السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

حمزة: حكاية علاقة القائد الوزير عيسى بن عمر بقبيلة أحمر ومحيطها الجغرافي (2)

حمزة: حكاية علاقة القائد الوزير عيسى بن عمر بقبيلة أحمر ومحيطها الجغرافي (2) رسم الوزير عيسى بن عمر العبدي البحتري والمصطفى حمزة

أجرت جريدتا "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" حوارا مطولا مع الباحث الأستاذ المصطفى حمزة بصفته متخصصا في التاريخ الجهوي والمحلي، من أجل الخوض معه في النبش حول أبرز القواد الذين عرفهم مغرب الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويتعلق الأمر بشخصية القائد الكبير، والوزير عيسى بن عمر العبدي البحتري، وطبيعة علاقته بقبيلة أحمر وقيادها وأعيانها ومحيطها الجغرافي...فضلا عن تفاصيل أخرى يكشف عنها الباحث في سياقها التاريخي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي...فكان لنا معه الحوار التالي :

 

+ انطلاقا من بحثك كيف رصدت بدايات علاقة عيسى بن عمر بقبيلة أحمر؟

لقد كان القائد محمد بن عمر، من بين القواد الذين استفادوا من السياسة التي نهجها السلطان المولى عبد الرحمان، والتي تميزت باستقرار سلطة القواد. وتركيز نفوذهم، فعرفت قبائل عبدة في عهده، نوعا من الهدوء والاستقرار، وتمتع بصلاحيات واسعة، وبالمقابل عرفت فترة السلطان محمد بن عبد الرحمان، ظهور اضطرابات جديدة داخل الحوز، وفي بلاد عبدة، وازدادت الأوضاع اضطرابا، نتيجة ضعف الخليفة السلطاني بمراكش في الحد منها، مما اضطر السلطان إلى تكليف القائد محمد بن عيسى، بالتدخل لإخماد بعض الفتن القائمة بالقبيلة المجاورة (قبيلة أحمر)، وتلبية لأوامر الخليفة السلطاني، قام القائد محمد بمعية خليفته أخيه عيسى بن عمر وقواد قبيلة عبدة، بالتضييق على إحدى الفرق الحمرية لمّا تمردت على قائدها (لَهْنَا اَلْحَمْرِي)، وبقي الخليفة سي عيسى محاصرا لها مع بعض قواد قبيلة عبدة، لمّا توجه أخوه القائد لمعالجة هذه القضية مع الخليفة السلطاني المولى الحسن بمدينة مراكش. وقد نتج عن هذه التجربة خلال هذه المرحلة معرفة المجال الحمري، وربط علاقات مع العديد من الحمريين. وخلال المرحلة الثانية، فكل المؤشرات تؤكد ازدياد معرفته بهذا المجال، وذلك من خلال الزيارات التي كان يقوم بها لمدينة مراكش، بتكليف من أخيه، وإذ لم نتمكن من تحديد الفترات التي عَبَرَ فيها قبيلة أحمر حينئذ، فالراجح أنها كانت كثيرة، وذات أهداف متنوعة، من بينها مثلا، إنجازُ مهام مخزنية عديدة ومتنوعة الأهداف. علاوة عن رئاستُه الفرسان الذين كانت تقدمهم قبيلة الَبْحَاتْرَةْ للخدمة السلطانية بالقصبة المنشية بمراكش، بتعيين من أخيه القائد محمد، مما يبرز المكانة الحربية التي كانت للرجل، والتي أشار إليها العديد من الرحالة الأجانب. فضلا عن نجاحه في انقاد قيادة أخيه من جشع قائد قيادة الربيعة أحمد بن العياشي، وحيازته قيادته هذا الأخير بأموال باهضة، وهو ما يترجم في نظرنا الحنكة السياسية والدبلوماسية التي كانت للرجل.

 

+ ما هي أهم الأحدث التي ساهمت في تشكيل شخصية عيسى بن عمر العبدي القائد؟

تزامن بروز شخصية سي عيسى القيادية مع فترة حكم السلطان المولى الحسن الأول، فعند وفاة القائد محمد، خلّفه سي عيسى بعد أن توصل بظهير تعيينه من نفس السلطان بتاريخ 1879م، وقد كان في البداية مجرد قائد بسيط على فرع الَبْحَاتْرَةْ، ليتحول في ظرف وجيز إلى أحد الشخصيات الرئيسية في المغرب. وقد شهدت منطقة الحوز خلال فترة سيادة الوزير الوصي بَّا حماد (1894م - 1900م) نوعين من التمرد، أولهما كان تمرد الرحامنة.

 

+ ما هي طبيعة حركة التمرد بالرحامنة في تلك الفترة؟

يلخص كل من كتب عن عهد الوزير أحمد بن موسى، أحوال هذا العهد، بأنه كان عهد استقرار وأمن، لم تعكر صفوه إلا ثورة الرحامنة بضواحي مراكش، الذين (لا يعترفون بشرعية السلطان مولاي عبد العزيز، فحملوا لواء التمرد، وأدخلوا الحوز كله في تمرد وعصيان). والواقع أن هذا التمرد، كان يدخل في إطار فتنة عامة شملت الحوز كله، وإذا كانت انتفاضة الرحامنة قد اتخذت شكلا سياسيا بارزا، فإن (باقي الانتفاضات كانت موجهة لتصفية حسابات مع الجيران، أو لتنحية القواد السفاكين، أو ليغيروا على المدينة المجاورة وينهبوها). وخلال هذه الانتفاضات، كان مختلف قواد القبائل المتمردة الذين غادروا المنطقة مع وحداتهم، سواء في محلة السلطان مولاي الحسن، أو محلة السلطان مولاي عبد العزيز، قد (علموا بمجرد وصولهم إلى مدينة فاس أن منازلهم قد نهبت، وأملاكهم قد أتلفت، ونساءهم وبناتهم قد اغتصبت، فقرروا الرجوع إلى الحوز. وبوصولهم إلى وادي أم الربيع قرب مولاي بوشعيب، وجدوا في الضفة الأخرى من الوادي القبائل المتمردة في انتظارهم، مما أربك حساباتهم، وشجعهم على اتخاذ قرارات فردية من أجل الوصول إلى قياداتهم).

 

وتشير إحدى الرسائل، إلى (تعرض دُورْ، وعَزَائِبْ، وزروع وأموال أغلب القياد، للهدم والنهب، وهتك لعرضهم وبيع لبناتهم وعيالهم، ما عدا قصبتا ابن الثمار العبدي وابن عيسى العبدي لم يطلهما شيء)، وهو ما أكده الفقيه الكانوني. مما لا يدع مجالا للشّك، بأن ثورة أولاد زيد ضد القائد عيسى بن عمر، جاءت متأخرة عن ثورات باقي القبائل، وهو ما أشار إليه حمزة بنهيمة بالقول: (إن هذه النواحي الحوزية، الرحامنة، والدكالية، والحمرية، والعبدية، قد شاركت فيها عدا إخوان ابن التمار، وإخوان القائد عيسى).

 

+ حدثنا باختصار عن تمرد الحمريين ضد القائد أحمد بن الجيلالي؟

لقد انتفض أهل احمر بعد وفاة السلطان المولى الحسن الأول، وحاصروا قصبة قائدهم، وكان أعثاهم أفخاذ: الَفْطَانِيسْ، الَخْوَالْقَةْ، الرْيَاحْنَةْ، والَكْرَارْمَةْ، بينما حايد أَوْلَادْ امْعَاشُو و الَمْصَابِيحْ، غير أن "الرَّاوِي هَدِّي اَلْحَمْرِي"، أكد مشاركة أولاد امْعَاشُو، بقوله فقد تم: (هدم دارنا، ونهب أموالنا، وتشتيت شملنا، على يد الفسّاد... وهم خْلِيفَةْ بَنْ أَحْمَدْ ابْنْ عَطِّي من الَفْطَانِيسْ، وعَلَّالْ بَنْ بَّا من أولاد مْعَاشُو)، وسلبوا من متاع القائد الشيء الكثير.

 

+ في اعتقادك ما هي أسباب تمرد الحمريين؟

يستفاد من الأفعال التي قام بها المتمردون، أنها ردود عنيفة وتعبير عن سخط عام من الممارسات السلطوية المشينة للقائد وأسرته في مجال جغرافي يتسم بقساوة ظروفه الطبيعية، وبضعف الإنتاج والمردود، ولذلك كانت هذه الممارسات عبر المسار التاريخي لقبيلة أحمر، مثار ردود فعل ضد عمالهم. ففي عهد السلطان مولاي عبد الرحمان، كان: (حصارهم على عامله وولده، وضربهم له بالبارود حتى مات من مات من الفريقين)، وأمام ضعف العامل وولد السلطان في الحد من تمردهم، كان لا بد من تدخل المخزن: (فقبضهم السلطان، وأخذ أسلابهم كلها وسجنهم مدة، وكان لزمهم من الغرم في تلك الواقعة نحو الأربعين قنطاراً)، ولم يطلق سراحهم إلا بعد تدخل الفقيه العلامة الحاج التهامي الأوبيري، نظرا لمكانته العلمية: (ولا زلنا نتردد عليه بالشفاعة فيهم حتى سامحهم).

 

وفي عهد سيدي محمد بن عبد الرحمان، عادت بعض الفرق الحمرية بفعل ما لحقها من ظلم وجور من طرف عاملها بَلَّهْنَا اَلْحَمْرِي، إلى التمرد على عاملهم، مما اضطر الأمير مولاي الحسن، إلى أمر القائد محمد بن عمر البحتري وباقي قواد عبدة بالتضييق عليهم، إلى أن استحرموا بالسلطان وأذعنوا لعاملهم.

 

+ يمكن أن نربط التمرد بظاهرة القياد المتسلطين والمستبدين؟

إن ما أشرنا إليه من ظلم وجور وتسلط من طرف الحاكمين ضد الرّعية انطلاقا من النموذجين المقدمين، نجده أكثر انتشارا خلال الفترة التي خضعت فيها كل قبيلة أحمر للقائد هَدِّي بَنْ اَلضَّوْ، الذي حكمها بقبضة من حديد، ومارس عليها كل أشكال التعذيب والتنكيل والابتزاز، فتزايد بشكل كبير نفوذه، وتعددت ثرواته، وكثر ضحاياه. والواقع أن هذا التدبير المبني على الاستبداد والتسلط، تفاقم في عهد خلفائه، فالقائد الجيلالي: (اقتفى أثره باتخاذه [وصيته]، ولا زال على ذلك مدة فوق العشر سنين)، وربما كانت له إضافات في التنكيل بالحمريين، وهو ما سيظهر بشكل قوي عند تولية خلفه، القائد أحمد الذي: (تبع سيرة أسلافه، بل زاد ما هو أحسن وأفضل، ولا زال على ذلك إلى أن مات مولانا الحسن)، وإذ لم يحدد الحمري، المقصود بـ : (وتبع سيرة أسلافه وزاد ما هو أحسن وأفضل)، فالراجح أن القائد كان أكثر طغيانا من سابقيه، ولذلك ظل الحمريون يتحينون فرصة التمرد عليه.