الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

مليكة الزخنيني: مسار علاقة معقدة في ضوء كتاب "البرلمان وحقوق الإنسان" للباحث عبد الرزاق الحنوشي

مليكة الزخنيني: مسار علاقة معقدة في ضوء كتاب "البرلمان وحقوق الإنسان" للباحث عبد الرزاق الحنوشي مليكة الزخنيني وغلاق كتاب "البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات"
صدر مؤخرا كتاب: «البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات» للباحث عبدالرزاق الحنوشي، وقد حظي المؤلف باهتمام لافت عكسته اللقاءات المتعددة التي نظمت في عدة مدن (نحو 20 لقاء في ظرف أربعة أشهر)، وكذا القراءات النقدية والتحليلية التي أنجزتها العديد من الفعاليات الأكاديمية والحقوقية. وسبق لنا في «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» أن نشرنا بعضها. ومواكبة للدخول الثقافي الجديد، نواصل نشر مساهمات جديدة. في هذا العدد ننشر مساهمة مليكة الزخنيني، أستاذة جامعية ونائبة برلمانية.
 
يكون مبعثا للسعادة المشاركة في يوم دراسي حول كتاب "البرلمان وحقوق الإنسان، مرجعيات وممارسات" للأستاذ عبد الرزاق الحنوشي؛ المولود الجديد الذي أغنى المكتبة الوطنية في شق الكتابات في دور البرلمان بمجلسيه، في تعزيز حقوق الإنسان، خاصة مع شح النشر، وأزمة الكتاب والكتابة على حد سواء، وضعف توثيق التجارب العملية في هذا المجال.
وتحضر أهمية التجربة العملية في هذا السياق، لأنه لا يمكن الحديث عن الأستاذ الحنوشي دون ربط اسمه بالنضال الحقوقي الهادئ في البلد ضمن فعاليات المجتمع المدني، ودون تعريفه كإطار في البرلمان؛ أي دون الإشارة إلى مسار مهني في قلب المؤسسة التشريعية، يتفاعل مع مسار مهني في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ونشاط حقوقي في العديد من الجمعيات، ومبادرة فعالة في العديد من الديناميات.
وبذلك أهنئ الأستاذ الحنوشي على هذا المولود الجديد وأتمنى له مسارا بحثيا موفقا في هذا المجال.
هذه المداخلة هي بعنوان" البرلمان وحقوق الإنسان: مسار علاقة معقدة على ضوء كتاب الأستاذ الحنوشي"، فلماذا علاقة معقدة؟ ولماذا الاستنارة بكتاب ذ الحنوشي؟
أولا-  لماذا الاستنارة بكتاب 
ذ الحنوشي؟
ببساطة لأن الأمر يتعلق، في تقديري، بكتاب مهم جدا حاول كاتبه أن ينقل لنا حصيلة سنوات من العمل المباشر على سك علاقة بين حقوق الإنسان والممارسة البرلمانية. وهي المحاولة التي توسلت بلغة سلسة سهلة وفي متناول القارئ، بأسلوب بيداغوجي  يتيح له العبور بين مباحث الكتاب وفقراته دون عوائق، بما يجعله بعبارات ذة. مروازي "دليلا لجميع الفاعلين لتعزيز المعرفة بمجال حقوق الإنسان ويتيح مرجعا يقدم ترصيدا عمليا للاختصاصات الموكولة للبرلمان" من خلال تجربة الولاية التشريعية العاشرة. 
وبذلك، يمكن اعتبار كتاب ذ. الحنوشي مرجعا لكل برلماني، كقارئ من نوع خاص، لأنه يقدم، في تركيبة فريدة فعلا وبأسلوب مركز ،ألفبائيات العمل البرلماني، وهو الذي يعرف البرلمان في ص: 65 من الكتاب على أنه "هيئة ذات سيادة تتألف من خلال انتخابات عادلة  وحرة ونزيهة لكفالة حكم الشعب ويمثل مؤسسة رئيسية في الديمقراطية بوصفه الهيئة المختصة بالتشريع وبالمراقبة المستمرة لسياسات وإجراءات السلطة التنفيذية ويؤدي أيضا دورا رئيسيا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان"، وبالتالي يحتاج المنتسب لهذه المؤسسة حدا أدنى من الإلمام بمنظومة حقوق الإنسان، وتطورها، وأفق تعزيزها، لكن الإشكال أن عماد المؤسسة التشريعية هو عنصر بشري يحوز الثقة الشعبية التي لا تغني عن التوفر على ثقافة حقوقية تجعل هذه المؤسسة تنهض بالأدوار الموكولة إليها، ما دام وجود هذه المؤسسة، في حد ذاته، يشكل تمظهرا لممارسة الإنسان لعدد من حقوقه وعلى رأسها حقه في الاختيار والتعبير كما يشكل وجودها حجر الزاوية في الديمقراطية وحقوق الإنسان لأن "الديمقراطية ليست مجرد مجموعة من القواعد الإجرائية لتشكيل وممارسة السلطة السياسية ولكنها تعتبر أيضا، إلى جانب حقوق الإنسان، طريقة للحفاظ على كزامة الأشخاص وتعزيزها" (ص:64).
وبذلك فالبرلماني من خلال هذا الكتاب، سيتوفر على مرجع أساسي يلخص السياق التاريخي لحقوق الإنسان والمرجعية الدولية والآليات الأممية والإقليمية لحقوق الإنسان كما يستعرض التجربة الوطنية في تفاعلها مع المعطى الدولي في هذا الباب، مما يجعل من الكتاب محاولة ووسيلة لتأهيل البرلماني للاضطلاع بدوره في التشريع والرقابة والتقييم من باب العارف الملم لا الموجه المنساق.
بهذا الصدد يقدم الكتاب متنا إحصائيا مهما يمكن اعتماده كدعامة لقراءة منجز المؤسسة التشريعية خلال الولاية التشريعية العاشرة (التي لا بد من التذكير بأنها ولاية فريدة، ولاية ثانية بعد دستور 2011، الولاية التي "علقت" فيها الحقوق والحريات بفعل الجائحة)  سواء ما تعلق في هذا المنجز بمشاريع القوانين المتدارسة، أو الأسئلة الكتابية والشفهية، أو لجان تقصي الحقائق (التقاعد – النفايات الصلبة) أو المهام الاستطلاعية (7 سجون مستشفيات).
كما يشير الكتاب أيضا إلى البعد الدولي للعمل البرلماني من خلال الدبلوماسية البرلمانية على اعتبار حقوق الإنسان اليوم تسمح بربح مساحات مهمة على المستوى الدبلوماسي وتساعد بالتالي على التموقع الجيوسياسي للبلد مما يجعل من تبنيها اليوم خيارا استراتيجيا للمغرب يتيح له التموقع بشكل أفضل دوليا.
يعكس كتاب ذ الحنوشي، ربما بفعل الممارسة والتواجد في منطقة التماس أو التقاطع بين الممارسة التشريعية والحقوقية، قلقا وانشغالا بشأن المعادلة بين المهام المنوطة بالبرلمان من جهة، وضرورة النهوض بمنظومة حقوق الإنسان من جهة ثانية، والتي تحتم إلماما بقضايا ومرجعيات حقوق الإنسان، بالالتزامات الدولية التي يجب على الدولة الوفاء بها والتي تستدعي هي الأخرى تعاونا بين المؤسسات العاملة في المجال والمؤسسة التشريعية. 
وعلى رأس هذه المؤسسات ذات الطبيعة الخاصة، المؤسسة التي عمل الكاتب مديرا لديوان رئيسها، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي حاول الكاتب الإحاطة بالإطار القانوني المنظم لعلاقته بالبرلمان، ومساحات العمل المشتركة بين المؤسستين لتجويد الإطار القانوني لممارسة الحقوق والحريات في المغرب عبر إنضاج النقاش في مختلف القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان وإبداء الآراء الاستشارية المختصة والانسجام مع الالتزامات الدولية للبلاد كتاب ذ الحنوشي إذن لحظة تقييمية لآداء المؤسسة التشريعية خلال الولاية العاشرة في الجانب المتعلق بحقوق الإنسان في المغرب. والمرجع الذي تم وفقه التقييم هو الإطار المرجعي لمنظومة حقوق الإنسان في أبعاده الدولية والإقليمية والوطنية، توَّجَه الكاتب بصياغة مجموعة من التوصيات لمعالجة الاختلالات التي رصدها.
ثانيا- في تعقد العلاقة بين البرلمان وحقوق الإنسان:
عادة ما يرتبط الحديث عن منظومة حقوق الإنسان بتقويض سلطة الدولة، في احتكارها للعنف المشروع، وقيامها على حفظ النظام العام، بما لا يجعلها تنتهك الحقوق اللصيقة بالإنسان التي تعكس هويته كإنسان. ومن جهة ثانية، يرتبط الحديث عن البرلمان بالحديث عن سلطة التشريع أي تنظيم العلاقات في المجتمع، سواء علاقة الأفراد ببعضهم البعض أو في علاقة الأفراد بالدولة. ومن أهم مجالات التشريع التي يضطلع بها مجال الحقوق والحريات الواردة في الدستور (ف71 من الدستور)، إضافة إلى سلطته في مراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية (ف 70 من الدستور)، بما يجعل البرلمان في قلب المؤسسات المنوط بها تحصين حقوق الإنسان في البلاد والنهوض بها وتعزيزها. 
غير أن مسار العلاقة بين البرلمان وحقوق الإنسان قد طبع لعقود بما أسماه الحنوشي -نقلا عن بنعثمان- "إحجاما ذاتيا"  من البرلمان عن اتخاذ مبادرات في مجال التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان" (ص: 16)، وهي المؤسسة التي تمثل الشعب ويفترض فيها السهر على احترام الحريات وتكريسها، وحفظ الحقوق وتحصينها وحماية العدالة في المجتمع من خلال مقترحات القوانين، والأسئلة الشفوية والكتابية المرتبطة بميدان حقوق الإنسان، والمهام الاستطلاعية للوقوف على الخروقات المرصودة، ولجان تقصي الحقائق في الوقائع الماسة بحقوق الإنسان...
غير أن هذا "الإحجام الذاتي" عن التناول المباشر لقضايا حقوق الإنسان في المغرب، لم يكن ليخرجها جملة وتفصيلا من دائرة اشتغال البرلمان، إذ إن دوره في المصادقة على قوانين المالية وإقرار الميزانيات الفرعية للقطاعات المختلفة مثلا يستوعب "كل أنواع الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية" (ص: 17)، فهل يكفي مثل هذا التأويل لفهم علاقة البرلمان بحقوق الإنسان؟ 
يصر ذ. الحنوشي على النبش في هذه العلاقة بعمق، ربما إيمانا منه بأن فعلية حقوق الإنسان تمر أولا عبر الفعل التشريعي الذي يؤطر ويشرعن ممارستها. ولأن الفعل التشريعي الوطني يرتبط بالدرجة الأولى بالتزامات المغرب الدولية (على اعتبار حقوق الإنسان، من حيث المرجعية والآليات، دولية بالأساس)، فإن تنزيلها لا يمكن أن يتم إلا عبر توطين مضامينها وطنيا من خلال توفير الضمانات القانونية الضرورية لحماية الحقوق وصون الحريات. وهذه الضمانات والحقوق لا يمكن إنتاجها خارج الآلة التشريعية الوطنية التي تستدعي الأدوار المختلفة للمؤسسة التشريعية: التشريع والمراقبة والتقييم.
ولعل هذا "الإحجام الذاتي" للبرلمان عن مناقشة قضايا حقوق الإنسان راجع إلى النظرة التقليدية لاختصاص جهات أخرى في هذه المادة يلخصها ذ. حنوشي قائلا:" ...غير أن الأمر اتجه إلى تكريس دور الحكومات، كفاعل أساسي، أعقبها بروز دور المنظمات غير الحكومية لإحداث نوع من التوازن، ثم بعد مؤتمر الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في فيينا سنة 1993 واعتماد مبادئ باريس، وجدت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، مكانة لها داخل هذه المنظومة، وأصبحت طرفا ثالثا" (ص: 45).
غير أن هذا الواقع سيتحلحل مع النقاش الدولي حول "إسهام البرلمانات في منظومة حقوق الإنسان"، وهو النقاش الذي يعود بنا إلى أربعينيات القرن الماضي في إطار التحضير لوثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث كانت أصوات تنادي ب"مشاركة البرلمانات كممثل شرعي وأصيل في كل ما يتصل ببناء المنظومة الدولية لحقوق الإنسان" (ص: 45) ويفرض نفسه مع تقرير المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي والمقدم صيف 2018 في الدورة 38 لمجلس حقوق الإنسان  حول "إسهام البرلمانات في أعمال مجلس حقوق الإنسان والاستعراض الدوري الشامل" والذي كان من أهم استنتاجاته اعتبار البرلمانات "هي الجهات الفاعلة الأساسية في مجال حقوق الإنسان" (ص: 46)، و"حلقة وصل بين السياسات الدولية والوطنية لحقوق الإنسان" (ص: 47)، مما يستدعي العمل على إحداث لجنة برلمانية لحقوق الإنسان عوض أن تبقى هذه الحقوق ذات صبغة قطاعية ضمن اختصاصات لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في البرلمان، لتصبح البرلمانات رابع الأطراف الفاعلة في مجال حقوق الإنسان (أو أحد الأربعة إذا أردنا إعادة ترتيبهم حسب مساحات الفعل المنوطة بكل واحد منهم)، إن وطنيا أو دوليا.
ويوفر كتاب "البرلمان وحقوق الإنسان" لصاحبه ّذ. الحنوشي مرجعا مهما للمادة الإحصائية حول حصيلة عمل البرلمان خلال الولاية العاشرة في مادة حقوق الإنسان سواء ما تعلق بالتشريع إما عبر مقترحات أو مشاريع القوانين، أو ما تعلق بالأسئلة بشتى أنواعها أو المهام الاستطلاعية أو لجان تقصي الحقائق. كما حاول الكتاب تغطية القضايا الأخرى المثارة في رحاب البرلمان خاصة النقاش حول عقوبة الإعدام وغيرها، إضافة إلى مجموعة ملاحق منتقاة بشكل يجعل دفتي الكتاب حاملا supportمتكاملا وميسرا لكل راغب في فهم هذه العلاقة "المعقدة" بين البرلمانات وحقوق الإنسان في علاقة المد والجزر، لكن الثابت فيه هو "الحضور" بحكم "الواقع" للبرلمان في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، والذي يمضي نحو المأسسة من أجل حضور فعال، يقترح من أجله ذ. الحنوشي مجموعة من التوصيات في خاتمة الكتاب؛ تمثل أفق الاشتغال من أجل تعزيز الممارسة الاتفاقية للمغرب والإجابة على مجموعة من القضايا المطروحة اليوم والتي تستدعي التفاعل معها كحقوق ناشئة، مع ضمان الحسم مع احترام الحقوق والحريات التقليدية، بل ويشكل دليلا لكل برلمانية وبرلماني يهتدي به في مجال حقوق الإنسان.