الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبدالله بوشطارت: في التأصيل للمرجعية الأمازيغية...

عبدالله بوشطارت: في التأصيل للمرجعية الأمازيغية... عبدالله بوشطارت
ما هي المرجعية الأمازيغية؟ يتساءل المرء مستهزئا، ما المقصود بهذا المفهوم، معتقدا أننا نتلاعب بالكلمات.
في الحقيقة هذا المفهوم وراءه مجهود نظري وفلسفي عميق، بدأ التنظير له منذ سنوات، ولا زال مستمرا، يمكن أن يشمل كل التراكم العلمي والأكاديمي المنجز حول الثقافة والحضارة واللغة والتاريخ الامازيغي الذي انجزه الباحثون والأكاديميون في حقول معرفية مختلفة، لكن ما قام به المرحوم أحمد الدغرني في أطروحة البديل الأمازيغي، يعتبر اللبنة الأولى لوضع الأسس النظرية والفلسفية والقانونية والسياسية والثقافية للمرجعية الأمازيغية وجعل لها اطارا تنظيميا حتى يتم تنزيلها وبلورتها كمشروع مجتمعي.
ولازال هذا المجهود متواصل ومتجدد يتحين بالأفكار والاجتهادات التي يتم تحقيقها في مسار البحث المعرفي والعلمي حول الحضارة الأمازيغية في شتى تجلياتها.
وإذا أردنا أن نلخص بشكل مقتضب وموجز، ماهي ركائز ومميزات المرجعية الأمازيغية وسياقات ظهورها، فإننا سنجملها في الآتي:
عرف المغرب بعد الاستقلال تجاذب تياران فكريان وسياسيان، يتصارعان من أجل فرض التوجه العام الذي يمكن أن تسير به البلاد، بغض النظر عن الايديولوجيات، وإنما سنضرب المثل بالمشاريع الفكرية التي تحاول أن تنطلق من مرجعيات فكرية وفلسفية ومعرفية لرسم التوجهات الكبرى لمسارات المجتمع في المستقبل، التي يمكن بناء التوجهات السياسية العامة عليها، هاذان التياران هما :
تيار فكري وسياسي يدعو بإعادة قراءة التراث الديني العربي الإسلامي وتحيينه، من أجل بناء نهضة عربية جديدة بالمغرب. وهذا التيار المهيمن بعد الاستقلال يعتبر المغرب جزءا لا يتجزأ من الشرق العربي ولا يمكن للبلد أن ينهض ويتقدم إلا من داخل بوثقة الثقافة العربية الاسلامية، هذا التيار يمثله المفكر محمد عابد الجابري. ويمكن قراءة مؤلفاته لمعرفة منطلقاته ومرجعيته خاصة حول "التراث والحداثة" و"نقد العقل العربي" (ويشمل هذا التيار كل الحساسيات السلفية والقومية واليسارية والاشتراكية والإسلاموية بالرغم من اختلافها السياسي والايديولوجي).
التيار الثاني، هو الآخر تيار فكري وفلسفي يعتمد على العدة المعرفية والنقدية والتاريخية، يدعو بشكل صريح إلى القطيعة بشكل بنيوي مع التراث العربي الإسلامي، ويدعو إلى تبني الأسس النظرية والفلسفية التي أدت إلى النهضة الغربية في السياسة والفكر والاقتصاد والصناعة والحضارة بشكل عام، فهذا التيار يقترح إجابة صريحة لسؤال "لماذا تقدم الغرب وتخلفنا نحن" وهي تبني نفس المعارف والمناهج وسلك نفس المسارات التي أدت إلى تقدم وازدهار الحضارة الغربية منذ القرن 16 م. يعني التوجه نحو الغرب وأوروبا تحديدا. وهذا التيار يمثله المفكر والمؤرخ عبدالله العروي.
لذلك فالتيار الأول يدعو إلى التوجه إلى الشرق، بينما يرى الأول أن الحل للخروج من التخلف هو التوجه نحو الغرب، أي أوروبا. لذلك لازال هاذان التياران يتصارعان ويتعاركان في المغرب من إجل الإقلاع والنهضة والتقدم... ويأخذ هذا الصراع أشكال وأوجه مختلفة، تارة بين الاشتراكيين/ القوميين والمحافظين/ السلفيين، وتارة بين الاسلاميين وبين الليبراليين والعلمانيين، أو بين الاسلاميين والحداثيين...
وبين هذا وذاك، في ظل تفكك المغرب بين دعاة الشرقنة ودعاة الغربنة. انبثقت المرجعية الأمازيغية التي تؤكد أنه لا يمكن للمغرب وبلدان شمال إفريقيا بشكل عام، أن يحقق تقدما ونهضة اقتصادية وحضارية وثقافية وفكرية، دون الاعتماد على الحضارة الأمازيغية ومنظومتها الثقافية والقانونية والسياسية والاقتصادية، وتحيينها وجعلها منطلق فكري ونظري لرسم التوجهات الكبرى للمشروع الحضاري الكبير الذي سيضع المغرب على سكة التقدم والازدهار، فأوروبا لم تحقق النهضة الفكرية والسياسية في القرن 16 م إلا بالعودة إلى الفكر اليوناني القديم وتحيينه وتطويره لمواجهة التحديات الكبرى التي عاشتها أوروبا خلال العصر الوسيط أهمها تسلط وهيمنة الكنيسة.
إذن فالمرجعية الأمازيغية هي الانطلاق من الأساس من الصلب الذي خلفته الحضارة الأمازيغية منذ قرون، فلا شك أن الامازيغ الاولون تركوا لنا معارف وقوانين ونظريات واختراعات كثيرة، في الحساب والطب والفيزياء، والصناعة والفكر والمنطق والجبر والرياضيات والسياسة وعلم الاجتماع وغيرها، (أنظر كتاب مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة الأمازيغية القديمة، لعبدالسلام بنميس)، هذه المعارف اخذتها الشعوب الأخرى وقامت باستثمارها بشكل جيد وسليم، وحققت بها نهضة عظيمة لأممها. وعلى رأس تلك النظريات والمعارف والخبرات في حقل السياسة مفهوم الديموقراطية فهو مفهوم انتجه الامازيغ وطبقوه قبل أن ياخذه عنهم غيرهم ويقوم بتوظيفه ونشره. فيما نحن المغاربة اليوم ندوس على هذه الحضارة الأمازيغية بأقدامنا ونحاول التنظير للعقل العربي والعقل الغربي، ونجري ورائهما بإسقاط تجاربهم على خصوصيتنا.
المرجعية الأمازيغية ليست رؤية ماضوية او سلفية، لا، إنها ليست كذلك، هي رؤية فكرية ومنهاج علمي يروم قراءة تاريخ الامازيغ وفهم حضارتهم وتحيينها وجعلها منطلق التفكير والتنظير لتحقيق مشروع مجتمعي شامل ومتكامل، لا يتأسس على نقل تجارب شعوب أخرى ويقوم بزرعها في تربة المغرب التي لها حضارتها وثقافتها وقوانينها ولغتها وعبقريتها ولها حقها في الحضارة الإنسانية... وهذا لا يعني انها غير منفتحة على ما وصلت إليه البشرية من تقدم علمي وتكنولوجي ومعرفي...لأن الانفتاح على الكونية لا يعني بالضرورة الذوبان السريع في الثقافات المعولمة والمهيمنة.
مؤخرا ما أن بدأنا الحديث عن المرجعية الأمازيغية في السياسة... حتى خرجت أوساط داخل حزب سياسي واستولت على مفهوم "تاضا" وصباغته بمفهوم "تامغريبت" في محاولة لقطع الطريق أمام المشروع السياسي للمرجعية الأمازيغية الذي تعتبر "تاضا" صلبه وعصبه.