الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

جلال الطاهر: المحاماة عصية على التدجين

جلال الطاهر: المحاماة عصية على التدجين جـلال الطاهــر
أكد المحامون المغاربة لمن كان في قلبه شيء من حتى، أوفي عقله غير قليل من زيغ، أنهم طليعة اجتماعية إنسانية حقوقية.... كانت وستظل قرينة للحرية والدفاع عن الحقوق.
لقد أثبت التاريخ والواقع، على أن المحامين قدرة وإرادة جبارة لا تقهر، ولا تدجن، هي قوة ناعمة وحضارية في أداء مهامها، وجبارة في مواجهة من يحلو له أو يحلم، بتغيير هويتها وتعديل جيناتها التي ولدت بها، واستمرت مطبوعة بها عبر التاريخ، وعبر دنيا الإنسان في هذا العالم.
وهذا الصمود وهذا العناد، في الدفاع عن النفس والقناعة والهوية لم يكن سهلاً، أو جرى بدون تضحيات، بل إن هذه التحية، في كل المجتمعات لها هوية واحدة، وغاية وحيدة، هي خدمة الإنسان، في تحقيق رغبته في العدالة، تتوارثها المهنة جيلاً بعد جيل.
لكل هذا التاريخ وهذه الرسالة التي أصبحت هوية كل محام، هي التي جعلت ودفعت المحامين المغارية يوم 21/10/2022 إلى تنظيم الوقفة الرهيبة، التي ضمت المحامين من كل الأعمار المهنية ومن كل الجهات الجغرافية، بنقبائهم ومجالسهم وجمعياتهم المهنية، الذين تواعدوا على الحج للرباط، لأداء مناسك المهنة وواجباتها، أمام الإقامة السياسية لوزير العدل، رداً على الهجومات اللفظية والتشريعية، التي دأب هذا الوزير- المحامي مع الأسف - على القيام بها خلال كل مناسبة، - وحتى بدون مناسبة – تتاح له، للمس بالقيم، وتجاوز الثوابت المستقرة في تعامل سلفه من الوزراء مع المحامين، مع أنه يحمل نفس الصفة، التي ربما كانت من العوامل التي خولته حمل صفة وزير، وغيرها من المهام.
لقد كانت وقفة الرباط، ملتمس رقابة مهني على تدبير وزير العدل للمسؤولية، قدمه المحامون بصفة عملية مباشرة، أمام وزارة العدل وعاصمة الحكم والحكومة...
إنها وقفة عملية ورمزية، تعكس دلالات عميقة، على الوزير أن يقرأها القراءة الصحيحة وليس ذلك عليه بعزيز، لأنه يفقه الظاهر والباطن من الواقع، ويعلم ظواهر الأشياء وخفاياها، بما فيها اللباس الداخلي للناس، كما أكدته الوقائع المشهودة من تصريحاته العمومية.
ووزير بهذه الخصائص " النفاذة " لعمق الأشياء واكتشاف مضامينها، لا بد وبالضرورة أن يكون قد قرأ وقفة المحامين القراءة الصحيحة، التي تستوجب التجاوب مع مقاصدها وأهدافها، لاتخاذ الموقف الإيجابي بشجاعة وجرأة ونكران ذات وتدارك للموقف، بما يستحقه من رشد وبعد نظر، وفتح نقاش في القضايا التي طرحتها الوقفة، مع أطرافها الشرعية، كما جرت التقاليد بذلك.
وهذا التوجه هو ما يفرضه موقعه بالوزارة التي يتحمل مسؤولية تدبيرها، ويشكل حصافة في الرأي وبعد النظر في الممارسة، لأن الموضوع لا يتعلق بالرأي الشخصي، بل إن الأمر يفرض سلوك رجل دولة، يشغل موقع دولة، عليه أن يتفاعل مع الأحداث والوقائع، بهذه العقلية التي تسمو على اللجاج و البوليميك وإطلاق الكلام على عواهنه، الذي قد يفيد في المزايدات السياسية، فإن الأمر ليس كذلك، في موضوع القضايا الحقوقية والمجتمعية المطروحة بإلحاح، وفي مقدمتها الأوضاع المهنية للمحامين، اقتصادياً واجتماعياً وتشريعياً.
فعلى الوزير، أن يعتبر أن وقفة المحامين، كانت ضرورة فرضها الواقع المهني، الذي يشهد تدهوراً كارثياً متسارعاً، فجرته مواقف الوزرير وتصريحاته المتتالية منذ تحمله المسؤولية، لذلك، يجب عليه التعامل مع الحدث بموضوعية، وفتح حوار جدي مع ممثلي المحامين مهنياً وجمعوياً، ليتحمل كل طرف مسؤوليته بشفافية ووضوح، بدل السعي إلى"الانتصارات اللفظية)" التي لا تخدم الصالح العام، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
 
ذ/جـلال الطاهــر، محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء