الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

بعد إهانة التراث اللامادي هل ستعتذر إدارة مهرجان التْبَوْرِيدَةْ بتارودانت لخيول وفرسان المغرب؟(مع فيديو)

بعد إهانة التراث اللامادي هل ستعتذر إدارة مهرجان التْبَوْرِيدَةْ بتارودانت لخيول وفرسان المغرب؟(مع فيديو) التبوريدة بالسيارات العتيقة بتارودانت
رحم الله العلامة المرحوم محمد المختار السوسي الذي يعتبر من أبرز المؤرخين المغاربة المعاصرين الذين ردّوا الاعتبار لتاريخ البادية المغربية من خلال المساهمة في توثيق جوانب مهمة من تاريخها العلمي والثقافي وموروثها الحضاري، وهو الذي انتبه إلى الإجحاف الذي تعرضت له البوادي، وحاول أن ينصفها بتسجيل تاريخها وتدوين موروثها الثقافي ونقله إلى الأجيال اللاحقة؟
أسباب استحضار ما قام به العلامة المرحوم محمد المختار السوسي من مجهود علمي من أجل رد الاعتبار للموروث الثقافي بالبادية، ترتبط بموجة الاستنكار التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي بعد تسريب فيديو يُهين فن التْبَوْرِيدَةْ عموما، ويسخر من قيمة الخيول والفرسان، حيث يوثق التسجيل المذكور إلى عرض لفرسان "التْبَوْرِيدَةْ" على متن سيارات (سِيتَرْوِينْ) بساحة "بَابْ بِيزْمَارَنْ" بمدينة تارودانت على هامش الملتقى السنوي لفن التْبَوْرِيدَةْ في دورته الرابعة التي أقيمت ما بين 27 و 31 يوليوز 2022.
إنها قمة الغباء أن يسمح بهكذا سلوك أمام أنظار المسؤولين والقائمين على تدبير الشأن المحلي بعاصمة سوس العالمة، بعد أن استطاعت الدولة المغربية ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة من انتزاع مشروعية الإعتراف بفن التْبَوْرِيدَةْ كتراث لامادي إنساني وتوثيقه ضمن قائمة منظمة اليونيسكو.
ما هي الرسالة التي يريد تبليغها من أشّر وسمح لسيارات "سيتروين" بأن تسرق مكانة وقيمة وصهوات خيول التْبَوْرِيدَةْ ودورها في ممارسة طقوسها وعاداتها وتقاليدها؟ كيف استساغ من أوكلت إليه أمور إدارة مهرجان التبوريدة بتارودانت هذا السلوك المستفز و الدخيل على موروث تراثي له قيمته التاريخية والحضارية؟
لن تستطيع أيادي الغباء والاستفزاز أن تمحو ذاكرة المجتمع المغربي، ولن تستطيع ممارسات شاذة أن تطمس تراثه المادي واللامادي، لأن الموروث الثقافي والتراثي للمجتمع هو القاسم المشترك الذي يحيى به كل مواطن يقدر معنى الهوية الوطنية في بعدها الثقافي المتعدد والمتنوع الروافد والخصوصيات.
لقد أسأتم لتراثنا الجميل الذي رسخه فرساننا "اَلْبَّارْدِيَّةْ" الشجعان انطلاقا من عمق البوادي المغربية، وحافظوا عليه بالغالي والنفيس في سبيل أن يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد، على اعتبار أنه تراث يحصن ذاكرة المجتمع ويمنحه قيمة الشهادة الفخرية أمام الأمم والشعوب وباقي الحضارات الإنسانية.
متى كان يسمح لفرسان التْبَوْرِيدَةْ أن يمتطون السيارات الفاخرة والدخول بها وسط محارك التبوريدة لتقديم عروضهم الفرجوية التي تحيل على تاريخ الجهاد والمقاومة؟ كيف سمح من يحسب نفسه أنه ينتمي لحقل الفروسية التقليدية لهكذا سلوك مستفز ويعطي الضوء الأخضر لهؤلاء الفرسان ليركبوا السيارات ويطلقوا البارود أمام الجمهور؟ إنها فعلا قمة الغباء.
ألا يعلم المسؤولون بتارودانت أن هناك جائزة تسمى بكأس الحسن الثاني والتي تحتضنها دار السلام كل سنة حيث تتنافس عليها كتائب "عَلْفَاتْ" فراسان الخيل والبارود من مختلف جهات المملكة؟ وهل يعلم من فدلك هذا العرض الباهت من برنامج مهرجان التبوريدة بتارودانت أن لعشاق التبوريدة موعدا مع صالون الفرس خلال شهر أكتوبر من كل سنة، حيث تتبارى سَرْبَاتْ الخيل المؤهلة على جائزة محمد السادس؟
لقد عملت الدولة المغربية على حماية وتحصين الموروث الثقافي الشعبي في شق التبوريدة من خلال عدة محطات ومناسبات، وقامت بدورها في ترسيخ قيمة التراث المغربي، لكن ما وقع بتارودانت يعتبر خطأ جسيم يتطلب اعتذارا عاجلا من كافة المجتمع المغربي ومن "اَلْبَّارْدِيَّةْ"، و فُرِسَانِ وعَلَّامَةْ ومْقَدْمِينْ أحسوا بالإهانة والاستفزاز، بعدما شاهدوا بأم أعينهم كيف تم المساس بتراثنا الوطني الذي أضحت له قيمة كونية بين الشعوب والأمم.