الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: سفر موجع

ادريس المغلشي: سفر موجع ادريس المغلشي
سفر بلاعنوان ولاوجهة. بدون هوية ولا جواز سفر لكنه محتوم، جاء ليقذف في قلوبنا شيئا من الخوف والهلع،  بعدما اختطفت يد المنون أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم أبناء هذا الوطن.
 القصة بدأت فصولها من كدية الطيفور المطلة على المضيق  إلى منعرج بولنوار، وأنت تهم بمغادرة عاصمة الفوسفاط هناك، تم مسافة من المعاناة والضيق تجسد بجلاء مفارقات عجيبة في وطن تخبو آماله لحظة لتطفو على شكل آهات وزفرات موت بين تضحية قد تكلفك حياتك في سبيله، وأنت ترفع رايته عالية.

وبين كل من رحلوا عنا الثلاث من الوقاية المدنية  وقد آثروا التضحية في سبيل الوطن ليوقفوا زحف الموت، نحونا بكل شجاعة وبسالة. أقل مايمكن القيام به بعد واجب العزاء طبعا، تسمية بعض المؤسسات أو الشوارع بأسمائهم، حتى تخلد في الذاكرة، ونجعل منها عناوين بقاء سرمدي في حياة آثروا التضحية بها في سبيل الوطن. وفاء لهم، دون أن ننسى من كانوا في سفر فتحولوا إلى رهائن بعدما قادهم قدرهم المحتوم بين أيدي سائق متهور أوقف نبض حياة لتكون الفاجعة والحصيلة ثلاثة وعشرون ضحية فارقت الحياة وثكالى وأرامل ويتامى ومعطوبين جسديا ونفسيا كذلك.

بدت المذيعة وهي تنقل الخبر في حوار مع المراسل من عين المكان، متلعثمة تردد بشكل متقطع وآلي الخبر. دون أن نلمس من كلامها محاولة لإيصال الصورة الكاملة حول الحدث. أخطاءبالجملة، صياغة ومضمونا أفقدت الحدث جانبه الوصفي وغاب عنه الأهم الجانب التأطيري للمتلقي. لم نلمس مسحة إبداع ولا إحساس بثقل وهول الحدث وصدمته. طريقة إلقاء جافة لخبر الموت وكأنها تعطي معلومات حول نشرة جوية أو خبر فني. 

صورةجد مؤلمة تختصر الحكاية كلها في وطن جريح تتلاعب به أيدي غير مسؤولة. هناك من سيقول إرادة ومشيئة الله أقوى ونحن معه. وهناك من سيقول مسؤولية الطريق وعدم تأهيلها باعتبارها نقطة سوداء تعرف العديد من القتلى لم يتم معالجتها بالشكل الذي يساهم في التنقل السلس. وهناك من  سيذهب في التعليل لكون السائق غير مؤهل، لاهو ولا الحافلة المهترئة باعتبارها وسيلة يجب أن تضاعف من مجهود المدخول اليومي لتلبي جشع صاحبها ولو على حساب الجانب التقني وجاهزيته لقطع مسافات. كلها أسباب معقولة وضرورية لتجعل من النقاش حول سقوط عدد القتلى أمرا لايمكن السكوت عنه مادامت كل المقاربات فشلت للحد من الظاهرة من خلال التوجه الزجري لمدونة السير والذي  لم يحل الإشكالية، زد على ذلك السرعة المفرطة وعدم احترام القانون. كلها إشكاليات مرتبطة بالوعي وإشكالية تدبير السلوك البشري اتجاء مرفق حساس ومكلف وفي غياب تأهيل طرق وتشوير يقلص من فرص وقوع حوادث أصبح عدد ضحاياها أكثر من الحروب .

 مايخفف من الإحساس بالألم المجتمع المدني، الذي توافد بكثرة إلى مكان المستشفى واستقبل اسر الضحايا مخففا عنهم صدمة الحدث باجراءات وتحركات انسانية تعطي أملا أن بالوطن أبناء رحماء بينهم. وأن هناك شيء يستحق الثناء والإعتزاز في نفس الوقت  .

أغلب الإنطباعات المستقاة من أهالي الموتى والجرحى تشير إلى معطى مهم وأساسي يتعلق ببنية الإستقبال في مثل هذه النوازل حيث تضيع فرص الحياة كلما ابتعدنا عن المركز لقلة الطاقة الاستيعابية وغياب التجهيزات وهو أمر يوضح بجلاء اللاتوازن بين المركز والهامش .كما أن بنية الإستقبال والتواصل مع ذوي الضحايا والموتى تحتاج في المقام الأول لتيسير  الإجراءات والإسراع بنقل الموتى لمقرات سكناهم وتسريع إجراءات الدفن. فالتعقيدات الإدارية في الزمن العادي التي يرفضها المرتفق أصلا غير مناسبة في مثل هذه الظروف الإستثنائية.