الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

خليل البخاري: واقع تدريس مادة التاريخ في مؤسساتنا التعليمية 

خليل البخاري: واقع تدريس مادة التاريخ في مؤسساتنا التعليمية  خليل البخاري
كيف حضر تاريخ المغرب في المنظومة والمناهج التربوية والمقررات المدرسية؟ وكيف هو واقع تدريس مادة التاريخ في مؤسساتنا التعليمية؟ وماهو دور  ومكانة  وقيمة كتب التاريخ  في تعزيز وتكريس الثقافة التاريخية  ونشر الوعي التاريخي لدى اجيال المستقبل؟ وهل البرامج والمناهج المرتبطة بمادة التاريخ راعت الجانب التاريخي  لبلادنا بطريقة خدمت حقا هذا التاريخ  وانصفته؟ ومن جهة أخرى،لماذا اغلب المختصين يجمعون على ان طريقة التعليم تجعل الثلاميذ ينفرون من مادة التاريخ لاعتقادهم انه حفظ فقط.
في الواقع ، معضلة المناهج التعليمية تكمن في طرق التدريس وليس في محتواها، مما جعل التاريخ يظل مجرد مادة ثانوية وهامشية خاصة لدى ثلاميذ الشعبة العلمية والتقنية والاقتصادية لا تلقى اهتمام الثلاميذ.
ان مادة التاريخ تمثل واحدة من المواد  ذات قيمة ومكانة  كبرى في المنظومة التربوية.  فهي تعكس جانبا مهما من مشروع المؤسسة التعليمية  والذي برتبط اساسا بالمجتمع والدولة.
لقد ظل التاريخ وسيلة اقناع سياسي وورقة إيديولوجية، حاول ان يكتسب شرعيته من خلال تاريخ نظام الحماية والاستغلال الاستعماري على المغرب  ونضال المغرب من اجل نيل الاستقلال ..وبالتالي ، نحن امام تاربخ رسمي غير منزه عن الخلفيات السياسية لكون مدارسنا ظلت لعقود طويلة تحث تأثير هذه الثنائية.
ان التوجه المدرسي في ملامسة المواضيع التاريخية سواء في مناهج مادة التاريخ او في المحتويات التاريخية التي تضمنتها ،يرتكز عادة على ابراز التاريخ المشرق والمضئ  والذي يعكس وجها مشرقا من صفحات  النضال الوطني في حين تغفل الوجه الآخر من التاريخ.
ان واضعي البرامج التربوية ومؤلفي المقررات المدرسية يخضعون عند صياغة المقررات الدراسية الى القوانين  التوجيهية للوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم  والتي تهدف الى تكوين متعلم منسجم مع ماضيه بعيدا عن اثارة المواضيع المتعلقة بما يمكن تسميته ب التاريخ الاسود.
لا ننكر ان مناهج التاريخ حاولت تقديم التاريخ المغربي بصورة بسيطة ومتسلسلة كرونولوجيا لكن الواقع يشير الى ان التاريخ في مدارسنا مسه الكثير من الهفوات   و ظل مجرد مادة  ثانوية  لا تلقى اهتمام الثلاميذ ..و ما يعكس ذلك هو المعامل الضعيف جدا coefficient المتدني لمادة التاريخ  والذي يتراوح بين 2و3 بالشعبة العلمية والتقنية والاقتصادية.  وقد سبق لاساتذة ماة التاريخ والجغرافية ان طالبوا والى الوقت الحالي بالرفع من المعامل عبر ملاحظاتهم في تقارير المجالس التعليمية لكن دار لقمان مازالت على حالها.  ان الرفع من المدة المخصصة لمادة الاجتماعيات  وكذا الرفع من معامل مادة الاجتماعيات ، كفيل في نظري  بٱلتفات التلاميذ والتلميذات  للتاريخ كمادة دراسية جاذبة وجعلها من الأولويات . كما على مدرسي ومدرسات مادة التاريخ العمل على المزاوجة بين التاريخ النظري الجاف والممل والتاريخ التطبيقي الميداني وذلك باخراج التلاميذ والتلميذات من الفصول الدراسية الى زيارة المتاحف والمٱثر التاريخية مثل وليلي، مزغان، ليكسوس،وغيرها.فٱتباع بعض الأساتذة طريقة التلقين  ساهم في تعميق الصور النمطية السلبية لمادة التاريخ هي من بين   طرق التدريس الكلاسيكية التي ظلت لصيقة بالتاريخ رغم ما تسوقه  له وزارة التربية والتعليم  من  محاولة إحداث ثورة  في اطار تحديث المنظومة  التربوية وطرائق التدريس. 
نحن اليوم بحاجةماسة الى اعادة حقيقية للتاريخ في مناهجنا التربوية بعيدا عما دونه المؤرخين الرسميين للدولة المغربية وهما : عبد الوهاب بنمنصور ، محمد المريني،  بما يتجه نحو تعميق روح  التساؤل وطرح الإشكاليات لا التلقين والتنزيه والتقديس. ولن يتحقق ذلك دون اعادة النظر في مناهجنا التربوية  وذلك باسناد مسؤولية صياغة البرامج التربوية واعداد المقررات الدراسية للكفاءات التربوية  وبمرافقة باحثين وجامعيين.
الى حدود الساعة لا زال التاريخ بعديد من مدارسنا  تلقينا  وسردا للأحداث.  وعلى الباحثين  في التاريخ ان يثقنوا تعليمية التاريخ   didactique  de l'histoire. 
لقد منحت البرامج التعليمية فضاءا واسعا لتاريخ بلادنا لكن العبرة  هنا ليست بالكم وانما بالكيف. فالمعضلة قي المناهج التاريخية هي طرق التدريس  وليس محتواها في الاساس.
يعتبر التاريخ المدرسي  مادة اساسية قي التكوين الفكري والمعرفي للتلميذ خلال كل الاسلاك التعليمية وذلك بتطوير وتنمية فكر التلميذ الإجتماعي  وتفعيل حسه  التاريخي  وتزويده بالادوات المعرفية والمنهجية  لإدراك اهمية الماضي في فهم الحاضر  والتطلع الى المستقبل  وتأهيله  كذلك كمواطن غيور على تاريخ وطنه لحل المشكلات التي يواجهها مستقبلا 
في الواقع وبحكم تجربتي المتواضعة في تدريس مادة التاريخ، اقول بان هناك فجوات تاريخية  عديدة لم يغطيها تاريخ بلادنا عبر عصوره المختلفة خاصة الفترة المعاصرة خاصة مرحلة الحماية الفرنسية الإسبانية على المغرب واتفاقية ايكس ليبان  وثورة الملك والشعب.
ان التاريخ الرسمي لا زال هو السائد والطاغي  بمختلف مقرراتنا الدراسية. وهذا النوع من التاريخ تغلب عليه الذاتية والعاطفية. فالبرامج الدراسية الحالية ، لا يمكن للمدرس ان يعول عليها لتلميع صورة التاريخ. واستخضر هنا ما جاء على لسان المغفور له الحسن الثاني في كتاب التحدي: l'incompréhension  du présent  ,naît à  l'ignorance  du passé..وفي نفس الكتاب: qui n'a pas  d'histoire,n'a pas d'identité. 
خليل البخاري،  باحث تربوي