الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

"مدارات" بالاذاعة الوطنية : جمالية شعر الراحل مولاي الطيب المريني.. امتداد طبيعي لأناقته كإنسان

"مدارات" بالاذاعة الوطنية : جمالية شعر الراحل مولاي الطيب المريني.. امتداد طبيعي لأناقته كإنسان الشاعر المرحوم مولاي الطيب المريني وهو ينشد قصيدة له بين يدي المرحومة أم كلثوم
■ رجل الفصاحة والشخصية الجذابة :
في مستهل حلقة هذا الاسبوع من برنامجه الاذاعي" مدارات"،  اعتبر الزميل عبد الإله التهاني في ورقته التي أضاءت محطات من حياة الشاعر المغربي الراحل مولاي الطيب المريني ، بأن هذا الاخير ، يعد واحدا من  أعلام الحركة الأدبية والعلمية ، الذين أنجبتهم مدينة مراكش،  وازدانت بهم شجرة القصيدة العمودية في الشعر المغربي الحديث" ، مبرزا أنه لو كان لمدينة مراكش أن تفخر بشيء في تاريخها الأدبي الحديث ،  لحق لها أن تفخر بشعرائها في المقام الأول ، مؤكدا أنه من ضمن من ينبغي أن تباهي بهم ، كوكبة من الشعراء ، رق البيان على ألسنتهم ، وترنم القول الجميل بأصواتهم، مسجلا أن  الشاعر المرحوم مولاي الطيب المريني ، يقف في طليعة هؤلاء الأدباء الذين رصعوا جبين حاضرة مراكش ببديع  شعرهم ، حتى امتد صيتهم خارجها وبعيدا عنها، وأصبحوا بين صفوة شعراء المغرب كله.
وأضاف الزميل عبدالاله  التهاني  بأن صورة هذا الأديب العارف المطلع ، مازالت حاضرة في الذاكرة،  بهالته المتلألئة وشخصيته الجذابة، وفصاحته اللافتة، والتي اعتاد عليها حتى في أحاديثه العفوية ، واصفا إياها بأنها أحاديث ، كانت دوما مطبوعة بحضور البديهة، وبالأناقة في اختيار ألفاظه وتعابيره ، ونعوته وأوصافه .
■ شاعر الأناقة والرقة والجمال:
واستعرض  الإعلامي عبد الإله التهاني بعضا من صفات الاديب مولاي الطيب المريني ، معتبرا أن  الأناقة كانت إحدى أهم الصفات التي ميزت شخصيته الإنسانية  ، فلكأنه كان يصر على أن تتساوى أناقة شعره ، مع أناقة مظهره الجذاب ، إلى حد الذي يجعل
 كل من عايشه وعرفه عن قرب ، يتساءل عما إذا كانت جمالية شعره ، ما هي إلا امتداد طبيعي لأناقته كإنسان، إذ اعتاد أن يقيم لنفسه كل صباح ، موعدا متجددا مع الأناقة والرقة والجمال.
 وأضاف بأن هذا الشاعر  آثر أن يعيش كذلك ،  دون أن يخلف يوما ذلك الموعد مع الاناقة ، أو يتهاون في التهيؤ له، مستحضرا كيف كان أبناء جيله ينظرون  إليه ، وهم طلبة في سنواتهم الأولى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش، يتابعون  بعضا من دروسهم في رحاب كلية اللغة العربية بنفس المدينة،  وكان الشاعر  مولاي الطيب المريني  ، يتولى وقتها  مهام الكاتب العام لتلك الكلية المجيدة ، والقيم على كل شؤونها".
 وعن نشأته وتكوينه ، أوضح الزميل عبدالاله التهاني ، بأن المرحوم مولاي الطيب المريني ، هو  سليل أسرة مراكشية عريقة، ولد سنة 1926 بمراكش، وبها تلقى تعليمه الأولي، قبل أن يلتحق بجامعة ابن يوسف ضمن الفوج الأول ، الذي صادف انطلاق العمل بالنظام الدراسي الجديد لهذه الجامعة بعد إصلاحها، وكان تخرجه منها عام 1952، بعد أن درس على يد شيوخها الكبار المرحومين  ، أمثال العالم الكبير المرحوم  محمد بن عثمان المراكشي، مؤلف الكتاب الشهير " الجامعة اليوسفية في ألف عام" ، والعالم والفلكي البارز المرحوم محمد بن عبد الرازق، و مولاي إبراهيم  السليطين، وعبد القادر المسفيوي المراكشي، ومحمد بلحسن الدباغ، و أحمد الكنسوسي، وسواهم .
■ سيرة الشاعر والعالم والدارس الادبي : 
وبخصوص مساره العلمي والمهني ، أوضح الزميل التهاني ، بأنه لم تمض على تخرج مولاي الطيب المريني، من جامعة ابن يوسف بمراكش  إلا فترة قصيرة، حتى عاد  إليها مدرسا ، وكان ذلك سنة 1952، واستمر في مهامه التدريسية تلك إلى أن التحق بكلية اللغة العربية في مراكش، والتي أصبحت تابعة لجامعة القرويين بفاس، حيث تولى تدريس تاريخ الأدب العربي والأدب المغربي، والنقد الأدبي.
 وفي سنة 1976 سيشغل مهام الكاتب العام لهذه الكلية ، إلى جانب عميدها العلامة الكبير الفاروق الرحالي، مبرزا أنه اعترافا بمكانته العلمية وأهليته في علوم القرآن والحديث، سيصبح مولاي الطيب المريني عام 1981، عضوا في المجلس العلمي لمدينة مراكش، والذي كان يضم نخبة من كبار العلماء. 
واستطرد معد ومقدم البرنامج قاءلا ، بأن الشاعر الراحل  واصل مهامه ، بنفس حيويته الفكرية ، إلى أن أحيل على التقاعد ، لكن ظلت شاعريته ظلت ترافقه وتسكن وجدانه".
وتوقف الزميل التهاني عند  محطات أساسية في سيرة هذا الشاعر والعالم المتفتح ، مشيرا إلى أنه عرف كواحد من أبرز أعضاء  اللجنة الأدبية التي كانت تتحلق باستمرار ، حول شاعر الحمراء اللامع محمد بن إبراهيم المراكشي، خلال فترة الأربعينات والخمسينات من القرة الماضي، وهي المجموعة التي كانت تتكون  من شخصيات ثقافية وازنة في مراكش ، ضمنهم المرحومون  أحمد الشرقاوي إقبال، ومولاي الصديق العلوي،  ومحمد بينبين، و محمد بن لمعلم ، ولذلك لا غرابة بنظره ،  أن يكون مولاي الطيب المريني أحد أبرز الأعضاء اللجنة العلمية التي تكفلت بأمر ملكي عام 1969، بجمع وتحقيق ديوان "روض الزيتون" لشاعر الحمراء محمد بن إبراهيم المراكشي ،، حيث كان  مولاي الطيب يتوفر على عدد مهم من قصائد هذا الشاعر ، مخطوطة بخط يده .
■ قصة طبع ديوانه المشتت  بعد وفاته : 
وفي سياق متصل ، أورد عبد الإله التهاني ، بأن الشاعر المرحوم مولاي الطيب المريني ،  قد درج على إلقاء قصائده في بعض الملتقيات العلمية، أو في الحلقات الأدبية لمدينة مراكش، أو خلال احتفالات بمناسبة تخليد الأعياد الوطنية والدينية، سواء قبل استقلال المغرب أو بعده ، مشيرا إلى أنه كان قد حظي بشرف إلقاء أشعاره بين يدي المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه . كما ظهرت بعض من أشعاره منشورة هنا وهناك ،  ولاسيما في مجلة "دعوة الحق" التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، منذ فترة الخمسينات من القرن الماضي.
 وأضاف الزميل عبدالاله التهاني ، إلى أنه لم يكتب لديوان مولاي الطيب المريني أن يطبع ويصدر ، إلا بعد مرور سنوات على وفاته التي كانت في شهر أبريل من سنة 1994، حيث أسلم الروح إلى باريها ، وهو على فراش المرض بأحد مستشفيات باريس، حيث كان يتابع هناك علاجه .
وسجل معد البرنامج حرص أسرة الشاعر الراحل على طبع ديوانه المخطوط،  وكيف أن ذلك لم يكن متاحا ، لولا همة الباحث  الاستاذ أحمد متفكر  الذي قام بجهد كبير ، في فحص مجموع المخطوطات الشعرية التي تركها مولاي الطيب المريني ، حيث كان قد بادر قيد حياته، إلى تجميع ما استطاع من قصائده،  وعمل على رقن أغلبها على الآلة الكاتبة، بينما ظل بعضها مخطوطا بخط يده ،  بيد  أن مشروع هذا  الديوان الشعري - يضيف معد البرنامج-  بقي مركونا بأدراج خزانة الشاعر الراحل ،  إلى أن امتدت إليه يد الأستاذ الباحث أحمد متفكر ، وهو المختص في توثيق تاريخ الحركة الأدبية والعلمية والصوفية لمدينة مراكش، وتراث أقطابها وأعلامها ، قديماوحديثا.
وهكذا ـ يقول الزميل  التهاني ـ توفق الأستاذ أحمد متفكر  إلى جمع الديوان، حيث راجع ودقق مجموع القصائد المتوفرة،
 وعلق عليها ، واضعا لها العديد من الهوامش والشروح .
كما كتب مقدمة ضافية للديوان،  استعرض فيها لمحات من سيرة الشاعر مولاي الطيب المريني،
 وما أسهم به من أشعار ومواقف شجاعة، خلال مراحل النضال الوطني من أجل استقلال المغرب ،  وبذلك كتب لديوان هذا الشاعر المجدد أن يرى النور ، حيث صدر في 250 صفحة، بعد ست سنوات على وفاته في باريس ، وهو في سن الثامنة والستين.
واستعرض معد ومقدم البرنامج،   أهم مضامين المقدمة التي كتبها الأستاذ البحاثة أحمد متفكر لديوان مولاي الطيب المريني ، مشيرا إلى أنه وضع جدولا إحصائيا للقصائد التي تضمنها هذا الديوان ، حسب موضوعاتها وأغراضها، حيث صنف منها ثلاثين  قصيدة في باب الوطنيات، وواحدا وعشرين قصيدة في المديح، و سبع عشرة قصيدة في الرثاء، وواحدا وعشرين قصيدة في شعر الإخوانيات، وثمانية  في شعر الشكوى، وست قصائد ذات مضمون ديني بالكامل ، إضافة إلى بضع مقطوعات،  قالها مخاطبا أفراد عائلته الصغيرة.  وأربع قصائد في فن الغزل ،   وثلاثا في الشعر  القومي، وتحديدا حول القضية الفلسطينية ، وتسع قصائد في باب المتفرقات والمختلفات ، أي ما مجموعه 123 قصيدة ، وفق ما أثبته جامع الديوان .
■ بعيدا عن استسهال الكتابة الشعرية : 
وعن أسلوب الرجل في الكتابة الشعرية ، اعتبر الزميل عبدالاله التهاني في حديثه ، أن مولاي الطيب المريني لم يكن يميل إلى استسهال كتابة قصائده ، ربما حرص منه على جودة شعره، وبهذا المعنى فهو لم يكن مكثرا ، أو مستسلما لنزوة قول الشعر ، فلكأنه لم يكن يكتب قصائده ، إلا عندما تجيش عواطفه ومشاعره، ويشتد تأثره وانفعالاته الإنسانية بهذا الحدث أو ذلك، أو حين يجتاز ظروفا خاصة من المعاناة،  تحرك مواجعه .
وخلص الزميل التهاني إلى أنه إجمالا ، يمكن القول بأن شعر المرحوم مولاي الطيب المريني،  يغطي أغلب الموضوعات التي اعتاد عليها شعراء جيله، ومن قبلهم، أي شعراء المدرسة الكلاسيكية ، وهي موضوعات تندرج ضمن شعر المديح والرثاء،  والتوسلات الدينية والتضرع  إلى الله ، ومدح الرسول الكريم، ووصف الطبيعة، ومناجاة الذات، والتغني بالوطن وتمجيده، ومساجلة غيره من أصدقائه الشعراء أو العلماء،  أو فضلاء وأعيان وقته، إضافة إلى شعر المناسبات العائلية الذي قاله احتفالا بأفراد أسرته في سياقات ومناسبات .
وفي ذات السياق ، استعرض معد ومقدم البرنامج ، مقاطع معبرة  من شهادة ضافية ومؤثرة للاستاذ الدكتور عباس الجراري،  عن الشاعر مولاي الطيب  المريني ، سبق له أن كتبها ، وأدرجها ضمن الجزء الاول من كتابه الشيق الصادر بعنوان : 
"مع المعاصرين .. أسماء وآثار في الذاكرة والقلب" ، والذي تحدث فيه عن أعلام الثقافة المغربية الحديثة، حيث خصص صفحات من كتابه لاستحضار ملامح من حياة ومسار الشاعر مولاي الطيب المريني  ، وبعضا من ذكرياته معه.
وعلق عبدالاله التهاني على شهادة الاستاذ الدكتور عباس الجراري ، واصفا إياها بأنها   صفحات ، جاءت مضخمة بعاطر الثناء والتقدير ، وجميل الوصف والتعبير ، وأنها رسمت بكثير من التأثر والتعاطف ، صورة لهذا الشاعر المغربي الأصيل والمجدد ،  صورته كإنسان في سلوكه وسيرته في الحياة ، ثم كشاعر يعشق فنه، ويخلص له.
ولان الختام الجميل، يكون عادة بطعم المسك ، فقد اختار معد ومقدم البرنامج ، أن ينهي هذه الحلقة ، بقراءة مختارات من أشعار الراحل مولاي الطيب المريني ، تراوحت بين النفس الوجداني والطابع الايماني الروحي ، وبين شعر الرثاء ، وتمجيد الوطن والتغني بطبيعته  وهويته وأمجاده .