المنحدرين من دول الساحل لترفع من أعداد الذين سيشاركون في الاستفتاء. خديعة لا يمكن أن تنطلي على المغرب الذي طالب باستمرار اعتماد نتائج الإحصاء الرسمي الذي أجرته إسبانيا لسكان الصحراء قبل انسحابها منها. لا يمكن، إذن، لكريستوفر روس أن يطالب مجلس الأمن برفع الحصار عن سكان مخيمات تندوف ليتم الفرز الحقيقي بين المحتجزين قسرا وبين اللاجئين، لأنه يتقاضى أجر العمالة لحكام الجزائر. ومن الذين حاولوا يائسين، التأثير على قرار مجلس الأمن بتكليف من حكام الجزائر، رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، الذي استقبل زعيم عصابة البوليساريو بالتزامن من جلسات مجلس الأمن وأصدرا بيانا مشتركا يدعوان فيه هذا الأخير إلى "ضمان تطبيق المينورسو، مهمتها الأساسية وهي تنظيم استفتاء حول الصحراء" و " “تكليف بعثة المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان وحمايتها والإبلاغ عنها، ولكن أيضا حماية الموارد الطبيعية من النهب غير القانوني”. هكذا تتقاطع خطط استهداف المغرب من طرف المحكمة الأوربية ثم جنوب إفريقيا إضافة إلى المرتزقة من دبلوماسيين وبرلمانيين وناشطين حقوقيين أمثال من يسمي نفسه "رئيس التنسيقية الأوروبية للتضامن مع الشعب الصحراوي" (أوكوكو) بيار غالاند، الذي زار الجزائر للحصول على نصيبه من أموال الشعب الجزائري مقابل الإدلاء بتصريح لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يتجاوز صداه جدران البناية التي صرح من داخلها بـ"أهمية توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل آلية مراقبة حقوق الانسان للشعب الصحراوي". كما التحقت المتاجرة بحقوق الإنسان "كلود مانجين أسفاري" بالجوقة المعادية للمغرب بالدعوة إلى توسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. جميع هؤلاء المرتزقة وتجار حقوق الإنسان لم يطرحوا قضية نهب عصابة البوليساريو للمساعدات الغذائية ولا جرائم تجنيد الأطفال في الأعمال المسلحة ولا أساليب التعذيب الممنهج والتقتيل التي يعاني منها سكان المخيمات في تندوف. فحقوق الإنسان بالنسبة لهؤلاء المرتزقة لا تشمل معاناة المحتجزين من طرف عسكر الجزائر في مخيمات لحمادة.

انتهت جلسات مجلس الأمن بالتصويت على قرار تمديد بعثة المينورسو عاما إضافيا لتعود دبلوماسية الجزائر ومرتزقتها وعملاؤها يجرّون ذيول الحسرة والهزيمة، ليواصل المغرب نجاحاته الدبلوماسية بتوسيع لائحة المؤيدين لمقترح الحكم الذاتي وبفتح مزيد من القنصليات الدولية في مدينتي العيون والداخلة. لم توقف مؤامرات حكام الجزائر ومناورات جنوب إفريقيا ماكينة الدبلوماسية المغربية التي تشدد الخناق على أعداء وحدتنا الترابية وتعزلهم عن محيطهم القاري والدولي. لقد راهنت الجزائر على استقطاب فرنسا لصالح أطروحتها الانفصالية مقابل ضمان تزويدها بالغاز في ظل الأزمة الطاقية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية. ولم تدرك الجزائر أن المؤسسات الدستورية الفرنسية والدولة العميقة فيها لن يسمحا لأي رئيس فرنسي أن يعادي المصالح العليا للمغرب.