السبت 20 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: "تبون أكد منذ توليه كرسي الرئاسة "العقيدة الجزائرية" المعادية للمغرب" (4)

الطيب دكار: "تبون أكد منذ توليه كرسي الرئاسة "العقيدة الجزائرية" المعادية للمغرب" (4) الطيب دكار يتوسط عبد المجيد تبون (يمينا) وعبد القادر مساهل (يسارا)
يُبَيِّنُ الطيب دكار، المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالجزائر، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لم يفعل شيئا يذكر، بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة، إلا تجديد الموقف التقليدي لبلاده من قضية الصحراء، داعيا، في بداية ولايته، إلى عدم الخوض في هذه القضية  بخصوص العلاقة الثنائية بين المغرب والجزائر.
وتابع أن تبون اعتبر قضية الصحراء "قضية تصفية استعمار معروضة على الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي"، كما أوضح في إحدى خطبه بمناسبة تنصيبه، داعيا في الوقت نفسه، إلى سياسة لـ"حسن الجوار" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية" للدول الأخرى.  حيث شدد على أن بلاده لن تحيد عن "واجبي التضامن وحسن الجوار"، مجددا التأكيد على "رفض الجزائر التدخل في شؤون الدول الأخرى والتصدي بكل قوة لكل محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية". كما قال إن "الجزائر مجبرة كدولة جارة ومعنية بالأزمة الليبية أن يكون لها موقف معين ولكنها أيضا مضبوطة بمرجعيتها في حل الأزمات".
وينبه دكار إلى أن تبون، رغم هذا الكلام الذي لا يمكن إلا القبول به ما هو إلا تصريحات للاستهلاك العمومي، وأن "العقيدة الجزائرية" لها فهم خاص لـ"حسن الجوار" الذي لا يندرج المغرب ضمن المعنيين به، فيقول: "يجب أن نذكر هنا أن وكالة الأنباء الجزائرية نشرت قائمة برقيات التهنئة الموجهة إلى عبد المجيد تبون، ومن بينها برقية جلالة الملك، متبوعة ببرقية رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وهكذا أعلن الرئيس المنتخب استمرار السياسة الخارجية التي تنهجها الجزائر تجاه المغرب، والحقيقة أن ليس هناك أي تغيير في نوايا الجزائر، بل إن الأمر مجرد لتغيير للأشخاص".
وذهب مؤلف كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب": لقد أرسلت الجزائر عدة إشارات إلى المغرب، تفيد بأن الجارة الشرقية غير مستعدة لتغيير سياستها الخارجية تجاه المملكة، وأن "الوضع الحالي" الموروث عن مرحلة بوتفليقة، قد يظل قائما لوقت أطول، إلا إذا وقعت معجزة ما". 
"فبينما كان الشعب المغربي يأمل بمناسبة الرئاسيات الجزائرية، في انطلاق مرحلة جديدة من الجوار مع الجزائر، ضاعفت هذه الأخيرة، بعد أيام قليلة، من اعتداءاتها ضد المملكة، وقد أتى الاعتداء الأول من الرئيس الجزائري الجديد الذي ينبغي القول إنه لم يفاجئ المغاربة في خرجته الجديدة، ما دام أن سبق أن عبر عن كلام من اللون نفسه في حملته الانتخابية"، يقول الطيب دكار.
واستغرب دكار من كون المسؤولين الجزائريين، المنحدرين من غرب البلاد، أي من المناطق الحدودية مع المملكة المغربية يبدون عداء متأصلا تجاه المغرب، ومن بينهم بوتفليقة الذي شب وترعرع في وجدة، فضلا بومدين الذي عاش في المغرب في مرحلة معينة، وبن بلا، بل أيضا عبد القادر مساهل الذي يقال إنه ينحدر من بشار (المنطقة التي كانت تقع قديما تحت مسؤولية المغرب) رغم أنه ولد بتلمسان. هذا الأخير سبق له، في لقاء مغاربي لوكالات الأنباء بالجزائر الذي نشطه الجوق الأندلسي، وكنت أنذاك مديرا لوكالة المغرب العربي للأنباء، يقول الطيب دكار،  أن اتجه صوب الجوق ليطلب منه أن يغني "الزين الفاسي"، وهي أغنية مغربية معروفة. وفي نهاية اللقاء سألته حول هذا الموضوع، فأجابني إن الموسيقى الأندلسية المغربية تجري في عروقه. وهنا، يمكنكم أن تقولوا إن الأحاسيس شيء، والقناعات السياسية شيء آخر".
وتابع المؤلف: "في رأيي، كل تغيير في الجزائر ينبغي أن يمر عبر دمقرطة هذه البلاد، وإقامة نظام سياسي شفاف يعيد الجيش إلى مكانه الطبيعي، كما هو الشأن في تركيا، ويحترم حقوق الإنسان والحريات، ويسمح بنقاش حر حول السياسة الخارجية الجزائرية، والتزام هذا البلد نحو البوليساريو".
وخلص المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالجزائر، والذي يعرف عن قرب حقيقة السياسة الجزائرية إلى أننا "بعيدون عن هذا الهدف، ما دامت الانتخابات الرئاسية قد مددت العهدة للنظام القديم الذي بعث من جديد. كما أن جميع مخططات التدبير السياسي والاقتصادي الجزائري انهارت، غداة أحداث 5 أكتوبر 1988، بما فيها نظام الحزب الوحيد، والاقتصاد الموجه، وحرية الصحافة (حرية التعبير)، رغم أن المخلفات المتراكمة للإرث القديم ما تزال قائمة، باستثناء الديبلوماسية. فقد استمرت الجزائر في محاربة المملكة على المستوى الديبلوماسي، دون هوادة، لأن قضية الصحراء ظلت مطروحة، وتثير مرارا المشاكل بين البلدين، ما دامت التوجهات متعارضة تماما ومختلفة".
وتابع: "لم يستمر التقارب الذي انطلق في 1988 طويلا، ليس فقط بسبب قضية الصحراء، بل لأن الجزائر كانت غارقة في الحرب الأهلية، طوال عشرية كاملة، وتتهم المغرب بدعم الحركة الإسلامية المسلحة. خلال هذه الفترة القصيرة (من 1988 إلى 1992)، لم تبن جسور الحوار مع الجيش الجزائري، رغم الحماس الذي أعرب عنه هذا الطرف أو ذاك، بسبب التطبيع. فترسيم الحدود، الذي كان قضية عسكرية بين البلدين، كان  يمكنه أن يكون فرصة لربط الاتصال مع الجهاز الأبكم الجزائري. وكان على الخبراء العسكريين من كلا البلدين، بمقتضى الاتفاقية المبرمة بين البلدين، القيام بزيارات ميدانية، لعدة أشهر، والمضي قدما في ترسيم الحدود. لقد كانت تلك فرصة للقاء بين الضباط السامين من كلا البلدين".
هكذا استمرت القطيعة، يقول الطيب دكار، وأبان الجيش الجزائري، لمن كان يشك في ذلك، حقيقة السلطة في الجزائر، وأن الرؤساء، مهما كانوا، يستخدمون كواجهة خارجية للجيش. مما يجعلنا ندرك أن جميع الخلافات بين البلدين مصدرها الجيش، ذلك أن أي تفاهم ممكن بينهما لن يكون ممكنا إلا إذا أحيلت الأجيال الجزائرية القديمة على المعاش.
فالجيش عارض بكل قوة أي تغيير عميق في الجزائر، للحفاظ على مصالحه ومكانته داخل البلاد، رغم أن الجزائر تتوفر على رصيد مهم من المثقفين، والأطر، وعلماء السياسة من المستوى الرفيع، والفنانين، وشباب قوي يعي التحديات المطروحة على بلده، والذي لا يحمل أي عداء للمملكة".
وانتهى صاحب الكتاب إلى أنه "طالما استمر هذا النظام السياسي العسكري في الجزائر، فلا توجد عمليا أي فرصة لرؤية تقارب بين الرباط والجزائر. ذلك أنه يبدو كما لو أن هذا النظام، من أجل استمراريته، يعمل على تغذية "العداء المقيت والمرضي للمملكة"، ولذلك "يجب أن ننتظر أن تسير الجزائر على طريق الديمقراطية حتى نرى تطبيعا حقيقيا، وهو التطبيع الذي بالتأكيد سيستغرق وقتا طويلا".