الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

لخيار: استعمال واستدامة المضادات الحيوية لإزالة الندوب الاقتصادية

لخيار: استعمال واستدامة المضادات الحيوية لإزالة الندوب الاقتصادية د. زهير لخيار، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني - الدارالبيضاء
الاقتصاد  الصامد: أهداف عامة
 
على المستوى النظري، يظل الاقتصاد صامدا أمام الهزات والصدمات إذا انطلق أولا وقبل كل شيء من السعي إلى إقامة العدل الاجتماعي والاقتصادي بين كل مكوناته، هذا بعد الاجتهاد في كل التدابير الرامية إلى الزيادة في الإنتاج، مع العمل على ضمان ثبات واستقرار عوامل الإنتاج الداخلي عبر توطين التقنيات والأساليب التكنولوجية على مستوى كل القطاعات الاقتصادية، وهو الأمر الذي يمكنه من الحضور الدائم و الفعال في الأسواق الدولية حاملا لمنتجات ذي جودة عالية. 
وبناء عليه، فإن أي اقتصاد لا يركز على تطوير الجانب الحقيقي للاقتصاد يصبح قاصرا في أدائه، ولذلك وجب الاهتمام بتنمية الناتج الداخلي الخام الحقيقي. إضافة إلى ذلك، فالاقتصاد الصامد هو الذي يتوفر على قدرة فائقة في الرد بسرعة وذكاء على الإشكالات ذات الطابع القريب الأجل، كما يهدف على المستوى البعيد، إلى صنع الفعل وليس رد الفعل.
إن التركيز على هذه المبادئ العامة يبقى مرهونا بالموارد البشرية التي ستتكلف بإعمالها والسعي ورائها، وإذا كانت الكفاءة بمعناها الصحيح مطلوبة في هذا الشأن، فإن صانعي القرار الاقتصادي مطالبون بالتركيز على الكفاءات الداخلية بالدرجة الأولى، وخصوصا الموهوبة منها. وبالتالي يعتبر هذا هو التحفيز الأول لكفاءاتنا الوطنية للإبداع والإنتاج، وذلك عبر صيانة فرص العمل وبنائها على أساس من التكافؤ والمساواة وكذا حماية ممتلكات الأشخاص والمؤسسات. إضافة إلى ذلك، فالاقتصاد القوي الصامد يتصف بالدينامية وحفظ القيم التي يستند إليها، كما يتميز بالقدرة على الاستعمال الراشد لكل المتغيرات البيئية.
 
الاقتصاد الصامد: في ضرورة التوفيق بين المنافع القصيرة والطويلة الأمد   
 
أصبح لزاما على صانعي القرار أن يفكروا بطريقة أخرى وبمنطق آخر وبمنهجية أخرى، لأن الوضع الاقتصادي الذي فُرض علينا بسبب الجائحة، سيلزم صانعي القرار الاقتصادي بالتفكير في نفس الوقت في كيفية الجمع بين تلبية الحاجيات الآنية للمواطنين والحفاظ على التوازنات الاقتصادية لبناء اقتصاد مستدام. إذن فما الذي ينبغي القيام به للوصول إلى الأمرين معا في آن واحد؟   
لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو الإشكالية المرتبطة بأداء كل نوع من الإجراءين، لأن النفقات ذات الطابع القصير الأجل قد لا تنتج بالضرورة آثارا على المستوى الطويل الأجل. كما أنه من المتفق عليه، فإن كل إنفاق طويل الأمد قد لا يحقق تنشيطا اقتصاديا قصير الأمد. إذن كيف يمكن الجمع بين الاعتبارات القصيرة والطويلة الأجل في نهج واحد؟ 
للجواب عن هذا السؤال الإشكالي، يشترط أولا إعادة النظر في طريقة التفكير المتبعة، ذلك أنه ينبغي تغيير نمط التفكير العادي وإعمال منطق التفكير الأزماتي، أي صياغة مخططات مدعمة بعدة سيناريوهات، مرتكزة بالدرجة الأولى على استباق المخاطر المحدقة بالسياسة الاقتصادية المراد تفعيلها وتنشيطها. وبطبيعة الحال، فالمخططات الاقتصادية ترمي دائما إلى استشراف سياسات وأهداف طويلة الأمد، هذه الأهداف الحيوية المفترض فيها أن تكون قادرة على بناء مقومات الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية المفاجئة، لكن الوضع الحالي يقتضي معالجة آثار الأزمة بشكل آني من خلال التدخلات التنشيطية للاقتصاد والتي لا ينبغي أن تتناقض بأي حال من الأحوال مع الأهداف الاقتصادية الكبرى للدولة. وبالتالي سيجد صناع القرار أنفسهم أمام مأزق تلبية الحاجات الآنية مقابل عدم الإضرار بالتوازنات الاقتصادية للدولة. 
 
الاقتصاد الصامد: في ضرورة إعمال آليات المقاربة التشاركية
 
كي يتمكن صانعو القرار من العمل على التوفيق بين آليات الخروج من الأزمة وذلك، بتلبية الحاجبات المستعجلة للمواطنين وعدم العودة إليها مرة أخرى. أصبح من الضروري الاقتراب أكثر من المواطنين من خلال التشخيص التشاركي لهذه الحاجيات مع العمل على صياغتها بشكل يضمن نجاعة الوصول إلى الأهداف القصيرة والطويلة الأمد على السواء. 
فالخطة التي تبدو من المفروض أن ترسم هي أن تُتخذ القرارات بناء على تقييم المواطن بذاته للضعف والآثار التي تعرض لها في مواجهة الأزمة، لأنه هو الوحيد الذي يستشعر حجم المخاطر الناتجة عنها، وهو الوحيد الذي يمكنه أن يفهمها وينقلها إلى صانعي القرار من أجل بناء استراتيجيات وخطط ومشاريع قوية للصمود والتكيف مع الأزمات.
وإذا كان الاستثمار يعد من أهم المكونات الاقتصادية، فقد أصبح اليوم من الضرورة بمكان الاستثمار في بناء القدرة على الصمود أمام الهزات الاقتصادية. وذلك من خلال التعويل على بنية تحتية صلبة وضامنة للصمود، وهو الأمر الذي لن يرى النور إلا عبر بناء عقلية المواطن القادر على الصمود في وجه الأزمات سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي. 
وترتيبا عليه، ينبغي البحث عن مكامن الخلل والضعف والاعتراف بها ومواجهتها، وإذا ما تم ذلك، لابد وأن نبتكر أنشطة استثمارية قادرة على أداء الوظيفتين معا، والمتمثلة في توفير وظائف آنية الاحتياج وفي نفس الوقت تقوية الإنفاق العمومي الذي يشكل ذروة سنام الدورة الاقتصادية. إنها مقاربة ستمكن صانعي القرار الاقتصادي من تشكيل أحسن حزمة اقتصادية ممكنة تضمن القدرة على التأهب و الصمود الدائمين.   
إن المواطن هو القادر على توقع الأزمة قبل وقوعها، وبالتالي، فإن المجتمع المحلي يشكل أساسا متينا في صياغة وصناعة السياسات العمومية الاستباقية والمبتكرة لحلول فعَّالة تدفعهم إلى الصمود حين مجيء الأزمة. وبناء عليه، فالإشراك الفاعل للمواطنين في العملية التنموية برمتها يشكل الجزء الأساسي في صياغة التوليفات الاقتصادية النشطة التي قد تضمن التعافي من الأزمة وعدم العودة إليها.
إن العمل بآليات ومناهج المقاربة التشاركية يلزم صانعي القرار بعدم الاقتصار على الأبعاد الاقتصادية التقليدية بل تطويرها نحو صياغة مجتمعية متفاوضا حولها. 
 
الاقتصاد الصامد: في ضرورة استكمال المضادات الحيوية 
 
يوصي الطبيب دائما حالته بضرورة استكمال وصفة المضاد الحيوي وإلا سيتشدد المرض ويصبح من الصعب السيطرة عليه، وهو الحال كذلك بالنسبة للاقتصاد. فالسياسات التي ستساهم في إخراج الاقتصاد من أزمته لا يمكن أن تكون ناجعة إلا إذا ضَمِنا استكمال تنزيلها واستدامة تفعيلها. ولا يستقيم هذا الأمر إلا بالانتباه إلى قياس درجة قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات، لأنه كلما تحسنت القدرة على الامتصاص كلما كان الاقتصاد صامدا، إنها قدرة فائقة في الوقاية وفي إدماج المجامع المالية في قياس الاستقرار الماكرو اقتصادي.
 
1.4 المضاد الحيوي الهيكلي: التركيز على المكونات الهيكلية 
لكل اقتصاد هيكله الأساسي الذي ينبغي الاهتمام به والتركيز عليه، كما أن الهيكل الاقتصادي لأي بلد هو الذي يصنع الديناميكية الأساسية في امتصاص الصدمات، وتختص هذه المكونات الهيكلية ببطء تطورها بالرغم من أنها هي التي تحدد الإطار الأساسي لأي اقتصاد كان. ولعل القاسم المشترك بين كل الاقتصادات عبر العالم يتمحور، في مكوناته الهيكلية حول عدة قطاعات من قبيل القطاع البنكي وسوق العمل والسوق المالي وكمية وتنوع الإنتاج الوطني والرأسمال البشري والقطاع المناخي....  
بالنسبة للقطاع البنكي الذي يشكل محور التعاملات الاقتصادية سواء على المستوى الماكرو أو الميكرو الاقتصادي، ينبغي العمل على صيانته من خلال بيئته الداخلية والخارجية، وهو الأمر الذي يقودنا إلى ضرورة التركيز على تطوير الرأسمال العازل وضمان استدامة الأعمال والأنشطة. وبالتالي يستطيع صناع القرار أن يطوروا بيئة الاقتصاد الإجمالي دون نسيان العمل على تطوير البيئة التنظيمية لهذا القطاع البنكي والمساهمة في تطوير الأسواق المالية من حيث طريقة عمل وأداء الأسواق المالية عمقا ونجاعة.
بعد تثبيت مقومات العمل البنكي الهيكلية، وتحريك دينامية الأسواق المالية، يجب  تقوية كفاءة سوق العمل من خلال تقوية المرونة في تحديد الأجور وللتمحيص في ممارسة التوظيفات، وكذا الاستغناءات، كما يجب أن يتصف صانعو القرار بالقدرة على الاحتفاظ بالمواهب، حيث يقاس اتساع وعمق القدرة الإنتاجية لأي اقتصاد بكمية المنتوج الوطني وكذا تنوع السلع والخدمات التي يقدمها هذا الاقتصاد، ولذلك ينبغي الحرص على التحسين الدائم لكمية وجودة وتنوع المخرجات الإنتاجية للاقتصاد. 
كما يعد الرأسمال البشري من أساس هذه الإنجازات الاقتصادية الهيكلية، والذي يمكن ضمانه من خلال تحسين الوضع الصحي والتعليمي وتطوير الإنتاجية والحركية الاجتماعية إلى جانب الميكانيزمات الاقتصادية الأخرى. 
وعليه، يمكن تفعيل بعض الإصلاحات الهيكلية التي ستساهم في تقوية الإنتاجية، وذلك من قبيل إصلاح التعليم، وتقوية الاستثمار العمومي وخصوصا على مستوى البنية التحتية، وكذا إعادة توزيع حصص الميزانية بين قطاعات الدولة مع تقوية المصروفات الخاصة بقطاع الصحة. وأخيرا لابد من الأخذ بعين الاعتبار الجوانب البيئية والمناخية في صياغة السياسات الاقتصادية، وذلك في إطار ما يصطلح عليه بالتنمية المستدامة. 
 
2.4 المضاد الحيوي الكابح: تعزيز الكابحات الاقتصادية 
تتمثل الكابحات الاقتصادية في هامشين اثنين يجب توفرهما في أي اقتصاد يراد له أن يستديم صموده أمام الأزمات كيفما كان شكلها ونوعها، ويتعلق الأمر بما يسميه الاقتصاديون بهامش المناورة النقدي وهامش المناورة الموازناتي. 
 
1.2.4 المضاد الحيوي الموازناتي 
وكما هو معلوم فالميزانية العامة تتألف من موارد ونفقات، ولكي يتمكن صانع القرار الاقتصادي من جعل اقتصاده صامدا أمام الأزمات، وهو الشيء الذي حدث بالفعل بعد أزمة كورونا حيث أن جل الحكومات وجدت نفسها مضطرة إلى التوقيف التام أو التخفيف من الوطأة الضريبية، وهو الأمر الذي يؤثر بالطبع على مداخيل الدولة، حيث تعطلت مجموعة من الأنشطة التي تؤثر بدورها على النمو الاقتصادي. وبالتالي تتضخم بؤرة المداخيل، وعليه فالكابح الذي ينبغي أن يستعمله صانعي القرار هو بناء توقع احتمالي حول إمكانية وقوع الدولة في ضائقة ضريبية، وذلك بشكل مسبقا وكلما برز هذا الاحتمال على أنه سيكون ضعيفا كلما سيكون هامش المناورة الموازناتية جيدا، وخصوصا بالنسبة للأسواق الناشئة. هذا الاستباق الاحتمالي يجعل صانع القرار يتعرف على الضائقة الإيرادية قبل حدوثها وبالتالي يستغل الهامش الموازناتي للتصدي لأي صدمة كانت. فالهامش الموازناتي ما هو إلا عبارة عن تقدير تجريبي للمساحة المالية المتوفرة لدى صانع القرار وهذه المساحة تقاس من خلال عدة مؤشرات يجذر بنا التركيز عليها وتطويرها من حسن إلى أحسن.
أول مكون لهذه المساحة هو مستوى الدين العمومي منسوبا إلى مستوى الناتج الداخلي الخام، وخصوصا منه ما يصطلح عليه بالدين السيادي، وهو ذلك الدين المضمون من طرف جهة سيادية وصادر عنها وقد يكون دولة أو بنكا مركزيا. وهذا الأمر يشترط فيه التعاون بين الدول الدائنة والمدينة من أجل العمل على تليين  تكاليف هذه القروض السيادية.
ثاني مكونات هذا الهامش يتعلق بتطور الناتج الداخلي الخام الحقيقي، والمقصود بالحقيقي هنا من الناحية الاقتصادية هو الناتج الداخلي الخام من السلع والخدمات، وذلك خلافا للناتج الداخلي الخام الاسمي الذي يشكل قياسا جامعا لقيمة السلع والخدمات بالسعر الحالي. إذن فالناتج الداخلي الحقيقي يأخذ بعين الاعتبار تحولات الأسعار وبالتالي يأخذ بعين الاعتبار التضخم في تقييمه للنمو. بمعنى آخر، ينبغي التركيز  على تحسين الاقتصاد العيني من خلال تطوير القطاع الإنتاجي الصناعي للبلد. وبما أن هناك تباطؤ حاصل في الناتج الداخلي، فأول إجراء ينبغي أن تهدف إليه السياسة الموازناتية هو وقف نزيف هذا التباطؤ إذا لوحظ أنه أصبح دون المستوى المطلوب، كما أنه في بعض الحالات يسمح لهذا الناتج بالتراجع لأن الظروف الاقتصادية تتطلب ذلك، وبالتالي يصبح دور السياسة الاقتصادية هو تأطير هذا التنازل وتيسيره، وهذا أمر يبقى مشروطا بالتنسيق مع السياسة النقدية التي يتوجب عليها في نفس الوقت المحافظة أولا على توازن التضخم في مساره المرسوم له من طرف البنك المركزي، وثانيا حسن التوفيق بين تحفيز الطلب والقدرة على تحمل الدين وتثبيته في خط يمكن تحمله. 
ثالث مكونات هذا الهامش يرتبط بمؤشرات مالية ينبغي مراعاتها ورعايتها بشكل دائم ومستمر، وذلك لضمان صمود الاقتصاد أمام الأزمات المتوقعة وغير المتوقعة ويتعلق الأمر بالحساب الجاري والرصيد الأساسي وضغط الصرف على الاقتصاد الوطني.
أما الجانب المرتبط بالنفقات الموازناتية فهو يتأرجح بين المدافعين عما يسمونه بترشيد النفقات، والذين يدافعون عن ضرورة الرفع من الإنفاق العمومي، والواقع أنه تبث في عدة دراسات أن عملية الرفع من الإنفاق العمومي هي القادرة على تسريع الوثيرة الاقتصادية من خلال الرفع من الطلب وبالتالي الرفع من الاستثمار الذي يشكل ذروة سنام التشغيل وتعود العجلة إلى الرفع من الطلب وهكذا. وما دام اللجوء إلى الرفع من الإنفاق العمومي أصبح يفرض نفسه للحد من تداعيات الأزمة يجب تحويل أكبر قدر للنفقات ضمن ميزانية الدولة إلى القطاع الصحي استهلاكا واستثمارا، كما تجدر الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بأجور رجال الصحة وبالتالي نحقق هدفين على السواء أولهما تعزيز القطاع الصحي للقضاء على الوباء وفي نفس الوقت الرفع من نسبة الإنفاق الذي سينعش الدورة الاقتصادية برمتها، فهي إذن مجرد عملية إعادة توزيع يستفيد منها بشكل كبير القطاع الصحي مرحليا.
 
2.2.4 المضاد الحيوي النقدي 
إن هامش المناورة فيما يخص السياسة النقدية يستخدم كأساس لضمان استقرار الاقتصاد وصموده أمام الصدمات والأزمات المتنوعة، وكما هو متعارف عليه، فإن هامش المناورة هذا يعبر عن قدرة صانع القرار على تليين أو تشديد السياسة النقدية، وبالتالي ينبغي توسيع هذا الهامش الذي سيمكن صانع القرار من التشديد أو التليين. وتوسيعه يقتضي في البداية قياس مساحته التي يستند فيها أساسا إلى معرفة المساحة التي تفصل بين نسب الفائدة على المدى القريب والنسبة الأدنى وهي الصفر، وكذا معرفة المساحة التي تفصل بين نسب الفائدة على المدى البعيد و النسبة الأدنى و هي الصفر، كما يستند إلى قياس القدرة على تخفيض و تليين معادلات الفائدة لجعلها أكثر نجاعة.
إن الهدف من كل هذا هو العمل على تعزيز وتقوية الطلب والاستفادة المرحلية من تدني مستوى التضخم بالنظر إلى ضعف الطلب الحاصل بسبب الأزمة الصحية، وعليه، ينبغي للسياسة المالية أن تحفز الاقتصاد، وبالتالي فتيسير السياسة النقدية ينبغي أن يضل مستمرا ما دام معدل التضخم متدن ويتصف بالثبات. وهذا ما ذهب إليه كل من البنك المركزي الأوروبي و بنك اليابان و بنك إنجلترا وهو العمل على تيسير السياسة النقدية، و ذلك من خلال توقيف الزيادات في معدلات الفائدة.
 
التتبع السريري لحالة الاقتصاد الوطني: نحو التعافي المستمر  
 
يستشف من خلال ما سبق أن هذه المكونات الاقتصادية تتجه إما إلى علاقة طردية مع القدرة على الصمود أو إلى علاقة عكسية معها، وعليه يجب تقوية الأولى و محاولة الحد من الثانية.
 
1.5 تقوية المجامع الاقتصادية الطردية 
من خلال هذه المؤشرات يمكن تتبع مجامع الاقتصاد الوطني كما يمكن استباق الأزمة قبل وقوعها كما يمكن الصمود أمامها حتى بعد الوقوع، و بالتالي فقياس تطور قدرة الاقتصاد على التصدي وامتصاص الصدمات، رهين بالفحص الدائم لهذه المؤشرات الاقتصادية.
وترتيبا عليه، فإذا كان تطور الناتج الداخلي الخام الحقيقي مرتفعا فهذا يؤشر على أن الاقتصاد الوطني سيكون قادرا على امتصاص آثار الأزمات والصدمات، ولكن إذا لوحظ أن الناتج الحقيقي ينخفض يجب التدخل الفوري قبل حدوث الأزمة للرفع منه لأنه سيضعف قدرة الاقتصاد الوطني على المقاومة. 
وعلى السواء، إذا لوحظ أن الحساب الجاري للاقتصاد الوطني يتقوى، فإنه مؤشر أيضا على كفاءة الاقتصاد على الامتصاص السريع للأزمات، وبالتالي تراجعه لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار استباقيا من أجل عدم الوقوع في وهن التعاطي مع الصدمات المفاجئة. أما إذا كان الرصيد الأساسي مرتفعا، فهذا يؤشر أيضا إلى قدرة الاقتصاد على مواجهة و امتصاص الصدمات بشكل قوي، و تتقوى قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات إذا توفر لدى نظامها البنكي مستوى مرتفع من الرأسمال العازل وضمنت الدولة لهذا الاقتصاد استدامة الأعمال والتطور الإيجابي للقدرة التنظيمية في هذا المجال و العمل على تطوير أسواقها المالية.
إضافة إلى ذلك، فالدولة مطالبة بتوفير بيئة سليمة للاقتصاد الكلي، وذلك من خلال الرفع من مرونتها في تحديد الأجور وتحسين ممارستها لسياسة التوظيف والاستغناء، وكذا و بشكل خاص القدرة على الاحتفاظ بالمواهب واستثمارها بشكل أفضل لأنها تعتبر هي الأجسام المضادة التي ستقوي مناعة وصلابة الاقتصاد الوطني، وبالتالي قدرته على امتصاص الصدمات المختلفة.
ولا ينبغي أن ننسى أنه موازاة مع ذلك يتعين على الحكومة عدم نسيان الإجراءات التقليدية التي تشكل أساس الاستمرار والصمود أمام الأزمات، ويتعلق الأمر بتجويد وتنويعالمنتجات وخصوصا المعدة منها للتصدير، ولا تتحقق هذه الأهداف المرتبطة بالقدرة على امتصاص الصدمات إلا إذا تم الاهتمام الكبير بمستوى الصحة ومستوى التعليم.
 
2.5 الحد من المجامع الاقتصادية العكسية 
تساهم بعض المجامع الاقتصادية بشكل عكسي في ضمان الاستقرار والصمود الاقتصادي أمام الأزمات، والتي ينبغي مقاومة ارتفاعها وتضخمها، ويتعلق الأمر أولا بالدين العمومي نسبة إلى الناتج الداخلي الخام، والذي إذا لم يتم ضبطه يصبح الاقتصاد غير قادر على مواجهة أي أزمة مباشرة وغير مباشرة وبالتالي تصبح الدولة عاجزة عن امتصاص الصدمات التي قد تلحق بها. وتجدر الإشارة أن الأولوية داخل هذا الدين ينبغي أن تسند إلى ما ذكرناه سلفا وهو الدين السيادي الذي ينبغي خفضه إلى أدنى المستويات الممكنة، ثم ثانيا يجب ضبط عملية ضغط الصرف على الاقتصاد دون أن ننسى مستويات الفروق بين معدلات الفائدة على المستويين القريب والبعيد والمعدلات الدنيا التي قد تصل إلى الصفر وبالتالي فالتقليص من هذا الفرق يجعل السياسة المالية قادرة على امتصاص الصدمات في حينها. 
وختاما، فنحن نضع بين يدي صانعي القرار الاقتصادي والسياسي نموذجا نستطيع من خلاله أن نتتبع كل السيناريوهات الممكنة لقياس قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات واستباق حدوثها. لكن ما يعوز هذا النموذج هو التوفر على المعطيات الخاصة بهذه المتغيرات المكونة للنموذج، وبالتالي نتمكن من تحديد مكامن القوة والضعف في مواجهة الصدمات مسبقا، ولأن المعطيات غير متوفرة في أفق الحصول عليها ومعالجتها، ندعو كل مسؤول توفرت لديه هذه المعطيات بأن يستفيد منها في هذا الاتجاه أو يمدنا بها للقيام باللازم.