لعبت الصحافة الفرنسية في شخص المجلة الشهيرة «فرانس فوتبول» دورا كبيرا في ما أصبح يعرف بقضية «بنعطية- بنعبيشة.» عميد الأسود نجم فريق روما الإيطالي لم يكف عن انتقاد الوضع الملتبس والمقلق للمنتخب المغربي الناتج عن غياب المكتب الجامعي ومدرب قار.
إعداد: محمد شروق
بنعطية الذي يطمح كأي مغربي إلى وجود فريق وطني قوي كان من المنطقي أن يكون الآن في قمة تحضيراته لكأس إفريقا للأمم التي سيحتضنها المغرب على بعد عشرة أشهر. هذا يعني أن بنعطية قال بأعلى صوت ما يقوله الكثيرون سرا. إلا أن آخر تصريح في هذا السياق تزامن مع الاستعداد للمباراة الودية ضد الغابون. صحافي فرنسي يقال إنه من أصول جزائرية استغل هذا التوقيت واستدرج المدرب المؤقت بنعبيشة المكلف بهذه المباراة ورمى أمامه قشور الموز بتصريح اللاعب.
المدرب بنعبيشة الذي لا يتقن اللغة الفرنسية بشكل جيد سقط في شباك الصحافي عبر حوار موجه، يعرف مهنيو الاعلام تقنيته وأبعاده، عندما أفهمه أن تصريح بنعطية هو بمثابة تهديد بعدم تلبية نداء المنتخب، فرد المدرب المؤقت بكلام يخلو من الحكمة والتحفظ، وقال: «بن عطية لاعب جيد ويلعب ضمن نادٍ كبير، روما الإيطالي، فإذا أراد اللعب لمنتخب بلده فمرحباً به، وإذا أراد غير ذلك فتلك مشكلته».
إلا أنّ بنعطية لم يرقه جواب بنعيشة، وردّ مؤكدًا «لا أعرف بنعبيشة ولا أرغب أبدًا في التعرف عليه أو العمل معه». وأوضح أنه انزعج من تصريح المدرب الذي بدا له أنه يشكك في وطنيته. الجريدة المعروفة «ليكيب» دخلت على الخط ونشرت تصريحا لبنعطية يوضح فيه أنّ المنتخب المغربي يمثل له الشيء الكثير، موضحًا أنّ تهديده بمقاطعة المنتخب المغربي في النسخة المقبلة من أمم أفريقيا هو راجع لحالة الغموض التي عاشها المنتخب المغربي منذ نهاية عقد المدرب السابق رشيد الطاوسي.
بقية الحكاية تعرفونها، والتي انتهت بإبعاد اسم بنعطية من لائحة المنتخب بعد أن رفض طلب بنعبيشة بتقديم اعتذار علني. بل إن والد بنعطية دخل على الخط ليؤكّدً أنّ ابنه يعشق القميص المغربي منذ الصغر، مما دفعه إلى رفض تغيير جنسيته وحمل قميص المنتخب الفرنسي.
وإذا أردنا تحليل هذا النزاع المفتعل من جميع جوانبه، فيبدو أن اللاعب بنعطية ينفرد في انتقاد الوضعية الحالية للمنتخب المغربي، في حين أن هناك إجماعا حول الأزمة. وعوض أن تنصب كشافات الضوء على هذه الوضعية غير المسبوقة، بدا وكأن النزاع بين رجلين هما أول ضحايا هذا الوضع الذي شبهته الصحيفة الفرنسية فرانس فوتبول بـ «السوق»!!
من جهة أخرى يدرك الجميع أن الصحافة الفرنسية بيمينها ويسارها تتعامل مع القضايا المغربية باستعلاء ولا تثير إلا ما هو سلبي. وحتى نحصر الأمر في الشأن الرياضي، فإن الصحافة الفرنسية تعكس خيبة أمل النخب الرياضية الفرنسية التي تنزعج من اختيار لاعبين شباب مغاربة للدفاع عن قميص المنتخب المغربي. وهناك أمثلة كثيرة أهمها الأخوان حجي والشماخ وأيضا بنعطية وبلهندة وعادل تاعرابت وغيرهم.
ولذا تنتهزهذه الصحافة أي فرصة لتحاول التأكيد لهؤلاء اللاعبين أنهم أخطأوا الاختيار. وتسعى أيضا أن تقدم رسالة واضحة للأجيال المغربية الصاعدة مفاده: «هاهو مصير اللاعبين الذين تكونوا بفرنسا واختاروا اللعب للمغرب. إنهم يشككون دائما في وطنيتكم ويرمونكم في أول هفوة».
في نفس المنحى، الصحافة الفرنسية تقلل على الدوام من شأن التفوق المغربي. والمتتبع يتذكر مثلا أن جريدة "لوموند" شككت في فوز العداء المغربي هشام الكروج سنة 1999في بطولة العالم لألعاب القوى التي جرت بمدينة «سفييا» الإسبانية، وكتبت أن هناك أوامر عليا صدرت بأن يلعب العداء عادل الكوش دور الأرنب لصالح الكروج، وتناست أن تذكر أنه في نفس السباق كان هناك تعاون بين ثلاثة عدائين إسبان منهم «كاشو» الذي فاز بالميدالية الفضية.
وفي زمن قمة التنس المغربي، كانت الصحافة الفرنسية تردد أن الفرسان الثلاثة آنذاك يونس العيناوي، هشام أرازي وكريم العلمي هم منتوج فرنسي ولا علاقة لهم بالمغرب. ولم تبلع الصحافة الفرنسية لسانها عندما اختار الملاكم المغربي الحامل للجنسية الفرنسية خالد رحيلو حمل الأعلام الوطنية وهو يفوز أمام الأمريكي «راندال» ببطولة العالم سنة 1996 من قلب أمريكا وعاد ليدافع في العام الموالي عن لقبه بالدار البيضاء أمام ملاكم أمريكي آخر وتغلب عليه هو «جاكوبفسكي». لكن عندما يتعلق الأمر بتلميع صورة مدرب فرنسي من أجل قيادة المنتخب المغربي، فإن هذه الصحافة الفرنسية لا تتورع في رمي بالونات جس النبض كما تفعل الآن لصالح المدربين «رونار» أو «تروسيي» وتحاول أن تقنع المغاربة بحسن اختيارالمدرسة الفرنسية.
فالحذر كل الحذر من الصحافة الفرنسية التي لم تتخل يوما عن عقدتي التوجيه والوصاية. فعندما يتعلق الأمر بالمغرب قد تضع جانبا قواعد مهنة الصحافة وأخلاقياتها عبر مقالات مسمومة وحوارات موجهة مثل حوار فرانس فوتبول وحسن بنعبيشة.
مصطفى طوسة صحافي مغربي مقيم بفرنسا
الصحافة الفرنسية تعتبر اللاعبين المغاربة ملكا خاصا لهم
عموما عندما يتعلق الامر بتناول شأن مغربي، فإن الصحافة الفرنسية تشعر بالكثير من الحرية يوقعها في بعض الأحيان في الاستفزاز. هناك إحساس باللاعقاب. أما في ما يرتبط باللاعبين المغاربة الذين ازدادوا وتكونوا بفرنسا، فإن الصحافة تتحدث عنهم دائما وكأنها تتحدث عن ملك خاص بها. تتبع خطواتهم وتحمي مصالحهم. والملاحظ أنها تبنى خطابا خاصا بهم ليس هو نفس الخطاب حول اللاعبين الذين اختاروا حمل ألوان المنتخب الفرنسي أو اختاروا بلدانا أخرى. هذا التمييز يسقط الصحافة الفرنسية الرياضية في الكثير من الهفوات المهنية تصل أحيانا إلى التدخل في الشؤون الداخلية للمنتخب المغربي مثل ما وقع في قضية اللاعب بنعطية والمدرب بنعبيشة.