الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: الرئيس الفرنسي يدعو إلى توطين القرى الفرنسية بالمهاجرين

يوسف لهلالي: الرئيس الفرنسي يدعو إلى توطين القرى الفرنسية بالمهاجرين يوسف لهلالي
في سابقة بفرنسا، دعا الرئيس ايمانويل ماكرون الى توطين القرى الفرنسية النائية والتي تعاني نقصا ديموغرافيا كبيرا باللاجئين والمهاجرين الجدد، من اجل سد النقص الديموغرافي الذي تعاني منه هذه المناطق وذلك في خطاب له، هذا الأسبوع، امام عمال المدن (محافظي المدن) الذين يمثلون الدولة الفرنسية في المدن والجهات. خاصة ان عددا من هذه القرى تقفل بها المدارس والثانويات لعدم وجود عدد كافي من التلاميذ، بل ان مصالح الخدمات العمومية تقفل هي الأخرى أبوابها مثل البريد والخدمات الاجتماعية، والمدارس لعدم وجود عدد كافي من السكان. هذا الخطاب المنفتح على الهجرة كحل لمشاكل فرنسا الديموغرافية، لا يتوافق مع النظرة السلبية للهجرة وسط الاعلام والمجتمع الفرنسيين اللذان يعتبران الهجرة هي ام المشاكل في المجتمع الفرنسي وليست الحل. وهو ما يجعل التساؤل مطروحا كيف سيقنع الرئيس عائلته السياسية وحلفاؤه من اليمين الذين يعتبرون الهجرة خطرا على فرنسا وليست حلا، خاصة ان الرئيس ليست له اغلبية في البرلمان الذي يتضمن أكبر عددا من نواب اليمين المتطرف في تاريخ فرنسا.
مبادرة الرئيس الفرنسي المعروف برؤيته الإيجابية والليبرالية لموضوع الهجرة، تتناقض مع ناخبيه اليمينيين المحافظين، وهذه الدعوة تتناقض مع الإصلاحات القانونية التي يقوم بها وزيره في الداخلية جيرار درمنان من اجل تسريع مسطرة طرد المهاجرين الذين لا يتوفرون على الإقامة، كما يسعى الى إعادة قانون العقاب المزدوج ضد المهاجرين الذي تم في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، حيث يؤدي المهاجر ما بدمته امام القضاء الفرنسي في مرحلة أولى وتتم معاقبته مرة ثانية، من خلال طرده نحو بلده الأصلي.
حاليا، تسعى فرنسا ووزير داخليتها الى تكثيف عدد المطرودين من فرنسا وتسريع دراسة ملفات اللاجئين الذين وصل عدد طلباتهم سنة 2021 الى 100الف طلب حسب الإحصاءات الرسمية. كما تسعى فرنسا الى تسريع وثيرة طرد المهاجرين بدون إقامة، حيث ارتفع عددهم ب8.2 في المائة سنة 2021 مقارنة مع سنة 2020. حيث تم طرد حوالي 13 ألف مهاجر من التراب الفرنسي. وتقوم وزارة الداخلية بمشاورات واسعة مع العاملين في هذا المجال حتى شهر أكتوبر من اجل دراسة كيفية تسريع وثيرة الطرد.
وكما أعلن الرئيس في خطابه امام العمال، سيتم وضع مشروع قانون جديد أمام البرلمان في سنة 2023 من اجل اصدار قانون جديد للهجرة واللجوء أكثر تشددا ويسهل مسطرة طرد المهاجرين.
يتم ذلك في إطار التوتر الذي تعرفه العلاقة بين فرنسا وبلدان المغرب العربي خاصة المغرب حول ملف التأشيرة، الذي استعملته فرنسا مند الحملة الانتخابية الأخيرة كوسيلة ضغط على بلدان المنطقة وتسريع وثيرة الطرد المهاجرين بدون إقامة. وهو ما خلق توثرا في العلاقة بين الجانبين وعرقل التعاون الجامعي والاقتصادي والتبادل البشري بين الرباط وباريس والذي ستكون له اثار سلبية على التبادل والتعاون في المستقبل بين البلدين.
سياسة توطين القرى التي دع لها الرئيس بالإضافة الى معارضة المحافظين اليمينين لها ، تطرح مشكلا اخر، هل المعنيون بالأمر، أي المهاجرون، مستعدون للعيش غي المناطق والقرى النائية بفرنسا؟ وهل سيقبل بهم سكان هذه القرى؟ حاليا تتم تجربة بمنطقة البروطان، في قرية كلاك، وذلك من خلال اتفاق بين هذه الجماعة القروية واحد المؤسسات الخاصة التي تمول هذه العملية، وذلك من اجل توطين عدد من المهاجرين لمواجهة النقص الديموغرافي، ومن خلال برنامج لتكوين، لكن المعارضين لهذه العملية قاموا بحملة توقيعات ومظاهرات بالمنطقة، وقال اليمين المتطرف ان سياسة "تعويض السكان" وهي نظرية عزيزة على اليمين المتطرف، قد بدأت، وانه سوف يتم تعويض السكان الأصليين بالأفارقة والمسلمين. قضية كلاك مازالت في بدايتها، فهل سينجح المتطرفون المدعومون من طرف بعض السكان الخائفين، عن جهل لهذا المشروع، ام انهم سينجحون في افشال هذا المشروع الذي يبدو انه نال اعجاب الرئيس الفرنسي.
هذه المبادرات حول الهجرة التي تقترح من قمة الدولة الفرنسية وتعدد القوانين حول الهجرة التي تتغير بوثيرة تجعل حتى الموظفين العاملين في هذا القطاع عاجزون عن فهمها وتطبيقها. تجعل من فرنسا أكبر بلد يستضيف الهجرة الغير الشرعية وبه مئات الاف من المهاجرين بدون إقامة، حيث تتحدث اخر التقديرات عن وجود ما بين 600 و700 ألف، في حين ان المساعدة الطبية لدولة، المخصصة للمهاجرين بدون إقامة يستفيد منها 380 ألف مهاجر فقط. وهو ما يعني ان الباقون لا يستفيدون من التغطية الصحية.
من المقترحات التي تناقش بفرنسا أيضا هي سياسة الكوطا، التي يقترحها بعض المسؤولين لسد النقص في اليد العاملة، منهم وزير الداخلية جيرار درمنان الذي لا يرى مانع من استقبال كوطا من المهاجرين لبعض المهن او القطاعات التي تعاني نقصا كبيرا في اليد العالمة كقطاع الفنادق، الزراعة، البناء والمطاعم. وهو الاقتراح الذي تعارضه اليزابيت بورن الوزيرة الأولى، التي لا تتصور قبول كوطا للهجرة بوجود مليونين من العاطلين بفرنسا الذين يجب تكوينهم لشغل هذه المناصب. وهو ما يعني ان النقاش سيكون ساخنا حول قانون الهجرة الذي سيناقش بالبرلمان في شهر أكتوبر، حيث ان الحزب الحاكم وحلفاؤه ينقسمون حول الموضوع، وسياسة الكوطا يدعمها الوزير الأول السابق ايدوارد فليب ورئيسة فريق الأغلبية بالبرلمان اورور بيرجي.
تعاني فرنسا من نقص ديموغرافي وعدد كبير من القطاعات في حاجة الى مئات الالاف من العمال، لكن الخطاب السلبي السائد في الاعلام والرأي العام الفرنسي، يدفع السياسيين الى مسايرة الرأي العام في هذا الاتجاه السلبي نحو الهجرة مما يضر بالاقتصاد الفرنسي. حيث ان الجد حول الهجرة لا ينتهي، في بلد يضم أكبر حزب يميني متطرف رغم ان نسبة الأجانب في المجتمع الفرنسي هي قليلة، لا تتعدى 7 في المائة مقارنة مع باقي البلدان الصناعية. وهي سياسة لها تأثير سلبي على الاقتصاد الفرنسي وديناميته والذي يعني من نقص كبير في اليد العاملة.