الجمعة 19 إبريل 2024
في الصميم

أنقذوا قلب المغرب من تصلب الشرايين!

أنقذوا قلب المغرب من تصلب الشرايين! عبد الرحيم أريري
«إن القطار الجهوي السريع RER الرابط بين المحمدية ومطار محمد الخامس عبر الدار البيضاء، سيلعب دورا كبيرا في تخفيف أزمة التنقل بالعاصمة الاقتصادية. فبعد أن يغادر القطار الجهوي السريع محطة الميناء البيضاء سيعبر وسط المدينة عبر نفق، مرورا بزنقة هوفويت بوانيي، وزنقة الجزائر ثم شارع إبراهيم الروداني، فشارع يعقوب المنصور، ثم القطب الحضري أنفا، فمدرسة الحسنية، وصولا إلى محطة الكليات، قبل أن يكمل المسار نحو مطار محمد الخامس عبر سيدي معروف وبوسكورة.
وبحلول عام 2013 سيركب أول مواطن عربة القطار الجهوي السريع بعد أن تنتهي أشغال بناء محطات الوقوف في الأماكن التالية: ساحة فيردان وأمام مقر التجاري وفابنك وتقاطع شارع الزرقطوني مع الروداني وتقاطع شارع يعقوب المنصور مع بئر انزران وفي زنقة سقراط ومدار والماس (شارع غاندي)، وقرب أسيما (بجوار قطب أنفا) وبمحطة الكليات».
 
هذا ما التزمت به السلطات العمومية أمام الملك محمد السادس لدى استقباله لعمدة الدار البيضاء محمد ساجد والوالي محمد القباج يوم 21 أكتوبر2008 ، لدى تقديم المخطط المديري للتهيئة الحضرية. وهو المخطط الذي التزمت به السلطات العمومية بإنجاز المشاريع الكبرى المهيكلة للدار البيضاء بين 2008 و2013 بغلاف مالي قدره 30 مليار درهم، منها 11 مليار درهم للخط الجهوي السريع، والباقي موزعة على الخط الأول للترامواي وقناة بوسكورة لمحاربة الفيضان ومحطة المعالجة بسيدي البرنوصي والملعب الكبير وبنيات تحتية أخرى.
وإذ يسجل المرء إنجاز الخطين الأول والثاني من الترامواي، وكذا إنجاز قناة بوسكورة، وإخراج مشروع محاربة تلوث الساحل الشرقي للبيضاء لحيز الوجود، فإن سكان الدار البيضاء ظلوا محرومين من أحد أهم المشاريع الممكن أن تخفف من محنتهم المريرة مع التنقل، ونقصد بذلك القطار الجهوي السريع، علما بأن الدار البيضاء عرفت بين 2008 و2022 انتفاخا ديمغرافيا وعمرانيا، وفتحت مناطق عديدة في وجه التعمير، مع ما يصاحب ذلك من تعذيب يومي للمواطنين في التنقل.
للأسف تعاقبت على المغرب أربع حكومات وأربع ولايات برلمانية وأربعة مجالس جهوية وأربعة مجالس محلية وأربعة مجالس إقليمية، دون أن يبادر حزب أو وزير أو رئيس جهة أو رئيس مجلس المدينة أو رئيس مجلس العمالة أو برلماني أو والي للترافع من أجل تحقيق هذا الورش، وتعبئة الرأي العام والفاعلين العموميين والخواص لتمكين قلب المغرب من رافعة اجتماعية واقتصادية وتنموية جد مهمة.
نعم، لا أحد يدعي أن المشروع سهل، فإنجاز القطار الجهوي السريع بالدارالبيضاء يتطلب تعبئة غلاف مهم جدا (11 مليار درهم كما أسلفنا)، لكن رغم قيمة الغلاف، فإن العائد السياسي والاجتماعي والإشعاعي للمشروع  على المغرب ككل (وليس البيضاء فقط)، لا يقدر بثمن.
لنستحضر هذه الأرقام التي تبرز مدى استعجالية الحاجة لتمكين البيضاء من القطار الجهوي السريع:
 
أولا: في كل عام، ومنذ سنة 2008، تتمطط العاصمة الاقتصادية بحوالي 800 هكتار، لدرجة أن ما أضيف للمدينة من مساحة تعميرية بلغ حوالي 9000 هكتار في السنوات 12 الماضية، مع ما يعنيه ذلك من كثافة سكانية وأنشطة اقتصادية. أي أن ما أضيف من مساحة معمرة بالبيضاء، في العقد الأخير، يمثل  تقريبا 40 في المائة من المساحة المعمرة لمدينة مراكش، ويمثل 20 في المائة من مساحة مدينة مكناس ! ولكم أن تتخيلوا الوضع باستحضار هذه المقارنة!
 
ثانيا: عرفت العمالات الضاحوية للبيضاء طفرة عمرانية وديمغرافية رهيبة بين 2014 (تاريخ إجراء الإحصاء العام للسكان) وبين سنة 2022، بفعل الأقطاب الحضرية الجديدة التي استنبتت بإقليمي النواصر ومديونة وعمالة المحمدية، وهي الأقطاب التي تقدر الأوساط المهتمة، بكونها استقطبت أزيد من مليون نسمة إضافية في السنوات الأخيرة موزعة كفائض على العمالات الضاحوية الثلاث. مع التذكير أن هذه «الفوائض» تتنقل داخل تراب البيضاء الكبرى في ظروف جد كارثية.
 
ثالثا: المغرب على وشك أن ينهي أحد أهم الأوراش الكبرى، ألا وهو القطب المالي الذي تسير أشغال التعمير والتهيئة به على قدم وساق. ولسنا بحاجة للتذكير بأن المغرب يراهن على القطب المالي بالبيضاء  لترسيخ ريادته بإفريقيا، وهو القطب الذي سيجعل المغرب بوابة إلزامية لكل من يود ولوج سوق القارة السمراء. وبالتالي لا يحق أن ننجز القطب المالي دون التفكير في تأمين مشروع مواز له لتكريس إشعاع البيضاء خاصة والمغرب عامة، أي قطار جهوي سريع. وتزداد وجاهة المطلب أن القطب المالي سيكون ليس فقط منصة دولية HUB، بل سيؤمن الشغل لأزيد من 35 ألف شخص، وهو عدد هائل جدا يتطلب التفكير في انسيابية السير والتنقل على غرار الأقطاب المالية العالمية (نيويورك، لندن، هونغ كونغ…إلخ.) حتى لا تصاب البيضاء بتصلّب الشرايين، المتصّلبة أصلا بحكم تراكم الاختلالات.