الأحد 23 فبراير 2025
سياسة

نشطاوي: تآكل الوجود الفرنسي يعود إلى الاستياء من سياساتها التي تسببت في الحروب والدمار بالقارة الإفريقية

نشطاوي: تآكل الوجود الفرنسي يعود إلى الاستياء من سياساتها التي تسببت في الحروب والدمار بالقارة الإفريقية محمد نشطاوي
يرى د. محمد نشطاوي، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن العديد من الأسئلة أصبحت تطرح  حول تآكل الوجود الفرنسي في القارة الإفريقية. وأشار نشطاوي في حوار مع "أنفاس بريس" وأسبوعية "الوطن الآن"، بأن علاقات فرنسا بإفريقيا ظلت مطبوعة بنوع من الأبوية السياسية والاقتصادية والثقافية، إلى جانب عدم رضا البلدان وشعوب هاته المنطقة بأن تبقى فرنسا اللاعب الوحيد الذي لم تستفد منه هاته البلدان، بل في أحيان كثيرة يكون الغضب من الوجود الفرنسي مرتبط بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا.
 
 
ما هي أسباب تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا، اذا استحضرنا نموذج مالي، وهل يعود هذا التآكل الى العقلية الكولونيالية لفرنسا أم إلى بروز قوى أخرى في القارة الإفريقية؟ 
بالفعل أصبحت تطرح أسئلة حول تآكل الوجود الفرنسي في القارة الإفريقية، وأظن أن هناك ارهاصات لهذا التآكل، أهمها سحب قوات باراخان الفرنسية من مالي والتي ظلت ترابط فيها لأزيد من 9 سنوات، ثم كذلك الانقلاب الذي شهدته بوركينافاصو، الى جانب المطالب الشعبية في عدد من البلدان بضرورة انسحاب فرنسا من هاته الدول. انسحاب جاء ليمثل خطوة على هذا التراجع في إفريقيا، البعض يربطه بفشل مهمتها في مالي والتي جاءت لغرض القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة، لكن البعض يرى أنها تمول جماعات أخرى ضدا في حكومات بعض البلدان خصوصا مالي، لكن الغريب في الأمر أن قوات باراخان الموجودة في مالي انسحبت وتركت أكثر من نصف مساحة البلاد تحت سيطرة الجماعات المسلحة، بل أكثر من ذلك تركت مالي وسلطاتها الرسمية معادية لفرنسا، صحيح أن العلاقات بين فرنسا وهاته البلدان مطبوعة بنوع من الأبوية السياسية والاقتصادية من حيث فرض اللغة الفرنسية كلغة للتعليم في عدد من البلدان، من حيث فرض نوع الاستعمار الثقافي، من حيث فرض التعامل بالفرنك الفرنسي الذي تتم طباعته وتحديد قيمته الشرائية في فرنسا، من حيث السيطرة على البلدان الإفريقية في عدد من المجالات، خصوصا الثروات المعدنية وكذلك قطاعات مهمة تجعل من فرنسا تمسك بخيوط اللعبة السياسية والاقتصادية والثقافية في هاته البلدان، كما لو أن هذا الأفول الفرنسي يرتبط أكثر بتصرفات فرنسا وقراراتها، وعدم رضا البلدان وشعوب هاته المنطقة أن تبقى فرنسا اللاعب الوحيد الذي لم تستفد منه هاته البلدان، بل أكثر من ذلك فالسياسة الفرنسية في منطقة الساحل وفي إفريقيا برمتها تجعل من فرنسا دولة غير مرغوب فيها، بل أكثر من ذلك، أحيانا كثيرة يكون هذا الغضب مرتبط بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا، مثلا غارة الطيران الفرنسي على عرس في قرية بونتي وسط مالي والذي أدى الى مقتل أزيد من 100 مدني، كما أن البعض يشير إلى أن الوجود الفرنسي بدأ يتآكل بالنظر الى ظهور فاعلين ولاعبين آخرين مثل روسيا والصين وتركيا، وأظن بأن روسيا كانت موجودة في القارة الإفريقية من الخمسينيات من القرن الماضي، حيث دافعت الثورة البولشفية في عهد الاتحاد السوفياتي عن تقرير المصير ودافعت عن إفريقيا بدون استعمار وبدون استغلال، وتحاول روسيا في الآونة الأخيرة أن يكون لها موطئ قدم في القارة الإفريقية عبر استراتيجية الشواطئ الإفريقية، أي العمل على التواجد في الموانئ الإفريقية  وبناء قواعد عسكرية وأن تكون لها حصص من موارد القارة الإفريقية.
الفاعل الثاني هو الصين، وقد حاولت نهج طريقة أخرى عبر ما يسمى القوة الناعمة من خلال الشراكة الاقتصادية وتقديم المساعدات، وأصبحت شريكا قويا لإفريقيا، بل أكبر شريك قوي للقارة الإفريقية، وهناك العديد من الشركات الصينية التي تعمل في القارة الإفريقية وتمول العديد من البلدان الإفريقية، خصوصا من خلال منتدى التعاون الصيني – الإفريقي، بل أكثر من ذلك أصبحت للصين قواعد عسكرية في عدد من البلدان، وأصبحت اللغة الصينية منتشرة بعدد من المناطق.
الفاعل الثالث والجديد هو تركيا، التي بدأ يتزايد نفوذها وتحاول قدر الإمكان أن يكون لها موطئ قدم في القارة الإفريقية من خلال المشاريع الاقتصادية والتجارية، حيث تحاول الشركات التركية أن تكون لها عقود شراكة مع عدد من البلدان الإفريقية على حساب النفوذ الفرنسي.
 
ما هي تداعيات التحولات الجيوسياسية على النفوذ الفرنسي، على سنشهد تمردات أخرى على النفوذ الفرنسي على غرار ما حدث بمالي؟ 
بالفعل فالتحولات التي يعرفها الوجود الفرنسي قد يكون له تأثير بقعة الزيت بأن ينتشر في عدد من البلدان على غرار ما وقع في مالي، خصوصا في ظل نوع من الاستياء بخصوص السياسة التي تقوم بها فرنسا لأن البعض يرى بأن الأنظمة السياسية التي لا تتجاوب مع المطالب والسياسات الفرنسية تصبح غير مرغوب فيها، وتكون هناك انقلابات بدعم فرنسي، كما يثار حاليا بالنسبة لبوركينافاصو، لذلك هناك تذمر في عدد من البلدان من الوجود الفرنسي ومن سياساتها واستراتيجيتها في القارة الإفريقية، خصوصا وأن هذا النفوذ الذي تجاوز أزيد من 70 سنة ، لم يخلف سوى الجهل والفقر والدمار والحروب الأهلية في عدد من المناطق، خصوصا بلدان غرب إفريقيا والتي توجه إليها الاستراتيجية الفرنسية من حيث الاستغلال، والعمل على ضرب التنمية والاستقرار وحتى الديمقراطية في هاته البلدان .
 
إذا استحضرنا العمق التاريخي للعلاقات المغربية – الإفريقية، كيف يمكن للمغرب استثمار التراجع الفرنسي لتحقيق مزيد من المكاسب بالقارة الإفريقية؟  
أظن بأن المغرب يمكن ان يستفيد من تآكل النفوذ الفرنسي، رغم عدم رضا فرنسا وشركاتها ورجالاتها من تزايد هذا النفوذ، لكن الكل يعلم وخصوصا الأفارقة بأن الوجود المغربي هو من أجل ولصالح ومع الأفارقة، وأن سياسة رابح / رابح هي الأساس للتعاون والشراكة، فقد جربوا فرنسا لعشرات السنين وكان المآل هو الدمار المتزايد للقارة الإفريقية ولشعوبها، وغياب التنمية كان هو السبب في هجرة الأفارقة الى فرنسا والقارة الأوروبية، وأظن بأن المغرب أبان من خلال سياساته، ومن خلال شراكاته ومن خلال تواجد شركات في عدد من البلدان في القطاع الصناعي والفلاحي والمصرفي والمالي، بل حتى المجال الديني، وأعتقد أن الشراكات مهمة جدا، فهناك تكوين للضباط، وتكوين للأئمة، وهناك تكوين للطلبة والمهندسين في المغرب في مجالات كثيرة، وهناك منح تعطى للأفارقة من أجل الدراسة في المغرب، وهناك شراكات مثمرة في عدد من المجالات. اذا فالشراكة المغربية – الإفريقية مهمة للأفارقة لأنها شراكة تبدأ من اهتمامات ومشاغل وحاجيات القارة الإفريقية إلى المستقبل والتنمية والشراكة الدائمة بالنسبة للمغرب والبلدان الإفريقية.
 
د. محمد نشطاوي/ أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش