الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

مَحمد المذكوري:  ما لم يأت به مرسوم المخيمات (5)

مَحمد المذكوري:  ما لم يأت به مرسوم المخيمات (5) مَحمد المذكوري

في غشت من السنة الفارطة صادقت الحكومة على مرسوم رقم 2.21.186 يتعلق بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، يهدف المرسوم إياه إلى تنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، بوضع إطار تنظيمي خاص يؤطر مراكز التخييم المذكورة، وتحديد الشروط الأساسية لتحسين خدماتها، واعتماد آليات تؤطر كيفيات استفادة الهيئات المعنية بأنشطة التخييم من هذه الخدمات.

وباعتبار أننا لم نكن نتوفر على قانون في الموضوع ماعدا ما يأتي في تحديد اختصاصات القطاع الذي يسند له هذا الموضوع الموروث منذ تأسيسه كمصلحة تابعة لوزارة التعليم والتهذيب الوطني أيام الاستعمار، والمذكرات التي تصدر غالبا ليلة فتح المخيمات من كل سنة تنظم وتحدد المقاييس المعتمدة سنته وتعين الآليات اللازمة لتدبير تلك السنة؛ فلقد كان له وقع مهم لأنه سيسد ثغرة طالما تمت المطالبة بالعمل على تداركها وتم عدة مرات تقديم اقتراحات عملية من طرف مناظرات ولقاءات حوارية ومقترحات من المصالح نفسها، حيث يبقى معلقا بدون غد وبدون بديل.

وصدر بعد هذا المرسوم قرار لوزير الشباب والثقافة والاتصال في 5 يوليو 2022 بتحديد النظام الداخلي لمراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب مع ملحق له، يحدد قواعد تسيير مراكز التخييم وكذا التزامات المستفيدين من خدمات هذه المراكز ومختلف المتدخلين في عملية التخييم،

ومراكز التخييم بحسب المرسوم، تنقسم إلى مراكز تخييم قارة ومراكز أخرى للقرب دون أن تقدم لهم خدمة المبيت. ويحدد لائحة مراكز التخييم القارة في الملحق المرفق بهذا المرسوم، ويمكن تغييرها بقرار للوزير المكلف بالشباب، ويقرر بأنه تحدث مراكز التخييم للقرب بمقرر للوزير المكلف بالشباب الذي يحدد أماكنها ومدة افتتاحها، وتعمل مراكز التخييم على تقديم الخدمات المتعلقة بالاستقبال والايواء والاطعام والتأطير التربوي، وتأمين العلاجات الطبية الأولية والتنشيط التربوي والثقافي والترفيهي والأنشطة البدينة، وتستقبل مراكز التخييم الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و24 سنة كاملة.

ويعرض المرسوم لضرورة توفر مراكز التخييم القارة على مرافق مجهزة للإيواء ومرافق إدارية وتربوية وترفيهية، تشمل على الخصوص إدارة وفضاءات الورشات ومراقد ومرافق النظافة ومرافق للإطعام وفضاءات للتنشيط وتحدد المعايير التقنية وشروط الصحة والسلامة الواجب توفرها في مراكز،

وبخصوص التنظيم الإداري لمراكز التخييم، فيقرر المرسوم أنها تتألف من مدير مساعد ومقتصد وأطر إدارية وكتابة، وأنه يعين المدير والمستخدمون بمقرر للوزير المكلف بالشباب من بين الأطر التابعة للوزارة المكلفة بالشباب، ويناط بالمدير التدبير الإداري والمالي لمركز التخييم، ويقوم بالسهر على استفادة الأطفال والشباب من الخدمات التي يقدمها المركز، واتخاذ جميع التدابير لتوفير شروط الصحة والسلامة، بالإضافة إلى التحقق من استيفاء مركز التخييم للمعايير التقنية المنصوص عليها في هذا المرسوم، وإعداد تقرير حول تدبير مركز التخييم يوجه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشباب 30يوما على الأكثر بعد نهاية موسم التخييم بقرار للوزير المكلف بالشباب حسب صنف كل مركز للتخييم وطاقته الاستيعابية

ثم يأتي على شروط الاستفادة من خدمات مراكز التخييم، حيث ينص المرسوم، على أنه "يمكن للجمعيات أو المؤسسات العاملة في مجال التخييم والمؤسسة بصورة قانونية، أن تستفيد من خدمات مراكز التخييم طبقا لمقتضيات هذا المرسوم، لأجل تمكين الجمعيات أو المؤسسات من تقديم ترشيحها للاستفادة من خدمات مراكز التخييم". ثم يعرض لشروط المراقبة والتتبع... ويستدعى هذا المرسوم الملاحظات التالية:

  • هل سنعرف مراسيم أخرى تتعلق بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطات الحكومية الأخرى المكلفة بالقطاعات الأخرى باعتبار أن لها مراكز تخييمية تابعة لها! ،
  • لم يتطرق المرسوم الى المخيم كمفهوم، ولم يحل على قانون آخر يقوم بتعريف هذه المؤسسة بحيث يضعها في موضعها، هذ المؤسسة التي ينتج لها علاقات داخلية وخارجية وتفاعل في المجتمع وشروط قيام يجب أن يحدد قانون ما معايير انشائها وتدبيرها واستغلالها، ويجب لها قانون يحق لها حقوقها أو الحقوق الناتجة عن نشاطها والواجبات اللازمة على الأطراف المستفيدة والمتدخلة والفاعلة،
  • ولم يتطرق المرسوم إلى المخيم كمؤسسة مجتمعية لها وجود خارج وزارة الشباب وتحدث وتدبر بشروط عرفية كانت معترف بها للسلطة الحكومية التي يقع تحت سلطتها القطاع بحق مراقبة ولو غير مباشر، ونعني بذلك تلك المخيمات التي تنشئ بمبادرة من الشؤون الاجتماعية لبعض القطاعات الحكومية أو شبه عمومية، أو تلك التي تنشئ بناء على برامج استثمارية خاصة. وهذا التراجع عن إشراف لم يكن واضحا سينتج عنه خلل في المنظومة حيث سيخلق حالات شاذة في قطاع اجتماعي بامتياز يتزايد عليه الطلب والحاجة،
  • كما لم يقر ولم يتطرق هذا المرسوم للعلاقة القانونية التنظيمية المفترضة بين "جامعة" تطمح لان تكون منظما وشريكا في القطاع ويرجى لها موقع بحكم القانون لا بحكم المتعارف عليه وسيط منظم وليس مسير بين الجمعيات والوزارة التي تقوم بدورها في المراقبة والمواكبة وتتخلى عن التدبير المباشر،
  • ولم يتطرق المرسوم اياه إلى منظومة تكوين العاملين في التنشيط التربوي لجماعات المستفيدين من المخيمات وشروط مؤهلاتهم وكفاياتهم، لا بتأكيد المسطرة المتبعة اليوم ولا بإسناد ذلك مستقبلا لجهة معينة ولا بضبط مفاهيم ومنطلقات منظومة التكوين المفترض وشروط تأطير ومرافقة وحراسة القاصرين المستفيدين، الا ما كان من استمرار الاعتراف بما كان قائما، وبتسليم الوزارة شهادة الأهلية البيداغوجية من قبل الوزير المكلف بالشباب للأشخاص الذين استفادوا من دورات تكوينية تنظمها السلطة الحكومية المكلفة بالشباب!
  • ولم تطرق المرسوم الى أي شروط للاستفادة من خدمات هذه المؤسسة في مستوى علاقة آباء وأولياء الأطفال والشباب بالهيئات والجمعيات المنظمة ثم علاقة ذلك بالسلطة الحكومية إياها، ماعدا ضرورة التأمين في شقه التجاري المحض، ولا للنتائج القانونية الناتجة عن الاخلال بالاتفاق الضمني لقضاء عطلة منظمة في مكان محدد، أو الاضرار الناتجة للمستهدفين ومنهم للغير...

إن هذا المرسوم الذي تناول المخيمات، هو مرسوم مبتور من أصله ينظم فقط فضاءات التخييم التابعة للوزارة الوصية، متناسيا كل الفضاءات الأخرى الخاصة والتجارية والتابعة للقطاعات الأخرى، وتلك المسؤولة عنها المصالح الاجتماعية للعديد من الوزارات والمؤسسات العمومية؛ في كل الجوانب المتعلقة بها، ولاسيما إنشائها والترخيص لها، وكأنه يقوم مقام دورية أو مذكرة، ولا يقنن الدور الحقيقي للقطاع الوصي على المخيمات وحدوده، وأهداف العملية التخيمية اعتبارا لتعدد مشارب المنظمين لها اليوم في بلادنا، والمعايير اللازمة لقيام وإنشاء وفتح المخيمات، وماهي الشروط الواجبة في المنظمين ومن هم المنظمون المسموح لهم بذاك؟؟؟

ونطرح السؤال هنا وأولا لماذا مرسوم وليس قانون.

ولماذا تراجعت الوزارة عن مشروع قانون المخيمات بعد ان أعدته مع بعض الشركاء وبلغ درجات متقدمة في مسلسل ادراج القوانين، وتمت مراجعته عدة مرات،

وهل طرح وانتاج مرسوم كاف لبث الطمأنينة بمكونات ومجالات التخييم وبالعملية التخييمية برمتها او خلق دينامية جديدة بالمجال، وضبط تدخل كل الفاعلين وضمان لحقوق المستفيدين وحل المشاكل التي تعنيه ككل.

إن تطوير المرسوم الحالي في حد ذاته  يقتضي كذلك مراجعة مدد التخييم حتى تكون كافية لممارسة تنشيطية سليمة وناجعة وتنسجم مع مدد نشاطات أخرى خاصة بالوقت الحر للعموم وما ينتج عنها من حقوق والتزامات، وكذا مدة ومسلسل تكوين واعداد المنشطين القاريين والعرضيين، واعداد الفضاءات والتجهيزات الملائمة وإقرار معيرتها الملائمة، فإصدار قانون للنشاط التخييمي، أصبح اليوم ضرورة لتصحيح هذا الخلل الذي سيخلق فوضى في هذه المؤسسة المجتمعية التي تزداد تجذرا في الممارسة المجتمعية بعدة أشكال وبعدة أهداف، وعليه يجب ان يكون مشروع قانون النشاطات التخييمية مشروعا حكوميا وليس مشروعا قطاعيا.

إن طرحنا اليوم لهذا الموضوع يهم جانبا يمكن من التفريق بين المخيمات(التربوية) والمصطافات (السياحية) كجزء من المفاهيم التي يجب معالجتها قانونا بجانب مختلف المعايير والضوابط حتى يكون لهذا العمل صبغة متكاملة وشاملة كما هو مطلوب.

إن قانونا يتعلق بتنظيم أنشطة الوقت الحر في مراكز تستقبل الأطفال خصوصا أفرادا وجماعات في أوقات محددة بالإقامة والمبيت أو بدونهما، ويحدد أشكالها وأنواعها بالنسبة لما تقدمه من خدمات، وطرق تسيير هذه الخدمات ومقاصدها، وكيفية إنشائها وإحداثها وشروط ذلك ومعاييره والمحددات القانونية له، ومن له الحق في ذلك، كهيئات وجماعات ومؤسسات وشركات، ودور الدولة والجهات المتدخلة، وشروط الاستقبال والإقامة وتحديد الفئات العمرية ونسب التأطير اللازم للجماعات، ومسؤوليات وحقوق ومستوى المشرفين على ذلك كإداريين ومؤطرين ومراقبين ...ومعايير المنشئات والأدوات المستعملة وحماية المستعملين والغير وكيفية الانخراط وقيمته وأشكال دعمه وتمويله، ومدد الاستفادة، وخصوصيات وشروط التنقل من والى المراكز وحماية الجماعات المستفيدة، والشروط الصحية للمستفيدين ولحمايتهم، وشروط تنظيم المخيم كجمعيات وجماعات وهيئات مختصة ومسجلة ومرخص لها، وصيغ ذلك؛ يكون هدفه الأسمى هو إنعاش ودمقرطة الحق في عطلة منظمة، ومساحة للتحرر الفردي والتعلم ضمن الحياة الجماعية، بغض النظر عن الوضعية الاجتماعية أو الجنس أو البيئة الجغرافية للأطفال والشباب؛ هو الذي سيقيم مؤسسات فاعلة لها حقوق وعليها التزامات تراعي حالة المستفيدين وتنسجم مع أهداف الجماعات المنظمة تحت مراقبة الدولة، ويقسم الأدوار بين الفاعلين دولة وجمعيات ومراكز وأولياء الأطفال.