يعرف أهل الاختصاص الطبي أن من بين أسباب السكتة القلبية هو النقص الحاد للأوكسجين الناجم عن ضيق في الشرايين، مما يسبب اضطرابا في دقات القلب، وهو ما يقود إلى رجفان بطيني أو إلى صمت قلبي. وقبل السكتة القلبية، قد يصاب الشخص بإغماءات بين الفينة والأخرى..
منير الكتاوي
تعد هذه الحالة الطبية أقرب إلى الحالة السياسية لحزب الاتحاد الاشتراكي، ومع ذلك فإن عددا من مناضليه، يعتبرون الضربات المتتالية هي من باب تقويته، والتي تعددت أشكالها طيلة 50 سنة الماضية المتتبع لمسار حزب الاتحاد الاشتراكي خلال الفترة الأخيرة، سيقف بلا شك على ما يعترض حزب القوات الشعبية من مواقف تجعله قاب قوسين أو أدنى من السكتة القلبية، ولن يكون آخرها طبعا، ما خلفه قرار اللجنة الإدارية للحزب بشأن تغيير أحمد الزايدي بحسناء أبو زيد في رئاسة الفريق الاتحادي، حيث أصبح الفريق الاتحادي، برأسين، وكل رأس بجسد، مما يكاد يدق المسمار في نعش لسان الحزب التشريعي. والغريب أن كل طرف يستند في دعواه بنصوص قانونية، سواء من القانون الداخلي لمجلس النواب في تشكيل الفرق البرلمانية وانتخاب رؤسائها، أو من خلال النصوص الداخلية المنظمة للعلاقات البينية داخل حزب الاتحاد الاشتراكي. وهو ما وضحه لنا، فتح الله الرمضاني، عضو الحزب في المنطقة الشرقية، بالقول: «إن هذا النوع من الصراع الداخلي يجد في فراغ المساطر التي يمكنها الحسم فيه وتوجيهه ديمقراطيا متنفسا ليصبح فعلا نضاليا وسلوكا داخليا عاديا». في حين يراه آخر، تحفظ عن ذكر اسمه، أن اتجاه لشكر نحو اللجنة الإدارية لتجميد عضوية أحمد الزيدي وعبد العالي دومو، مع إحالتهما على المكتب السياسي «باعتباره المختص لمتابعتهما من أجل الأفعال التي اقترفاها تجاه حزبهما وفريقه البرلماني..»، يعد سابقة في تاريخ هذا الحزب الوطني، مما يوضح حسب نفس المصدر، أن الأمور تسير في اتجاه خاطئ.. قرار وصفه أحمد الزايدي «بأنه مفتقد للشرعية، وارتباك سيدفع إلى مستويات خطيرة، قد تعصف بمصداقية اللجنة الإدارية في تدبير الشأن الحزبي».. واصفا غريمه لشكر بأنه «نهج الإقصاء والتنحية وقمع كل رأي مخالف». بالمقابل استنكر لشكر، الكاتب الأول للحزب، في لقاء اللجنة الإدارية، ما اعتبره «مؤامرات ودسائس تحاك ضد الحزب تأتي من أشخاص محسوبين عل حزب القوات الشعبية، يراد منها الفصل بين الحزب وفريقه في المؤسسة التشريعية». هي إذن اتهامات متبادلة بين أطراف داخلية في حزب الاتحاد الاشتراكي، تبين بالملموس الجوانب التالية:
- وضعية الحزب غير مطمئنة، فإن لم تكن أزمة عابرة فهي قد تكون بوادر انهيار محتمل. وهي البوادر التي ليست وليدة نتائج المؤتمر الوطني التاسع، وإنما أوضاع تجتر من دخول الحزب في تجربة التوافق مع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وما نتج عنها من انتقال من معارضة شرسة لها رمزيتها الشعبية إلى حكم قلص من رمزية «الوردة» المعنوية، وهو ما ظهر بشكل جلي في قطاعاته الموازية، الطلبة، الشباب، المرأة، النقابة، المجتمع..
- لا معنى لصراع القبضة الحديدية، بين رمزين اتحاديين، وصل بهما الأمر إلى شخصنة الصراع، يصفه أحد الاتحاديين بـ «صراع مبني على التعنت والتماهي مع النزعات الشخصية ومحاولة فرض اختيار ضدا على توجه اختيار، وما يجعل هذه الاختيارات غير شريفة أنها تحكم دائما بالتهافت نحو تقلد المسؤوليات فقط».
- يلاحظ أن كل هذا bras de fer يسير برأسين سياسيين، في حين يتوارى صوت الحكمة والعقل للوراء. ففي الوقت الذي كانت أسماء من قبيل محمد عابد الجابري، ومحمد جسوس، ومحمد لحبابي.. تشكل واقيات ضد أي شخصنة للصراع الداخلي الاتحادي، لوحظ أن الحزب يعيش اليوم تبعات تفريغه من الأطر الفكرية والمثقفة، وفتح الباب لأشخاص كان يعتبرهم بالأمس القريب سماسرة الانتخابات وأعيان..
- تبعا للنقطة أعلاه، فالحزب يعيش اليوم نوعا من الترهل المجتمعي، إذ أصبح يعيش منقطعا عن محيطه الخارجي، مادام أن الحزب نفسه في السابق كان له إشعاع نقابي واجتماعي وجامعي.. تحول اليوم لحزب مقلم الأظافر بدون أنياب. حزب يصفه البعض بالحريري والمخملي، إذ لا يختلف عن وضع أحزاب كان يصفها بالدكاكين الانتخابية، ومع ذلك لم تعد مرجعيته الفكرية تنتج، ولا آلته الانتخابية تشتغل.
- أين تكمن بصمة حزب الاتحاد الاشتراكي اليوم في الحياة العامة؟ أليس حريا بأن يعلن القائمون عليه بأنهم فشلوا في استرجاع شعلته وجذوته؟ هل ضم أحزاب «يسارية» يعني أنه فعلا حقق حلم الأسرة اليسارية؟ أين هي أحزاب الطليعة والنهج والاشتراكي الموحد؟ حتى لو وصفت هذه الأحزاب بأنها «صغيرة» تنظيميا، فلا يمكن نكران حضورها الوازن في النقابات وهيئات المجتمع المدني؟ ما هي علاقة حزب «الوردة» بهذه الأحزاب؟ l بالمقابل، ألا يمكن القول أن حزب القوات الشعبية يتعرض اليوم لأعنف ضربة طوال تاريخه على مدى 50 سنة؟ وإلا كيف يمكن تفسير تزامن هذه الضربات مع ما يتلقاه حزب الاستقلال بدوره (انقسام في صفوفه، تصدع فريقه الحكومي السابق، هزيمته في رئاسة مجلس النواب..). بمعنى آخر، هل نعيش اليوم اتجاها نحو تبني نظام الحزب الوحيد، أو الاتجاه الوحيد، بأشكال أخرى؟ هل الأمر يتعلق بتصفية أحزاب الحركة الوطنية؟ l ثم لماذا يحاول البعض استعمال «ريتروفيزور» في تحليله للوضع؟ أليست الواجهة الأمامية أكثر اتساعا للرؤية؟ لماذا ينبغي الاستمرار في اعتبار حزب عبد الرحيم بوعبيد، مرتبطا بالماضي فقط؟ ألا يمكن الحديث عن تطورات جديدة طرأت على المشهد السياسي المغربي، ولم يعد لا الحزب ولا المنظومة السياسية القائمة يشكلان تناقضا وجب الإطاحة بأحدهما ليبقى الآخر.